بين ثورة يناير وطوفان الأقصى.. قصة مقاتل من أجل الحرية!
لكنني بدأت التعبير عن حلم هو أن تتحرر مصر من التبعية، وتحقق استقلالها الشامل، وتقدّم للعالم نموذجها الديمقراطي؛ حيث يفرض الشعب إرادته، وتدير وسائل الإعلام مناقشة حرة بين كل اتجاهات الحركة الوطنية للاتفاق على مشروع وطني، وتقديم حلول جديدة وشجاعة للمشكلات، ومواجهة التحديات، وتحقيق التقدم.
بدأ طلابي يستمعون لكلام جديد يبدو أنه يقترب من المستحيل؛ لكنه أثار خيالهم، وشحذ عزيمتهم، وقلت لهم إن كلية الإعلام بجامعة القاهرة يمكن أن تتحول إلى بيت للحركة الوطنية المصرية، ندير فيها الحوار، ونتمتع بحقنا في الاختلاف، والتعبير عن مشروعاتنا، وإننا يمكن أن نتفق على استقلال مصر، والعمل على تحريرها من كل أشكال الاستعمار.
عندما أوشك الحلم أن يتحقق!
اشتعلت ثورة يناير، وشعرت وأنا أسير في مظاهرة أساتذة جامعة القاهرة المتجهة إلي ميدان التحرير بأن حلمي يوشك أن يتحول إلى حقيقة، خاصة وقد أدركتنا مظاهرة طلاب الجامعة، فالتف طلاب كلية الإعلام حولي في شارع قصر العيني، وهتفت معهم للعيش والحرية والكرامة الإنسانية، رغم اعتراضي على الترتيب، فأنا ما زلت أصر على أن الحرية هي أساس التقدم، وأن الشعوب عندما تختار قياداتها بحرية، يحرص هؤلاء القادة المنتخبون على البحث عن ثروات الوطن واستثمارها وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهذا هو طريق الغنى، وأن الحكم الاستبدادي أهم أسباب الفقر والقهر.
لكن الحلم انكسر!
تطورت الأحداث التي أفخر الآن بأنها أثبتت صحة نظريتي، فعندما تدفع الشعوب ثمن الحرية، وتقدّم التضحيات من أجلها، فإنها تستطيع أن تبني مستقبلها، وتحقق التقدم والغنى، وتواجه التحديات، وأننا نستطيع أن نقود ثورة عقول؛ فنبدع ونبتكر ونطور علوما جديدة، وننتج أفكارا تُشكل أساسا لحل كل مشكلاتنا، وأننا يمكن أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا؛ فلا يستطيع أحد أن يتحكم فينا.
وقد تفاعل طلابي في كلية الإعلام مع أفكاري، وأدركوا أنها يمكن أن تُشكل أساسا لبناء مصر القوية المستقلة والديمقراطية، لكن الحلم انكسر فجأة؛ فلم يكن أمامي سوى الخروج من مصر التي أحبها، أحمل ذكرياتي الأليمة وحلمي المكسور، وأواجه في المنفى خذلان الصحب وشماتة الأعداء، والحسرة على فراق جامعتي ومدرجي وطلابي، وعدم القدرة على نشر كتبي ورواياتي.
قد يبدو المنفى أخف قليلا من السجن، وفي أرض الله الواسعة يتمتع الإنسان بقدر من الحرية لا يعرف قيمتها إلا من عاش يقاتل دفاعا عنها، لكن هناك على أرض الوطن كل الذكريات والأهل والأصحاب والقبيلة، والحركة الوطنية التي كافحت طويلا لتوحيدها، والبحث عن الوسائل للتغلب على خلافاتها.
طوفان الأقصى يجدد الحلم
كانت أهم نتائج طوفان الأقصى أن الخيال انطلق؛ ليعبّر عن الحلم مهما افتقدنا الوسائل لتحقيقه، فالفرسان الذين تحدوا قوة جيش الاحتلال الاسرائيلي الغاشمة أكدوا لكل الأحرار في العالم أنهم يستطيعون أن يغيّروا الواقع البائس الكئيب، ويفتحوا أمام الشعوب آفاقا جديدة للكفاح، وأنه لا يمكن تحقيق استقرار بدون عدل، ولا يمكن أن ينعم الغرب بالرفاهية التي حققها بنهب ثروات شعوبنا، ولا يمكن أن تحقق أي دولة الاستقرار باستخدام القوة الغاشمة.
حتى الآن ألقى جيش الاحتلال الاسرائيلي ما يعادل أكثر من ثلاث قنابل نووية على غزة، ودمر بيوتها، وهدم عمرانها، وقتل نحو 27 ألف شهيد، وأصاب أكثر من 65 ألفا لا يجدون علاجا بعد أن فرضت الأنظمة التابعة لأمريكا عليهم حصارا ظالما، ويحمل العالم كله عار هذا الحصار، ولكن على الرغم من ذلك كله ما زالت غزة صامدة وأبية وعزيزة، تقدّم درسها لكل الأحرار، ولن تستطيع إسرائيل وأمريكا وأوروبا وكل الدول التابعة كسر إرادة المقاومة.
بذلك جددت غزة حلم كل الأحرار، وأثبتت المقاومة أن الأحرار يمكن أن يقودوا ثورة عقول، لن تستطيع كل القوة الغاشمة قهرها أو التحكم فيها.
وثورة قلوب أيضا!
حماس أوضحت لكل الأحرار أن الشعوب يجب أن تنتفض؛ لتقوم العقول بدورها في إنتاج الأفكار والتخطيط الاستراتيجي، والبحث عن وسائل لتحقيق الأهداف، وحلول للمشكلات، وفتح آفاق جديدة للكفاح.
لكن الشعوب تحتاج أيضا إلى قلوب تؤمن بالله، وتثق بنصره، ولا تخضع للواقع، فشجاعة أبطال غزة كانت نتيجة لعملية تربية، فمعظمهم حفظوا القرآن وفهموا معانيه، وتعلقت قلوبهم بالله، فأصبحوا عبيدا لله وحده، ورفضوا العبودية لسواه، وتطلعوا إلى الشهادة، فتقدموا ليفجروا دبابات العدو من المسافة صفر.
لذلك لا يمكن الاعتماد على العقل وحده في تحليل الأحداث وتفسيرها، فالمقاتل الذي يرى أنه يدافع عن الحق، ويعمل لتحرير القدس وفلسطين، يستطيع أن يتحدى بشجاعته القوة الغاشمة.
وعلى الذين يريدون عقد مقارنة مع غزة أن يدركوا أن الشعب في غزة يجوع لأنه يحلم بتحرير أرضه وقدسه والعودة إلى دياره، فلماذا تجوع الشعوب المقهورة لتحقيق الاستقرار للأنظمة؟
وفي ذكرى ثورة يناير وعلى أضواء الأقصى، يمكن أن نطلق خيالنا، ونحلم بالحرية والتحرير والكرامة الإنسانية، وبالعيش الذي نحصل عليه بعزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق