رؤساء عرب في فيلم هندي
الهند قارة مجهولة، حتى أهلها لا يعرفونها، فعدد سكانها يجاوز المليار، أما آلهتها فلا يحصيهم عدّ.
كل شيءٍ في الهند يمكن أن يُعبد من البعوضة فما فوقها. وبوليوود أكثر مصانع الأفلام إنتاجاً في العالم، بمعدل فيلمين في اليوم، والأفلام الهندية نمطية ومتشابهة، تمشي على سكةٍ لا تحيد عنها إلا لماماً. ينطبق على الهنود قول الشاعر: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمولُ.
في الواقع، تَمورُ الهند بملايين القصص المذهلة بقسوتها، لكن السينما تكرّر حلم يقظةٍ بحذافيره، بأبطالٍ وأمكنة، وأغنيات مختلفة. وقد أخفقت السينما العربية في تقليد السينما الأميركية، مثال ذلك فيلم فؤاد المهندس في "فيفا زلاطة". أما الأفلام الهندية العربية فكثيرة، وكان الروس مذهولين، ولا يزالون، بأفلام الكاوبوي.
ورأيت فيلماً روسياً يقلد أفلام الكاوبوي أسوأ من "فيفا زلاطة"، الخيول كانت أهم نجومه. وعندما زار الرئيس يلتسين أميركا، تمنطق بمسدسٍ كالأطفال في العيد، وركب حصاناً وأطلق النار، وحقق أمنيته الأخيرة، وإلا كان مات حتف أنفه. الفيلم الهندي العربي الناجح منذ نصف قرن هو فيلم "عبادة"، وحكايته هي عبادة جزمة اسمها السيد الرئيس.
نحن نرى في هذه الأيام الحسوم فيلماً هندياً، أبطاله رؤساء عرب، عنوانه "التوائم العشرون"، فالأفلام الهندية مشغولةٌ بالأخوة والتوائم، ونمط الشبيه، فرّقهم قطار الربيع العربي، فتشتتوا سبع سنوات، ثم رأينا أخيراً أولى الخواتيم السعيدة، بلقاء الأخوين، بشار والبشير، بعد القضاء على الشرير في هذا الفيلم الطويل، وهو الشعب العربي، على عكس الأفلام الهندية التي يكون فيها شرّير واحد، ويتوب في آخر الأفلام غالباً. ويقال إن الأخ الثالث، وهو الرئيس الموريتاني، سيزور أخاه الأصغر بعد الفراق. الأخوة في الأفلام الهندية يكونون بأديانٍ مختلفة، وأحياناً بألوانٍ مختلفة، ويتعانقون، في النهاية، عناق العشاق، (عامر أكبر أنطوني).مشهد القطار الفائت خالدٌ في السينما الهندية، ومحطة حتمية. الفيلم الوحيد الذي جمع الأنماط الهندية الدرامية في فيلم محكوم بالمنطق والتعليل وقوانين السببية هو "المليونير المتشرد"، وتم تحقيقه في هوليوود، بإنتاج أميركي، فالأمة الهندية لا تكترث بالعقل والمنطق، مع أنها الأولى عالمياً في الرياضيات والحواسيب. وفي فيلمنا أيضاً قطار، وهو الذي ذكره الرئيس اليمني، علي صالح، عندما قال للشعب: فاتكم القطار فاتكم القطار. والمنطق والقانون والعرف والدستور: تعيش إنت.
الهنود، كما قلنا أكثر الناس إنتاجاً للأفلام، لكنهم حتى الآن لا يجيدون تمثيل مشاهد العنف، فالخدع البصرية فيها مكشوفة وأولية، مردُّ ذلك أن الشعب الهندي ساذج، لا يهمه سوى جمال البطلة والأغنية والرقصة والخاتمة السعيدة. ولا أعرف تفسيراً لقدرة الهنود على صناعة الأغاني، على عكس العرب الذين يصوغون سيناريوهات أفلام المطرب المغني حسب أغانيه. أما الهنود فقادرون على تأليف أغانٍ لكل فيلم. للمغنية لاتا مناكيشكار خمسون ألف أغنية، بعشرين لغة. وقد اجتهدتُ، فوجدتُ أن سبب براعة الهنود في الطرب هو التعويض عن شحّ الجمال الأنثوي وغيابه عن حاسّة البصر، بتطوير حاسّة السمع، أو لغنى الهند بالعنادل والبلابل، أو لاقتران العبادة بالموسيقى، والله أعلم.
أغنية فيلمنا الهندي الوطنية قد تكون "لا لي لا لي"، أو تسلم الأيادي، من إخراج روسي، والسينما الروسية باردة، ليس لها جماهير عرب. وهذا يدفعنا إلى القول إن فيلم التوأم العشرين هو "كافيار فودكا تمر هندي"، وقد خرج المذيع مانح الملايين علينا بتغريدة، زعم فيها إن رجل العام هو المليونير غير المتشرّد بشار الأسد.
يقال إن الملوك العرب اشتاقوا إلى "فيفا زلاطة" الذي لقن الشعوب العربية درساً لم يره التاريخ من قبل، وإنهم سيحجّون إلى جبل قاسيون نادمين، تائبين، لا مبدّلين ولا مغيّرين، حيث قبر هابيل في مغارة الدم، أول جريمة في التاريخ البشري.
في كل فيلم هندي، حفلة تنكر، ومهرجان ألوانٍ وحج في مياه الغانج، وليس في الدم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق