الاثنين، 4 مارس 2024

شريك الدم مالك الفيتو في مجلس الأمن

 

شريك الدم مالك الفيتو في مجلس الأمن



تقرير إعداد

 سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

فيتو الإبادة” يفضح ازدواجية المعايير الأمريكية في العدوان على غزة. يسلب دور واشنطن كوسيط “منحاز” للاحتلال ويضعها شريكا فى جرائمه.. ويتجاهل زيارة مجموعة وزراء القمة العربية لنيويورك للدعوة لوقف إطلاق النار

يُصر الرئيس الأمريكي جو بايدن على أن يكون شريك الدم الاستراتيجي في مجازر غزة بصمته، ودعمه اللا نهائي، والا محدود لإسرائيل في حربها على غزة، وإمداد الجيش الإسرائيلي بكل أشكال الأسلحة المحرمة دوليا والمساعدات، والإعانات في عدوانه النازي على الأطفال والنساء والشيوخ.. وآخرها ما حدث من مجازر في مخيم جباليا؛ حينما تحول المخيم إلى ركام، وجثث، وأنقاض. أضاف شاهدنا فرق الإنقاذ، والمتطوعين وهم يبحثون جاهدين عن أحياء، ويلتقطون بقايا الجثث، والأشلاء، وفي الصور نفسها كان هناك بعض بقايا الملابس، وسجاجيد الصلاة تمزقت على أيدى النازيين الجدد في إسرائيل. لا أدري ما هي مشاعر الرئيس الأمريكي جو بايدن، وكنت أتمنى أن أسأله: هل هو سعيد بكل هذه الدماء؟

وإذا لم يكن سعيدا، فلماذا كل هذا الإصرار الأمريكي على دعم، ومساندة إسرائيل في حروبها النازية الممتدة عبر ما يقرب من 75 عاما؛ حيث قامت بمذابح رهيبة ضد الفلسطينيين عام 1948، ثم شاركت في العدوان ضد مصر عام 1956، وقامت بالاعتداء الغاشم عام 1967، وضربت مدرسة بحر البقر أثناء حرب الاستنزاف مع مصر، ثم تقوم بتكرار جرائمها في الأراضي الفلسطينية بشكل دائم ومتواصل حتى الآن؟

لم تفرق إسرائيل بين أطفال مدرسة بحر البقر والمرضى في مستشفى المعمداني، والسكان الأبرياء في مخيم جباليا، وسط دعم أمريكي سابق ولاحق، فهل هذه هي الاستراتيجية الأمريكية لقتل العرب، والتنكيل بهم، ومساندة إسرائيل دائما مهما تكن أفعالها الإجرامية؟ ما حدث في جباليا يفوق الوصف والخيال، ومذبحة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ أسفرت عن مجزرة جماعية للسكان راح ضحيتها أكثر من 400 قتيل، وأعداد هائلة من المصابين.

هل القانون الدولي الإنساني يُجيز قتل المدنيين دون تمييز حتى في وقت الحرب؟ وهل رقم 30 آلف قتيل (نصفهم من الأطفال والنساء) لا يكفي لهز ضمير الرئيس الأمريكي جو بايدن، الراعي الرسمي للحرب الإسرائيلية على غزة، والذي يقف بكل ما تملكه الولايات المتحدة من عتاد، وقوات لمساندة هذا العدوان؟

من حفروا الصخر، وعانقوا الموت، وعاشوا جحيما لم ينل من عزيمتهم

: لن أكتب عن الداعم أو الخائن أو البائع أو الخانع أو اللاعب على كل الحبال، لن أكتب عن من يملؤه تفاخر، أو من يزايد، أو من يهيل ركاما على نصر الأبطال.

لن أكتب عمن يؤازرهم ويتجرع مرارة الفقد معهم ومن ينكرهم ويحتسي نخبه حتى الثمالة.

لن أكتب عمن يقتله الخوف عليهم ومن يتمنى نصر عدوهم ومن تملؤه الأحقاد.

لن أكتب عن قابض على جمر يدافع أو من يمسك منتصف العصا يراوغ.

لن أكتب عن من أوقف حياته يتابع أو من يخذلهم منصرفا للهو مخادع.

لن أكتب عن صادق أو كاذب أو متربص بهزيمتهم غير عابئ بوطن ضائع وعظيم الأحزان.

لن أكتب عن قلب باك وآخر قاس وثالث لا يرى سوى همه، وإن تحول كل من حوله ركاما،

لن أكتب عن قوة وعن ضعف وعن أيد لا تمنح سوى الخذلان.

لن أكتب عن الباكي أو الضاحك أو العابث من يضيء مسرحه نورا رغم عظم الأهوال.

لن أكتب عن الواثق أو المهتز أو ذلك المترقب لهزيمة مقاوم يخشاه أكثر مما يرعبه المحتل.

لن أكتب عن أحد منهم.

لن أكتب سوى عنهم، من حفروا الصخر، وعانقوا الموت، وعاشوا جحيما لم ينل من عزيمتهم، لم يرهبهم، لم يفت عضدهم، أو يخدش صلابة يقينهم بعدالة قضيتهم، وأن النصر في النهاية لهم وحدهم القادرون على استعادة الوطن المسلوب، وحدهم بإذن الله المنتصرون. لن أكتب سوى عنهم، وعن صلب القضية.

مسلك الكيان الصهيوني ومسلك حماس وغيرهما من الأطراف، كي يعي الكثيرون أن هذه الصور أو المشاهد تستطيع أن تتحكم في سلوك وعواطف المتلقي فتبرر سلوكه ونوازعه. واحد من أبرز المشاهد والصور الدالة على ذلك، صور الأطفال التي بثتها إسرائيل لجثث أطفال مقطوعي الرأس، لما قالت عنه إنه حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي،

وقد تبين زيف تلك الصور.

وصور أنفاق غزة أو ما تصطلح إسرائيل على أن تسميه مترو غزة، وكأن هؤلاء يراد منهم الاستسلام، أو أنهم يبنون تلك الأنفاق في الأراضي الأوروبية، أو الأمريكية. وصور المنازل وحالة الرعب التي يعيشها المدنيون في تل أبيب وعسقلان وغلاف غزة، بسبب صواريخ حماس التي سبق لمحمود عباس نفسه أن وصفها بالبمب بسبب الخيبة في تحقيق نتائجها… في المقابل نجد صورة حماس وهي تبث شريطا لثلاث أسيرات من المستوطنين، وتسميهم إسرائيل مختطفين، وهم يحثون نتنياهو على الإفراج عنهم بعد أن اتهموه بالفشل. وصور حماس وهي تعد وتفكك وتركب وتطلق الصواريخ، وصورها لمستوطنين صهاينة وهم يتبولون على جثث الفلسطينيين الشهداء الذين سقطوا يوم 7 و8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إضافة بالطبع لصور المذابح التي ترتكب بحق النساء والأطفال والمستشفيات والمساجد والكنائس التي بثها العديد من كالات الأنباء والفضائيات.. كل ما سبق هو فقط عينة بسيطة من استخدام أطراف الصراع ومناصريهم للصورة لتحقيق أغراض محددة.

حماس تسعى إلى تبني أسلوب القوة المسلحة، باعتباره مجرد رد فعل، بسبب سياسة الاستيطان والتهويد وانتهاك المقدسات، وبالطبع قتل إسرائيل للمدنيين، خاصة العزل من النساء والأطفال.

ومن ثم فهي تسوق لذاتها باعتبارها حركة مقاومة مشروعة ضد المحتل الأجنبي، وهذا التصور ما زال الإعلام الغربي، وجله موالٍ لإسرائيل، يحبو نحو تصديقه، أو أن هذا الإعلام يخشى السير في طريقه خشية تحول الرأي العام الغربي تجاه التعاطف مع إسرائيل.

وهو على أي حال يبدو أنه يفشل تدريجيا في ترويج أو تبرير المسلك الصهيوني، بعدما تكشفت الأحداث. في المقابل تهدف إسرائيل من الصورة أن تبين للعالم أنها ضحية الهمجية، وأنها تواجه هجمة كتلك التي واجهها الغرب مع داعش. بعبارة أخرى تسعى إسرائيل إلى شيطنة حماس، باعتبارها حركة إرهابية لا علاقة لها بالمقاومة المسلحة، وهي لا تعترف أصلا بالمقاومة المسلحة، وتهدف إلى خنوع الطرف المقابل، والتعامل معه بالقتل أو التهجير أو قبول الوضع القائم الخاص بالبقاء في صورة الشعب الأعزل، القابل بنزع كرامته الإنسانية مقابل أمنه الشخصي، باعتبار كل هؤلاء كما قال أحد قادتهم حيوانات بشرية، ولذلك تهدف إسرائيل إلى دعم التعاطف الغربي معها، وشحذ التعبئة الداخلية للرد على أنها قد فشلت في صد الهجوم الحمساوي، ومن باب أولى التنبؤ بسلوكه. وهي تصور كل ذلك على أنه مذبحة جديدة تعرض لها الصهاينة كتلك التي تعرض لها يهود أوروبا. ومن ثم فهي تصيد عصفورين بحجر واحد. عصفور الرد على منتقدي الحكومة في الداخل، من وجود عجز حكومي، ومن ثم فإنها تقوم بالرد العنيف ردا لكرامة وصورة استبيحت لدى شعبها.

وعصفور يتصل بدفع الغرب إلى دعمها في حربها ضد حماس باعتبارها حركة إرهابية تفوق داعش، وأنه لا سبيل لتحقيق مآرب الغرب ومآربها إلا بسحقها كليا. والشاهد حتى اليوم أنها حققت الكثير من مسعاها في توظيف تلك الصورة في دعم مطلق لها.

حماس استطاعت من خلال الصور التي تبث من موقع الأحداث أن تحرك الضمير العالمي، فالمظاهرات والاحتجاجات التي جابت الميادين في أوروبا والولايات المتحدة، وشارك فيها يهود أحيانا، ترجمت تعاطفا كبيرا تجاه الفلسطينيين، وصورت إسرائيل بصورة الدولة العاصية أو المارقة في النظام الدولي.

يصنع نهايته قالها أولمرت رئيس وزراء سابق لإسرائيل ولخصها

في لحظة صدق قالها أولمرت رئيس وزراء سابق لإسرائيل ولخصها وفق ما قاله أسامة سرايا في «الأهرام»: «مشكلة بلدنا الآن لم تعد الرهائن أو غزة أو حماس، مشكلتنا في بنيامين نتنياهو، لم يعد كفؤا لإدارة إسرائيل».

نتنياهو الملك أو بيبي كما يحب الإسرائيليون تدليله، أصبح يواجه سؤالا من كل الناس حوله: ماذا فعلت بنا يا بيبي؟

يبدو أنه لا يتوقف عن المقامرة حتى يخسر كل شيء، ملك إسرائيل الذي لم يتوج، حقق أرقاما قياسية يبرر كل شيء، وعكسه صاحب الرقم القياسي في حكم إسرائيل، من قتل السلام انتقاما لشقيقه جوناثان نتنياهو، الضابط الوحيد الذي قتل في مذبحة عنتيبي ضد رجال الجبهة الشعبية «حداد» الذين قتلوا جميعا، لكن نتنياهو وضعها نبراسا أمام عينيه فهو ليس ملكا لإسرائيل فقط، لكنه ملك الانتقام نفسه. ينتقم من كل الناس حتى نفسه في معركته الأخيرة في غزة. سار نتنياهو في المخطط، وجاءه العالم مؤيدا، أن يصفي حماس ويقتل ويشرد، ولم يدرك أن الجميع قد يكونون قرروا التخلص منه لصعوبة ذلك، كانت أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما صاحبها، ثم الحرب نفسها التي شنها على غزة وضواحيها، فيها ضبط الملك متلبسا بكل جرائم الحروب، إن لم يكن هناك نظام عالمي أو منظمات دولية قادرة على مواجهته، لكن التاريخ نفسه سوف يحاكمه، لن يحاكمه الغزاويون وأطفالهم الضحايا ونساؤهم المشردون، لأنه يحاكم الأطفال والأسر التي تشردت، لكنهم سوف يطاردونه، وسوف تكون لهم لعنة؛ لأن دماءهم طاهرة واللعنة لن تلاحقه وحده، لكن ستلاحق كل إسرائيلي وإسرائيلية، بل كل أمريكي وأمريكية أو أوروبي وأوروبية، تخفوا وراء عدوان على بعض المستوطنات الإسرائيلية لكي يركبوا زمام الجريمة بكل مفرداتها.

نهايته بيده وحده

القوة تهزم دائما إذا لم تكن عادلة أو على حق، وهكذا والكلام ما زال لأسامة سرايا، كانت إسرائيل طوال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قوة غاشمة، بل متوحشة لم تخف الفلسطينيين أو الغزاويين فقط، لكنها بالقطع أخافت الإسرائيليين أنفسهم، اللاعب الماكر هزمه مكره ليس لكثرة الدماء، لكن لهمجيته ووحشيته وقتله الأطفال.

تصور الإسرائيليون أنهم اختاروا شخصية مدنية لقيادة البلاد، فإذا بهم أمام شخصية ليست عسكرية وليست سياسية، بل ليست إنسانية. كان متهما في بعض الجرائم المالية، التي لم تتم تسويتها، حاول أن يهرب منها فوقع في جرائم أكبر. الخلاص الإسرائيلي من الأوضاع الراهنة صعب ودقيق، لأن نتنياهو الذي يريد أن يدخل إلى أنفاق غزة أخطأ من غير أن يدري، فدخلت إسرائيل ليس في أنفاق غزة، بل في دهاليز الخندق، الذي حفر لها وسار في مسار ليس له نهاية، لا تستطيع إسرائيل أن تترجم بها حالتها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية الراهنة، ما أصعب الخروج من مصيدة القتل الواسع والتدمير الهستيري، الذي حدث في غزة. كيف سيردها لأصحابها ولأهل المنطقة التي تبحث عن السلام معهم.

ماذا سيقول بيبي للإسرائيليين؟ ماذا سيقول نتنياهو للفلسطينيين؟ ماذا سيقول رئيس الوزراء، الذي يبحث معهم عن سلام واستقرار إقليمي.

بيبي لم تعد عنده إجابات.

صاحب الأرقام القياسية في الحكم، أول رئيس وزراء منتخب من الشارع مباشرة، انكشف وأصبح عاجزا عن الإجابة، لا يملك شرح نفسه أمام ناخبيه، أو أمام المجتمع الدولي، أو أمام المنطقة التي يعيش فيها. لماذا قتل رابين وهو ليس عنده سياسة بديلة؟ لماذا يرفض حل الدولتين الذي اختاره زعماء العالم الذين يؤيدونه، وزعماء إسرائيل المؤسسون لها، وليس عنده حل بديل؟ لماذا يقتل ويقتل ويدمر وليس عنده خط نهاية، بل ليس عنده قدرة على استمرار هذا التدمير الهستيري في منطقة يعيش فيها، لم يتبق له إلا أن يهدم المعبد الذي يعيش فيه، والذي صعد إلى أعلى عليين من خلاله. لم يعد أحد يثق في بيبي أو سياساته، أصبح الجميع يتسابقون للتخلص منه، إنه حالة ليست غريبة على منطقتنا، لكن يبدو أن إسرائيل أصبحت تتبع مثل هذه النوعية من التيارات أو الزعماء الذين يقاتلون ويحاربون بلا وعي، وبلا ضمير وبهستيريا، إسرائيل، لم تعد ديمقراطية، لم تعد واحة في الشرق الأوسط، إسرائيل عاجزة، وقد وضعها نتنياهو في مأزق كبير، وفي نفق مظلم ليس فيه أي بريق ضوء في نهاية النفق.

شركاء المذابح في غزة سيلعنهم التاريخ والأجيال المقبلة كل العالم يعرفهم

ما يحدث في غزة لا يمكن أن يصدقه عقل ولا يمكن أن يقبل به قلب بشر، يُقتل المدنيون، وبدم بارد، بل بمباركة دولية واضحة أحيانا وضمنية في أحيان أخرى.

لم تكتفِ إسرائيل وجارتها مصر بحصارهما الطويل المدى على غزة أكثر من 17 سنة ، والذي حد من حركة السكان والبضائع، وأوصل معاناة السكان اليومية إلى حد لا يمكن أن يتحمله بشر؛ بل شددت الحصار اليوم، فبات يُمنع عن السكان المدنيين كل سبل الحياة من طعام وشراب وكهرباء واتصالات، ما يعني ببساطة الحكم عليهم بالموت أحياء، فإن نجوا من القصف فلن ينجوا من قطع وسائل الحياة، وإن نجوا من الموت فلن ينجوا من إصابات غالبا لا علاج لها في مستشفيات تعاني غياب الكهرباء، بل تُهدد يوميا بالقصف.

تستخدم إسرائيل الذخيرة الثقيلة والأسلحة التدميرية في هجماتها على غزة. يؤدي ذلك إلى خسائر مروعة ومقصودة في أرواح الناس وممتلكاتهم التي يستحيل تعويضها. تصر إسرائيل على قصف مناطق مدنية مكتظة بالسكان، وهو بالطبع خرق للقوانين الدولية، لكن خرقها يصبح مقبولا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

هي تستهدف البنى التحتية المدنية الحيوية في غزة بشكل متعمد، ما يسفر عن تدمير منازل الناس، فيضيع شقاء عمرهم، وتدك المدارس والمستشفيات هكذا، دون أن ينطق أحد أو يعترف أن ما يحدث فيه انتهاك صارخ للقوانين الدولية والإنسانية.

تقول الدول الغربية أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها. هي طبعا تنسى أن دولة إسرائيل هي دولة اعتداء واحتلال، قامت على أطلال بيوت الفلسطينيين الذين طُردوا من أرضهم بلا حق، فمَن أعطاها الحق لتكون دولة على أنقاض مَن كان يعيش فيها؟ وعلى أي حال، أي دفاع هذا الذي يُقبل فيه بقتل الأطفال والنساء وقصف منازل المدنيين والمستشفيات؟ وأي حق هذا الذي يُمنح لقصف أماكن العبادة التي لجأ إليها الناس للاحتماء؟، لماذا يصبح خرق القانون الدولي الإنساني عاديا فقط لو تعلق الأمر بممارسات إسرائيل؟ لماذا هذا التمييز الفج في الأرواح؟ حق الوصول إلى الرعاية الطبية، حق الوصول إلى المساعدات الإنسانية، حق حماية المدنيين من الهجمات، فهل يصحو ضمير العالم؟

يشبهون بعض “الأمريكيون مثل الإسرائيليين”

انتهى عبد القادر شهيب في «فيتو» لما يلي: الأمريكيون مثل الإسرائيليين لا يريدون غزة كما كانت قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.. يريدونها بلا حكم حماس.. وثمة بعض الخيارات التي تداولوها مؤخرا في الغرف المغلقة والمباحثات السرية..

الأول هو تولي طرف عربي مثل مصر إدارة قطاع غزة كما كان الحال قبل يونيو/حزيران 1967، وهو الأمر المرفوض مصريا لأنه هو نوع من تصفية القضية الفلسطينية وتعطيل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة..

والخيار الثاني هو أن تكون هناك إدارة غربية للقطاع بدعم من قوات لحلف الناتو عسكريا، وهو أمر غير مرحب به مصريا أيضا، لأنه يأتي بقوات الناتو بالقرب من حدودنا، ولعلنا نتذكر أن احتمال اقتراب قوات الناتو من الحدود الروسية كان سببا للحرب الأوكرانية.. أما الخيار الثالث فهو يتمثل في الإدارة الدولية للقطاع تكون مدعومة بقوات عسكرية دولية تحت إشراف المنظمة الدولية.

واللافت أن كل هذه الخيارات تقتضي أولا تصفية حماس أو على الأقل إضعافها إلى الدرجة التي تجعلها عاجزة عن حكم قطاع غزة مستقبلا، وهو الهدف المعلن من قبل الحكومة الإسرائيلية للحرب التي تشنها بضراوة وقسوة ضد القطاع الآن.. غير أن سير المعارك على الأرض مع بدء الاجتياح البري المتدرج أو المتدحرج تضفي شكوكا حول تحقيق هذا الهدف، فهو يتم ببطء شديد ويلحق بالإسرائيليين خسائر موجعة، كما قال نتنياهو، وهذا معناه أن إسرائيل ستحتاج لوقت طويل لا تقدر على تحمله وتكلفته باهظة جدا لا تستطيع تحملها لكي تحقق هدف الحرب المعلن وهو التخلص من حماس، وإزاحتها من حكم غزة..

وبالتالي فهو هدف صعب عليها تحقيقه.. نعم ستخرج حماس من هذه الحرب بجراح شديدة، لكنها لن يصعب عليها استعادة سيطرتها على القطاع مرة أخرى، وستجد من يدعمها ويساعدها داخل وخارج القطاع.. وبالتالي فإن كل الخيارات التي يتم تداولها أمريكيا وأوروبيا حول مستقبل غزة لا مجال لمناقشتها الآن، ولا داعي إذن لتباطؤ تنفيذ دعوة وقف القتال أو ما يسمى بالهدنة الإنسانية، التي بدأ الحديث الأمريكي عنها بعد شهر من القتل لأهالي غزة والتدمير لمبانيهم ومنشآتهم وحرمانهم من مقومات الحياة الضرورية.

صمت مخزٍ وحضارة زائفة وحقوق إنسان ليس لها وجود

لم أستغرب حجم الجرائم البربرية والفظائع الوحشية التي لا تخطر على بال بشر، المرتكبة ضد الأطفال والنساء العزل في قطاع غزة، بل على العكس أرى أنه لولا كبح الحلفاء الغربيين لجام الوحوش الكاسرة حفاظا على ما تبقى من صورة الحضارة الزائفة، لكان الوضع مأساويا يفوق ما يحدث بكثير، ولربما وصل إلى حد الإبادة الشاملة وهذا ليس من قبيل المبالغة أو معاداة السامية، وإنما قراءة نقدية لنفسية الشخصية الصهيونية الغاضبة مما حدث في طوفان 7 أكتوبر/تشرين الأول، الذي يعد بمثابة «النكبة الصهيونية» نظرا للخسائر الفادحة التي لم تعتدها إسرائيل منذ عصر السبي البابلي. هذه الفاجعة أصابت المجتمع الرخو بهيستيريا عارمة، لم يفلت من لوثتها القادة السياسيون والعسكريين وسيطر عليهم الهياج العصبي إلى حد الجنون واستبدت بهم غواية الانتقام المدمرة، وأعمت أنظارهم عن أولوية سلامة الرهائن العالقين في متاهات أنفاق غزة وتعالت أصوات زاعقة بتطبيق برتوكول هانيبال السري الذي يسمح بقصف مواقع الجنود الأسرى، وللمفارقة فإن الجيش الإسرائيلي هو الوحيد في العالم الذي يستخدم هذا الإجراء الغادر، فقد تم تطبيقه في 7 مناسبات كان فيهم 11 إسرائيليا لم ينجُ منهم سوى جندي واحد فهذا البرتوكول تطبيق توراتي صرف فقد جمعت قوانين الحرب في سفر التثنية أو سفر تثنية الاشتراع، أحد الأسفار المقدسة في «التناخ» الكتاب المقدس وهي تشرح أسلوب قتال الأغيار وطريقة الاستيلاء على المدن، فإذا كانت حرب إغارة أباحت لهم شرائعهم قتل الذكور البالغين فقط من العدو وسلب أموالهم، وفي الحرب الدفاعية أباحت لهم إبادة العدو كله أي قتل جميع الأطفال والنساء وحتى البهائم، والاستيلاء على جميع الممتلكات وهو ما حدث من تدمير شامل لمدينة أريحا في زمن يوشع بن نون، لقد استلهم الصهاينة من التوراة والتلمود عقيدة البطش وسفك الدماء، فكل جريمة يقترفونها تصبح مقدسة شرعية من أجل تحقيق وعد الرب، فهم يفعلون ما يفعلونه بوازع ديني.

عار على البشرية والعالم أجمع

ما قاله صحافي إسرائيلي: «لولا اللوبي الإسرائيلي لأصبحت دولة إسرائيل وطنا أفضل للعيش فيها، ولتمتعت بقدر أكبر من العدل والإنصاف، ولأصبحت الولايات المتحدة- نفسها- أكثر ديمقراطية مما هي عليه اليوم، فنظام الحكم الإسرائيلي يتصرف بأسلوب ضد مصلحة الشعب الأمريكي لأنهم يخالفون القانون الدولي، وحقوق الإنسان، والقيم الأخلاقية المتفق عليها عالميا». كانت هذه كلمات الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي، كاتب مقال وعضو مجلس تحرير جريدة «هآرتس» الإسرائيلية الصادرة في تل أبيب، والتي تُعد من أهم الصحف في إسرائيل.

وقد أشار في حديثه في مؤتمر عُقد مؤخرا في واشنطن، إلى أن إسرائيل بالنسبة لأمريكا مثل الصديق مدمن المخدرات، لا يوجد غير طريقتين للتعامل معه: إما تقديم المخدرات له، وهنا سوف يكون المدمن ممتنّا ويعتبره أوفى الأصدقاء، وإما أن يرسله للعلاج في مصحة، وهنا سوف يكرهه، لكن الصديق الحقيقي يجب أن يحمي صديقه من نفسه.

إسرائيل أصبحت مدمنة احتلال، ولا أمل في التغيير من داخل المجتمع الإسرائيلي، بعد أن أحاطوا عقولهم بجدران، ورفضوا أن يروا ما يدور حولهم. والأمل الوحيد في تدخل واشنطن والاتحاد الأوروبي لأن المجتمع الإسرائيلي يعيش في حالة نكران للواقع، حتى أصبح شديد الخطورة على نفسه وغيره. مشكلة الإسرائيليين الأولى أنهم مقتنعون بأنهم شعب الله المختار، يفعلون ما يحلو لهم، والثانية يتوهمون أنهم ضحايا، رغم أنهم هم المعتدون، والثالثة أنهم يرون أن الفلسطينيين ليسوا بشرا، تُطبق عليهم حقوق الإنسان.

ما قاله جدعون ليفي وتساؤله لماذا تغير إسرائيل سياستها الوحشية تجاه فلسطين ما دامت الولايات المتحدة تسمح لها بذلك؟

يقول «كإسرائيليين لا نريد أن نعرف عن الفظائع التي تحدث تحت نظرنا، ونتجاهل الدراما الفلسطينية التي تحيط بنا. لا أعرف كيف نعيش سعداء، راضين عن أنفسنا؟ كيف نتوهم أن 5 ملايين يهودي يفهمون أكثر من 6 مليارات نسمة، هم سكان العالم؟ وهل يستمر الـ5 ملايين يهودي في العيش على قناعاتهم إلى ما لا نهاية له؟ وهل معقول – في القرن الواحد والعشرين- أن يتم تجاهل القانون الدولي والمؤسسات الدولية ويتم الاعتماد على مساندة الولايات المتحدة وحدها؟  كم إسرائيليّا حاول أن يضع نفسه مكان الفلسطينيين لمدة دقيقة؟ في يوم ما سألت إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق: ماذا تفعل لو كنت فلسطينيّا؟ فأجاب: لكنت قد انضممت إلى منظمة إرهابية.

ما يحدث اليوم في غزة ضد مصلحتنا. لن نعيش في أمان بعد وقوع هذه الجرائم الوحشية. لديّ أمل ضعيف أن يحدث التغيير من داخل المجتمع الإسرائيلي، فلو شاهدتم الإسرائيليين وقت ضرب غزة كانوا يملؤون الشواطئ، والهيلوكوبترات كانت تمر من فوقهم. التلفزيون والصحف أشارت بالكاد إلى الأحداث، وعندما كتبت مقالا عن الوضع الراهن اضطررت أن أستعين باثنين من الـ(بودي جارد) لأخرج من بيتي».

بلا جدوى المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) فيليب لازاريني

أعرب المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) فيليب لازاريني، عن خيبة أمله في ما تقوم به إسرائيل. وقال في تقرير تابعه الدكتور محمد حسن البنا في «الأخبار»: القصف الإسرائيلي الذي لا ينتهي لقطاع غزة صادم، وأن مستوى التدمير غير مسبوق، وأن المعاناة البشرية التي يراها لا يمكن لأحد تحملها. وقال: نصف سكان غزة قد دُفع من شمال قطاع غزة إلى جنوبه خلال ثلاثة أسابيع. وأن جنوب غزة لم يكن بمنأى عن القصف، حيث قتل الكثيرون جراء ذلك. وأكد لازاريني أنه لا مكان آمن في غزة. والمدنيون الذين يوجدون في الشمال يحصلون على إخطارات بالإجلاء من قوات الاحتلال الإسرائيلي، علما بأن الكثير منهم من المعاقين والجرحى والمرضى وغير قادرين على الحركة. وما يحدث ولا يزال يحدث عبارة عن تهجير قسري.

وأن أكثر من 670 ألفا من النازحين باتوا يقبعون في المدارس والمباني التابعة للأمم المتحدة، التي باتت مكدسة، حيث يعيشون في ظروف غير صحية، ولا يحصلون على الغذاء والماء الكافيين. ويفترشون الأرض أو ينامون في العراء، وأن الجوع واليأس باتا يتحولان إلى غضب من المجتمع الدولي. لكنه يا سيد لازاريني غضب بلا فاعلية للأسف.

لازارينى يقر بأن قرابة 70% ممن قتلوا هم من الأطفال، وأنه لا يمكن اعتبار ذلك مجرد أضرار جانبية. وأن المساجد والكنائس ومنشآت الأونروا، حيث يلجأ إليها النازحون لم تكن بمنأى عن القصف، وأن هناك الكثيرين قتلوا أو جرحوا وهم يبحثون عن ملاذ في المناطق التي يحميها القانون الدولي الإنساني، إضافة إلى أن الحصار المفروض على قطاع غزة هو عقاب جماعي، ما يعني أن الخدمات الأساسية تنهار. وأن الأدوية والمياه والغذاء والوقود تنفد.

هكذا يعيش الفلسطينيون والزعماء العرب أصبحوا خارج عن الخدمة

 شوارع غزة باتت ممتلئة بمياه المجاري. ويمثل ذلك خطرا صحيا داهما إلى جانب انقطاع الاتصالات الذي يعني أن سكان غزة لن يتمكنوا من التواصل مع أحبائهم داخل وخارج غزة حتى يعرفوا أنهم على قيد الحياة. هكذا يعيش الفلسطينيون والزعماء العرب خارج عن الخدمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق