إبادة جماعية بمواصفات قانونية إنسانية!!
كيف يُعقل أن تقوم الولايات المتحدة بشرعنة الإبادة الجماعية التي تشنّها مع الكيان الصهيوني على قطاع غزة؟ ففي الأيام الأخيرة التي سبقت أسبوع الهدن الإنسانية بين حركة "حماس" والكيان الصهيوني نهاية الشهر الماضي، وفي عملية خداع مفضوحة؛ وجّهت الإدارة الأميركية عدّة رجاءات لحكومة الكيان الصهيوني، بضرورة مراعاة القانون الدولي والإنساني في حربها ضد حركة "حماس"، مؤكدة ضرورة مواصلة الحرب للقضاء عليها وتحرير الأسرى، وذلك في محاولة من الإدارة الأميركية لتخفيف حدة الاحتجاجات الشعبية ضدها. وتماشياً مع هذه الرجاءات وجّه رئيس وزراء الكيان الصهيوني جيشه لمراعاة ذلك في الجولة الثانية من الحرب التي أعقبت فشل تمديد الهدن الإنسانية، وعندما رأت الإدارة الأميركية أن حدّة الإبادة الجماعية أشد مما كانت عليه في الجولة الأولى، انبرت للدفاع عن الكيان الصهيوني، والتشديد على أنه يراعي القانون الدولي والإنساني الذي يعطيه الحق الكامل في الدفاع عن نفسه، وتبرير الإبادة الجماعية ضد المدنيين بأن الحروب عادة ما يسقط فيها مدنيون أبرياء.
كيف يصمت العالم على جريمة الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية متكاملة الأركان، ويقبل ادعاءات الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني بأنها تسير وفقاً للقوانين الدولية والإنسانية، وأن الاستمرار فيها حقّ مشروع للدفاع عن النفس؟
الشريك الأكبر في الجريمة
هكذا، وبكل بلادة وعنجهية واستكبار، تشرعن الإدارة الأميركية لنفسها وللكيان الصهيوني حق القيام بالإبادة الجماعية في الدول والمناطق التي تغزوها وتحتلها، على غرار ما فعلت في فيتنام والعراق وأفغانستان. ولا غرابة في ذلك، فمنذ اللحظة الأولى لحرب الإبادة الجماعية التي شنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة؛ كانت سلوكيات ومواقف الإدارة الأميركية تجاه الحرب سلوكيات ومواقف الشريك الكامل مع سبق الإصرار، من حيث التبنّي والتخطيط والدعم العسكري والسياسي والإعلامي، لإتمام الجريمة على الوجه الذي يحقق مصالحهما المشتركة.
وطبعاً، لا يستطيع أحد على وجه هذا الكوكب في هذا الزمان إلقاء القبض على الجاني ومحاكمته ومحاسبته، فهو القاضي والحاكم المتسيّد، الممسك بزمام القوانين والتشريعات، والمتربع على عرش النظم والمؤسسات الإقليمية والدولية، هو القوّة العظمى الوحيدة المهيمنة على العالم بمؤسساته الأممية ومنظماته العالمية وتشريعاته وقوانينه، يرى ما يريد أن يراه، ويغض الطرف عما سواه، ويشرّع لنفسه ما شاء من التشريعات والقوانين التي تحقق له الموالاة لمن يشاء والمعاداة ضد من يشاء، دون أن يكترث للاحتجاجات والاعتراضات الإعلامية والشعبية، الداخلية والخارجية، فهي مجرد حقوق شرّعها لهم النظام للتعبير عن الرأي والموقف، ولكنها لا تستطيع أن تتخطاه إلى أكثر من ذلك.
منذ أو وطأت قدما الرئيس بايدن مكتبه في البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة مطلع العام 2021م، وهو لا يترك مناسبة دولية أو إقليمية إلا ويشدد فيها على سيادة "النظام العالمي القائم على القواعد"، وقد كشفت الحرب الروسية في أوكرانيا، جانباً من هذا النظام إلا أن حرب الإبادة الصهيو-أميركية على قطاع غزة، كشفت بوضوح تام طبيعة هذا النظام القائم على الأنانية، والظلم، والتسلّط، والتهديد، وتلفيق الأكاذيب، والخداع، وهيمنة القوّة، والفساد والاستبداد، واستغلال دول الهامش، وقمع من تسوّل له نفسه الخروج على هذا النظام، أو يطالب بالعدالة والإنصاف. وكل ذلك ما هو إلا بداية النهاية، فحركة التاريخ تنبؤنا بأن الوصول إلى هذه المرحلة يعني الوقوف على حافة الانهيار، وقد لا يطول الوقوف على هذه الحافة، بعد أن بدأت أعالي هذا النظام تنهار مع انهيارات قطاع غزة، منذرة بانهيار أسس النظام، فحركة التاريخ لن تقف على أبواب الولايات المتحدة وتعود أدراجها دون أن تدكّها إذا ما استمرت على هذه الحال.
هل توقظ حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضمير العالم، وتحرّك الزلزال الذي سيهدم النظام العالمي الأميركي القائم على القواعد، ليقيم نظاماً عادلاً، يرفض الهيمنة والاستكبار، ولا يعترف بالعنصرية الفوقية ولا بازدواجية المعايير؟
العبودية الضّالة
أين العالم الذي تداعى للتعبير والتضامن مع الكيان الصهيوني ضد ما اعتبرته زوراً وبهتاناً إرهاباً قامت به حركة حماس ضد المدنيين من الأطفال والنساء، وتسابقوا على أعلى مستوى لتقديم كافة أنواع الدعم السياسي والعسكري والإعلامي التي يحتاجها الكيان الصهيوني؟ أين هم من الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية الممنهجة التي يتعرض لها قطاع غزة؟ وكيف يتسابقون في نقل الادعاءات والأكاذيب الصهيو-أميركية بعد أن كشفت لهم التحقيقات النزيهة المحايدة وشهود العيان أن كتائب القسام لم تقم بأي اعتداءات على المدنيين، وأن نتنياهو وأجهزته الأمنية التي تأتمر بأمره ضالعة في القتل والدمار والحرائق التي لحقت بمستوطنات غلاف غزة؟
أين المؤسسات الدولية التي نبت لها في 7 أكتوبر، تشرين الأول ألف لسان من التنديد والاستنكار والتجريم و(الدعشنة) ضد حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية؟ كيف تعجز هذه المؤسسات المنبثقة عن أكبر منظمة دولية؛ عن إدخال المساعدات الإنسانية للمنكوبين في قطاع غزة؟ كيف لا تقوم هذه المؤسسات بحل نفسها، بعد أن فقدت مصداقيتها في امتحان حرب الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة، وتبين لها أن العالم ينقسم إلى قسمين لا ثالث لهما، القسم الأول هم الصهاينة، والقسم الثاني هم غير الصهاينة (الأغيار)، وأن الهيمنة والسيطرة في هذه المؤسسات هي فقط للصهاينة.
هل يعقل أن دول العالم بأسرها عاجزة عن إيقاف هذه الهجمة البربرية الوحشية الصهيو-أميركية ضد المدنيين من النساء والأطفال والعجزة في قطاع غزة؟
كيف يتقبّل العالم هذا القتل والتدمير والتهجير القصري والانتهاكات لكافة الأعراف والقوانين والتشريعات الدولية بذريعة حق الدفاع عن النفس؟ وحق الدفاع هذا لمن؟! للمجرم المحتل الرافض لكافة قرارات الشرعية الدولية، والمنقلب على كافة مواثيقها وقوانينها!
كيف يمكن للعالم أن يصمت على هذه الجريمة الصهيو-أميركية المتكاملة الأركان، ويقبل ادعاءات الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني بأن الاستمرار في هذه الجريمة حقّ مشروع للدفاع عن النفس، وأنها تسير وفقاً للقوانين الدولية والإنسانية؟
وكيف يمكن للإعلام الحرّ الذي مضى عليه عقود طويلة من الزمن وهو يتشدق بالحياد والدقة والنزاهة والموضوعية، كيف له أن يجاري الكيان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني فيما يبثونه يومياً من أكاذيب، قبل أن يخضعونها للتدقيق والتمحيص؟ كيف يمكن لهذا الإعلام أن يصدق أن كتائب القسام كانت تغتصب النساء المختطفات، وهي تعلم أن كتائب القسام وحركة حماس وسرايا القدس والجهاد الإسلامي تلتزم بتعاليم الدين الإسلامي التي تحرّم عليها القيام بهذه الجريمة؟
كيف يمكن لهذا الإعلام الحر (المتحضّر) أن يعلو صوته بملء شدقيه حول انتهاكات المقاومة الفلسطينية في مستوطنات غلاف غزة يوم 7/10 الماضي، ويتمتم على استحياء حول جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة يومياً منذ شهرين، ويصر التحالف الصهيو-أميركي على استكمال فصولها حتى النهاية، رافعاً راية مراعاة القوانين الدولية والإنسانية؟
فهل توقظ حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضمير العالم من جديد، وتحرّك الزلزال الذي سيهدم النظام العالمي الأميركي الغربي القائم على القواعد، ليقيم نظاماً عادلاً، يرفض الهيمنة والاستكبار، ولا يعترف بالعنصرية الفوقية ولا بازدواجية المعايير؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق