أنا والسيسي ومصطفى النجار
عامٌ جديدٌ وسيخرج عبد الفتاح السيسي على الناس في مسوح الرهبان والقدّيسين، متحدّثًا عن القيم الإنسانية والأخلاقية، وأعداء الحياة وأهل الشر، وربما يحمل طفلًا أو طفلةً ويهدهدها بحنانٍ مصطنعٍ ومبتذل، مدغدغًا مشاعر الجماهير، بعباراتٍ ركيكة الأداء التمثيلي عن الأشرار الذين حرموا الصغار من آبائهم.
لن يكون هذا الطفل هو محمد ابن أسامة محمد مرسي، الذي جاء إلى الحياة ووالده في السجن مظلومًا، وجده أيضًا حتى الشهادة، ولن يكون سهيل ابن مصطفى النجار، النائب البرلماني السابق، وأحد شباب ثورة يناير، والطبيب المختفي قسريًا منذ خمسمائة يوم في أقبية دولة عبدالفتاح السيسي وسراديبها، من دون أن يجيب أحدٌ من المسؤولين في الدولة ذات الأفرع والأذرع الأمنية والمعلوماتية الممتدة والمتشعبة بكثافة، عن سؤاله: أين أبي؟ ومن دون أن يكشف أحدٌ لأهله وأسرته مصيره، منذ اعتقل على الحدود قبل عام ونصف العام.
لن تكون الطفلة التي يحملها السيسي لابتزاز المشاعر واحدةً من همس وهيا، ابنتي الزميل حسن القباني، اللتين أمضيتا أعوامهما الخمسة الأخيرة محرومتين من أحد الأبوين، وكأن أمن مصر القومي لا يتحمّل أن يكون الزوجان، حسن القباني وآية علاء، حرّين في بيتهما في توقيتٍ واحد، وأن الاعتبارات الجيو استراتيجية تستلزم أن يكون أحدُهما مسجونًا طوال الوقت، ويُستحسن أن يُسجنا معًا.
هذا الطفل الذي يستعمله السيسي طلاءً لوجهٍ إنسانيٍّ زائف ومصطنع لن يكون ابن الصحافية سولافة مجدي وزوجها حسام الصياد، المعتقليْن بلا تهمةٍ حقيقية، منذ اختطافهما من على مقهى في وسط القاهرة، على مرأى ومسمع من الجميع.
لن يكون طفل الحفل أو الطفلة ابنًا أو حفيدًا أو أخًا أكثر من مائة ألف من المعتقلين والسجناء والمختفين قسريًا، حتى ينعم السيسي بلحظات امتشاق الميكروفون وارتياد الكاميرا مستعرضًا إمكاناته المسرحية في أداء عاطفي بائس.
لن يتذكّر السيسي، وهو يحتضن هذا الطفل أو تلك الطفلة، وجه مصطفى النجار، ولن يقرأ أو يعي ما دوّنته شقيقته عن عذابات البحث عن ردودٍ مناسبة، حين تسألها صديقتها عن أخيها الذي ابتلعه صمت الطغاة منذ نحو 72 أسبوعًا، ومكابدات ما وصفته بقولها " أتقنت فصل روحي ومشاعري عن كلامي وأجدت التماسك عند الإجابة الأولى، ولو ضغطت علي قليلا لعاد اتصال الروح المذبوحة بالجسد، ولعلا نحيبي عنان السماء .. صرتُ وغيرى الكثيرون أجيد التمثيل تمامًا أحبتنا غائبون، ولكننا على يقينٍ برجوعهم على خير.. موقنون بأن الظلم ساعة والحق إلى قيام الساعة". ثم تسأل: كيف يسمح الإنسان لنفسه أن يكون سببا في كل هذه الأحزان والآلام؟ كيف يضحك في وجه أبنائه، وهو يحرم أطفال الناس من آبائهم وأمهاتهم؟ كيف يهنأ لهم العيش، وهم يعلمون أن آلاف القلوب تدعو عليهم حتى وهي صامتة؟
وبدوري، أود أن أسأل عبد الفتاح السيسي: هل تذكر ليلة ضمّنا اجتماعٌ معًا، أنت ومصطفى النجار وكاتب هذه السطور، وزملاء لك في المجلس العسكري، حين كنتم تتودّدون لكل من ينتمي لثورة يناير، محاولين التمسّح بها، والحصول على شرف الانتساب والمشاركة في نجاحها؟ هل تذكر حين كنا جميعًا على مائدة عشاء، وأنت تلحّ على مصطفى النجار أن يملأ صحن طعامه؟
أنا أذكر بعد ذلك بعام أنني غضبت من مصطفى النجار، وهاجمته بشدة، على أنه يراهن على احترامكم الثورة وشهداءها على نحو مبالغٍ فيه، حين راح يحتفل بيوم الشهيد (شهيد القوات المسلحة)، وهو نائب برلماني، بإقامة فعاليات ترفيهية وخدمية في منطقة مدينة نصر، وليس في ميدان الثورة، بينما قوتكم الهمجية الباطشة تحصد مزيدًا من أرواح شهداء الثورة في ميدان التحرير.
نعلم يقينًا أنكم لا تقيمون وزنًا لقانون، وتُناصبون قيما ومبادئ مثل حقوق الإنسان والعدل وحرية التعبير العداء، فهل يمكن، اعتبارًا لحقوق "العيش والملح"، كما يقول أولاد البلد، والود القديم، وإن كان كاذبًا من طرفكم، أن تجيب أسئلة ابن مصطفى النجار وأسرته: أين هو وماذا فعلتم به؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق