طفولة قلب
دون التذكر فوق النسيان
اسم المؤلف : د. سلمان بن فهد العودة
اسم الكتاب : طفولة قلب دون التذكر فوق النسيان
صفحات الكتاب : 588 صفحة
دار النشر : مؤسسة الإسلام اليوم
سنة النشر : 1432 هـ
نوع الكتاب :مجلد
تعريف بالكتاب
قراءة : أيمن بريك
طفولة قلب..
وثيقة أمينة لتجربة د. سلمان العودة في الحياة
وفي تعليق له بصفحته بموقع تويتر قال الكاتب :كتابي «طفولة قلب» هو أصدق ما يعبِّر عن شخصيتي وأفكاري، وهو وثيقة أمينة لتجربتي في الحياة".
والمتصفح لهذا الكتاب ـ والذي جاء على رأس الكتب الأكثر مبيعًا في معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 1432 ـ يدرك منذ الوهلة الأولى أنه ليس مجرد مذكرات أو سيرة ذاتية، ولكنه تجربة حياتية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، فضلًا عن كونه سردًا وتوثيقًا تاريخيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ودعويًّا لمرحلة هامة جدًّا من عمر الأمة الإسلامية، فقد أمضى مؤلفه ست سنوات وهو يقلِّب شواهده، ويصالح ذاته، ويطعمها الوحدة والجوع والغربة، يسكنها الممرات البعيدة، وأقبية الوحشة، ومنافيَ الألم.. يصالح ذاكرته، ويبرم صفقاته الغالية معها.
ست سنوات يكتب، وفي ذيل الصفحة (الرياض/ القصيم/ جدة/ لندن/ دبلن/ القاهرة/ الدوحة/ الرباط/ طرابلس/ وأخيرًا دبي وبقية المدن الظامئة).
تجربة حياة
فـ(طفولة قلب) ليس مجرد كتاب أطلَّ به الشيخ سلمان على محبيه وطلابه ومتابعيه، كما جرت العادة خلال السنوات الأخيرة بأن يشارك الدكتور العودة في معرض الرياض الدولي للكتاب بإصدار جديد، ولكن (طفولة قلب) هو تجربة حياة؛ حيث يتحدث فيه الشيخ سلمان عن حياته منذ الميلاد وحتى الآن، متوقفًا عند بعض الأشخاص والمواقف التي كان لها أثر في حياته وشخصيته.
كما يقدِّم الدكتور العودة من خلال هذا الكتاب سردًا تاريخيًّا لحقبة من الزمن، امتدت لأكثر من خمسة وأربعين عامًا، شهدت أحداثًا وتقلبات وتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية ودعوية، فيتحدث عن ظهور النفط وتأثير ذلك على المجتمع السعودي، وأحداث الحرم، كما يؤرخ للعدوان العراقي على الكويت، والحرب الأفغانية، وظهور بعض التيارات والمدارس الفقهية التي منها ما يأخذ بخيارات فقهية وعقدية صعبة، وكذلك الانشقاق الحركي الذي ضرب تيار الحركة الإسلامية في الشام، وامتدت آثاره إلى حيث يعيشون في السعودية والعراق وغيرها، وتطور الحركة الدعوية في العالميْن العربي والإسلامي.
وقفات مهمة
ويتوقف الشيخ سلمان، في كتابه الذي جاء في 588 صفحة، عند بعض المواقف، بالشرح والتحليل والربط بينها وبين حقائق موجودة في الطبيعة البشرية والتكوين الإنساني أو الواقع المعاش، كما أن الأمر يقوده إلى الحديث عن أشخاص كان لهم دور وتأثير في المجتمع الذي عاش فيه، حتى وإن لم يكن لهم تأثير في حياته الشخصية، كما يتوقف بالوصف لمكانة بعض الأشخاص العلمية والدينية والأدبية، مثل الشيخ صالح الحصين وابن باز وابن عثيمين وابن جبرين وغيرهم، كما يتحدث عن بعض القضايا، مثل بداية تعليم البنات واعتراض البعض آنذاك.
ولا يكاد الدكتور العودة يُنهي فصلًا من فصول هذا الكتاب الثلاثة والسبعين، إلا ويتحدث بلغة الحكيم والفقيه بكلمات لها وقعها في نفوس الكثيرين، فتجده يتحدث عن ضرورات التربية بالنسبة للفتى، وخطورة قتل الطموح الساذج عند الأطفال، وتأثير ذلك على مستقبلهم، كما يتحدث عن المرء الحصيف، وإدراكه لمواطن النجاح والإخفاق، وأهمية التذرع بالصبر والدأب، كما يؤكد أن من دروس الحياة ألا يحتفظ الإنسان إلا بالذكريات الجميلة، وأن يتعلم العفوية والسذاجة في التعامل مع الوجوه الجديدة، دون أن يكون الإنسان عرضة للاستغفال أو الخداع الذي يوقعه في مهاوي الطريق.
مدرسة حياتية
كما يؤكد المؤلف في موضع آخر أن الفهم السهل الواضح للتدين والإيمان معنًى مشترك، يجب أن يوظف للتواصل والحب والتسامح وحسن الظن، وأن العلاقة الشخصية تكون بعيدة الأثر في صياغة الطالب وتكوين مستقبله، ونقل العلم والسلوك من جيل إلى جيل. وكذلك حينما يتحدث عن وفاة والده، نجده يقول: قد يتعلم المرء الكثير في حياته، لكن تبقى السمات الفطرية الجبلِّية هي الأكثر حضورًا في شخصيته.
ويؤكد الدكتور العودة على خطورة الإفراط في السلطوية على المتعلمين أو الموظفين، وافتراض أن باحة العمل جبهة صراع، مما يُفقد العملية الحياتية والتعليمية روحها، ويحول النفوس الإنسانية إلى آلات جامدة صماء، ويدمر أجمل ما في الحياة، كما يتحدث عن فلسفته في الحياة، والتي تعتمد على قراءة الوجه الإيجابي للأشياء، ويشير إلى أنه حتى الفشل له وجه إيجابي، كما يؤكد فضيلته على أن تسامح الإنسان مع نفسه وتشدده مع الآخرين يعد من العطب، بل يدمج ذلك كله بحكم وأمثال ومقولات مؤثرة، مما يؤكد أن هذه ليست مجرد مذكرات، ولكنها مدرسة حياتية تربوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
مرحلة الطفولة
ويبدأ الشيخ سلمان ذكرياته عن مرحلة الطفولة بالحديث عن والدته، التي كانت نبع الحنان في حياته، ووالده الذي عانى كثيرًا في طفولته قبل أن يستقر به الحال في مدينة (بريدة)، وكذلك عن شيخ المسجد الذي تعلم على يديه قراءة القرآن، وبيت ومدرسة القرية، واللذين شهدا أولى مراحل حياته، ثم بيت المدينة، وقد استقر به المطاف في حي (الموطأ)، إضافة إلى مشاركته والدَه في التجارة، أو الاستقلال بتجارة صغيرة في بعض الأحيان.
ثم ينتقل الدكتور العودة إلى الحديث عن بدايته مع القراءة، حيث كان يذهب إلى المكتبة العلمية للشيخ عبد الرحمن الجطيلي، يقرأ الكتب ويتصفح الجرائد والمجلات، حتى بدأ يصحب معه كتبًا يقرأها أثناء تواجده في المتجر لمساعدة والده، وحرمانه من بعض مرح الطفولة ولعب الصغار من أجل التفوق، كما يروي فصولًا من طفولته البريئة، ومواقف دراسية تركت أثرًا في حياته، ونهمه على القراءة، وإقباله على شراء الكتب.
القراءة.. والشعر
ثم يتحدث الشيخ سلمان عن انتهاء المرحلة الابتدائية بتفوق، والتحاقه بالمعهد العلمي في بريدة، وتتلمذه على يد مجموعة من الأساتذة والمشايخ، على رأسهم الشيخ صالح البليهي، والشيخ صالح السكيتي، والشيخ علي الضالع، والشيخ محمد الراشد، وغيرهم، ومعهم وقبلهم أساتذة ذوو شهرة، لكنه لم يأخذ عنهم، في مقدمتهم: الشيخ عبد الرازق عفيفي، والشيخ عبد القادر شيبة الحمد، والشيخ محمد السبيل، والشيخ محمد المرشد، وغيرهم، كما اهتم بقراءة الكتب وإعارتها زملاءه، كما كانت أولى محاولاته للكتابة الشعرية في شكل ثلاثة أبيات لبلدته بريدة.
ويشير الدكتور العودة إلى أنه تتلمذ على كتب الشيخ علي الطنطاوي، والشيخ المنفلوطي، وحسن البنا، وسيد قطب، ومحمد قطب، وأبي الحسن الندوي، وأبي الأعلى المودودي، والعقاد، وغيرهم، فضلًا عن حرصه على قراءة العديد من المجلات ذات التوجه الإسلامي. فقد كانت القراءة الأدبية هي شوقه ومتعته وإبحاره، كما كان الشعر يُلهب عاطفته ويحاكي وجدانه، فقد تعرف على الشعر القديم والحديث والمعاصر، وحفظ منه الكثير لعدد كبير من الشعراء.
المرحلة الجامعية
ثم ينتقل الشيخ سلمان إلى الحديث عن انتهائه من دراسته في المعهد العلمي، وأنه لم تكن لديه الرغبة في الذهاب إلى الرياض لدراسة اللغة أو الشريعة، وذلك لأنه كان منهمكًا في بناء دعوي مع أصدقائه، كما أنه كان يتمتع بدور قيادي بين رفاقه، وفي النهاية قرر أن يبقى في بريدة وينتسب لكلية اللغة العربية؛ حيث درس بها في السنة الأولى، وفي بداية السنة الثانية افتُتح فرع لجامعة الإمام في القصيم، ولكن لم يكن فيها قسم للغة العربية، فتقدم بطلب معه بعض التزكيات والتوصيات ليلتحق بكلية الشريعة، فتشكلت لجنة برئاسة الشيخ صالح الخزيم، ووافقت على التحاقه بالكلية.
ويشير المؤلف إلى أن المرحلة الجامعية كانت مرحلة ذهبية؛ حيث تعرَّف فيها إلى شيوخ أفاضل وأستاذة نبلاء ومربين ناصحين، كما حرص على الاتصال بالكبار والكهول، والذين كانوا بالنسبة له بمثابة القدوة.
مشايخه.. وأساتذته
ثم يتحدث الدكتور العودة عن المشايخ الذين كان لهم تأثير في مسيرته الدعوية، وفي مقدمتهم الشيخ صالح البليهي والذي وصفه بـ"الشيخ الصالح"، صاحب الابتسامة الصافية، والشيخ عبدالرحمن الدوسري، والذي وصفه بـ"الشيخ السياسي"؛ حيث كان منهمكًا في الجدل مع الناصريين والبعثيين، يتحدث كثيرًا عن اليهود والسلام، فضلًا عن موقفه مما قامت به الجماعة التي حاولت احتلال الحرم المكي تحت وطأة السلاح، والذين أطلق عليهم ـ"أصحاب الحرم"، كما كان يتحدث عن الحاكمية بروحانية عالية. والشيخ ابن عثيمين، والذي وصفه بـ"الشيخ الفقيه"، وريث الشيخ عبد الرحمن السعدي، وصاحب العلم الغزير والإيمان والورع، والتأصيل والتفصيل، والشيخ عبد العزيز بن باز، والذي وصفه بـ"الشيخ الإمام"؛ فهو شيخ سمح محبب، ليس له مشكلة مع أحد، فأخلاقه تذكِّر بأخلاق الأنبياء، يؤمن بالحكمة، ويحافظ على كرامة الآخرين، ويجتهد في التثبت والأناة، صاحب ملكة هائلة في استيعاب الناس دون تكلُّف.
ولا يفوت الشيخ سلمان أن يتحدث عن أساتذته الذين درس على أيديهم في مدرجات كلية الشريعة، وهم لفيف من الشيوخ المتخصصين في علوم الشريعة واللغة والثقافة والتربية من شتى البقاع، منهم: الدكتور علي القوني، صاحب العلم الغزير في النحو، والدكتور محمد متولي، أستاذ التفسير وصاحب الطرفة والدعابة، والدكتور عبد الكريم بكار، أستاذ النحو واللغة والثقافة، وهو المربي الفاضل، والدكتور محمد فضل مراد، أستاذ الأصول وصاحب الأدب الرفيع، والدكتور عبد الحميد أبو زنيد، أستاذ الأصول، وصاحب الخبرة والتواضع والخلق المتميز، والدكتور عزت علي عطية، المحدث المتفقه، والشيخ مناع القطان، الأستاذ الزائر، وهو أستاذ التفسير وعلومه في الدراسات العليا في جامعة الإمام بالرياض، والأستاذ أحمد محمد جمال، من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وهو كاتب قدير وصاحب مؤلفات واسعة الانتشار، ويشير الشيخ سلمان إلى أنه مدين لهذه النخبة من الأشياخ الذين توفروا على طلابهم تعليمًا ورعاية.
أسرة صغيرة
ثم يتحدث الشيخ العودة عن زواجه، وتأسيس أسرته الصغيرة، وذلك أثناء عمله بالمعهد العلمي ببريدة، وكذلك عندما رزقه الله بالمولود الأول، الذي تذوق من خلاله معنى الأبوة، وتسميته بـ(معاذ)؛ حيث كان الشيخ يكنى بأبي معاذ، منذ المرحلة الثانوية، تيمنًا وإعجابًا بمعاذ بن جبل، الصحابي الجليل، ويشير إلى أن المولود الأول هو ميدان التجربة بالنسبة لوالديه، ثم رزق بأبناء آخرين: عبد الله وعبد الرحمن، وغادة وأسية ونورة، والبراء ومحمد، كما تحدث فضيلته عن زوجته وإخوته، وكيف أنه في البداية كان يعيش في بيت العائلة، ثم عندما انتقل إلى الرياض أصبح يعيش في منزل مستقل.
كما يتحدث الدكتور العودة عن وفاة والده، والتي كان لها بالغ الأثر في نفسه، وكذلك وفاة ابنه عبدالرحمن، وهو في محبسه، وكذلك وقوف زوجته إلى جواره في كل الظروف والمواقف الصعبة.
العودة.. داعية
و يتحدث الشيخ عن إقدامه على إلقاء الدروس والمواعظ في المسجد، فقد كان المدرس في المعهد العلمي يسمى شيخًا، حيث بدأ دروسه في مسجد (العمر) بعد الفجر بعدد من الصبية يُعدون على الأصابع، حيث كان التقرير سمةَ الدرس، وذلك على طريق (السعدي ـ ابن عثيمين)، حيث استمر هذا الأمر لعدة سنوات، ثم اتسعت سمعة الحلقة، واستقبلت كوكبة من الفتيان والشبان، ثم تبدأ الرحلة العلمية من مسجد إلى آخر، كما يفد الطلاب الذين تم توفير سكن مجاني لهم، فضلًا عن رحلات العمرة والحج والتي يكون بها جو علمي وشرح للمناسك، ثم بدأ تسجيل المحاضرات، والحصاد خمسمائة ساعة أو يزيد مسجلة، وعدد كبير من المحاضرات والدروس.
ثم بدأ تردده على الرياض، حيث يتجدد اللقاء مع شباب جلُّهم من مكة والمدينة، ومضيفهم من الرياض، والحديث يتمحور حول هموم قدمت غالبًا من أرض الكنانة، حول الإيمان والكفر، والعذر بالجهل، وحدّ الإيمان وحقيقته، والحكم بما أنزل الله، والموقف من الأنظمة والحكومات، حيث يدور البحث عنها في كتب الأقدمين والمعاصرين، حيث كانت هذه المسائل فيصلًا بين الطوائف والمجموعات الإسلامية.
ماجستير.. ودكتوراه
ثم انتقل الشيخ للحديث عن المرحلة التمهيدية، حيث انتقل من بريدة إلى الرياض، واختار أن يدرس في قسم السُّنة، وذلك في وقت أصبح لبحوث السنة ودراستها حظوة عند الطلبة والمهتمين بالشريعة، والناس مقبلون على فقه الدليل ومعرفته، وسكن في حي الصالحية، حيث كان عبد الله هو المولود الجديد في الغربة، ثم بدأ فضيلته يحكي عن حياته في الرياض، وكيف تعرَّف على الآخرين، كما تحدث فضيلته عن (شيوخ الرحلة)، وهم الشيوخ الذين أشرفوا عليه، أو درَّسوا له في هذه المرحلة، وكذلك فترة عمله معيدًا في الكلية، وما اكتسبه من خبرات خلال تعامله مع الطلاب، حيث سبقها بالتدريس في المعهد العلمي ببريدة لمدة أربع سنوات.
ثم تحدث فضيلته عن أطروحة الماجستير، والتي كانت في موضوع بعنوان (غربة الإسلام وأحكامها في ضوء السنة)، وكان مشرفًا عليه الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، حيث حصل على الماجستير بتقدير ممتاز في سنتين، في 24/5/ 1408، الموافق 14/ 1/1988، وكذلك رسالة الدكتوراه، والتي وجد بعض المعاناة في الحصول عليها، والتي كانت بعنوان: "شرح بلوغ المرام للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني"، والتي أشرف عليها الشيخ عبد الله بن بيه، وتمت مناقشة الرسالة في مدينة جدة، وناقشها الشيخ ابن جبرين والدكتور خلدون الأحدب.
أصحاب المفاتيح.. ونسخة الروح
ثم يتحدث الشيخ سلمان عن من أسماهم بأصحاب المفاتيح، وهم: خالد، ويوسف، وعبدالرحمن، ومحمد المرشود، وأبو صالح، الذي تولى في البداية جانب الخدمات الإنسانية، ثم تولى أمر توزيع الأشرطة، وصرف عشرات الملايين من الريالات، وأحمد الصبيحي يرسل الطرود البريدية على آلاف الأشخاص في مصر والجزائر وغيرها، وسليمان أبا الخيل، والذي أصبح مديرًا للمكتب الجديد، ومحمد المرشود، متخصص غرفة الفاكس، وكذلك من أسماهم (حجر الأساس)، وهم أعضاء مكتبه الشخصي.
وينتقل الدكتور العودة إلى الحديث عن من وصفه بـ"نسخة الروح"، وهو الشيخ عبد الوهاب بن ناصر الطريري، رفيق الدرب، صاحب الأخلاق الكبيرة، والكرم الفطري، والعطاء الثَّر.. عاطفي يحب حتى الثُّمالة، وبكل قلبه وجوارحه، فالحب عنده لا يعرف أنصاف الحلول، ولا يؤمن بالوسطية، متحدث بليغ، يملك زمام اللغة، ويحسن توظيف مفرداتها، حتى جاز أن يوصف بأنه (خطيب العاصمة)، صاحب فكرة موقع (الإسلام اليوم). كما تحدث أيضًا عن من أسماه بـ" الشاب الجنوبي"، وهو الشيخ عايض بن عبدالله القرني، والذي تجري الطرفة في دمه بلا تكلف، صاحب الإلقاء المتميز، والروح الوثابة، وهو الذي كُتب له القبول حين كان صوته مسموعًا في الكاسيت، ثم كُتب له القبول حينما كان يكتب مقالًا يقرأه الملايين، كما تحدث أيضًا عن عدد كبير من أصدقائه.
قضايا.. ومواقف
ثم يرصد الشيخ سلمان مرحلة انتقاله من الدرس العلمي فقط إلى محاضرات في مجالات شتى، فحينما وقعت أحداث احتلال العراق للكويت، وبعد تردد شديد واستخارة هتف في درسه: (يا أهل الكويت)، وكذلك الأمر في أحداث أفغانستان والبوسنة والهرسك والجزائر، وعندما ظهرت بعض أعمال العنف في السعودية خرج الشيخ للحديث عن (فقه إنكار المنكر)، ثم يوجه (رسالة إلى الشباب)، ثم محاضرة عن (مسئوليتنا عن انحراف الشباب)، و (جلسة على الرصيف)، والتي لاقت رواجًا، وطبع منها ملايين النسخ.
ثم ينتقل الشيخ إلى الحديث عن المظاهرة النسائية في 25/4/1411، الموافق 13/11/1990، والتي أصبحت ميدانًا للَيّ الأذرعة بين فصائل فكرية متنازعة داخل البلد، حيث ألقى محاضرة بعنوان (لسنا أغبياء)، ثم محاضرة أخرى بعنوان (المرأة.. عوْد على ذي بَدْء)، ثم حدث تبرم بالشريط الإسلامي، ودوره في صناعة الوعي عند فئة، وتغييبه عند أخرى، وحواره مع الدكتور غازي القصيبي في إحدى الصحف، فكان موضوع (الشريط الإسلامي.. ما له وما عليه)، كما ردَّ الدكتور غازي على الشيخ سلمان والشيخ عائض القرني والشيخ ناصر العمر والشيخ سفر الحوالي، وبدأ السجال الإعلامي يتسع، ويلخص الدكتور غازي القصيبي الأمر قائلًا: (استعدينا عليهم السلطة واستعدوا علينا المجتمع)، كما يتحدث عن توقُّف الدرس لعدة مرات، ثم عودته.
وراء القضبان
ويخصص الشيخ سلمان جزءًا كبيرًا للحديث عن فترة اعتقاله، حيث يتحدث عن يوم اعتقاله، والذي وافق الثلاثاء 8 ربيع الأول 1415 الموافق 16 أغسطس 1994، وظروف اعتقاله، وكيف قضى أول أيامه في المعتقل، حيث شغل نفسه منذ البداية بالأمور العملية، بمراجعة محفوظِه، وضبط القرآن الكريم، وإتقان ما حفظ من السنة، وشغل الوقت بالأذكار والأدعية والتسابيح منذ اللحظة الأولى، كما تحدث عن أول ليلة له في السجن، وكيف قضاها، وكذلك التحقيقات التي جرت معه، وأول زيارة له.
ثم يتحدث فضيلته عن زوجته، رفيقة دربه، وكيف أنها صبرت وتحملت المسئولية معه، كما تحدث عن قصة ولادة ابنه البراء، وهو في السجن، وزيارته له وهو ابن عشرة أيام، وهو ما أسماه بـ"الزائر الصغير"، ثم انتقاله إلى حبس آخر أكثر فسحة، ويشير إلى أنه مدين لهذه الأيام بالأثر المعرفي، الناتج عن قراءات فاحصة ومنوعة لألوان من العلوم والمعارف، ثم يتحدث عن وفاة ابنه عبد الرحمن وهو في السجن.
تعلم.. ومخبأ سري
وأمام تربص البعض فقد ولى وجهه شطر السواد الأعظم الصامت من جمهور الناس، عاطفة صادقة، وتدينًا عفويًّا غير مؤدلج، وكلمةً تحكي جوابًا عما في نفسه، ناطقًا بقناعاته، معبرًا عن ذاته، ثم يتحدث فضيلته عن (المخبأ السري) الذي خصصه لحفظ بعض الأوراق التي ظن أنها ممنوعة في وقت ما، ويشير إلى ما آلت إليه بعد ذلك، وكيف حصل على الأوراق التي تم التحفظ عليها بعد اعتقاله.
لا باب يملكه.. ليواريه
ويختتم الشيخ سلمان مذكراته بالقول: إنه (لا باب يملكه.. ليواريه)، وإن هناك أشياء مشرعة بالذاكرة، حيث هي معلقة بأشخاصها وشخوصها وزواريبها، عمره ممتد كشاهد على حكايات لم تنته بعد.. لم يدونها.. ولم تجأر بعد ضارعة، كي تكون سطرًا ممتدًا أمام القراء، كما أن التشهد الأخير هو الآخر لم يكتب بعد.. ونقطة النهاية لم يقترف خطيئتها، وبقية الكلمات حبيسة في فمه، ويتوقف هنا في منتصف ذاكرته.
للمرّةِ المليونِ، لا غَالبَ إلاَّ الفِكرْ ولَنْ تموتَ الكِلْمَةُ الجميلَهْ بأيِّ سيفٍ كانْ... وأيِّ سجْنٍ كانْ. وأيِّ عَصْرٍ كانْ... (نزار قباني)
ردحذف