إيران تحكم بأحكامها في بلاد العرب والحوثي يسبق حزب الله بموقعه الجغرافي
لم يعد الأمر سرًا وبات صراع الممالك القديم واضحًا أكثر من أي وقت مضى إلى حد لو خرجت جمهورية إيران الثيوقراطية لتعلن صراحة عن أهدافها الاحتلالية في بلاد العرب ما تغير شيء. فالدول العربية حتى الأقوى منها حاليًا وهي المملكة العربية السعودية صارت أسيرة لمشروع اقتصادي أشبه بحلم لن يكون بالإمكان تحقيقه أو الحفظاظ على منجزاته حال استمر بقاء مليشيا الحوثي بهذه القوة والقدرة على السيطرة والقصف والتفجير.
البداية
وحدهم المخدوعون من نخبة الأمة العربية والإسلامية المنكوبة، والعوام، من لا زالوا يرون إيران كجمهورية محسوبة على الصف الإسلامي، فضلًا عن المخربة فطرتهم. فإيران في ظل حكم الملالي هي الصنيعة الغربية التي ورثت كل الفكر التوسعي الحاقد للدولة الفارسية على الأمة الإسلامية وفي قلبها العرب، فقط لأن الفتح الإسلامي هو الذي حولها من المجوسية إلى الإسلام، ومعه توقف المد الفارسي، وانتهت دولة كسرى بلا رجعة.
لكن عصابة فارسية متطرفة كالحاكمة منذ العام 1979، صنعت بأيد غربية، وهيأت لها الأرض بمواقف غض الطرف عن مقاتلها للإيرانيين، من البلوش والطاجيك والعرب، وأصحاب الفكر الاشتراكي، إضافة لعمليات اختطاف هنا، وتفجيرات هناك، وتحركات لامتلاك أسلحة فتاكة ونوعية، وأخيرًا وليس آخرًا امتلاك مليشيات في كل دول العالم العربي والإسلامي تقريبًا وخلايا في معظم دول أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية.
هذه العصابة المصنوعة امتلكت حقدًا كافيًا لزلزلة أي استقرار بدول العرب والإسلام، لكي تواجه قرينتها الصهيونية في ذات المشروع لصالح الغرب ومصالحه. فليس أفضل من هاتين الدولتين محدثًا للقلاقل، ومصدرًا للرعب كي يتم تصدير السلاح لفقراء العرب وأغنيائهم كوسيلة ردع لا تأتي أبدًا.
الكراهية عقيدة الملالي
هذه الكراهية وهذا الحقد على العرب والمسلمين السنة إذا ما افترضنا على غير الحقيقة أن إيران ممثلة للشيعة، لا يمكن نزعه من صدور هذه الفرقة المتطرفة؛ بالرغم أن النظام الإسلامي الفاتح لبلاد فارس استوعب الحضارة الفارسية، كما أن الفرس استبدلوا بأبجديتهم الأبجدية العربية بعد أن استقر الحكم الإسلامي في بلادهم؛ لكنهم لم يتعربوا عكس أهل العراق والشام ومصر، وفضلوا الاحتفاظ بهويتهم القومية الفارسية الخاصة، وفي وقت لاحق امتزجت الثقافة الفارسية بالثقافة الإسلامية، ونتج عنهما ثقافة جديدة انعكست إيجاباًعلى أغلب أنحاء المشرق.
نبذة تاريخية للصراع
كانت أرض العراق بسبب حدوده البرية الطويلة مع بلاد فارس, مسرحًا لذلك الصراع، الذي اتخذ طابعًا مختلفًا في كل فترة كالصراع السياسي والعرقي (القومي), والفارسي – العربي, ثم الصراع الديني – المذهبي. وقد كان استعمال القوة العسكرية حاضرًا في كل تلك الصراعات.
الحضارة العيلامية قامت الحضارة العيلامية في الألفية الرابعة قبل الميلاد في المنطقة المعروفة الآن بالأحواز وعاصمتها (سوسة)، والتي توسعت وشملت أجزاء من بعض المناطق الجنوبية من العراق. وبعد مجيء سرجون الأكدي ( 2371- 2316 ق.م. ) إلى الحكم استطاع أن يتوسع بنفوذ دولته واستطاع أن يسيطر على أجزاء من بلاد عيلام وأن يضمها إلى مملكته.
ثم جاءت نهاية الحكم الأكدي على يد الكوتيين وهم من القبائل التي كانت تستوطن أواسط زاكروس في منطقة همدان. وبقي هؤلاء في الحكم حوالي قرنا من الزمن مابين ( 2211 – 2120 ق.م.). وكانت فترة حكمهم من الوجهة التاريخية من أولى الفترات المظلمة في تاريخ وادي الرافدين.
وفي سنة ( 539 ق.م. ) سقطت بابل بعد أن ضعفت تحت الاحتلال الفارسي بقيادة (كورش) حيث استطاع أن يدخل بابل بمساعدة اليهود الذين تم سبيهم من قبل نبوخذنصر في سنة (597 ق.م.) , ومقابل تلك المساعدة سمح لهم ( كورش ) أن يعودوا إلى فلسطين. ويعتبر( كورش) مؤسس الإمبراطورية الفارسية سنة (559 ق.م.) والتي توسعت وشملت العراق وبلاد الشام ومصر وليبيا وأجزاء من دول الخليج واليمن.
وتوالت عصور الاحتلال لبلاد النهرين من قبل الأسر الفارسية: الأخمينية , السلوقية, الفرثية, الساسانية إلى أن جاء الفتح الإسلامي، حيث تم تحرير البلاد من الحكم الفارسي الساساني بعد عدة معارك ابتداء من معركة القادسية ( 636 م. ) وانتهاء بمعركة نهاوند ( 642 م.)، والتي سميت بفتح الفتوح، حيت تم القضاء على حكم الدولة الساسانية في بلاد فارس، والتي دام حكمها أكثر من أربعة قرون.
وبعد الانتصار في تلك المعركة وتطهير بلاد النهرين من الفرس قال الخليفة عمر بن الخطاب (ليت الله لو جعل بيننا وبين فارس جبلًا من النار)! وبالرغم من ذلك فإن العرب المسلمين هم الذين تخطوا حدود بلاد فارس باسم الفتوحات ونشر الدين الجديد!
في ظل هذا الصراع السياسي العسكري، نشأ صراعًا عرقيًا (قومي)، فبعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس، ودخول معظم الفرس (المجوس) في الإسلام، سواء رغبة أو رهبة, بدأ صراع من نوع جديد بين العرب والفرس، إنه الصراع الفكري الحضاري بين القوميتين!
بدأ هذا الصراع الفكري في العهد الأموي، والممارسة الفوقية ربما لبني أمية في إدارة الدولة ساهمت في ظهور تيار الشعوبية، تيار التعصب الفارسي (الشعوبي)، وهؤلاء الفرس الذين تأثروا من العرب لاحتلال دولتهم, فكرهوا واحتقروا كل ما هو عربي لغة وفكرًا وملبسًا وعادة. فلم يكن من السهل على الفرس أن يتخلوا عن مجوسيتهم، ولم يكن من السهل عليهم أن يخسروا امبراطوريتهم.
تيار الشعوبية (كراهية العرب) ساهم في تمزيق الدولة الأموية وبسببه ظهرت الدولة العباسية وبسواعد فارسية وخاصة على يد أبي مسلم الخراساني!
ويعتبر الشاعر الفارسي أبو القاسم الفردوسي مؤلف ملحمة (الشاهنامه) أو (كتاب الملوك) من أكثر الشعراء شعوبية من حيث تمجيده للفرس واحتقاره للعرب! وتعد الشاهنامه الملحمة الوطنية للفرس.
وبعد قيام الدولة العباسية كان تأثير الفرس واضحًا وجليًا فيها حتى أن الجاحظ وصفها بـ (عجمية خراسانية), أي على عكس الدولة الأموية، والتي كانت (عربية أعرابية)! فقد كان أغلب خلفاء بني العباس من أمهات جواري أغلبهن فارسيات، إضافة إلى الروميات والتركيات والحبشيات!
لقد كان للفرس حضور قوي داخل القصور العباسية وذلك بفضل نسائهم, خاصة البرامكة الذين سيطروا على كثير من المناصب في عهد هارون الرشيد الذي أرضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي!
وبعد الرشيد بدأ صراع الأخوة الأعداء الأمين: ابن زبيدة العربية الحرة, والمأمون: ابن مراجل، الجارية الفارسية.
فمحمد الأمين كان مساندًا من قبل العرب، وعبدالله المأمون، كان مدعومًا من قبل الفرس، وخاصة من أهالي خراسان! وكان الصراع بين الأخوين يمثل صراعًا بين العرب والفرس, والذي انتصر فيه الفرس على العرب بانتصار المأمون على أخيه!
وبتوسع الدولة العباسية في أعماق بلاد فارس، ومن ثم وصولًا إلى بلاد السند والهند، اعتنق معظم سكان تلك البلاد الإسلام إيمانًا بالدين الجديد أو خوفًا من السيف أو ربما رغبة في الغنائم التي كانت تزداد بتوسع دولة الإسلام!
وبعد أن ضعفت الدولة العباسية نشأت أسر قبلية فارسية تولت السلطة في أقاليم بلاد فارس، ثم ازدادت قوة وتوسعت إلى أن سيطرت على مركز الخلافة الإسلامية، وأصبح الخلفاء مجرد حكام رمزيين!
وعقب الصراع الفكري، نشأ الصراع الديني، أو المذهبي.
لقد كانت السيطرة البويهية ومن ثم السلجوقية على العراق تمثل بداية الصراع (الديني- المذهبي), فقد كان البويهيون من المذهب الشيعي والسلاجقة من المذهب السني!
وحاول كل أن يفرض مذهبه على الساحة العراقية. وأصبح الأناس العاديين أداة المواجهة بين القوى المغتصبة باسم الطائفة والمذهب، وأصبح ذلك الصراع المذهبي الحجر الأساس للصراع المذهبي على الساحة العراقية فيما بعد بين الصفويين والعثمانيين وعلى نطاق أوسع وبشكل أعنف!
فمنذ أوائل القرن السادس عشر وأواخر القرن العشرين أصبح العراق مسرحًا للصراع الصفوي- العثماني. فتارة وقع تحت الاحتلال الصفوي (الشيعي) وتارة تحت الاحتلال العثماني (السني)!
وعندما دخلت القوات العثمانية بغداد واحتلتها سنة 1534 م , كانت الورقة الطائفية حاضرة على الساحة, ففي الوقت الذي ادعت فيها بأنها حامية للطائفة السنية, عملت على التنكيل بالطائفة الشيعية! وهذا انطبق على الاحتلال الصفوي مرة أخرى عندما استعان الشاه عباس بالبريطانيين وخبراتهم واحتلوا بغداد سنة 1623 م وأعلنت نفسها أيضًا حامية للطائفة الشيعية ونكلت بالطائفة السنية!
وبعد أكثر من عقد من الزمن استطاع السلطان العثماني مراد الرابع ان يهزم الصفويين وأن يحتل بغداد سنة 1637 م، وفي النهاية تم عقد معاهدة وصلح بين العثمانيين والصفويين سنة 1638 م لإنهاء الصراع بينهما، حيث احتفظ العثمانيون بالعراق بموجب تلك الاتفاقية حتى أوائل القرن العشرين، عندما احتلت بريطانيا العراق خلال الحرب العالمية الاولى 1914 – 1918.
وفي العصر الحديث وامتدادا لتلك الأنواع من الصراعات وتراكمات الماضي وما أفرزه الاحتلال الأجنبي من العداء والكراهية بين بلاد العرب وبلاد فارس والتي تم تغييرها إلى ايران (بلاد الآريين) سنة 1934 من قبل رضا شاه بهلوي، بعد أن قام بضم الأقاليم التي كانت تتمتع بحكم ذاتي, استمرت العداوة والبغضاء بين الفرس والعرب وخاصة بعد أن انسحبت بريطانيا من المنطقة مخلفة وراءها مشاكل حدودية ومناطق نفوذ متنازع عليها من قبل الطرفين وكل يدعي بأنه صاحب الحق وصاحب السيادة عليها!
وتفاقم الأمر أكثر وازداد العداء بين العرب والفرس بعد الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه سنة 1979, وعادت إلى الواجهة الصراع القومي- المذهبي من خلال تلك المشاكل الحدودية والمناطق المختلف على سيادتها كمشكلة شط العرب والتي لم تؤدي ثمان سنوات من الحرب إلى حلها! وهناك مشكلة الجزر الثلاث ومعضلة تسمية الخليج, هل هو خليج عربي أم خليج فارسي؟
يبدو أن تاريخ الصراع العربي – الفارسي يعيد نفسه مرارَا وتكرارَا ويدور في دائرة الصراع السياسي -القومي – المذهبي – العسكري؛ ولكن الاختلاف الوحيد في هذا العصر هو تواجد المحتلين الأمريكيين بدلَا من المحتلين العثمانيين! وساحة الصراع ليس فقط العراق؛ بل دول الخليج أيضَا!
حلم بدأ يتحقق
إعطاء الصراع الفارسي (الإيراني) – العربي بُعدًا دينياً، لا يتوافق مع الحقيقة لا التاريخية ولا المعاصرة، فالعرب هم خليط سني شيعي مسيحي يهودي صابئي وثني لا ديني، ولم يلحظ أن أحداً من العرب تعاطف مع بلاد فارس (إيران) أو انضم إليها في فترات الصراع الحديث معها، وهي التي كانت تحلم بالاستحواذ والسيطرة على مقدرات دول الخليج وكأنها ميراثها المستحق. ولكم قاتلت على تسمية الخليج العربي بالفارسي منذ الشاه وإلى اليوم، وبالسيطرة على مضيق هرمز، والواقع خير شاهد، وأصبحت اليوم تتمدد في أغلب أرجاء الوطن العربي: من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى لبنان، لتضع أقدامها في تلك الدول مستفيدة من حالة الفوضى فيها، وتعزز وجودها وتنطلق منها لابتلاع ما تبقى من الدول العربية والإسلامية.
حلم قديم بدأ يتحقق، ويبرز ويشجع الملالي على الاستمرار فيه لتصبح دولة فارس العنصرية شرطي المنطقة والحليف الأقوى للغرب في هذا الإقليم المحاط بدول تملك ترسانة من الأسلحة النووية، ولا تبعد عن القطب الجديد المارد الصيني الذي يملك كل المقومات لأن يصبح قطبًا ثانياً مع الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذي أفل نجمه ولم تعد روسيا نداً للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي سبيل ذلك تستخدم أدواتها وأذرعها في بلدان عربية أربع، هي العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.
إيران لم تعد بحاجة لتضرب بنفسها السعودية أو الإمارات، أو حتى الكيان الصهيوني، يكفيها ما يفعله الحشد في العراق، والشبيحة في سوريا، ومليشيا حزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن.
إيران الآن باتت رمانة الميزان للأسف في حفظ أمن بلادنا ومنطقتنا، ولا بد أن تكون حاضرة كي يتم تشكيل حكومة في لبنان، أو تحل أزمة فلسطين، أو تأمن السعودية والإمارات والبحرين على أراضيهم من صواريخ الحوثي، والآن العالم كله يستحضرها لكبح جماح الحوثي في البحر الأحمر، ووقف اعتداءاته على السفن المارة به، وبمضيق هرمز!
فمليشيا الحوثي اليوم باتت الذراع الأهم لإيران بسبب موقعها الجغرافي المميز، وأهمية مضيق هرمز المتواجدة عليه، والذي تمر من خلاله 30% من تجارة العالم، وبطبيعة الحال هذا النموذج الإرهابي والقرصنة الذي لا يمكن أن يكون نموذجًا لدولة تنتمي للمجتمع الدولي وقوانينه،وإنما عصابة متمردة، هو في واقع الحال أكبر خدمة تقدم للنظام الإيراني، الذي يسعد كثيرًا بتأليب العالم على أراضينا العربية، وبالتالي إشغالهم بنا، وإشغالنا بهم، كي تمضي مسيرة الفارسي في بلاده بأمان وطمأنينة.
هذا الحال هو الواقع الذي يجب أن نرفضه، على أن يكون الرفض ذكيًا من خلال التحييد تارة، والمعاهدات تارة؛ لكن الأهم هو العمل وفق خطة متوسطة الأجل لإنهاء هذا التداخل والاقتحام الفارسي لبلادنا.
هذا يقتضي أولًا وقف التمدد الإيراني، عبر تبني الدول العربية لقضاياها، وعودتها كمساهم قوي في التنمية العالمية، وتقديم مفكرين وعلماء ورموز لهذه الدنيا نثبت من خلالهم أننا أحياء، أو نستحق الحياة، وأننا بحق خلفاء الله في الأرض.
ثم العمل على القضاء على هذا النفوذ بالكلية من خلال قوة استخباراتية عربية متكاملة ومتحدة، تستطيع دق إسفين بين العناصر المتشيعة الموالية لملالي إيران، وجعلهم يفتتون بعضهم البعض، تمامًا كما تفعل إيران الملالية والكيان الصهيوني، وننقل المعركة لأرضهم، ورجالاتهم، لنشغلهم بأنفسهم عنا.
وهذا على التوازي مع استمرار التنمية وتقديم النموذج الإنساني الراقي، الملتصق بربه ودينه وثقافته، للحفاظ على الهوية العربية كقلب نابض دائم للعالم الإسلامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق