الأحد، 28 يناير 2024

محكمة العدل الدولية تقر واقع الإبادة ولا توقف المذبحة

 

محكمة العدل الدولية تقر واقع الإبادة ولا توقف المذبحة

تسكين الواقع الأليم في غزة وفلسطين القائم على القتل والإبادة الإنسانية لكل ما له علاقة بالحياة البشرية يبدو أنه النتيجة التي توصل إليها قضاة محكمة العدل الدولية، أعلنت رئيسة المحكمة نتيجة تحقيقات قضاة المحكمة في الشكوى التي قدمتها جنوب إفريقيا عن ممارسات الكيان الصهيوني على أرض غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 114 يوما، وهو مماثل تماما لجرائم الاحتلال على مدار عمره في أرضنا المحتلة.

أكدت المحكمة -حسب رئيسها- أن كل جرائم الإبادة التي يقوم بها جيش الاحتلال هي جرائم حرب تستحق العقاب، ويجب على الكيان الصهيوني إيقاف عمليات الإبادة الإنسانية التي يقوم بها تجاه المدنيين من أهل غزة، ودعت إلى التزام الكيان الصهيوني باتخاذ إجراءات الحماية للمدنيين! وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة، وكذلك حماية المصابين، وحق المصابين في العلاج، وعدم مهاجمة المؤسسات التعليمية والدينية والطبية، والحفاظ على الآثار والوثائق التاريخية.

غير قابل للتنفيذ

بعيدا عن حالة التهليل التي صاحبت قرارات محكمة العدل الدولية التي أقرت بجرائم الكيان الصهيوني على أراضينا المحتلة سواء في غزة أو الضفة الغربية والقدس، فإن هذه القرارات تبقى غير ملزمة للكيان الصهيوني، فلا حكم صدر للمحكمة بإيقاف الحرب على غزة، بل هي قرارات غير ملزمة، الإلزام كان في الطلب من الكيان المحتل اتخاذ إجراءات في مدة شهر لإيقاف جرائم الحرب المستمرة.

شهر كامل تستمر فيه غزة تنزف، ويستمر جيش الاحتلال في المقتلة اليومية والهدم وتهجير المدنيين، وضربهم بالقنابل الأمريكية أثناء ترحيلهم من منازلهم إلى مناطق النزوح، 30 يوما يستمر فيه جيش الاحتلال في القتل، وهدم المنازل والمساجد والجامعات والمدارس والمستشفيات، بينما دعا القرار -وهو غير ملزم لإسرائيل- بإلزام حماس بتسليم الأسرى الصهاينة!

حالة التهليل لإقرار المحكمة جرائم الكيان الصهيوني أتصور أنها مُبالغ فيها، السبب الرئيسي الذي يسوقه المهللون هو اعتراف المحكمة الدولية في قراراتها غير الملزمة بجرائم الاحتلال (شكر الله سعيكم).

هل تحتاج تلك الجرائم اليومية والمتواصلة إلى اعتراف من أحد؟ فهي تجري على قدم وساق بلا توقف، أما الادعاء أن هذه القرارات تفتح مجالا لمحاكمة قادة الكيان الصهيوني امام المحكمة الجنائية الدولية فهي أوهام في عقول الذين يصدّقون مؤسسات العالم الدولية، تلك المؤسسات التي هي بحاجة إلى إعادة تنظيم و”دسترة” جديدة يقوم بها عالم جديد لا بد من تشكُّله على قيم حقيقية من العدل والمساواة لا مجال فيه لحق نقض من دولة واحدة ضد إرادة 200 دولة أخرى.

كان من المتوقع في ظل حالة من التعاطف الدولي الشعبي، وتعاطف الأغلبية من الدول التي ليس لها حق النقض (الفيتو) وفي ظل تقارير دولية أقرتها محكمة العدل الدولية وقضاتها بأغلبية 15 صوتا ضد 2 أن يصدر حكم بوقف الحرب على غزة، والحكم هنا يختلف عن القرارات التي صدرت منها، فالحكم ملزم، والقرار ليس كذلك، الحكم يدفع بالتزام الأمم المتحدة بتنفيذ القرار، والكيان الصهيوني كذلك، الحكم إن لم يلتزم به الكيان يخضع لإجراءات من جانب مجلس الأمن لتنفيذه، القرارات غير ملزمة للأمم المتحدة، ولا لمجلس الأمن، ذلك أيضا بعيدا عن مدى التزام الكيان الصهيوني بقرارات الهيئة طوال عمره، فلم تكن إسرائيل ملتزمة بتلك القرارات أبدا.

قرارات تريح الدول والمنظمات

قرارات محكمة العدل الدولية تبدو مريحة للأطراف جميعا في الحالة التي لا يقدّمون فيها ولا يؤخرون، الجميع يشعر بأنه أدى ما عليه في إطار منظومة عالمية مختلة، فصاحبة الدعوى جنوب إفريقيا أدت ما عليها إنسانيا في تقديم الشكوى والقضية إلى المحكمة التي تعاقب الدول على جرائم الحرب التي ترتكبها، ذلك يتم وفقا لقيم أرساها تاريخ الدولة مع الفصل العنصري ومعاناتها منه.

المحكمة قامت بدورها وقبلت القضية، ورفضت طلب الكيان الصهيوني لرفضها، حتى الكيان نفسه أرسل محامين للدفاع عن جرائمه، والشهود من الحكومات والأنظمة الرسمية أثبتت وجهة نظرها الصحيحة أن الواقع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهللت في أعقاب الحكم “لقد قلنا إن إسرائيل تقوم بحرب إبادة وإنها مجرمة”. أما رئيس وزراء عصابة الكيان فقد صرخ بأنهم يدافعون عن حقهم، وأن جرائمهم عادلة! هكذا تبلغ الوقاحة منتهاها.

نظام عالمي مثالي “عشرة على عشرة” باللهجة العامية المصرية، محكمة وشهود ومتهم وقرارات للمحكمة، كأننا في مشهد سينمائي بامتياز، صنعه المخرج ليقول إن العالم يقوده نظام عادل.

يُذكرني ذلك بالمشهد الذي قدمه يوسف شاهين في فيلمه (إسكندرية ليه) وقدمه الممثل محمود المليجي مع أحمد زكي، وهو مشهد المحاكمة الشهير بجملة (وعايزني أكسبها) “محكمة بتحاكم حرامي على سرقة بخمسة قروش، وبتدك العالم بقنابل بآلاف الجنيهات، عالم يحاسب الفقير ويترك الأثرياء وأصحاب السلطة، مفيش أمل في محاكمة عادلة”، يقول محمود المليجي في الفيلم “دي مسرحية يا ابني، الحكم ها يطلع ضدك، اطمن، الأمل كله صحفي يلقط كلمة مني كلمة منك ويكتب خبر في جورنال أو مجلة”. تخيّل الجملة نفسها قيلت بالأمس تعليقا على الحكم وإن كانت بطريقة أخرى، قال أحدهم: كسبنا موقفا سياسيا وأثبتنا للعالم جرائم الكيان، بتعبير مصري آخر “أحلى من الشرف مفيش”.

هكذا تمّت محاكمة الكيان الصهيوني، وتم إقرار جرائمه التي تحتاج إلى ايقاف، وتم إرضاء المتعاطفين بقرارات على إسرائيل ولكنها غير ملزمة، وهلل الذين يريدون إثبات أنهم إنسانيون ومتعاطفون، ويشعرون بوجع غزة وفلسطين، ومشاعرهم الإنسانية لا تحتمل مقتل الأشقاء الذين خرجوا يبحثون عن لقمة تسد رمق الأطفال فقُتلوا وتلاحمت أجسادهم، أو طفل مريض لا يجد دواء، أو فتاة قُتلت أثناء سعيها لشربة ماء.

تم إرضاء أمريكا والدول الغربية بصدور قرارات غير ملزمة لأحد، ولتستمر طفلة العالم الغربي -إسرائيل- في غيها وطغيانها حتى تبيد البشر والحجر من غزة، لكننا أقمنا المحكمة وأقررنا تلك الجرائم (حلو النظام مش كده؟).

“حلو النظام العالمي” صحيح فيه محكمة تُنصب، ودعاوى تقام، متهم ومحامون، مرافعات وحكم، وتصفيق حاد لكل المشاركين في المحكمة المنصوبة، أما أبناء غزة فشعارهم القول “ما حك جلدك مثل ظفرك” يستمرون في التضحية والصمود، ويذيقون جنود جيش الاحتلال المر في شوارع غزة والضفة الغربية.

يؤكدون انتصارهم على القوى الباطشة بصواريخ لا تزال تصل إلى تل أبيب وحيفا والداخل الفلسطيني المحتل حتى الآن، يصنعون بدمائهم الذكية الطاهرة مستقبل فلسطين والأمة، يثقون بأنهم الغالبون، ويؤمنون بأن الله خير الماكرين مهما مكر النظام العالمي غير العادل، إن طريقهم هو الجهاد، نصر أو استشهاد، ويثقون بأن الله على نصرهم لقدير، ونحن أيضا نثق بنصر الله لغزة وفلسطين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق