من السرية إلى التعامل العلني (3/3)
"الاعتراف الرسمي" مع ابن سلمان (3/3): الارتباط السعودي بإسرائيل أصبح أكثر مباشرة وعلانية منذ حرب 2006
خدمة العصر
(كتب الباحث الإسرائيلي، إيلي بوديه، أستاذ في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية في القدس (وعضو في مجلس إدارة معهد ميتفيف - المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية) مطولة حاول فيه الكشف عن أساس العلاقات السعودية الإسرائيلية وعرضها في سياقها التاريخي الصحيح)، وهذا الجزء الثالث والأخير من بحثه:
* العلاقات المتوترة: حرب لبنان عام 2006 والتهديد الإيراني
لقد شكلت إيران تحديًا سياسيًا وأيديولوجيًا للمملكة العربية السعودية منذ ثورة 1979. من الناحية السياسية، حاول النظام الإيراني الجديد تحقيق الهيمنة في الخليج، إن لم يكن في الشرق الأوسط بأكمله. من الناحية الأيديولوجية، لا تعترف المدرسة الوهابية التي كانت متحالفة مع العائلة المالكة السعودية منذ تأسيسها، بالشيعة الإيرانية على أنها طائفة دينية شرعية.
ونتيجة لذلك، دعمت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي العراق مالياً في حربه مع إيران. وتدهورت العلاقات السعودية-الإيرانية أكثر فأكثر بعد غزو الولايات المتحدة للعراق وإطاحة نظام صدام حسين في عام 2003، مما أدى إلى ظهور نظام يهيمن عليه الشيعة وأوجد فراغا في القوة الموازنة في الخليج، وسارعت إيران إلى ملئه. عندما حذر ملك الأردن في عام 2004 من "هلال" شيعي محتمل يمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، وجد آذانا صاغية في السعودية. وتزايدت المخاوف السعودية عندما أصبح محمود أحمدي نجاد رئيساً في عام 2005، وتبنت إيران سياسة أكثر نشاطاً في المنطقة.
استمرار الصراع العربي الإسرائيلي، في نظر السعوديين، أدى إلى تفاقم الانقسامات العربية التي استغلتها إيران. وهكذا، عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل ومنظمة حزب الله الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران، في صيف عام 2006، هاجمت المملكة العربية السعودية المنظمة بسبب سلوكها المتهور وغير المسؤول وبسبب كارثتها على لبنان. وذكرت هيئة دينية سعودية رفيعة المستوى أن عمليات حزب الله غير شرعية دينياً، وأجازت تسوية سلمية مؤقتة مع اليهود.
لقد كشفت لعبة شد الحبل والتجاذب الإعلامي بين إيران ووكلائها، من جهة، وبين الدول العربية السنية "المعتدلة"، من جهة أخرى، أن إسرائيل والعربية السعودية يقفان على الأرضية نفسها. وأصبحت العلاقات بينهما أكثر مباشرة وعلنية منذ عام 2006. وأوضحت تسريبات "ويكيليكس" أن السعودية كانت في حالة ذعر بخصوص طموحات إيران الإقليمية. في عام 2008، على سبيل المثال، أوردت إحدى البرقيات أن "عادل الجبير نقل عن عبد الله (الذي أصبح ملكا بعد وفاة الملك فهد عام 2005) قوله إن الولايات المتحدة يجب أن" تقطع رأس الأفعى"، وتقلل نفوذ إيران في العراق. ومن ثم، فإن تحالف إسرائيل الضمني مع المملكة العربية السعودية جاء نتيجة حسابات توازن القوى الأمنية، التي تعكس مصالحهما المتبادلة في المنطقة.
وإذا كان القادة العرب قد أعربوا، قبل الحرب، عن قلقهم من سياسة إيران التوسعية خلف الأبواب المغلقة، فقط، فإنهم مستعدون الآن للاعتراف علانية برغبتهم في توجيه إسرائيل ضربة مؤلمة لحزب الله من أجل الإضرار بالهيبة الإيرانية. وفقاً لتقرير موقع "انتلجنس أون لاين"، فإن إحدى نتائج حرب لبنان 2006 كان قرار "بناء وتسريع التبادل الاستخباري" بين إسرائيل والأردن والسعودية ومصر وتركيا. لهذا الغرض، في سبتمبر عام 2006، التقى مئير داغان، رئيس الموساد، في عمان مع نظيره الأردني والأمير بندر بن سلطان، السفير السابق في واشنطن، الذي أصبح رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي.
وكان "داغان" من بين الأوائل في إسرائيل، وربما حتى قبل الحرب، الذين يدركون آثار التغييرات في ميزان التهديدات الإقليمي، مما دفعه إلى التركيز على تطوير علاقات سرية مع دول في العالم العربي لم يكن لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. لم تكن التطورات على الجبهة الإيرانية مفصولة عن القضية الفلسطينية. وعلى هذا، لم يكن من المفاجئ أن تستأنف إسرائيل دبلوماسيتها العامة: في نوفمبر 2006، وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، دعوة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لإجراء "حوار حقيقي وجاد".
ووعد بالحصول على المساعدة من مصر والأردن والسعودية ودول الخليج من أجل تحقيق هذا الهدف. ولم يكن التوقيت مصادفة، ففي مارس 2007، قبيل انعقاد الجامعة العربية في الرياض، أثنى أولمرت مجددا على المبادرة السعودية وقدرات الملك عبد الله القيادية وشخصيته، حتى إن رئيس الوزراء الإسرائيلي تفاخر بأن "هناك فرصة حقيقية في أن تتمكن إسرائيل في السنوات الخمس القادمة من التوصل إلى تسوية سلمية مع أعدائها"، مضيفًا أن "أشياء لم تحدث من قبل تجري الآن وتنضج. نحن بحاجة إلى استغلال هذه الفرصة والاستفادة منها بحكمة ومسؤولية".
وسرعان ما خفت توقعات أولمرت عندما أُجبر على الاستقالة في يوليو 2008 وسط اتهامات بالفساد. إلا أن شمعون بيرس، الذي أصبح رئيسًا لإسرائيل، أعلن أن "اللاءات الثلاث" في قمة الجامعة العربية عام 1967 في الخرطوم قد استُبدلت بخطة سلام عربية، ودعا الملك السعودي إلى مواصلة الترويج للمبادرة من أجل المساعدة على تحقيق سلام شامل. كما دعا بيريز القادة العرب إلى زيارة القدس لبدء حوار سلمي.
شارك بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ مارس 2009، السعودية في مخاوفها تجاه التهديد الإيراني، ولا سيَما سعيه إلى امتلاك القدرة النووية. وكان هذا يتناقض بشكل حاد مع الخلافات التي كانت بين نتنياهو والسعوديين حول المبادرة وكذا عملية السلام مع الفلسطينيين. لكن في ضوء ما اعتبره الطرفان استجابة أمريكية ضعيفة للتحدي الإيراني، استمروا في ذلك التعاون.
وصف كلايف جونز ويويل جوزنسكي هذه العلاقة بأنها "نظام أمني ضمني" قائم على تعاون غير مكتوب وغير معروف يعتمد على التصورات المشتركة للتهديد الإيراني. ومع ذلك، كانت السمة الأساسية أخرى لهذا "النظام الأمني" هي السرية. إذ على الرغم من أنه لا يعرف إلا القليل عن التعاون الفعلي بين الطرفين، فإن التقارير الصحفية والوثائق الصادرة عن ويكيليكس تقدم بعض الملامح، بما في ذلك الاجتماعات السرية في عام 2010 بين رئيس الموساد "داغان" ومسؤولين سعوديين في السعودية.
في هذه الاجتماعات، وُرد أن السعوديين وافقوا على السماح لإسرائيل باستخدام المجال الجوي السعودي وللمساعدة في ضربة استباقية ضد إيران من خلال التعاون في القضايا المتعلقة بالطائرات من دون طيار، وطائرات الهليكوبتر للإنقاذ، والطائرات الناقلة. وفي مقابلة، علق رئيس الوزراء السابق، ايهود اولمرت، أن "السعودية ترى إسرائيل شريكا محتملا جديًا عسكريًا واقتصاديًا"، مضيفًا أنه "كانت هناك أشياء [استثنائية] أكثر من مجرد زيارة داغان للسعودية عام 2010".
عندما وُقعت اتفاقية لتقليص برنامج إيران النووي بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا في أبريل 2015، شعرت كل من إسرائيل والسعودية بخيانة من إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ولم يخفوا انتقاداتهم لتفاصيل الاتفاق. وكان همهم الرئيس هو أن تستخدم إيران وضعها المالي المحسّن -نتيجة لإزالة العقوبات الاقتصادية- لدعم ما تعتبره جماعات إرهابية في المنطقة وستواصل برنامجها النووي سرا.
وكان تقييم المحللين السياسيين هو أن إحدى نتائج الاتفاق كانت "التقاء إسرائيل مع الدول العربية التي ترى "إيران النووية" أكبر خطر على نفوذها وربما وجودها"، لذلك لم يكن من المستغرب أن خطاب نتنياهو المتحدي للرئيس أوباما أمام الكونجرس الأمريكي في مارس 2015، والذي يعبر عن معارضة إسرائيل للصفقة الناشئة، قوبل بتصفيق من قبل الكثيرين في المملكة العربية السعودية، فما قاله نتنياهو علنًا يقوله السعوديون سراً.
وتؤكد التقارير الصحفية والمقابلات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين أن إسرائيل والسعودية تعاونتا سراً ضد أعدائهم المشتركين في المنطقة، على الرغم من أن نطاق هذا التعاون ما زال سرياً للغاية. ومع ذلك، فإن التفاهمات المشتركة تتجاوز المصالح الدفاعية الإقليمية المتبادلة. وعندما قام الملك السعودي الجديد، سلمان، بزيارة مصر في أبريل 2016، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن جزر تيران وصنافير ستعود إلى السيادة السعودية بعد انتهاء فترة الإيجار التي بدأت في عام 1950. وعندما أثار هذا الإعلان القلق في وسائل الإعلام الإسرائيلية، صرح وزير الدفاع، موشيه يعلون، أن السعودية أعطت إسرائيل ضمانات بشأن حرية المرور في مضيق تيران.
قبل بضعة أشهر من هذا، شارك مسؤول سعودي كبير في قمة سرية بالعقبة، الأردن، مع وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، والسيسي والملك عبد الله الثاني ونتنياهو. وقد ذكر موقع Intelligence Online أنه "لم يكن هناك مثل هذا التعاون النشط من قبل بين اطرفين (أي إسرائيل والسعودية)، من حيث التحليل والاستخبارات البشرية واعتراض اتصالات إيران والحركات الموالية لها.
مع تعيين ابن الملك سلمان محمد وليا للعهد في يونيو 2017، أصبح التغيير في الموقف السعودي الرسمي تجاه إسرائيل أكثر وضوحا وانفتاحا. في مقابلة شهر أبريل 2018 حظيت بتغطية إعلامية واسعة، اعترف بإسرائيل وشبه الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي بأدولف هتلر.
وقد أفاد موقع "انتلجنس أون لاين"، الاستخباري، أن رؤساء الاستخبارات الإسرائيليين والأردنيين والمصريين والسعوديين الفلسطينيين عقدوا قمة أمنية حول القضايا الإسرائيلية الفلسطينية في العقبة بالأردن، في يونيو 2018، حضرها المبعوثان الأمريكيان جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، ومن المسلم به أنه في عام 2016، كانت هناك مؤشرات على تحسن المناخ في وسائل الإعلام السعودية فيما يتعلق بإسرائيل، مع إطلاق حملة لمكافحة معاداة السامية. بالإضافة إلى ذلك، بدأ الصحفيون المحليون في نشر مقالات متعاطفة مع إسرائيل وتنتقد الفلسطينيين. في الواقع، كل هذه التقارير تشير إلى أنه، بعيدا عن العلاقات الدبلوماسية، فإن إسرائيل والسعودية تتمتعان بالكثير من ميزات "العلاقات الطبيعية".
* تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية غير المباشرة:
كما انخرط السعوديون في مسار آخر من الاتصالات غير الرسمية، حيث عملوا على التوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو الدول العربية الأخرى. وقد تردد أن الأمير بندر كان يستضيف مسؤولين إسرائيليين في مزرعته في الثمانينيات. وحتى قبل أن يصبح سفيراً، بوصفه الملحق العسكري، في سبتمبر 1982، توسط بندر في الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة -وبشكل غير مباشر مع إسرائيل- فيما يتعلق بإجلاء المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، وغيرها من الحالات.
وفي هذه الأثناء، عُرف بندر بصلاته الوثيقة مع القادة اليهود في الولايات المتحدة. وفقا لأحد التقارير، التقى سرا زعماء اليهود الأمريكيين عشر مرات على الأقل. وفي صيف عام 1991، ورد أن بندر أبلغ قادة اليهود الأمريكيين في الكونغرس أنه بمجرد التوصل إلى حل سلمي بين إسرائيل والفلسطينيين، ستعترف السعودية رسميًا بإسرائيل. واعترافًا بتأثير الجالية اليهودية الأمريكية في السياسة الخارجية الأمريكية، سعى الأمير بندر إلى الحفاظ على قناة مفتوحة للاتصالات مع قادة المجتمع المحلي، وأيضاً الاتصال غير المباشر، من خلالهم، مع إسرائيل.
وسيؤدي بندر، لاحقاً، دوراً مهمة أكثر تقدما في العلاقات الإسرائيلية العربية. ولأنه تمتع بثقة الرؤساء الأمريكيين، فهذا جعل منه رسولًا فعالاً. وكان هذا هو الحال عندما أرسله الرئيس بيل كلينتون لإيصال رسالة إلى الرئيس السوري، حافظ الأسد، من رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي سوري. وقد عُقدت العديد من الاجتماعات الدبلوماسية الثنائية بين السعودية وإسرائيل، والتي ضمت مسؤولين رفيعي المستوى. وكان الأمير تركي الفيصل، الذي شغل منصب المدير العام للاستخبارات منذ عام 1977 وحتى 2001، من كبار المسؤولين السعوديين المعنيين بملف العلاقات السعودية الإسرائيلية.
ولم تقتصر الاتصالات الإسرائيلية السعودية، غير رسمية، على الجغرافيا السياسية. وهناك مؤشرات على أن الطرفين قد تعاونا أيضا في المجالات الطبية والاقتصادية والتكنولوجية، وكلها في أقصى درجات السرية. في المجال الاقتصادي، لا توجد إحصائيات رسمية عن التجارة الإسرائيلية مع السعودية. ووفقًا لورقة معهد توني بلير لعام 2018، فإن الحجم التقديري للصادرات المستقلّة في عام 2016 من إسرائيل إلى دول مجلس التعاون الخليجي (بما في ذلك السعودية)، يقارب مليار دولار. وهذا يجعل الخليج ثالث أكبر سوق تصدير إسرائيلي في المنطقة بعد تركيا والسلطة الفلسطينية. فبعد توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994، أصبح الأردن جسرا رئيسيا بين إسرائيل والخليج.
أولاً، بدأت السعودية تسمح أحياناً للشاحنات التركية التي وصلت إلى ميناء حيفا بدخول البلاد في طريقها إلى الأردن. ومنذ اندلاع الحرب في سوريا، فإن المنتجات التركية التي تُنقل إلى الخليج عبر سوريا تُسلم الآن عبر حيفا والأردن.
ثانياً، بينما ارتفعت الواردات الإسرائيلية من الأردن من 94 مليون دولار في عام 2010 إلى 411 مليون دولار في عام 2015 (على الرغم من أنها انخفضت إلى 308 ملايين دولار في عام 2016) ، فإن معظم هذه الواردات مصدرها الخليج وليس من الأردن، وفقاً لما ذكره الاقتصادي يتسحاق غالو، ﺗﺸﻤﻞ اﻟﻤﻮاد اﻟﺨﺎم واﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت البلاستيكية.
ثالثًا، منذ سبتمبر 2014، أمكن للفلسطينيين الإسرائيليين الذين يؤدون فريضة الحج إلى مكة والمدينة أن يطيروا من إسرائيل إلى السعودية عن طريق الأردن على متن الخطوط الملكية الأردنية.
وتجدر الإشارة إلى أنه في أواخر عام 2014، قامت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية رسمياً بإشراك اليهود، من غير الإسرائيليين، في العمل في المملكة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق