تحطيم الحركة الطلابية في سياق تدجين الشعوب..
درس فلسطيني
ساري عرابي
قد تبدو مشكلةجامعة بيرزيت، شديدة المحلّية؛ لا تتجاوز الاهتمام الفلسطيني، وربما لا تتجاوز الجامعة نفسها، لكنّها في حقيقتها نموذج جيد على الكيفية التي يُشتغل بها لتدجين شعب من الشعوب، بتحطيم حركته الطلابيّة، وطمس كل العلامات المضيئة في مسيرة شعب من الشعوب.
للحركة الطلابيّة مكانة خاصّة في تاريخ القضية الفلسطينية، وفي ضمير الشعب الفلسطيني، وهذه المكانة لا يُراد إنهاؤها تماما فحسب، وإنّما وبالإضافة إلى ذلك، يُراد محوها حتّى على مستوى الذاكرة. ويتضح الأمر إذا عُلم، أنّ الحركة الوطنيّة أساسا انبثقت، بقدر ما، من رحم الحركة الطلابيّة. وإذا كان هذا ينطبق على حركة فتح إلى حدّ كبير، فإنّ حركة حماس كانت التبلور النهائي للنقاشات والمحاولات والجهود التي سعت إلى إيجاد صيغة مقاومة للحركة الإسلامية في فلسطين، ودمجها بعمق في وسط الكفاح الفلسطيني. وكانت الأطر الطلابية للحركة الإسلامية، داخل الوطن وخارجه، من أهم المساهمين لا في تلك النقاشات فحسب، بل وفي الجهود العمليّة كذلك. والأمر ينسحب، بشكل ما، على حركة الجهاد الإسلامي التي أخذت تتشكّل بفعل نقاشات طلاب جامعيين.
ثمّ كان للحركة الطلابية مساهمة جوهريّة في الدفع نحو تفجير الانتفاضة الأولى، تمّت تغذيتها بعوامل الاستمرار، وفي خلق حالة معارضة، ولا سيما في جامعات الضفّة، شبه وحيدة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، وصولا إلى الدور الكبير لعناصرها في مدّ الانتفاضة الثانية بالعنصر البشري الفاعل. وقد حاولت الحركة الطلابية، وحدها، من خلال آخر علاماتها المضيئة المتبقية في جامعة بيرزيت، وفي ظرف غير مواتٍ، حمل عبء "هبّة القدس" في صورتها الشعبية، وهو ما منح تلك الهبّة استمراريّة محدودة.
كان للحركة الطلابية مساهمة جوهريّة في الدفع نحو تفجير الانتفاضة الأولى، ثمّت تغذيتها بعوامل الاستمرار، وفي خلق حالة معارضة، ولا سيما في جامعات الضفّة
تنبّه الاحتلال لأهميّة العامل الطلابي منذ الانتفاضة الأولى، حينما أغلق الجامعات الوطنيّة لفترات طويلة، ثمّ حَظَر الإطار الطلابي لحركة حماس، في وقت لاحق، وظلّ يستهدف عناصره بالاعتقال والأحكام العالية حتّى اللحظة، بينما عانى النشاط الطلابي من ملاحقات السلطة الفلسطينية طوال تاريخها. وإذا كانت مثل هذه الحملات قد اشتدت بعد تأسيس السلطة، وتكثّف الجهود الدافعة والمحرّكة للعملية السلميّة، فإنّها تجدّدت من بعد الانقسام الفلسطيني، ومستندة هذه المرّة إلى حالة الانقسام نفسها، وضعف الحركة الوطنيّة في الضفّة الغربيّة، وبالتالي صعوبة توحيد جهود الحركة الطلابية، وسهولة الهيمنة على المجال الجامعي، بما يشبه التأميم، وبما يشلّ الحركة الطلابية، وهو ما حصل في جميع الجامعات الوطنيّة بالضفّة، وضمن برنامج خاصّ يهدف إلى عزل الجماهير عن واجبها النضالي، وإغراقها بأسلوب حياة يتعارض تماما مع الواجب النضالي، وهو أمر كان بالضرورة سيمتدّ ليطال الجامعات والحركة الطلابيّة.
مثّلت جامعة بيرزيت حالة مختلفة نسبيّا، بحرص إدارتها على انتهاج سياسة تتمايز بها عن بقية إدارات الجامعات، وتحفظ بها مساحة من الاستقلالية للجامعة، وبالتالي تمتّع العمل الطلابي بحرّيّة نسبيّة، تتضمّن انتخابات طلابيّة نزيهة في الجملة، وعدم المسّ بالإطار الطلابي لحركة حماس. وقد أفضى ذلك إلى حيويّة واضحة للحركة الطلابيّة في الجامعة، وفاعلية على المستويات النقابية والوطنيّة، وتفاهمات جيّدة بين مختلف الكتل الطلابية، لم تكن تخلو بطبيعة الحال من خلافات راجعة إلى الانقسامات السياسية بالدرجة الأولى والتي تتمدّد داخل الأطر الطلابيّة.
هذا النموذج، بقدرِ ما هو مضيء فلسطينيّا، يبدو مظلما لجهات متعدّدة؛ في صدارتها الاحتلال، الذي يُكثّف من حملاته على طلبة الجامعة، بما في ذلك طالباتها، ويحاول بطرقه المتعدّدة ابتزاز إدارتها لدفعها نحو التضييق المتدرج على الحركة الطلابية، وصولا إلى شلّها كما هو الحال في جامعات أخرى، ويستعين بذلك، كما تفيد بعض التسريبات، بالمموّلين الأجانب، الذي يرهنون تمويلهم للجامعة بحصار النشاط الطلابيّ فيها، والحدّ من فاعليته ودوره التعبوي والنضالي.
مثّلت جامعة بيرزيت حالة مختلفة نسبيّا، بحرص إدارتها على انتهاج سياسة تتمايز بها عن بقية إدارات الجامعات، وتحفظ بها مساحة من الاستقلالية للجامعة، وبالتالي تمتّع العمل الطلابي بحرّيّة نسبيّة، تتضمّن انتخابات طلابيّة نزيهة في الجملة، وعدم المسّ بالإطار الطلابي لحركة حماس. وقد أفضى ذلك إلى حيويّة واضحة للحركة الطلابيّة في الجامعة، وفاعلية على المستويات النقابية والوطنيّة، وتفاهمات جيّدة بين مختلف الكتل الطلابية، لم تكن تخلو بطبيعة الحال من خلافات راجعة إلى الانقسامات السياسية بالدرجة الأولى والتي تتمدّد داخل الأطر الطلابيّة.
هذا النموذج، بقدرِ ما هو مضيء فلسطينيّا، يبدو مظلما لجهات متعدّدة؛ في صدارتها الاحتلال، الذي يُكثّف من حملاته على طلبة الجامعة، بما في ذلك طالباتها، ويحاول بطرقه المتعدّدة ابتزاز إدارتها لدفعها نحو التضييق المتدرج على الحركة الطلابية، وصولا إلى شلّها كما هو الحال في جامعات أخرى، ويستعين بذلك، كما تفيد بعض التسريبات، بالمموّلين الأجانب، الذي يرهنون تمويلهم للجامعة بحصار النشاط الطلابيّ فيها، والحدّ من فاعليته ودوره التعبوي والنضالي.
برز مصطلح "عسكرة النشاطات الطلابية"، ويُقصد به المظاهر الاستعراضية التي تتمثّل حالة المقاومة تاريخيّا بالنسبة للفلسطيني، كإبراز اللثام، والزيّ العسكري، ومجسّمات السلاح الكرتونيّة أو الخشبيّة، في احتفالات الكتل الطلابية
في هذا السياق برز مصطلح "عسكرة النشاطات الطلابية"، ويُقصد به المظاهر الاستعراضية التي تتمثّل حالة المقاومة تاريخيّا بالنسبة للفلسطيني، كإبراز اللثام، والزيّ العسكري، ومجسّمات السلاح الكرتونيّة أو الخشبيّة، في احتفالات الكتل الطلابية، ولا سيما في المناسبات ذات الصلة بتاريخ المقاومة الفلسطينية. وهي مظاهر، وإن كانت لا تتجاوز المشهديّة الاستعراضية التمثيليّة، فإنّها من جملة الجهد التعبوي الذي يهدف إلى تعزيز وعي الطالب بالمقاومة تاريخا وواقعا، بالإضافة إلى كونها احتفاء طبيعيّا برموز الشعب وأيقوناته، وانسجاما مع حقيقة وجود الاحتلال، وبالتالي الثقافة النضاليّة للشعب الفلسطيني، وهويّته الكفاحية التي استمدّها من قضيّته وتاريخها، وبما ينبغي أن يجعل الجامعات الفلسطينية مختلفة عن بقيّة جامعات العالم.
تحت هذا العنوان، أي "عسكرة النشاطات الطلابيّة"، حاولت إدارة جامعة بيرزيت حظر بعض المظاهر التي تُدرجه فيه، بالرغم مما في العنوان إيّاه من تضليل والتباس. فالطلبة لا يقومون بنشاطات عسكريّة حقيقيّة داخل الجامعة، لكن وبصرف النظر عن النقاشات الدائرة الآن في الساحة الفلسطينية حول ذلك، والصدام بين الحركة الطلابية في الجامعة وإدارة الجامعة، فإنّ المهمّ في الأمر؛ هو السياق الذي اختُرِع فيه هذا العنوان، وأعيد فيه إنتاجه، فقد اخترع أوّل مرّة، منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، مع جهود الدفع بالعملية السلمية وبالتالي إرادة تحطيم عناصر القوّة والممانعة في الشعب الفلسطيني، ثم يعاد إنتاجه اليوم، حينما يُنظر للحركة الطلابية في جامعة بيرزيت بوصفها العنصر الأخير المتبقي من عناصر الممانعة تلك التي ينبغي إخمادها.
تحت هذا العنوان، أي "عسكرة النشاطات الطلابيّة"، حاولت إدارة جامعة بيرزيت حظر بعض المظاهر التي تُدرجه فيه، بالرغم مما في العنوان إيّاه من تضليل والتباس. فالطلبة لا يقومون بنشاطات عسكريّة حقيقيّة داخل الجامعة، لكن وبصرف النظر عن النقاشات الدائرة الآن في الساحة الفلسطينية حول ذلك، والصدام بين الحركة الطلابية في الجامعة وإدارة الجامعة، فإنّ المهمّ في الأمر؛ هو السياق الذي اختُرِع فيه هذا العنوان، وأعيد فيه إنتاجه، فقد اخترع أوّل مرّة، منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، مع جهود الدفع بالعملية السلمية وبالتالي إرادة تحطيم عناصر القوّة والممانعة في الشعب الفلسطيني، ثم يعاد إنتاجه اليوم، حينما يُنظر للحركة الطلابية في جامعة بيرزيت بوصفها العنصر الأخير المتبقي من عناصر الممانعة تلك التي ينبغي إخمادها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق