الثلاثاء، 7 مايو 2013

عن العدوان الصهيوني على سوريا وما بعده


عن العدوان الصهيوني على سوريا وما بعده 
 ياسر الزعاترة

من الطبيعي أن يحتفل شبيحة بشار بكل ألوانهم الأيديولوجية والطائفية (على طريقتهم الخاصة) بالغارات الإسرائيلية على جمرايا وقاسيون، ولولا بقية من حياء لشكروا نتنياهو عليها، والسبب هو أنها منحتهم دفعة جديدة لاستعادة نظرية «المؤامرة الصهيونية الإمبريالية على نظام المقاومة والممانعة»، ولولا تلك البقية من الحياء، وربما الخوف من الازدراء إذا توخينا الدقة، لكرروا ما قالته قناة الإخبارية لصاحبها رامي مخلوف (ردد ذلك التلفزيون الرسمي) من أن «الكيان الإسرائيلي يستخدم صواريخه لدعم الإرهاب»، وأنه يمارس «إرهاب دولة لتخفيف الضغط عن العصابات المسلحة»، وأن ذلك «مؤشر جديد على أن إسرائيل هي الأصيل والإرهابيون هم الوكلاء»!!

وفي حين بلغت المشاعر بقلة قليلة من السوريين، وربما سواهم حد الاحتفال بالضربات أو السكوت عليها، الأمر الذي يمكن تفهمه بسبب مشاعر الحقد على نظام يقتل الناس بلا حساب، فإن الغالبية الساحقة من الأمة لم تتردد في إدانة ما جرى، ووضعه في إطاره الصحيح كعدوان على مقدرات الدولة السورية، وليس على نظام بشار.

إنه كذلك، ولو كان الكيان الصهيوني قد حسم موقفه في اتجاه إسقاط نظام بشار، لرأينا ترجمة ذلك في مواقف الولايات المتحدة التي تدير الملف الشرق أوسطي على إيقاع الهواجس؛ بل ربما الأوامر الإسرائيلية، وما رأيناه في واقع الحال هو العكس تماما، إذ رأينا توجها صهيونيا واضحا نحو إطالة أمد النزاع من أجل تدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود، مع ميل إلى تفضيل الإبقاء على بشار بعد ذلك «ضعيفا منهكا» على مجيء ثوار «منتصرين وهائجين» بحسب تعبير أحد كبار الصهاينة الأمريكان (دانيال بايبس).

ما ينبغي أن يقال هنا هو أن الغارات الإسرائيلية لا تحتاج إلى محللين وخبراء، فالقوم أعلنوا هدفهم دون مواربة ممثلا في استهداف مواقع تتعلق بأسلحة مهمة، وهي غالبا صواريخ بعيدة المدى كانت ستذهب أو في طريقها إلى حزب الله، وهو ما سيحدث لاحقا مع أية أسلحة يمكن أن تذهب إلى أيدي الثوار في حال اقتراب سقوط النظام، وقد أعلن المسؤولون الإسرائيليون أنهم يراقبون بكل دقة حركة السلاح الكيماوي على مدار الساعة، إلى جانب الأسلحة المتطورة الأخرى، وأنهم سيتعاملون معها وقت الحاجة، هي التي تعتبر اليوم في «أيدٍ أمينة» كما يرددون صباح مساء، بينما لن تكون كذلك في حال سقط النظام، لا هي ولا الصواريخ المضادة للطيران، فضلا عن الصواريخ بعيدة المدى ومنصات إطلاقها.

ولكن لماذا يبادر النظام إلى نقل أسلحته أو جزءا منها إلى حزب الله في لبنان؟ هل يعبر هذا عن مزاج انتصار، أم مزاج يأس؟ إنه مزاج اليأس.
وإذا تذكرنا عمليات التطهير العرقي في بانياس وحمص، فإن ما يجري قد يكون جزءا من ترتيبات الدويلة العلوية التي ستمضي إليها إيران من أجل ألا تخسر كل شيء في سوريا، بصرف النظر عن فرض نجاح هذا الخيار، مع أن أملهم بالإبقاء على سيطرتهم على البلد برمته لم يتلاشى بعد.

واللافت هنا أن الطيران الذي ضرب يوم الجمعة وليلة الأحد لم يأت من المريخ، بل حلق في الأجواء اللبنانية، الأمر الذي يثير أسئلة حول موقف حزب الله، ولماذا لا يرد على الخروقات الصهيونية، مع أن سؤالا كهذا يبدو غريبا، لأن من لم يردوا على اغتيال عماد مغنية كما ردت حماس على اغتيال الجعبري، لن يردوا على خروقات الطيران الإسرائيلي.

جدير بالذكر أن الضربات الإسرائيلية في مثل هذه الحالات، غالبا ما تعتمد على معلومات استخبارية دقيقة قادمة من الداخل السوري، والإسرائيليون لا يكشفون كل شيء بطبيعة الحال، وذلك من أجل حماية مصادرهم، فضلا عن الانسجام مع الحسابات السياسية التي تقف خلف الضربة.

لا يعني ذلك الحسم في مسألة الرد التي نحن بصددها، خلافا لكل المرات السابقة حين كنا متأكدين تماما من أن حكاية الرد في الزمان والمكان المناسبين إنما تعني ابتلاع الصفعة ولا شيء غير ذلك.
 يحدث ذلك لأن الرد هذه المرة هو قرار إيراني أكثر منه سوري، إذ أن إيران هي التي تدير دفة المعركة، وإذا قدرت أن ثمة مصلحة في الرد فستفعل، ربما عبر استهداف بعض المواقع الإسرائيلية بصورايخ بعيدة المدى (من سوريا طبعا)، وذلك من أجل حفظ ماء وجه النظام، لكنهم قد يرون أن ذلك سيعطل مسار المواجهة مع «الإرهابيين» كما يقولون. ألم يأت الطيران الإسرائيلي لنصرتهم بحسب الإخبارية السورية؟! مع أن السؤال الذي يطرح نفسه هو لما ينشغل بشار بالوكلاء عن العدو الأصيل، ما دامت الهجمات قد أكدت أن الإرهابيين مجرد وكلاء لذلك العدو؟!

في أي حال، وسواءً رد النظام بقرار إيراني أم لم يرد (سيكون الرد محدودا في الغالب)، فإن مسار المعركة بين الشعب والنظام سيمضي ضمن مسار الاستنزاف القائم، وصولا إلى حسم عسكري ينهي النظام، أو حل سياسي يرضى عنه السوريون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق