الجمعة، 26 يناير 2024

ما خفي أشنع: استباحة ميليشيات الدعم السريع لأعراض النساء في السودان


ما خفي أشنع: استباحة ميليشيات الدعم السريع لأعراض النساء في السودان

في خضم الأزمة في السودان، وتوارد الروايات حول قيام أفراد من ميليشيات الدعم السريع بقيادة حميدتي، بخطف واغتصاب النساء، يطرح البعض تساؤلاً حول سبب قلة أعداد الحالات التي تعلن عنها التقارير في جانب ما يتم تداوله على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي.


ترجع قلة الأعداد المعلن عنها إلى الحصار الإعلامي المفروض واقعاً على الأرض في السودان، والذي تتعذر بموجبه ممارسة العمل الإغاثي والإعلامي فضلاً عن الرصد الدقيق لوقائع الاغتصاب.


وبسبب حساسية الأمر، فقد أصبحت جرائم الاغتصاب التي يرتكبها أفراد ميليشيات الدعم السريع -والتي تُلقب أيضاً بالجنجويد- بمثابة السر العلني في السودان.


ويفاقم من صعوبة رصد عدد الحالات، إحجام الكثير من الضحايا عن الإخبار عما تعرضن له خشية أن ينبذن من مجتمعاتهن.

إلا أن الصمت عن بعض وقائع الاغتصاب يرجع أحياناً لعدم نجاة الضحية.

وفي سياق الصراع في السودان -والذي يحضر فيه المكون القبلي والعرقي بقوة- فإن مدى تأثير جريمة الاغتصاب يكون أبعد وأوسع منه في الظروف الاعتيادية.

فأحياناً يكون القشة التي تجبر الضحية وأسرتها على النزوح إما خوفاً من انكشاف أمر الواقعة، أو من تكرارها، وهو ما يتسبب في حدوث تغيير ديموغرافي في المناطق التي يصل فيها الأمر إلى حد الظاهرة.

كما لا يخفى ملمح الإذلال المعنوي الذي لا شك في كونه مما يتقصده أفراد الميليشيات، ممن تم شحنهم بأحقاد عرقية ضد قبائل بعينها.

“رأينا ما تشيب منه رؤوس الولدان”

تروي فايزة (اسم مستعار) لوصل قصة نزوحها من ود مدني رفقة أسرتها فتقول:

“خرجنا من مدينة “ود مدني” في 9 جمادى الآخرة 1445هـ (22 ديسمبر 2023م)، وكانت المدينة قد سقطت في أيديهم يوم 5 جمادى الآخرة (18 ديسمبر) – ثلاثة أيام رأينا فيها ما تشيب منه رؤوس الولدان!”

“في اليوم الأول بعد سقوط المدينة، بدأ إطلاق الرصاص الحي بشكل عشوائي ومرعب، فقام الناس بدخول منازلهم مباشرة وإغلاق الأبواب.

عشنا الليلة الأولى في أجواء من الخوف والرعب، خاصة بعدما صار صوت إطلاق النار على مقربة منا”.

“في اليوم التالي، بدأنا نسترق النظر لمعرفة ماذا يجري حولنا، ووجدنا أفراد الدعم السريع منتشرين بكثرة حول المنزل، وقد قاموا بتخريب جميع البيوت المحيطة بنا تقريباً وسرقتها”.

“أيقنا حينها أن اقتحام منزلنا بات وشيكاً؛ فاختبئنا تحت الأسرة وجلست أمي وخالتي في صالة المنزل للتفاهم معهم إذا دخلوا.”

وتضيف السودانية وهي تستحضر الذكرى الأليمة:”كنا نشعر بالرعب خاصة أنه لم يكن في المنزل سوى أنا وأخواتي وخالاتي وجدتي؛ وكنا قد علمنا بحدوث جرائم اغتصاب عن طريق وسائل التواصل.

سمعنا طرقا على الباب وذهبت أمي وخالتي لفتحه، فوجدنا أفراد الدعم السريع قد اقتحموا فناء المنزل وقاموا بكسر الباب”.

“وهنا خاطب الدعامي (اسم يطلقه السودانيون على أفراد ميليشيات الدعم السريع) أمي قائلاً: “نحن جيرانكم الجدد”.

رأت أمي أن السبيل الأمثل هو التصرف ببرود؛ فرحبت بهم ودخلوا إلى المنزل وتناولوا الشاي.

دخلوا غرفة جدتي فوجدوها مشلولة وطريحة الفراش؛ وشرحت لهم أمي وضعها الصحي، وأخبرتهم أننا مجرد أُناس عاديون لا دخل لنا بشيء.

ويبدو أنهم تعاطفوا معنا؛ فلم يسرقوا شيئاً من المنزل وغادروا”.

“خرجت أمي لإغلاق الباب ورائهم، فرأت أحد العناصر وقد أمسك بفتاة لا يزيد عمرها عن عشرين عاماً وهو يطلق النار في الهواء لإخافتها.

دخلوا إلى منزل الجيران، ولم نلبث أن سمعنا صوت الفتاة وهي تصرخ وتستغيث”.

“أصيبت أمي بالهلع؛ فقمنا بإغلاق الباب بالأثاث لكي لا يعاودوا الدخول، وأمرتنا أمي أن نبقى مختبئين تحت الأسرة.

أيقنا أنه لا بد من المغادرة، وقام خالي بإرسال سيارة لتنقلنا ولكنهم صادروها بمجرد وصولها عند منزلنا”.

“خرجت أمي وخالتي لتحاولا التفاهم معهم، فوضع أحدهم فوهة البندقية في صدرها وقال “هسي بوديك لي الله” أي “سأقتلك”.

اعتذرت له أمي وهرولت إلى داخل المنزل، وقررنا الانتظار لبعد منتصف الليل ريثما يكونوا قد هدأوا قليلاً”.

“لم يكن بد من النزوح سيراً على الأقدام، وهو ما قمنا به بالفعل بعد أن وضعنا جدتي على عربة يجرها حمار وجدناها على جانب الطريق”.

“وفي الطريق رأينا ثلاث فتيات يقتادهن أحد عناصر الدعم السريع إلى داخل أحد المنازل.

سرنا مسافة 5 كم تقريباً إلى أن وصلنا بحمد الله لخارج المدينة، ثم قمنا باستقلال حافلة لتأخذنا إلى قريتنا”.

مطرقة العدوان وسندان الصمت

130200804 untitled 6.jpg

لقطة من فيديو متداول لحادثة “اغتصاب” امرأة في شوارع الخرطوم على يد أحد أفراد ميليشيات الدعم السريع أثار غضبا كبيرا في مواقع التواصل


لقد نقلنا شهادة فايزة من العشرات من الشهادات التي وقعت بين أيدينا لنقول: إن ما تتعرض له المسلمات في السودان اليوم لهو هول هائل تطيش له العقول، والأفدح أن يتم تحت غطاء من الصمت الذي يعتبر بمثابة إذن ضمني للمجرم بالتمادي في جرائمه إذ لن يحاسبه عليها أحد ولو بوصمه بالإجرام.

وإن من واجبنا ألا نزيد الطين بلة من خلال النصرة الإعلامية التي تعتمد على ترويج القصص المشحونة بالعاطفة – بغض النظر عن صحتها – والتي قد تتضمن أشخاصاً يسلكون مسلكاً لا يقره الشرع بدون التنبيه الصريح على عدم جواز فعلهم.

وإن الحساسية البالغة لهذه النازلة تستصرخ علماء الأمة العاملين المطلعين على واقعها بإصدار الفتاوى ليسترشد بها إخواننا وأخواتنا في السودان.

ومما يُدمي القلب أن نرى أسئلة الشام والعراق حول جواز قتل المرأة نفسها إن خشيت أن  يتم اغتصابها تتكرر، وأن تتداول القصص حول فلان الذي قتل ابنته خشية أن يتمكن منها المجرمون، وكأن الأمة لا تزال تراوح مكانها  في التعاطي مع الأزمات.


هذا ناهيك عن الصمت شبه المطبق الذي يتردد في الآفاق مجيباً عن سؤال ما هو واجب المسلمين اليوم تجاه إخوانهم في السودان؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق