تاريخٌ أسود يُكتب الآن!
هذه ليستِ المرَّة الأولى التي تكون فيها هذه الأُمَّة بهذا الوهن! لقد مضى علينا زمانٌ كان فيه المغوليُّ يقولُ للواحد من أجدادنا إذا غضبَ منه: انتظرني هنا حتى أُحضرَ السَّيفَ وأعودَ لكَ!
فيرجعُ إليه فإذا هو مكانه لم يبرحه مخافة أن يعدو على عائلته فيقتلها جميعاً!
ولكننا نرى هذه المرَّة هي الأكثر وجعاً لأننا نعيشها، أما تلك الحقبة فقرأنا عنها فقط!
لاحقاً، سيتمُّ تدوينُ هذا الحاضر الذي نعيشه ليصبحَ تاريخاً، وسيقرأُ فيه أحفادنا أننا قومٌ لم نكن نملكُ معابرنا، كُنَّا مجرَّد بوّابين فقط، وأنَّ أهلنا في غزَّة ماتوا برداً وجوعاً لأنَّ عدوَّنا لم يكن يسمحُ لنا أن نُدخل لهم الطعام والخيام، وأننا كُنَّا بأمره!
وفي صفحة سوداء من حاضرنا الذي سيصبحُ تاريخاً، سيكتبُ مُؤرِّخٌ ما: وقد بلغَ بهم الوهن أنّ أعداءهم كانوا يتحكَّمون حتى بلافتات محلّاتهم، وأنهم كانوا أعجز من الدِّفاع عن اسم محلِّ شاورما!
مؤرِّخٌ قادمٌ ما سيكتبُ: كانوا، غفر الله لهم، إذا سقطتْ لهم عاصمة، أو اُحتلَّ لهم بلد، أو ذُبحَ منهم شعب، عقدوا لذلكَ قمَّةً مليئة بالشَّجب والاستنكار!
أمَّا المُؤرِّخُ الذي سيفضحنا فهو ذاك الذي سيقول: كان عندهم جامعة دول عربيّة، لم يكن أحدٌ يعرفُ ما هي وظيفتها، وأنَّ غزَّة ذُبحتْ أمامهم جميعاً وهم يتفرَّجون!
وفي صفحة ناصعةٍ نادرة سيكتبُ مُؤرِّخٌ ما: وإنّه في السّابع من أكتوبر أذلَّتْ قوّاتُ النُّخبة في كتائب القسّام الصّهاينة كما لم يُذلّهم أحد منذ يوم خيبر! وأنَّ غزَّة كانت بينهم كيوسف عليه السّلام بين إخوته، ذنبه الوحيد أنّه كان جميلاً جداً!
لستُ من هواةِ جَلْدِ الذَّات، فهو مرضٌ لا يقلُّ فتكاً عن الأمراضِ التي يجلدُ بها المرءُ نفسه! والإنسان المشغول بلعن الحُفرة الواقع فيها فإنما يريحُ نفسه بهذا الهجاء عن عناء محاولة الصُّعود منها!
ولكني بالمقابل لستُ من الذين يرشُّون على الموتِ سُكَّراً!
التَّفاؤل الزَّائد بنتائج لم يعمل المرءُ لتحقيقها وهمٌ لذيذ!
الأمرُ بينَ بينَ، ومن لا يرى المشكلة، ثم يُشخّصها تشخيصاً صحيحاً، ثم يضعُ لهذا التّشخيص خُطّة، سيبقى يُعاني من نتائجها!
الحقُّ يُقال إنَّ هذه الأُمَّة تعيشُ في هذه الأيّام مخاضاً دامياً، سيكون بعده بإذن اللهِ ميلادٌ مجيدٌ، فنحن الآن، شعوباً على الأقل، أكثر وعياً وإحساساً ببعضنا، أكثر معرفةً بأعدائنا وتمسكاً بديننا، ولكن هذا لا يعني أبداً أن ننسى أن التَّاريخ لا يكتبُ إلا النّتائج!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق