الأحد، 17 ديسمبر 2023

الغاز والألغاز: بورصة الدم الفلسطيني

 الغاز والألغاز: بورصة الدم الفلسطيني

وائل قنديل

خليطٌ عجيبٌ ومتناقضٌ من الأخبار والتصريحات الصادرة خلال 48  ساعة، لو وضعتها أمام أحدث حاسوب في العالم، وطلبت منه تحليلها واستخلاص نتيجة محدّدة ومنطقية منها، أغلب الظن أنه سيعجز عن ذلك.
يقول وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أمس، إن معبر رفح مفتوح طوال الوقت، لكن مدى إمكانية دخول المساعدات عبر المعبر مرهون بالاتفاق مع إسرائيل، بصفتها دولة احتلال، ومع الأمم المتحدة. 
ثم يشدّد، كالمعتاد، على رفض مصر أي سياساتٍ تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو التهجير داخل غزّة أو خارجها بوصفها مخالفة جسيمة للقانون الدولي، قبل أن يقول إن المظاهرات المطالبة بفتح معبر رفح "تهدف إلى أغراض سياسية ليست لها علاقة بالوضع الإنساني".


خبر آخر من الصحافة العبرية: قالت وزارة الطاقة الإسرائيلية، الخميس، إنّ الشركاء في حقل تمار البحري يمكنهم تصدير ما يصل إلى 500 مليون متر مكعب إضافية من الغاز الإسرائيلي سنوياً إلى مصر. ولم يتم الإعلان عن ذلك، وفقاً لما أورده موقع كالكاليست، الإسرائيلي، وإنما تم اكتشاف ذلك من خلال تقارير الشركات في البورصة.
لماذا؟ ربما الإجابة تكمن في هذا الخبر من الصحافة الصهيونية أيضًا: 

ذكرت صحيفة هآرتس العبرية، الجمعة، إن تل أبيب والقاهرة بدأتا بمناقشة "اليوم التالي" للحرب على قطاع غزّة، وإمكانية إقامة جدار عازل على الحدود المصرية مع القطاع، يكون مضادّاً للأنفاق. وكتب المحلل العسكري في الصحيفة، عاموس هارئيل، إن المناقشات تشمل الترتيبات الجديدة المتعلقة بمحور فيلادلفيا (صلاح الدين) ومعبر رفح، وإقامة جدار مضادّ للأنفاق في عمق الأرض، مثل الجدار الموجود بين القطاع وإسرائيل.

يقول مضمون الخبر، بوضوح، إن تل أبيب والقاهرة ترسمان حدود علاقات مصر بقطاع غزّة، بعد 11 أسبوعًا متصلة من القصف الوحشي وجرائم الإبادة الجماعية وتدمير المستشفيات ودفن الجرحى والمصابين والنازحين إليها أحياء، في ظل موقف مصري وعربي رسمي يكتفي بالمشاهدة من دون استجابة حقيقية لصرخات الشعب الفلسطيني الذي فقد نحو عشرين ألف شهيد من دون أن يهبّ لنجدته شقيق أو صديق، ومن هؤلاء من يناصبون مبدأ المقاومة وعداء لا يقلّ عن عداء الاحتلال لها.
يكمل خبر آخر الصورة. من القاهرة هذه المرّة، إذ قرّرت نيابة أمن الدولة العليا المصرية حبس ثمانية شبّان مصريين 15 يوماً، لرفعهم أعلام فلسطين أمام أحد المقارّ الانتخابية في منطقة المطرية بالقاهرة، تزامناً مع سير الانتخابات الرئاسية المصرية 2024.
مطلوبٌ منك أمام هذه الألغاز أن تصدّق كل الكلام الرسمي عن رفض تصفية القضية وتهجير الشعب الفلسطيني، في اللحظة التي يواصل فيها الاحتلال عدوانه على غزّة والضفة الغربية، وهو مطمئن تمامًا إلى أن الشعب الفلسطيني وحده، من دون عوْن أو غوْث من شقيق، باستثناء ما يفعله حزب الله في شمال فلسطين المحتلة، وما يقوم به الحوثيون في اليمن.
تسجل السلطة الفلسطينية حضورها في المؤامرة، من أجل حصد أقصى قدرٍ من الأرباح المترتّبة على إراقة دماء عشرين ألف شهيد، فيكشف الإعلام الصهيوني أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية توصلتا إلى اتفاق جديد بشأن تحويل أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة. وبموجب الترتيب الجديد الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة، ستتمكّن إسرائيل من التحقّق من أسماء متلقّي الرواتب نيابة عن السلطة في قطاع غزّة، وذلك في أعقاب موافقة رئيس السلطة، أبو مازن، على قبول اقتراح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إرسال قائمة بأسماء المستفيدين من الرواتب. وفقا للقناة 12، أبلغت القيادة الفلسطينية إسرائيل أنها منذ عام 2007  حذفت المسؤولين الحكوميين، أعضاء حركة حماس، من قائمة "المستحقّين". 
يتأكّد في كل يوم يمر أن أصدقاء المقاوم ثلاثة: سلاحه ومصدر سلاحه وكل من يخوض معه المعركة بالسلاح أو كلمة حقّ أو موقف عمل. 

والحال كذلك، أكرّر أنه ليس على المقاومة الفلسطينية ديون لأحد، بل الكل مدينون لها، ومُدانون على خذلانها، باستثناء قليلين للغاية. 

عدا ذلك، ثمّة تواطؤ لا يحتاج إلى جهدٍ كثير لاكتشافه، يمارسه النظام العربي كله ضد مشروع المقاومة ذاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق