لمن يسأل المصريين
صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما
في كلية الإعلام بجامعة مرمرة
لمن يسأل المصريين كيف تسكتون على هكذا وضع؟ وكيف تتحملون هكذا رئيسًا ونظامًا وذلا؟ وكيف تعيشون وتتركونه جاثمًا على صدوركم؟ الحقيقة أنه لم يصمت المصريون، خرجوا في الشوارع والميادين حتى ذُبحوا ذبحًا، حتى أُحرقوا أحياءً وتفحمت جثثهم، وهذه ليست هولوكست ندّعيها، وإنما صور وفيديوهات وحقائق كانت ذات يوم بالبث المباشر أيضًا..
المفاجأة أنني حضرت ذلك بنفسي، شهدت على مذبحتنا،
رأيت -أقسم بالله- بأم عيني الأمخاخ المتفجرة خارج الرؤوس، ورأيت -أقسم بالله- الأطفال يموتون اختناقًا بالغاز،
ورأيت -أقسم بالله- من يُدهسون ويسحلون ويشتعلون في خيامهم، ومن يسقطون برصاص الجرينوف الذي يخترقهم ومن في خلفهم، وشرب جسمي -أقسم بالله- دماءً صبغت بطني لوقت طويل حتى ذهب أثرها، من شهداء سقطوا على صدري!
لي إخوة لم يحملوا في يومٍ ولو حجرًا، ولم يصيبوا عصفورًا، ولم يقتلوا نحلة، ورأيتهم بعيني شهداء، وقفت في جنازاتهم وأمام قبورهم وأنا أحاول فتحها، ليخرجوا أحياءً، كيف مات هؤلاء؟
ورأيت أهاليَ مصابين بالفقد، يختنقون ولا ينامون، ويحتسبون ولا يجزعون، وقد نُزعت منهم آلاف من فلذات قلوبهم.
ولي أحباب وأهل، كان أحدهم في بداية عشرينيات عمره، حين سُحب كالبهيمة إلى زنزانة حقيرة، ما زال فيها منذ إحدى عشرة سنة، وقد بات في عقده الرابع من عمره!
وقابلت كثيرين -أقسم بالله- منهم من سقط كل شعره، وتآكل من التعذيب لحمه، ومن الكهرباء فروة رأسه وجلده، حتى لم تتعرف عليه خطيبته يوم زارته بعد 11 شهرًا من الاختفاء في سجن مخابراتي، وما زال مسجونا لليوم، دون أي ذنب!
لا.. تحرك الكثيرون، ونحن قوم تجري في دمنا الشجاعة أكثر من شعوب أخرى عريضة!
وبالتأكيد فينا الشريف وفينا الحقير، فينا الطاهر وفينا النجس، لكن.. من قبل الجوع، للكرامة وحدها، يعلم الله أننا تحركنا، ونحن الآن مثلكم في انتظار نجدة الله.
فلا تظلمونا ظلمًا آخر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق