تشوهات مرعبة في شخصية النخبة
الشخصية
دعونا نجيب عن سؤال: ما هي الشخصية؟ هي العقلية والنفسية من القيم الحاكمة، وهي العقلية التي تقود السلوك البشري والنفسية التي تُصدر رد الفعل تجاه الحراك الحياتي ومواجهة الواقع، وان كانت مستندة لأي فكرة أو عادات وتقاليد أو أي من قواعد التربية أو النفعية كما في الحداثة فتتحول إلى سلوك أو إيحاءات نفسية إيجابية أو سلبية وفق ما ذُكر.
العقلية غالبًا يشكلها ما يُسمى المنظومة المعرفية للمجتمع، والنفسية ترتكز على مدى تفاعل العقلية المتولدة منه مع المحيط، وفي واقعنا هنالك إعادة تغذية مسخ بين النفسية والعقلية فيخلق تشوهًا واهتزازًا في الشخصية وبالتالي الهوية نفسها التي تعرّف الإنسان، التوازن الداخلي في معالجة الغرائز والحاجات، التبرير ولَيّ مخرجات المنظومة المعرفية، استغلال القيم لتحقيق تلك الحاجات والغرائز، وما يُحدثه التوازن مؤثر جدًّا في صحة الشخصية وسلامتها.
الشخصية تؤثر في صحة وسلامة مخرجات منظومة الإنسان، وبالتالي تؤثر على المجتمع دون وجود دليل واضح على مرض اجتماعي له ظواهره في الواقع ولكن غير واضح المصدر بالضبط، والحقيقة أنه في المجتمع ككل لكن باتجاهات متعددة من فساد إلى انتقاد لكل شيء، لكن المنتقد ذاته يعود إلى التبرير عندما يحل محل الظالم أو الفاسد.
إذَن، هي منظومة تنمية التخلف التي نعيش بها من كره الظلم والفساد ليس لجنس الظلم والفساد وإنما لأن أثره واقع على المظلوم حتى يأخذ المظلوم مكان الظالم.
المنظومة المعرفية
منظومة الأمة المعرفية تحدّثنا عنها في مقالات سابقة، وأنها ارتكزت على جمود وتمسّك بالماضي كحالة نجاح أمام فشل في الواقع، لكن هذا التمسك جعل هنالك تقديسًا لأحداث وأشخاص في التاريخ، وترجمات قاصرة علميًّا وشروحات مبهمة لا تتفق مع حركة المعلوماتية وتنامي المعرفة وتعطيل للمثاني، ومما ظهر مثلًا لا حصرًا:
- انفصال عن الواقع
- توقف التحقق والمراجعة
- توقف في الاستقراء واستنباط ما يعالج مخرجات الاستنباط
اعتبار أن الفكر والهوية قادمة من التاريخ وثابتة لا تتغير وما يتغير هو بدعة، وهذا قفل كامل للتعامل مع الواقع، فإما أن يحوّل الأمة إلى مجموعة سواتر متصارعة أو أمة سلبية تحوي النفاق داخلها والكبر في الوقت نفسه، تعيش على الهامش وتعيش التخلف كثري أحمق أو طبل أجوف.
غير أن البشرية ومما أوصلها النظام الحداثي ايضًا إلى واقع مسدود ربما لا يتضح لمن لا يستطيع تفسير الواقع، وغياب القيم الأخلاقية وسيطرة قيمة النفعية وما تفرضه من سلوكية، كل هذا يجعلنا أمام حتمية إعادة النظر في المنظومة المعرفية بل وكل الأجهزة المعرفية في العالم، وهذا طريق يحتاج إلى جهد تقف أمامه حواجز.
حواجز الإصلاح في المنظومة المعرفية
التمييز بين المصطلحات والفهم العميق للمفاهيم، وتبرير بعض المتصدرين للدعوة دون التمييز بين المعاني يخلق جهلًا مركبًا، ففي الوقت الذي يخاطب هؤلاء الدعاة والمصلحون من كل المعتقدات الغرائز والحاجات ومنها غريزة التدين وينبهرون بكم المريدين، فيضخون لهم كل شاردة وواردة ويفترضون في أنفسهم القدرة على الإجابة عن كل الأسئلة، سيقعون في موضع من أغرب ما يكون، وهو السور والبوابة التي يختفي وراءها الجهل ومنتجات الإلحاد والشذوذ والانحدار الحضاري القيمي الفكري المتمدن في الوقت نفسه.
فعندما يطلق المصلحون سهام العلم تسقط أمام التجهيل الذي ولّده هؤلاء الذين امتهنوا الدعوة والإصلاح ولكنهم أضحوا من مقدسات الناس والشباب المستثار بغريزة التدين وعلى حافة العلم، هذا الواقع المؤلم لا يحسه إلا من يحمل الفكر الإصلاحي ويحتاج إلى قلوب تعقل وليس أناسًا متدينين بلا فهم للدين، بل إن بعضهم جنح إلى التطرف وأضحى مَن يفكر بغير طريقه آخرَ ومرفوضًا، ويكرر جملًا يظنها علمًا وهي محض خزعبلات ومنقولات لا أساس لها منسوبة إلى صالح أو نبي أو رسول.
ومن هنا كانت الممارسات السلبية من النخب الدعوية والمثقفة بل الازدواج السلوكي واعتلاء المبادئ بدلًا عن رفعها.
زيف في النخب
كثير من النخب تنظر إلى نفسها على أنها المعيار، وأما الآخرون فيُقاسون عليها، أو ترى أي منجز من خلال مصلحتها، وظهور هذا النوع من النفاق بفروعه التي تكاد بعدد المصابين به -لاتساع سلوكياته- هو حالة هدم باسم الإعمار وحالة استغلال باسم الاستثمار وحالة تجهيل باسم المعرفة.
قسم يجعل الجاه هدفًا فيدوس كل ما في طريقه من قيم أو ناس ليصل إليه ولا يهتم لكم ما يخسر جراء ذلك، بل قد لا يرى خسارته نتيجة وجود نفاق من نوع آخر يغطي المرآة التي تُريه بشاعة صورته، فترى تعطيلًا لمهم وإظهارًا لتافه وتسييرًا لعاطل وتعطيلًا لصالح، ووضع الناس في غير مواضعها أو تجاهل الآخرين كجهد أو سرقة جهدهم.
هذا يحققه غالبًا قسم آخر من النفاق، هو الفساد الذي يستعين بالجاهل لتمرير الخطأ من خلال جهله أو تعالمه بما لا يعلم، وإبعاد العالم لأنه يشكل خطرًا نوعيًّا على تطلعاته التي قد لا يراها فسادًا وإنما وسيلة لتحقيق فائدة، لا يتسع المجال لمزيد من الأمثال.
هذا وغيره من أسباب انحدار الأمة الحضاري وتخلفها المدني ووضعها على هامش الحياة وانهيار البنى التحتية والمنظومة الأخلاقية، وبالتالي حياة ضنك تحتاج إلى منظومة تغيير ثم إصلاح لصناعة الحياة، لكن الضنك قد يزيل نفاقًا يحمي النفاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق