وائل قنديل
نعم، لا جديد في حصيلة لقاء السيسي مع CBS الأميركية، إلا الاعتراف الموثّق بالصوت والصورة والعرق، بأن ما يرتكبه من فظائع في سيناء هو لمصلحة الكيان الصهيوني، قبل أي شيء آخر.
من حيث أراد الجنرال أن يكسب مساحاتٍ إضافيةً من الرضا الصهيوني، فإنه وضع الجيش المصري في موقف أخلاقي صعب، وأهان الذين صنّفوا شهداء للواجب، حين أعلن بوضوح أنهم قضوا في معركة الدفاع عن أمن إسرائيل، فصفع المشاعر القومية بمنتهى العنف، ووجه رسالةً إلى الأمهات في المنازل والحقول بأنهن ثكالى لأبطالٍ سقطوا في حربٍ، بالتعاون مع إسرائيل، ومن أجل إسرائيل.
كان السيسي، طوال سنوات مرّت، يردّد على كل المسارح الدولية، مثل مطرب مناسبات بائس، أغنية وحيدة، يتيمة، بلا تغيير في الكلمات والألحان والتوزيع: الحكومة المصرية تحارب الإرهاب نيابة عن العالم الذي يعاني من الإرهاب.. والآن يقر بأنه يحارب نيابةً عن إسرائيل.
وكالعادة، لم يدخر الصهاينة جهدًا في تكملة رواية العار، حين أعلنوا أنهم يحاربون في سيناء، مع السيسي وبالسيسي، بشكل أساسي ضد المقاومة الفلسطينية (حماس) وليس ضد الإرهاب (داعش).
فصلت، سابقًا، كيف كان اللقاء كارثيًا فضائحيًا، على مستوى الشكل، وهو أكثر كارثيةً وعارًا على مستوى المضمون، وبشكل خاص في الجزء الذي يلخص نظرة عبد الفتاح السيسي لسيناء، فحين حاصره المذيع بالقول إنه حصل على مليارات الدولارات من واشنطن وغيرها، بحجة القضاء على الإرهاب، ولم يفعل، كان رده: والولايات المتحدة أنفقت تريليون دولار في أفغانستان، ولم تقض على الإرهاب.
تمثل هذه الإجابة بؤرة الخزي والإهانة لكل قيمة وطنية وحضارية، ذلك أن حاكم الدولة المصرية يرى أن علاقته بسيناء مثل علاقة أي رئيس أميركي بأفغانستان، وأن سيناء الحبيبة، بالنسبة له، مثل تورا بورا بالنسبة لجورج بوش أو بيل كلينتون.
هنا، يجرّد السيسي سيناء من قيمتها الروحية والأخلاقية والتاريخية في وجدان المصريبن، بوصفها أرض البطولات وبستان الوطنية الذي أينع ثمره في التاريخ والأدب والفنون، ويحوّلها إلى محض فراغ جغرافي وتاريخي وأخلاقي، يملؤه بالعمل مع، وفي خدمة، أعداء سيناء الأزليين الأبديين، مجرّد صحراء لا قيمة لها، سوى أنها مسرح عمليات مشتركة مع العدو الصهيوني، ضد "عدو واحد ومشترك" بتعبير السيسي، هو الإرهاب، أو المقاومة، كما يرى جنرالات تل أبيب.
ذلك هو العار، من دون مساحيق أو أصباغ، حاكم عسكري يهين العسكرية المصرية، ويرسم هذه الصورة المشينة للجيش أمام شعبه.
ولعل هذا مصدر الفزع من الحوار الذي تصدّوا بصرامة وشراسة لمحاولات وصوله إلى المواطن المصري، فقرّروا منع إذاعته، ثم حاولوا فيما بعد التشكيك في صدقيته، فلما لم يفلحوا اشتغلوا على قيثارة الأوهام والتزييف، بالزعم إن تحريفًا جرى، ثم عادوا ليدقوا مزاهر المهنية الزائفة، وطبول الوطنية الملوثة، بالقول إن الجنرال المتعرق انتصر على المذيع والمحطة الأميركية وأفحمه..
وكان من الممكن التعاطي مع ذلك بجدية، لو أنهم أذاعوا اللقاء على المشاهد المصري، لكي يرى صولات جنراله الهصور وجولاته، والتي جعلت المذيع يخرّ صريعًا.
ثم كانت ذروة الملهاة، حين تحرّكت ذراع قانونية لإقامة الدعوى على الشبكة الأميركية، للمطالبة بتعويض مائة مليون جنيه لصالح صندوق تحيا مصر، والسبب كما يقول منطوق الدعوى "لتحريفها واختزالها حوار الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكلٍ لا يليق بحجم مصر ولا رئيسها"، وتقديم بلاغٍ للنائب العام لوضع المسؤول عن الحوار على قوائم ترقب الوصول.
كذب السيسي في كل شيء في الحوار، لكنه في الكلام عن العلاقة بالكيان الصهيوني كان نموذجًا للصدق مع الذات، حيث يعلن بوضوح أن حجم مصر، تحت حكمه، لا يزيد عن حجم رام الله، تحت سلطة محمود عباس، وكلاهما يقتات على التنسيق الأمني مع الصهاينة، ذلك أساس وجودهما في الحكم، وكلاهما كارهٌ للمقاومة ولسيناء ولغزة، محتقر لشعبه وتاريخه، لا يفكر في أبعد من تأمين مقره في المقاطعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق