كيف تنبأ ابن خلدون بأحداث الدول العربية؟
وليد ريمي
الاضطرابات السياسية والاجتماعية في العالم العربي منذ مطلع العام ٢٠١١ بدءً من تونس مروراً بمصر وليبيا واليمن وسوريا وما يشهده العالم العربي ودول المنطقة من أحداث وازمات على جميع الاصعدة؟ وتسأل الناس عن الأسباب العميقة التي أدت إلى اندلاع هذه الأحداث في المنطقة ماهي التطورات المستقبلية؟ والأحداث التي سبقتها مجتمعة ماهي إلا فصل من فصول تاريخية مرتبطة ببعضها البعض كسلسلة معدنية متواصلة الحلقات متكررة.
يجيب ابن خلدون عليها بوصف حال الأمم من عصور العصبية والقوة إلى عصور الترف والبزخ والرخاء إلى عهد الانحدار وانهيار الأمم بوصف دقيق للأحداث والأحوال التي يعيش فيها الناس وما يحدث معنا اليوم من أحداث هو جزء من سلسلة تاريخية طويلة متعاقبة على جميع الأمم بمقدمته الشهيرة التي كتبها في سنة 732 هجري _الموافق لـ١٣٧٧ميلادي وهي مقدمة لمؤلّفه الضخم (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر). واعتبرت فيما بعد مؤلفاً منفصلاً.
تناول فيها ابن خلدون أحوال البشر والبيئة وأثرها على الإنسان وكيفية إنشاء الدول وانهيارها وتطور الأمم والعصبية، ووضع فيها ابن خلدون مجموعة من النظريات لتجعل منه المؤسس الحقيقي لعلم لاجتماع قبل اوغست ايمانويل كنّت بقرون. كتب يقول: عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنا فقون والمدّعون والكتابة والقوالون والمغنون النشاز والشعراء النّظامون والمتصعلكون وضاربوا المنّدل وقارعوا الطبول والمتفقهون وقارئوا الكف والطالع والنازل والمتسيّسون والمدّاحون والهجائون وعابروا السبيل والانتهازيون.
ابن خلدون حي بيننا يرى ما كتبه بعينه عن التعصب للطائفية والقبيلة على حساب الوطن وما أكثر ما نشاهده من طائفية بصور جلية واضحة أقرب مثال لها العراق وما يعانيه من مشاكل طائفية من سنّة وشيعة وأكراد |
يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف وتظهر العجائب وتعم الاشاعة ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق ويعفو صوت الباطل ويخفق صوت الحق وتظهر على السطح وجوه مربية وتختفي وجوه مؤنسة وتشح الأحلام ويموت الأمل وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقاً والى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء والمزايدات على الانتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين ويتقاذف أهل البيت الواحد التّهم بالعمّالة والخيانة وتسري الإشاعات عن هروب كبير وتحاك الدسائس والمؤامرات وتكثر النصائح من القاصي والداني وتطرح المبادرات من القريب والبعيد ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين يتحول الوطن إلى محطة سفر والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات. كأن ابن خلدون بيننا اليوم في القرن الحادي والعشرين وليس في ١٣٧٧م.
فكما تحدث ابن خلدون عن المنجمون تجدهم اليوم على قد غزو شاشات التلفزة ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في كل بداية سنة جديدة يتسابقون في توقعتهم عن أحوال الناس والشخصيات المهمة والدول والسياسة والاقتصاد وما أكثرهم، ونجد شوارعنا قد امتلأت بالمتسولين من أطفال ونساء ومن يدعون الأمراض ويفترشون الطرقات بغية شفقة من الناس، كثرت برامج الغناء وتصدرت قائمة البرامج التي تحصد الملايين من الأموال ومئات المشاركين للتسابق على الغناء والشهرة، كل هذا وكأن ابن خلدون بيننا اليوم ليرى الحال وما يحصل اليوم من أزمات تعاني منها الشعوب من أزمة سكن ومواصلات وبطالة وغلاء وهجرات للشباب والعقول ما هو إلى سوء تدبير وتخطيط من الدول وفساد من يتسلمون وظائف ويتقلدون مناصب عليا، كلها أحداث نشهدها تتحدث عن نهاية الدول، فمثلا لبنان لازال يعاني شبابه من البطالة ومشاكل الكهرباء والماء والنظافة وبنية تحتية سيئة وبلا حكومة أليست كلها من سوء التدبير والتخطيط.
وأمثلة كثيرة في جميع دول المنطقة. ابن خلدون حي بيننا يرى ما كتبه بعينه عن التعصب للطائفية والقبيلة على حساب الوطن وما أكثر ما نشاهده من طائفية بصور جلية واضحة أقرب مثال لها العراق وما يعانيه من مشاكل طائفية من سنّة وشيعة وأكراد وغيرها أصبح الناس يلوذون بطوائفهم لا بالوطن منذ الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ وحتى الآن يرزح تحت نيران الطائفية والتشرذم والضياع وتقاسم على أساس طائفي كل يتمسك بطائفته على حساب وطنه وأيضاً لبنان وما يعانيه وسوريا والحرب الدائرة. ألسنا أمام وصف دقيق من ابن خلدون لانهيار الدول، أحلامنا في ضياع وزوال بل صارت في أبسط الحقوق التي يجب أن يحصل عليها المواطن.
كل هذا الذي يحصل تتفاقم آلام الشعوب بالتطبيع وإقامة علاقات مع أعدائنا حتى أصبحوا أقرب أصدقائنا والأصدقاء أعداء الكيان الصهيوني والدول التي تمارس التطبيع معه وتسمح له بدخول أراضيها بكل سهولة وبترحيب ولا تسمح لمواطن من دول تتحدث نفس اللغة إلا بشروط تعجيزية. لا بل تحاك الدسائس والمؤامرات ضد بعضنا البعض وكأننا ألد الأعداء الأزمة الخليجية الآن حصار قطر ومن قبلها المؤامرات ضد للعراق وضد سوريا وبين دول المنطقة وكأن ابن خلدون يخاطبنا في وقتنا الحالي.
حروب ومؤامرات ودسائس وتحالفات حين أصبح العدو صديقا والصديق والشقيق عدو مهاجرين ولاجئين هاربين من نيران الحرب السورية لا تستقبلهم دول شقيقة ويمنعون من دخول اراضيها بينما دول الغرب تفتح أبوابها لتحتضنهم ولا تنسى علاقات المغازلة والتطبيع مع الكيان الصهيوني حين أصبح العدو صديق والصديق عدو. صارت أوطاننا محطات سفر من غربة أليمة بيوتنا مجمعة في حقائب جاهزة الترحال والهروب من نيران الحرب والازمات بحثاً عن ملاذٍ أمن ومستقبل أفضل.
ابن خلدون وصف حالنا اليوم بأدق التفاصيل وكأنه يعيش بيننا ويمارس حياتنا ألسنا امام حالة انهيار، التاريخ يدور في حلقات متواصلة، أي التاريخ بمعنى آخر يعيد نفسه، وأعتقد أن هذا السبب الذي يؤكد أن أعمال ابن خلدون تبقى مناسبة لكل العصور وتطور الحياة. نحن اليوم شهود أو أشبه بمؤرخين لانهيار جديد، لكنه انهيار تكرر على مر التاريخ، فمن سقوط الدولة الأموية حتى العباسية وصولاً إلى الدولة العثمانية، وبعد انهيارها وتقسيم تركتها بين دول الاستعمار الأوروبي وتقسيم المنطقة إلى الدول الحالية ومحاولة فرض تقسيم جديد للمنطقة وفق منظور ومصالح لغزو جديد أو صراع بين قطبين أمريكيا وروسيا.
ربما نحن شهود على انهيار جديد متكرر عبر التاريخ كالسلسلة المرابطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق