الأحد، 28 يناير 2024

بيني وبينك.. وسِوى الرُّومِ خلفَ ظَهْرِكَ رومٌ

 

بيني وبينك.. وسِوى الرُّومِ خلفَ ظَهْرِكَ رومٌ


ألفُ عدوٍّ ظاهرٍ أسهلُ من عدوٍّ واحدٍ خفيّ. كان بإمكاني وحدي أنْ أنتصرَ على هؤلاء القتَلَة كلّهم ولو كانوا مئِةَ رجلٍ مُجتمعين، غيرَ أنّه لو رأيتُ فيهم ذلك الّذي أعطيتُه ظهري مُطمئِنًّا فسأُغلَب على الفور، وسينتهي كلّ ما بنيتُه، وستنهار شجاعتي، وسيكسر ظهري سيفُ أخي عَلَيّ:
أَتَجْمَعُهُمْ عَلَيّ وَأَنْتَ سَيْفِي
وَأَشْرِعَتِي وَبَيْتِي فِي اغْتِرَابِي
وَمَا عَلِمُوا بِلَحْمِي وَهْوَ مُرٌّ
وَلا مَائِي، وَلا حَسِبُوا حِسَابِي
وَلَوْ رَكَّزْتَ رُمْحَكَ فَوْقَ رُمْحِي
لَجُزْتُ بِكَ السَّمَاءَ إِلى الشِّهَابِ
لقد كنتُ أَعُدّكَ الجدارَ الّذي يردّ عنّي هَجمَةَ الغادِرين من ورائي، فأمّا أنْ أراكَ في صفوف القَتَلة فذلك ما لا يُمكن أنْ يُحتَمَل، ولو أنَّ هناكَ تفسيرًا لما تفعل غيرَ الخِيانة لتفّهَمْتُه، إنّ أوجعَ ما في الغدر أنّه لا تفسير له، ولا يحتمل الغفران، وعَصِيٌّ على النِّسيان. وحينَ أنهار – لا سمح الله – سوفَ تنهار معي؛ لأنّ سيف الغدر أوّل ما يمتدّ إلى عنق الغادر فيُدحرِجُها، والتّاريخ شاهدٌ، فـَ (يوليوس قيصر) ائتمن (بروتس) على كلّ شيء وجعله صديقَه الأقرب، لكنْ لم يَدُرْ في خَلَده للحظةٍ أنْ يخونَه مَنْ وَثِقَ فيه على مَرأى منه ومَسمعٍ دون خجل أو مُواربة، ويُشارك إلى ذلك في طَعْنِه مع الذين تآمروا عليه، ولا شَكّ أنّ طَعَنات الآخرين لم يكنْ لها ذلك الألم الّذي لطعنة (بروتس) الصّديق، وذهبت العبارة الّتي أجراها (شكسبير) على لسانه في مسرحيته: «حتّى أنتَ يا بروتس» مَثًلًا. 
وقيل إنّ (يوليوس) حين طَعَنَه (بروتس) امتنع عن المُقاومة، وغطّى وجهه ورأسه بثوبه، واستسلم للضربات، لأنّه ربّما لم يكنْ قادرًا على احتمال حجم الخيانة، ولا استيعابها!
واليوم ترى في غَزّة التّاريخ يُعيد نفسَه، فإنّ المُقاومة فيها تستطيع أنْ تصمدَ أمام جيش الاحتلال النّازيّ بآليّاته الجرّارة وراجماته، وإعماله الذّبح والتّشريد والتّدمير.. يُمكنها أنْ تصمدَ أمام هذا البطش كلّه وقد فعلت، ولكنّها قد لا تصمد أمام طعنةٍ في الظّهر ولو كانتْ طعنةً يتيمةً، تأتيها من أخٍ شقيق، أو جارٍ قريب، أو ذي عهدٍ وثيق.
إنّ يد أخي حينَ يَضعُ كَتِفَه إلى كَتِفي لَتصنعُ جدارًا لا يُمكن لألف قذيفةٍ أنْ تخترقه أو تهزّه، وفي التّنزيل: «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيك». فإذا كان أخي عَلَيّ في السّرّ ومعي في العلن، فإنّ أيّ ماءٍ يسيل تحتَ هذا الجدار سوفَ يُحيله رُكامًا، وصدق معروف الرّصافيّ حينَ قال:
لا يَخْدَعَنكَ هُتافُ القَوْمِ لِلْوَطَنِ
فَالقَوْمُ فِي السِّرِّ غَيْرُ القَوْمِ فِي العَلَنِ
ولَمّا أرادَ المتنبّي أنْ يقولَ لسيف الدّولة إنّ أخطرَ أعدائِكَ ما استتر عنك، وما تركْتَه خلفَ ظهرِكَ آمِلًا أنْ لا ينقضّ عليكَ إذا لم يكنْ في نيّته أنْ يكون معك، نثَرَ بينَ يديه بيتَه الخالد:
وَسِوَى الرُّوْمِ خَلْفَ ظَهْرِكَ رُومٌ
فَعَلَى أيِّ جَانِبَيْكَ تَمِيْلُ؟!

 

AymanOtoom@

otoom72_poet@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق