حرب غزة والغثائية التي أصابت الأمة الإسلامية
بادية شكاط
ممثلة الجزائر في منظمة اعلاميون حول العالم
عضو مؤسس
الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
سيدنا ورسولنا محمد وعلى آله وبعد:
يقول الجابري في كتابه “بنية العقل العربي”:”إن ما ننشده
اليوم من تحديث للعقل العربي وتجديد للفكر الإسلامي
يتوقف ليس فقط على مدى استيعابنا للمكتسبات العلمية
والمنهجية المعاصرة،مكتسبات القرن العشرين وما
بعده،بل أيضا – ولربما بالدرجة الأولى- يتوقف على مدى
قدرتناعلى استعادة نقدية ابن حزم وعقلانية ابن رشد
وأصولية الشاطبي وتأريخية ابن خلدون”
إننا بالفعل بحاجة لوقفة تأمل في الفكر العربي،لأن الفكر
برأينا هو الذي يقود الشعوب إما إلى دنيا تصيبها أو إلى
دناءة تصاب بها،فما يحصل من انفعالات لاتكاد تتجاوز
الحناجر لأجل مأساة غزة لهو أمر يندى له الجبين،وهو
الخذلان مهما تطاولت الأعناق على المنابر أو تعالت
صيحات الحناجر،فالحماس الذي شهدناه بفوز في
مبارياتلكرة القدم لهو أشد حماسا من دعمالمقاومة
الفلسطينية حماس،بل هناك من فرط تثبيطهم لعزائم
مقاومة تقاوم عن جميع الأمة،بأنها المقاومة التي لن تخرِق
جدارًا أوتحرِق ستارًا”
فمتى نكف عن هذا التضعضع والتثاقل إلى الأرض،ونصنع
بالفعل الفارق بأفعالنا لابأقوالنا؟
متى نكف عن البقاء ككوب معلَّق في الفضاء،غايتنا أن ندور
كي نقتبس من غيرنا قبسًامن نور؟
لماذا هذه الازدواجية الطفولية في الهوية؟ ولماذا هذا
التناقض العقلي أو بالأحرى التناقض الفكري؟ _فهنا
لانقصد بطرحنا نظرية هوية العقل في فيزيائية فلسفة
العقل التي طورها كل من جون سمارت ويولين بليس_
فإذا كانت هويتنا هي أننا أمة إسلامية،فكيف يمكن أن تكون
أمتنا إسلامية ثم يرسم غيرنا لنا وجهتنا السياسية
والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بعيدا عن إسلامنا؟
متى نفهم أنه من المستحيل الانسلاخ من هويتنا،فالأفعى مهما
حاولت الانسلاخ من جلدتها فلن تجد نفسها إلا وهي
تجددها؟
فإذا كان الماء لايمكنه أن يكون ماء ونارا في الوقت
نفسه،فإنه لايملك غير ذاته هوية،فكيف يمكن أن نكون أمة
الإسلام وأمة بغير إسلام في الوقت ذاته؟
وكيف وديننا دين السلام نذعن لدول الإرهاب بأننا أمة
الإرهاب،بل ونعقد اتفاقيات دولية لتصنيف مقاوماتنا
الاسلامية بأنها ارهابية؟
فليخبرنا حكام دولنا،هل ماعقدوه من اتفاقيات هي عقود انقياد أم عقود اعتقاد؟
فإن كانت عقود انقياد فهم ليسوا أهلا لقيادة شعوب إسلامية،وإن كانت عقود اعتقاد فهم في الأساس لاينتمون إلى تلك الشعوب الاسلامية.
فقبولنا بمثل هذه التبعية قد حوّلنا بالفعل إلى ظلال خاوية من
الأجساد والأرواح،فلا نحن جسد واحد متماسك في
جغرافيته،ولانحن روح واحدة متمسكة بهويتها،والمؤسف
أننا أطلقنا ثوراتنا العربية رفضا لظلم واستبدادحكام دولنا،ثم
توقف حراكنا لمجرد إدراكنا أن هناك نظام عالمي متحكم
برقابنا،فسكنت جميع حركاتنا ورضينا باستكانتنا،في الوقت
الذي ينبغي أن نستغل لحظة تهاوي هذا النظام،وحراك كل
شعوب العالم ضده،وهو يراه يقف موقف المتفرج لما يقع
من إجرام ووحشية ضد المدنيين المستضعفين في غزة،نحن
للأسف مازلنا متعلقين بأهداب التبعية وخرجنا نستغيث
بأدوات هذا النظام الدولي الوحشي الهش،لنطلب الأمن من
مجلس الأمن،ولانعلم بأي مجلس أمن يستغيث المستغيثون؟
هل بأمريكا التي تدعم الكيان الصهيوني وتمده بأفظع الأسلحة؟
أم ببريطانيا صاحبة وعد بلفور الذي منح فلسطين للصهاينة؟
أم بروسيا التي أبادت المسلمين في سوريا؟
أم بالصين التي أبادت مسلمي الإيغور؟
أم بفرنسا التي أبادت المسلمين في الجزائر ومازالت الى الآن تتفاخر بجماجمهممصفوفة في متحف تدعوه متحف الانسان؟
بمن ياترى يستغيثون؟
بنظام أثبت وحشيته وهو يكتفي بإلقاء البيانات والإدانات،بينما آلاف الأطفال إما أيتاما مشردين في الشوارع أوملاجئ لاتحسن أن تأويهم،أو مدارس لم يتعلموا فيها بعد أسباب هذه الشرور التي تحيط بهم،أو مصابين في مستشفيات تتنزل عليهم القنابل فيها لتحرق أجسادهم الضعيفة من غير ذنب اقترفوه أوعدو عرفوه؟
ففي الوقت الذي ينبغي فيه أن نحتشد خلف طوفان الأقصى كطوفان هادر لكسر هيمنة نظام دولي حكمنا بالحديد والنار،واستبد بالرأي والقرار،وسلب مقدرات شعوبنا،وأقام قواعد بقائه على إفناء دولنا،وسلب سيادتنا،نحن للأسف مازلنا نسبّح بحمده،ونستنجد به ليرحمنا،ثم نستحي حتى أن نقول لا لمن يحكموننا،ونحن نعلم أنهم أذرع من أذرع ذلك النظام ليتحكموا في رقاب شعوبنا،فكيف نقبل بحكمهم وهم يطبّعون مع أعدائنا،ولا يتخذون مواقف لوقف نزيف دمائنا،وأعلى قمة يصلونها لإنقاذنا هي أن يقيموا قمة يختمونها ببيانات إدانة وتنديد؟
وقد يقول قائل انما نحن المستضعفين ولا حيلة لنا،والحقيقة أن حيلتنا كانت في أن توارينا خلف ضعفنا لنحجب تخاذلنا.
فلماذا لاتجتمع شعوبنا على كلمة سواء ضد قتلة الأطفال والشيوخ والنساء؟
لماذا لا نبحث عن هوامش للحرية ونكف عن هذه التبعية والقناعات الانهزامية؟ فنتخذ مواقف حقيقية بمعاقبة الاحتلال الصهيوني على كل جرائم الحرب الوحشية التي اقترفها في فلسطين،بل ونعاقب كل من تطاول بلسانه أو يده على المسلمين،ونقاطعهم مقاطعة دبلوماسية واقتصادية؟
لماذا ننتظر دوما أن يكونوا هم الفاعلين ونحن المنفعلين؟
لماذا لانبادر بجمع الأفكار ثم الاحتشاد خلف مااجتمعنا حوله،فإنه لن يغلب جيشًا إلا فكرة قد حان وقتها كما قال فيكتور هيجو؟
وكم نرجو أن تكون “مبادرة رحمة للعالمين لأجل غزة “ المتواضعة التي أطلقتها تحت شعار”حرية،عدالة ورحمة”من بين المبادرات التيتحقق المأمول في حشد مانرجوه من عقول،فإنه ليحز في النفس أننا لم نعد مجرد مغلوب مولع بتقليد الغالب،كما قال العلامة ابن خلدون،بل أصبحنا مغلوب مولع بفكرة أنه لن يكون أبدًا الغالب،وهذا مرضأصاب عقل الامة الإسلامية،فأنساها ذاكرتها التاريخية،حتى نسيت جميع أمجادها الحضارية كفردوس دولتها الأندلسية التي دامت لثمانية قرون،أوالخلافة الاسلامية العثمانية التي امتدت لستة قرون،فأصبحتأمتنا تستحي من انتمائها،وترى أنه لامناص ولا خلاص فالسيادة ليست لها،والتقدم شأو بعيد عنها،والذل والمسكنة قدر بات على المسلمين محتوما،وإن مسها من التمكين شيئا فإنه برأيها لن يدوم،يقول الله تبارك وتعالى:””يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌّ”( المائدة/54)
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: بُعِثتُ بين يدي الساعةِ بالسَّيفِ،حتى يُعبَدَ اللهُ تعالى وحده لا شريكَ له،وجُعِلَ رِزْقي تحت ظِلِّ رُمْحي،وجُعِلَ الذُّلُّ والصَّغارُ على من خالفَ أمري،ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم”
فمتى نعود إلى ديننا لتعود إلينا وحدتنا وعزتنا؟ ومتى تعود ضمائرنا إلى عقولنا ليعود إلينا رشاد أمرنا؟
عسى أن يكون قريبا،فالله هو النصير وعلى إحياء الموتى قدير.
بادية شكاط كاتبة في الفكر،السياسة وقضايا الأمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق