"إذا دخلت المعسكر فلن تخرج أبدًا"
من داخل الحرب الصينية على الإسلام
مدير مكتب الغارديان في بكين
علماء من شينجيانغ
ترجمة حفصة جودةمن الصعب ألا تلاحظ مركز تدريب المهارات المهنية في مقاطعة لوبو، فقد ظهر فجأة هذا المعسكر الضخم الذي يحتل هكتارًا من الأرض الزراعية، خارج هذ المجمع المحاط بحوائط خرسانية بيضاء عالية تعلوها أسلاك شائكة وكاميرات مراقبة، تقف دوريات تابعة للشرطة والعديد من الحراس الذين يحملون هراوات طويلة.
يقع المركز على الطريق السريع وهو أكبر من جميع القرى المحيطة حيث يبلغ نحو 170 ألف متر مربع، وعلى أحد المباني توجد لافتة مكتوب عليها "وحدة الحماية العرقية"، وعلى جانب الطريق يقف 6 أشخاص يحدقون في المبني ولا يدري أحد ما هذا المبنى الشبيه بالسجن أو لماذا ينتظر هؤلاء خارجه.
تقول امرأة مسنة: "نحن لا نعلم شيئًا"، أما امرأة أخرى فقد قالت إنها جاءت لرؤية أخيها لكنها رفضت أن تفصح عن المزيد، وقالت فتاة صغيرة مع أخويها إنها جاءت لرؤية والدها لكن والدتها أسكتتها سريعًا.
إنهم يترددون في الحديث لأن المبنى ليس سجنًا رسميًا أو جامعة، لكنه معسكر اعتقال يرسلون إليه الأقلية المسلمة خاصة الإيغور بغير إرادتهم ودون محاكمة لعدة أشهر وربما سنوات.
معسكر
الطريق السريع في شانجيانغ
يقول الباحثون والسكان إن جنوب شانجيانغ - حيث يقع المركز - يتحمل عبء الحملة الحكومية على المسلمين بسبب كثافة الإيغور العالية به وبعده عن المدن الرئيسية، يقول عادل أويت من مدينة هوتان الذي يعيش في الخارج الآن: "لدينا مقولة مشهورة في هوتان تقول: إذا دخلت معسكر اعتقال فإنك لن تخرج أبدًا".
طالبت الأمم المتحدة في شهر ديسمبر بدخول المعسكر بعد أن وصلتها تقارير موثوقة تقول بأن هناك 1.1 مليون من الإيغور والكازاخ وهوى ومجموعات عرقية أخرى قيد الاعتقال، لكن بكين دافعت بشدة عن سياستها وصورت هذه المعسكرات بأنها حميدة.
يبدو أن الواقع مختلف تمامًا في لوبو، حيث تظهر المقابلات والوثائق تفاصيل جديدة عن المعسكرات التي تعد أسوأ ما قامت به الحكومة، وما زالت السلطات المحلية تتوسع في بناء معسكرات الاحتجاز وتزيد من مراقبة السكان وضم الناس إليها بالتخويف والقوة والمكافآت المالية.
تكلفة التحكم الدائم
في العام الماضي أضُيفت 10 مباني أخرى على الأقل لهذا المركز وفقًا لصور القمر الصناعي، عثر على سجلات أعمال البناء الطالب شوان زانغ من جامعة بريتيش كولومبيا، وجدير بالذكر أن مقاطعة لوبو التي يشكل أغلبيتها الإيغور تضم 8 معسكرات اعتقال وتسمى رسميًا "مراكز التدريب المهني" وفقًا لوثائق الموازنة العامة.
في عام 2018 توقع المسؤولون ضم 12 ألف طالب بالإضافة إلى 2100 نزيل في مركز آخر، أي ما يعادل 7% من البالغين في البلاد أو 11% من مجموع الذكور في البلاد، كما خططت مقاطعة لوبو لإنفاق 300 مليون يوان (44 مليون دولار) على التحكم الدائم بما في ذلك 300 ألف دولار على أنظمة المراقبة لتغطية جميع المساجد وتمويل 6 آلاف ضابط شرطة للعمل في مراكز شرطة مناسبة ونقاط تفتيش أمنية، بالإضافة إلى دوريات في المناطق السكنية.
تجاوزت مقاطعة لوبو ميزانيتها بنحو 300% عام 2017 مما يجعلها الأعلى في الإنفاق بين جميع مقاطعات هوتان
هذه الإجراءات الأمنية والتكاليف الباهظة تؤكد التزام الصين بسياستها المثيرة للجدل رغم الانتقادات المتزايدة، يقول أدريان زينز الباحث في السياسات العرقية بالصين إن تكاليف الأمن الداخلي تضاعفت منذ عام 2017 مع بدء الحملة الأمنية والإنفاق على مراكز الاعتقال في المقاطعات ذات التجمعات العرقية المختلفة.
كانت تجاوزات الميزانية شائعة، فقد تجاوزت مقاطعة لوبو ميزانيتها بنحو 300% عام 2017 مما يجعلها الأعلى في الإنفاق بين جميع مقاطعات هوتان، ومع ذلك ما زال البناء مستمرًا، فقد حلل معهد السياسات الإستراتيجية الأسترالي نحو 28 معسكرًا في شانجيانغ ووجد أنهم توسعوا بنحو 465% في الحجم منذ 2016، مع أكبر زيادة في النمو بين يوليو وسبتمبر، وكانت 5 معسكرات في هوتان والمقاطعات المجاورة قد تضاعفت في الحجم على الأقل مع زيادة في أحد المعسكرات بنسبة 2469% بين عامي 2016 و2018.
وفي لوبو جلب المسؤولون أكثر من 2700 ضابط مساعد إلى المقاطعة التي تضم 224 قرية وبلدة، ويتعرض الطلاب للمراقبة عن كثب حيث يقوم 2000 موظف وظابط شرطة بمراقبة 12 ألف معتقل.
تنفق السلطات الأموال كذلك على تحفيز السكان، حيث يقوم المسؤولون في لوبو بتوظيف أئمة محليين وقادة وطنيين باعتبارهم متدينين وطنيين ويدفعون لهم راتبًا سنويًا 4200 يوان في منطقة متوسط الدخل السنوي بها 6800 يوان، وتقوم وظيفتهم على منع السكان من الذهاب في رحلات الحج التي لا تنظمها الحكومة.
دورية للشرطة في بلدة كاشغر غرب مقاطعة لوبو
تكافح بعض الحكومات المحلية للحفاظ على نفس معدل الإنفاق، ففي مقاطعة سيلي المجاورة يعتقد المسؤولون أنهم يحتجزون 12 ألف معتقل، وتقول ميزانية 2018: "ما زال هناك العديد من المشاريع التي لم تتضمنها الميزانية بسبب نقص التمويل، فالوضع المالي في 2018 صعب للغاية"، ومع تباطؤ الاقتصاد الصيني فقد يعانون أكثر، يقول زينز: "استمرار هذا النظام يعتمد على القدرات المالية للحكومة المركزية".
لا تأتوا هنا
اليوم تقع مدينة هوتان تحت إدارة بنظام شبكي تتضمن وجود شرطي مكثف ومراقبة ضخمة، ويصفها موقع حكومة لوبو بأنها في حالة تأهب أولى أو ثانية وهي أعلى درجات الطوارئ، وفي لوبو مثل العديد من المناطق في شينجيانغ، هناك قيود على حركة السكان الإيغور، فبينما يتحرك الصينيون من عرق "الهان" من خلال نقاط تفتيش أمنية، فإن الإيغور يسجلون بطاقاتهم الشخصية ويجرون فحصًا جسديًا كاملًا وتفتيشًا لسياراتهم ومسحًا ضوئيًا لوجوههم.
ولد عبد الله أركين في لوبو وكان يعيش في مدينة أوروموتشي شمال شانجيانغ عندما بدأت الحملة بشكل جدي، ويقول عبد الله إن أسرته حذرته من العودة هناك، كما أن أخته التي تعمل في الحكومة المحلية بلوبو أخبرته أن الوضع يسوء يومًا بعد يوم.
يضيف أركين أن معظم أصدقائه أرسلوا للمعكسرات أو السجن، والآن بعد أن غادر الصين اكتشف أن اثنين من أشقائه معتقلين بالإضافة إلى 5 من أبناء إخوته، ويقول أحد رجال الأعمال الإيغور الذي يعيش في شمال شرق الصين إنه غادر هوتان بسبب التهديد المستمر بالاعتقال.
يقول دارين بايلر المحاضر في جامعة واشنطن: "أشعر أن مقاطعات هوتان هي هدف معظم تلك الحملات القمعية، فمن وجهة نظر الحكومة تعد هوتان أكثر الأماكن رجعية ومقاومة".
كاميرا مراقبة في أحد شوارع لوبو
قال المسؤولون الصينيون إن المراقبين الدوليين مرحب بهم في شانجيانغ، لكن مراسلي الغارديان تعرضوا لـ4 ساعات من الاستجواب من الشرطة في لوبو ورافقهم 7 أشخاص إلى هوتان، وفي هوتان أخبرهم الضابط المسؤول في مركز الشرطة المجاور للمعسكر أن جميع المراسلين من خارج شانجيانغ سواء كانوا أجانب أم صينيين يجب أن يخضعوا للإجراءات الأمنية هنا.
عائلات النجمة الحمراء
في إحدى قرى مقاطعة لوبو تمتلك معظم البيوت لوحة على باب المنزل عليها "نجمة حمراء" وهي تعني أن تلك الأسرة استوفت الشروط ومن ضمنها إظهار أفكار مناهضة للتطرف وتؤمن بالمدنية الحديثة.
وخلال العام الماضي جمع الموظفين المحليين في لوبو أجبروا القرويين على غناء الأغاني الوطنية - وهو تقليد شائع في المعكسرات - وتعليم النساء كيف يصبحن سيدات عصريات ويشجعن التحرر الإيدولوجي.
تقوم إحدى السيدات بكتابة قائمة بأفراد عائلتها الذي ذهبوا إلى معسكرات التدريب ومن بينهم ابنها البالغ من العمر 16 عامًا، وتقول امرأة أخرى إن زوجها أرسل إلى معكسر في قرية أخرى منذ ديسمبر 2017 ولا تعلم لماذا أرسلوه فقد كانوا يعملون دائمًا في الزراعة فقط، أما الرجل الذي كان يحل أكياسًا بلاستيكية فقد قال إن جاره ذهب إلى تلك المراكز، وفجأة توقف عن كلامه قائلًا: "نحن خائفون من الحديث إليكم، سوف ينتقمون منا".
المصدر: الغارديان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق