الشام وسرُّ الانسحاب السوفييتي-الأميركي من أفغانستان
د. أحمد موفق زيدان
خلال أربعة عقود، تعرضت أفغانستان لغزوين أجنبيين، الأول نفّذه الاحتلال السوفييتي عام 1979، والثاني نفّذه الأميركي على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولعل لغز الانسحابين وسرّهما يكمن في حرص الأول كحرص الثاني على دعم الأقليات الأفغانية للهيمنة على الأغلبية البشتونية، التي تمثل أكثر من 60 % من الشعب الأفغاني، وبالطبع فإن كلتا الحالتين اتخذت طابعاً مختلفاً وأشكالاً متنوعة، ولكن بالمحصلة - ولكل محلل وخبير في الشأن الأفغاني لا يخونه التحليل ولا التفكير- فإن الاحتلال في أفغانستان كغيره من الاحتلالات، إنما يعتمد على الأقليات المفتقرة لحواضن شعبية، فتلجأ إلى حواضن خارجية أجنبية، وهو ما يحصل اليوم في الشام، لكن هذا لا يمنع من قول الحقيقة، أن الأقلية الطاجيكية والأوزبكية وغيرهما وقفت بكل صلابة وقوة إلى جانب الجهاد الأفغاني ضد الاحتلالين، ولكن للأسف وجد الاحتلالان قيادات وكيانات في الأقليات لتنفيذ أجنداته.
دخلت القوات السوفييتية أفغانستان بينما العالم المسيحي يحتفل بأعياد الميلاد عام 1979، فكان أن دعم الشيوعي بابراك كارمل الطاجيكي المنتمي إلى جماعة برشم «الراية» الشيوعية، وذلك للإطاحة بحفيظ الله أمين المنتمي وغيره إلى جماعة «خلق» -أي الشعب- ذات الأغلبية البشتونية، وظل الاحتلال السوفييتي طوال تلك الفترة يعتمد على الأقليات في حكم أفغانستان، وإن كان حزب «خلق» ظل وفياً للشيوعية الأممية، لكنه ظل بعيداً عن الحكم الحقيقي، وهو ما تفطن إليه السوفييت قبل انسحابهم عام 1989، فعيّنوا نجيب الله الشيوعي البشتوني ومدير المخابرات الأفغانية «الخاد» ولكن بعد فوات الأوان، وحين سقط النظام الشيوعي تم الإيعاز السوفييتي إلى ميليشيات دوستم الأوزبكية للتحالف مع القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود الطاجيكي، لاستبعاد البشتون من السلطة، والذي كان على رأسهم قلب الدين حكمتيار، ولعل مسعود وغيره ظن أنه سيخدع السوفييت وغيرهم، ولكن للأسف أسّس لمرحلة جديدة عنوانها استمرار التنسيق مع الخارج سوفييتياً كان أو أميركياً، فكان أن دعم خلفه الوجود الأميركي في أفغانستان ولا يزالون.
حرصت باكستان كل الحرص على استعادة المبادرة بعد تحالفها مع الأميركيين في إسقاط طالبان، عبر دعم الأخيرة ومدّ نفوذها الجيواستراتيجي في أفغانستان، وحين أسقطت أميركا طالبان عام 2001، كان التاريخ يكرّر نفسه، حين نقضت عهداً أبرمته مع حليفها برويز مشرف بألا تسمح للتحالف الشمالي الأقلوي بدخول كابُل، لكن حصل العكس ودخل التحالف الشمالي وتم إقصاء البشتون عن السلطة، وإن كان الرئيس كارزاي ظل شكلياً كبشتوني رئيساً لأفغانستان، بينما القوة العسكرية والأمنية والبيروقراطية من التحالف الشمالي.
اليوم، تدرك واشنطن صعوبة قيادة أفغانستان بعيداً عن البشتون، ويمثل البشتون اليوم حركة طالبان ومن خلفها داعمها الرئيسي باكستان، التي ترى فيهم بعداً جيواستراتيجياً لا يمكن التخلي عنه، اليوم هل وعت روسيا الدرس؟ أم أنها تكرّر خطيئتها الأفغانية وخطيئة الأميركان معها، بدعم نظام أقلوي طائفي في الشام؟ وفرضه على أغلبية لم ولن تقبل به يوماً واحداً، ربما تفرضه اليوم كما فرضت كارمل من قبل، ولكن ستدرك بعد فوات الأوان كما حصل معها مع نجيب الله، ليُطاح به في ليلة شديدة الحلكة الجهادية الأفغانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق