الواقع بين سقوط الإسلام السياسي ونهوض إسلام أمة
الجزء الأول
29 أبريل، 2019
بداية مقدمتي سأبدؤها بشعار للسلطان عبد الحميد الذي خاض أصعب مرحلة زمنية في تاريخ الأمة، واجتهد بكل ما يملك للحفاظ على إسلام الأمة لكي يكون حاضرًا؛ وأطلق شعار “يا مسلمي العالم، اتحدوا”، وكان عهده من أكثر أوقات الخلافة العثمانية نجاحًا وصعوبة في الوقت ذاته.
في عام 1922م تم خلع آخر سلاطين الخلافة العثمانية، وألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة نهائيًّا في العام 1924م، بعد أن ألغى السلطنة في العام 1922م، كما تكالب المشروع الغربي بقيادة بريطانيا وفرنسا، وبمصادقة من الإمبراطورية الروسية آنذاك، ونتج عن هذا التكالب ما يُعرف بمعاهدة سايكس بيكو عام 1916م؛ والتي نتج عنها تقاسم منطقة الوطن الإسلامي بين فرنسا وبريطانيا في الوقت الذي كانت تفقد الخلافة الإسلامية -بقيادة السلطان عبد الحميد الثاني- نفوذها وقوتها لأسباب شتى.
وتم إزاحة الإسلام كحاكم في الأمة ونتج بعد ذلك الثورات القومية العربية بعد فشل الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين؛ والذي كان أداة للثورة ضد آخر الملك الإسلامي العضوضي بقيادة الدولة العثمانية، مما أنتج فصل الدول العربية عن كيانهم الجامع؛ ألا وهي الخلافة الإسلامية، والتي تدين بحكم الإسلام كاملًا، وأصبحت الأمة الإسلامية مفتتة في أقطار وأمصار، خاضعة لمناطق وحدود جغرافية، كل قطر يحرص على مصلحته الشخصية ولا يهتم بحقوق الأمصار الأخرى، وخاصة المجاورة له، مما حدا به لاتفاقيات مع أعداء الأمة؛ ليحقق واقعية حكمه، وتمتين الأسرة الحاكمة أو الحزب الحاكم لدولته.
فمن هنا برزت الحركات الإسلامية مصطحبة مصطلح “الإسلام السياسي”، وذلك التوصيف لحركات تغييرية سياسية والتي تؤمن بالإسلام باعتباره “نظامًا سياسيًا للحكم”، وأن الإسلام ليس عبارة عن دين عبادات أو شعائر فقط، وإنما عبارة عن نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يَصلح لبناء وإدارة مؤسسات دولة.
ويُستخدم المصطلح غالبًا في سياق الربط مع الحركات التي تمثل القوى السياسية الحالية باسم الإسلام، والتي نشأت في نهاية القرن العشرين. إلا أن العدو يراقب ويتابع واقع الأمة المسلمة، ويعي حقيقة الصراع، ويتوعد الأمة بشرذمتها وتفريقها، ويتعهد مع أحلافه ألّا يعود الإسلام بشموليته ورحمته وعدله وقدرته للمحافظة على مقدرات الأمة.
ما زالت الحملات التترية والصليبية تتوالى على الأمة الإسلامية، بقيادة صهيونية عالمية وبأداة أمريكية صليبة، وبشرائع إنجيلية توراتية مُزوّرة ومُحرّفة تدعم اليهود لاحتلال الأمة، وتدعم العدو الصهيوني لاحتلال مقدسات الأمة. والأمة في غياب تام، بل تتجاهل عدوها لترتمي بأحضانه ليكون حاميًا لها؛ لعروشها وممتلكاتها، حتى لو أخذ أعز ما تملك، ألا وهو: دينها.
المفهوم الأمريكي للاعتدال الإسلامي
بداية مقدمتي سأبدؤها بشعار للسلطان عبد الحميد الذي خاض أصعب مرحلة زمنية في تاريخ الأمة، واجتهد بكل ما يملك للحفاظ على إسلام الأمة لكي يكون حاضرًا؛ وأطلق شعار “يا مسلمي العالم، اتحدوا”، وكان عهده من أكثر أوقات الخلافة العثمانية نجاحًا وصعوبة في الوقت ذاته.
في عام 1922م تم خلع آخر سلاطين الخلافة العثمانية، وألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة نهائيًّا في العام 1924م، بعد أن ألغى السلطنة في العام 1922م، كما تكالب المشروع الغربي بقيادة بريطانيا وفرنسا، وبمصادقة من الإمبراطورية الروسية آنذاك، ونتج عن هذا التكالب ما يُعرف بمعاهدة سايكس بيكو عام 1916م؛ والتي نتج عنها تقاسم منطقة الوطن الإسلامي بين فرنسا وبريطانيا في الوقت الذي كانت تفقد الخلافة الإسلامية -بقيادة السلطان عبد الحميد الثاني- نفوذها وقوتها لأسباب شتى.
وتم إزاحة الإسلام كحاكم في الأمة ونتج بعد ذلك الثورات القومية العربية بعد فشل الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين؛ والذي كان أداة للثورة ضد آخر الملك الإسلامي العضوضي بقيادة الدولة العثمانية، مما أنتج فصل الدول العربية عن كيانهم الجامع؛ ألا وهي الخلافة الإسلامية، والتي تدين بحكم الإسلام كاملًا، وأصبحت الأمة الإسلامية مفتتة في أقطار وأمصار، خاضعة لمناطق وحدود جغرافية، كل قطر يحرص على مصلحته الشخصية ولا يهتم بحقوق الأمصار الأخرى، وخاصة المجاورة له، مما حدا به لاتفاقيات مع أعداء الأمة؛ ليحقق واقعية حكمه، وتمتين الأسرة الحاكمة أو الحزب الحاكم لدولته.
فمن هنا برزت الحركات الإسلامية مصطحبة مصطلح “الإسلام السياسي”، وذلك التوصيف لحركات تغييرية سياسية والتي تؤمن بالإسلام باعتباره “نظامًا سياسيًا للحكم”، وأن الإسلام ليس عبارة عن دين عبادات أو شعائر فقط، وإنما عبارة عن نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يَصلح لبناء وإدارة مؤسسات دولة.
ويُستخدم المصطلح غالبًا في سياق الربط مع الحركات التي تمثل القوى السياسية الحالية باسم الإسلام، والتي نشأت في نهاية القرن العشرين. إلا أن العدو يراقب ويتابع واقع الأمة المسلمة، ويعي حقيقة الصراع، ويتوعد الأمة بشرذمتها وتفريقها، ويتعهد مع أحلافه ألّا يعود الإسلام بشموليته ورحمته وعدله وقدرته للمحافظة على مقدرات الأمة.
ما زالت الحملات التترية والصليبية تتوالى على الأمة الإسلامية، بقيادة صهيونية عالمية وبأداة أمريكية صليبة، وبشرائع إنجيلية توراتية مُزوّرة ومُحرّفة تدعم اليهود لاحتلال الأمة، وتدعم العدو الصهيوني لاحتلال مقدسات الأمة. والأمة في غياب تام، بل تتجاهل عدوها لترتمي بأحضانه ليكون حاميًا لها؛ لعروشها وممتلكاتها، حتى لو أخذ أعز ما تملك، ألا وهو: دينها.
المفهوم الأمريكي للاعتدال الإسلامي
محطات للمفهوم الأمريكي للاعتدال الإسلامي
(قراءة في تقرير راند 2007م):
المحطة الأولىصدور كتاب عام 1999م، أي: قبل أحداث سبتمبر بعامين بعنوان (مواجهة الإرهاب الجديد)، حاول الكتاب أن يجيب عن سؤال عمّا إذا كان “الإرهاب الجديد” يشكل خطرًا استراتيجيًا على الولايات المتحدة تحديدًا أم لا، وأشار الكتاب إلى أن خطر الإرهاب الجديد سيتركز في منطقة الوطن العربي، وسيهدد مصالح كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.
المحطة الثانية
أصدر في عام 2004م تقرير بعنوان (العالم المسلم بعد 11/9) يبحث التفاعلات والديناميات المؤدية إلى حدوث التغيرات (الدينية -السياسية) التي يشهدها المسرح الإسلامي الراهن، بهدف إمداد صانعي السياسة الأمريكية برؤية شاملة عن الأحداث والتوجهات الواقعة حاليًا في العالم الإسلامي.
قدم البحث في محوره الأول خريطة شاملة للتوجهات الفكرية في المناطق المختلفة في العالم الإسلامي، مشيرًا إلى أن المسلمين لا يختلفون فقط في الرؤى الدينية، بل يختلفون أيضًا في الرؤى السياسية والاجتماعية، مثل: الحكومة، والقانون، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والتعليم. وحاول التقرير أن يصنع مساواة مفتعلة بين الإسلام (المعتدل) وبين (العَلْمانية)، ويقسم العالم الإسلامي تقسيمًا قسريًا؛ حيث يتم -مثلًا- تعريف منطقة معينة في العالم المسلم في كونها (سلفية)، وأخرى (راديكالية) -أي: تتبني الجهاد-، وثالثة (معتدلة).
وتناول الجزء الثاني من البحث الخلافات القائمة بين المسلمين بعضهم مع بعض، مع تركيزه على خلافين أساسيين هما (الخلاف السني- الشيعي)، و(الخلاف العربي- غير العربي)؛ حيث يخلص إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تثبت ولاءها للشيعة العراقية لصدِّ المد الشيعي الإيراني -رغم صعوبة ذلك-.
المحطة الثالثة
صدر في عام 2005 تقرير بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات)، ويخلص التقرير إلى أنه لا يمكن إحداث الإصلاح المطلوب من دون فهم طبيعة الإسلام في المنطقة؛ الذي يقف سدًا منيعًا أمام محاولات الهيمنة والسيطرة على الأمة، وأنّ الحل يكمن في النظر إلى المسلمين عبر أربع فئات، هي: مسلمين أصوليين، مسلمين تقليديين، مسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين.
أما فيما يتعلّق بالأصوليين، يقول التقرير:” يجب محاربتهم واستئصالهم والقضاء عليهم، وأفضلهم هو ميّتهم؛ لأنّهم يعادون الديمقراطية والغرب، ويتمسكون بما يسمى الجهاد وبالتفسير الدقيق للقرآن، وأنهم يريدون أن يعيدوا الخلافة الإسلامية، ويجب الحذر منهم؛ لأنّهم لا يعارضون استخدام الوسائل الحديثة والعلم في تحقيق أهدافهم، وهم ذوو تمكُّن في الحجّة والمجادلة. ويدخل في هذا الباب: السلفيون السنة، وأتباع تنظيم القاعدة، والموالون لهم، والمتعاطفون معهم، و”الوهّابيون””، كما يقول التقرير.
وفيما يتعلق بالتقليديين، يقول:” يجب عدم إتاحة أي فرصة لهم للتحالف مع الأصوليين ويجب دعمهم وتثقيفهم؛ ليشككوا بمبادئ الأصوليين وليصلوا إلى مستواهم في الحجّة والمجادلة، وفي هذا الإطار يجب تشجيع الاتجاهات الصوفية ومن ثم الشيعية (يقول ابن خلدون: لولا التشيع لما كان التصوف)، ويجب دعم ونشر الفتاوى (الحنفية) لتقف في مقابل (الحنبلية) التي ترتكز عليها (الوهابية) وأفكار القاعدة وغيرها، مع التشديد على دعم الفئة المنفتحة من هؤلاء التقليديين”.
وأوصى التقرير بأهمية أن:” ندعم التقليديين ضدّ الأصوليين؛ لنظهر لجموع المسلمين والمتدينين وللشباب والنساء من المسلمين في الغرب ما يلي عن الأصوليين: دحض نظريتهم عن الإسلام وعن تفوقه وقدرته، إظهار علاقات واتصالات مشبوهة لهم وغير قانونية، التوعية عن العواقب الوخيمة لأعمال العنف التي يتخذونها، إظهار هشاشة قدرتهم في الحكم وتخلّفهم، تغذية عوامل الفرقة بينهم، دفع الصحفيين للبحث عن جميع المعلومات والوسائل التي تشوه سمعتهم وفسادهم ونفاقهم وسوء أدبهم وقلّة إيمانهم، وتجنب إظهار أي بادرة احترام لهم ولأعمالهم أو إظهارهم كأبطال، وإنما كجبناء ومخبولين وقتلة ومجرمين؛ كي لا يجتذبوا أحدًا للتعاطف معهم”.
المحطة الرابعة
دراسة بعنوان (ما بعد القاعدة)، وهي تقع في مجلدين: الأول حول حركة الجهاد العالمية، والثاني عن الحلقات الخارجية لعالم الإرهاب. تبحث الدراسة في أربعة مباحث رئيسة: المبحث الأول عن القاعدة: العقيدة، والإستراتيجية، والتكتيك، والتمويل، والعمليات، وتغير الأشخاص، والمستقبل المحتمل.
أما المبحث الثاني: فهو عن الجماعات الجهادية التي تبنت نظرة القاعدة العالمية، والتي ليست مرتبطة رسميًا بتنظيم القاعدة. والمبحث الثالث: حول الجماعات الإرهابية الإسلامية وغير الإسلامية والتي ليس لها أي صلات معروفة بالقاعدة، ولكنها تهدد المصالح الأمريكية والأصدقاء والحلفاء؛ كحماس وحزب الله، وغيرهما.
أما المبحث الأخير فهو عن الرابطة بين الإرهاب والجريمة المنظمة، ويتضمن ذلك طرق استعمال الإرهابيين للمنظمات الإجرامية في تمويل نشاطاتهم. تدعو الدراسة الولايات المتحدة الأمريكية إلى توسيع الجهود بشكل كبير لتقويض الدعم للقاعدة وخاصة من داخل الدول الإسلامية، وتقول:” إن نجاح مكافحة القاعدة (الجهاد العالمي) يتم من خلال مهاجمة العقيدة الجهادية العالمية، وقطع الصلات بين الجماعات الجهادية، وتعزيز قدرات دول المواجهة إلى مواجهة تهديدات الحركات الجهادية”.
كما يقول التقرير:” إن العقيدة الجهادية تواصل الانتشار وتلقى مزيدًا من القبول في العالم الإسلامي، وهذا سينتج إرهابيين أكثر يجددون صفوف القاعدة، وإذا تم الطعن في هذه العقيدة ومصداقيتها فإن القاعدة ستنزوي وتموت”. يؤكد التقرير أن طرق مكافحة الإرهاب التقليدية لا تكفي لهزيمة القاعدة، ويجب فهم أن الصراع مع القاعدة صراع سياسي وعقدي.
ويقول التقرير:” الحركة الجهادية العالمية حركة أيديولوجية متطرفة، والحرب عليها في أبسط مستوى يكون بحرب الأفكار”، والهدف من ذلك -كما يقول التقرير-: هو منع القاعدة من استغلال الخطاب الإسلامي والخطاب السياسي، والذي استخدمته بكل براعة. يرى التقرير أن تقويض العقيدة الجهادية العالمية من الخارج أمر صعب؛ فالقاعدة قد عبأت المسلمين ضد الغرب، لكن ليس كل الجماعات الجهادية تتفق مع القاعدة في النظرة العالمية.
ولهذا السبب تدعو الدراسة الولايات المتحدة إلى قطع الصلة بين الجهاد العالمي والجهاد المحلي، وذلك بنشر وتأكيد الاختلافات بين حركة الجهاد العالمية (القاعدة)، وبين حركات الجهاد المحلية التي لا تهدد الغرب، ومن المهم تأكيد وإبراز أن الدولة الإسلامية التي تسعى القاعدة إلى إقامتها ستستبعد التيارات الإسلامية الأخرى، -وبالإضافة إلى ذلك- فإن الولايات المتحدة ستسعى إلى القضاء على الجماعات الإرهابية، وتعزيز قدرات الحكومات الحليفة والصديقة للتعامل مع التهديدات الإرهابية، لكن بصفة استشارية بتوفير مجال جمع البيانات والتحليل والتقرير.
المحطة الخامسة
صدر في عام 2007 تقرير بعنوان:(بناء شبكات مسلمة معتدلة)، يوصي التقرير أن تدعم الإدارة الأمريكية قيام شبكات وجماعات تمثل التيار العلماني والليبرالي والعصراني في العالم الإسلامي؛ لكي تتصدى تلك الشبكات والجماعات لأفكار وأطروحات التيارات الإسلامية التي يصنفها التقرير بالمجمل بأنها “تيارات متطرفة”.
كما يؤكد التقرير على الحاجة لأن يكون مفهوم الاعتدال ومواصفاته مفاهيم أمريكية غربية، وليست مفاهيم إسلامية، وأن يكون هناك اختبار للاعتدال بالمفهوم الأمريكي يتم من خلاله تحديد من تعمل معهم الإدارة الأمريكية وتدعمهم، في مقابل من تحاربهم وتحاول تحجيم نجاحاتهم، والعمل على احتواء نهضة الأمة الإسلامية.
كما يرى التقرير أهمية استعادة تفسيرات الإسلام من أيدي التيار الإسلامي وتصحيحها! حتى تتماشى وتتناسب تلك التفسيرات مع واقع العالم اليوم، وتتماشى مع القوانين والتشريعات الدولية في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا المرأة. يؤكد التقرير أن هذا التعريف للاعتدال هو من أهم ما يمكن أن يساهم به التقرير في خدمة السياسة الأمريكية، وأن على أمريكا أن تدعم فقط الأفراد والمؤسسات التي تندرج تحت مفهوم الاعتدال بالتفسير الأمريكي له، والمقدم في هذا التقرير.
كيف يتحقق الاعتدال الأمريكي؟
تشير الدراسة إلى أن نقطة البدء الرئيسة التي يجب على الولايات المتحدة العناية بها في بناء شبكات من المسلمين المعتدلين تكمن في تعريف وتحديد هوية هؤلاء المسلمين، وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أنه يمكن التغلب على صعوبة تحديد ماهية هؤلاء المعتدلين من خلال اللجوء إلى التصنيفات التي وضعتها بعض الدراسات السابقة التي قام بها بعض باحثي معهد (راند)، ولهذا الغرض فقد وضعت الدراسة بعض الملامح الرئيسة التي يمكن من خلالها تحديد ماهية الإسلاميين المعتدلين، أهمها ما يلي:
القبول بالديمقراطية
يعتبر قبول قِيَم الديمقراطية الغربية مؤشرًا مهمًا على التعرف على المعتدلين؛ فبعض المسلمين يقبل بالنسخة الغربية للديمقراطية، في حين أن بعضهم الآخر يقبل منها ما يتواءم مع المبادئ الإسلامية؛ خصوصًا مبدأ (الشورى)، ويرونه مرادفًا للديمقراطية. كما أن الإيمان بالديمقراطية يعني في المقابل رفض فكرة الدولة الإسلامية.
القبول بالمصادر غير المذهبية في تشريع القوانين
وهنا تشير الدراسة إلى أن أحد الفروق الرئيسة بين الإسلاميين المتطرفين والمعتدلين: هو الموقف من مسألة تطبيق الشريعة. تؤكد الدراسة أن التفسيرات التقليدية للشريعة لا تتناسب مع مبادئ الديمقراطية، ولا تحترم حقوق الإنسان، وتدلل الدراسة على ذلك من خلال مقال للكاتب السوداني (عبد الله بن نعيم) قال فيه بأن الرجال والنساء والمؤمنين وغير المؤمنين لا يمتلكون حقوقًا متساوية في الشريعة الإسلامية.
احترام حقوق النساء والأقليات الدينية
وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أن المعتدلين أكثر قبولًا بالنساء والأقليات المختلفة دينيًا، ويرون بأن الأوضاع التمييزية للنساء والأقليات في القرآن يجب إعادة النظر فيها؛ نظرًا لاختلاف الظروف الراهنة عن تلك التي كانت موجودة إبَّان عصر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
نبذ الإرهاب والعنف غير المشروع
تؤكد الدراسة هنا على أن الإسلاميين المعتدلين يؤمنون -كما هو الحال في معظم الأديان- بفكرة (الحرب العادلة)، ولكن يجب تحديد الموقف من استخدام العنف، ومتى يكون مشروعًا أو غير مشروع؟ ولاختبار الاعتدال يضع التقرير 11 سؤالًا تشكِّل في مجملها المحددات الرئيسة لوصف الاعتدال المقترح الذي تتبناه الإدارة الأمريكية، وهي مقياسًا للاعتدال، وأن الإجابة عن هذه الأسئلة تحدد ما إذا كان الفرد أو الجماعة يمكن أن يوصف بالاعتدال أم لا.
التحليل للمواجهة والمكاشفة
إن ما يقوم به العدو المركزي من شن هجماته العسكرية والأمنية والسياسية والفكرية هي هجمات إرهابية منظمة، ويعي ما يريده العدو؛ إن كان في حرب عسكرية تقتل الإنسان المسلم وتمزقه وتحرقه، أم حرب الأفكار الباردة التي يتعاطى ويتماهى المسلم مع أفكار العدو المركزي أو تضمن أنه متساوق معها لدرجة التبعية.
وعليه يسعى لأمرين هامين: تقسيم الأمة فكريًا، وجغرافيًا؛ لكي يستطيع أن يوجه إدارته السياسية للنيل من جميع المتخاصمين والمتقاتلين، وتحت التحالفات الإقليمية والدولية والأمنية، وممارسة الضغط والتخويف والإرهاب المنظم من طرف العدو المركزي على الشعوب وفئاته، والتي أصبحت تطالب بأدنى حقوقها؛ وهي توفير المأكل والمشرب، وقد نسيت في الوقت نفسه الانعتاق والتحرر من هيمنة الإرهاب المنظم بقيادة العدو المركزي للأمة الإسلامية، والذي يمثله الصهيوصليبية والمتمثل باليهود وحلفائها، وهي التي تحرمها من تحررها ونهضتها من جديد، وتحرمها من خبزها ومشربها.
ومن هنا بعد انهيار الحكم العضوضي للإسلام متمثلًا بالدولة العثمانية، ونشوء القوميات وظهور العدو المركزي للأمة؛ الذي لا يختلف عليه إلا متساوق معه أو منتفع منه أو عميل له، بدا تشكيل الجماعات الإسلامية مطالبة باستئناف الشريعة الإسلامية كمنهج حياة، ومن خلال إصلاح الإنسان بواسطة التعاليم والقيم الإسلامية، ومن ثم الانتقال لإصلاح المجتمع للانطلاق به لإصلاح مؤسسات الدولة.
عهد جديد
وبعد التصادمات بين الإسلاميين والحكومات والصراعات على الحكم، والتي شهدتها الأمة خلال القرن الماضي؛ تمت المراجعات من قبل الحركات الإسلامية مما حذا بها لتشكيل فهم الإسلام السياسي، والذي يعيش مع فكرته، والتي لها مقاييس ومعاير التنظيم الفكري من خلال الفكر النخبوي، والذي أقصى ما يتمناه أن يكون بالسلطة هو ونخبته من عناصر التنظيم؛ لتحقيق بعض المكاسب التنظيمية.
بعيدًا عن استكمال الدائرة في الولوج الكامل مع الجماهير؛ ليعيش قضية الشعب من فقر وجوع واستبداد وظلم له، فعاش بين فكرته وطموحاته التي لا ترتقي بأن تكون له الولاية التامة على شعبه، ولم يخض معركة التحرير الكاملة الشاملة بكل مكوناتها التحررية، فلذا أخطأ بانعزاله عن الأمة؛ ولم يستطع أن يصنع ممارسة تكون الأمة حاضنة له، كما أنه ما زال الإسلام السياسي يعاني كيفية الخروج من فكرته، والتي أدمن الانحسار عليها ولا يقدم دعوة مفتوحة وعامة تجسد روح الإسلام التي تتعانق مع الشعوب والجماهير.
والذي لا يعرفه الإسلام السياسي أنه ما زال يعيش حقبة الملك الجبري، ولم يتحرر منها إلا بالرجوع للإسلام على طريقة رسولنا محمد -صلى الله عليهم وسلم- كما سيأتي ذكره، مما تقدم طرح الإسلام السياسي أدى لعقم فكري مقيد بفكرته التي دعا إليها التنظيم قبل الإسلام، ولم يجعل تحقيق الإسلام في الأمة دينًا وسياسةً وجهادًا، ولم يسعى لتوجيه معركة التحرر للعدو المركزي بكل المكونات، والتي تشمل الأمة في جهاد كبير؛ للانعتاق من حقبة تترية صليبية حاقدة على الإسلام والأمة المسلمة.
المصادر
- Krämer, Gudrun. “Political Islam.” In Encyclopedia of Islam and the Muslim World. Vol. 6. Edited by Richard C. Martin, 536–540. New York: Macmillan, 2004. via Encyclopedia.com 13
- قناة الجزيرة، في العمق - الإسلام السياسي في عالمنا العربي، اطلع عليه بتاريخ 14 يناير 2019
- Voll، John O.؛ Sonn، "Political Islam". Oxford Bibliographies Online Datasets. doi.
- "كيف ظهر "الإسلام السياسي" وماهي أهدافه الحقيقية؟". اطلع عليه بتاريخ 24 ديسمبر 2018.
- "ماذا بقي من الإسلام السياسي والجهادي بعد الربيع العربي؟ - جريدة الشرق". اطلع عليه بتاريخ 24 ديسمبر 2018.
- المفهوم الأمريكي للاعتدال الإسلامي (قراءة في تقرير راند 2007م)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق