كيف أكلت الوحوش الرئيس مرسي
البرادعي يتوسط صغار "تمرد"
وائل قنديل
ليس من عندي تعبير"الوحوش الكاسرة"، بل إنني مدين به إلى المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، العائد من زنازين الانقلاب، حيث ناله من أعمال النهش جانب كبير، ألقى به في السجن، عقاباً على رفضه الانقلاب على الثورة.
في الرابع والعشرين من مارس/ آذار 2013 أي قبل تنفيذ جريمة اختطاف ثمار ديمقراطية ثورة يناير الوليدة، بثلاثة أشهر، روى رئيس حزب الوسط لجماهير حزبه، في لقاءٍ مسجل، ما دار بينه وبين أحد المقربين من مرشح رئاسي سابق، ممن تكتلوا لإسقاط الرئيس محمد مرسي.
وفيه أن الرجل سأل زعيم "الوسط": لو كان أبو العلا ماضي هو من يسكن قصر الاتحادية، ألم يكن ممكنا تلافي الأخطاء التي وقع فيها مرسي، وألا يحصل كل ما حصل؟
رد عليه: "لو أبو العلا ماضي كان في الاتحادية، كانوا جرجروه من رجليه في شارع الميرغني وسحلوه، وموّتوه، عشان ماعندوش جماعة كانت تحميه في الوقت ده، لأن كان فيه وحوش كاسرة عاوزة تسقط النظام اللي هو بيمثل الثورة".
استدعى رئيس "الوسط" هذا الموقف، لكي يخلص منه إلى أن محمد مرسي هو الوحيد، أو من هو مثله، الذي وراءه جماعة ضخمة، تحميه ضد الوحوش الموجودة في كل مكان، والتي كان من الممكن أن تهدّ النظام، وليس فقط تسقطه، وتعيد النظام القديم من خلال إسقاط الثورة كلها.
كانت تصريحات أبو العلا ماضي بعد يومين فقط ارتسام أبشع علامات الهمجية على وجه الثورة المصرية، حين تحوّلت منطقة المقطم، حيث المقر الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين، إلى ساحة حرب، وحرق، كل ما تبقى من تحضر ورقي، عرفهما المصريون، معاً، في أيام يناير/ كانون الثاني 2011.
وقد وصفت تلك الأحداث بأنها "انتحار ثورة، إن مصر كلها تدفع ثمناً باهظاً لنزوات حمقاء لمجموعة من الجنرالات المتقاعدين والقاعدين، ممن أخشنت جلودهم، وانتفخت ذواتهم، فلم يعد يهزّهم جريان الدم على الإسفلت، وكأن أحداً لم ينظر في كتاب التاريخ، ليعلم أن هذه الأمة انتكست وانتكبت وتأخرت وضاعت في طرقات التخلف، نتيجة مواقف مشابهة للمشهد الذي تابعه العالم بمنطقة المقطم أمس".
هذا يعني أن تلك الفترة التي عرفت وصول الأمور إلى مرحلة حرق الخصوم السياسيين أحياءً كانت تعني انسداد كل قنوات التحاور، إذ كانت القوى المنتشية بالدعم اللانهائي من الدولة العميقة، الجيش والشرطة والقضاء، قد حسمت أمرها، واختارت التصعيد إلى آخر مدى، ومن ثم لا يوجد ما يدعم الرواية الرائجة التي تقول إن الرئيس مرسي التقى الدكتور محمد البرادعي في إبريل/ نيسان 2013، وعرض عليه رئاسة الحكومة، وأن الأخير رفض، وهي الرواية التي وردت على لسان المصري المقيم في كندا، المهندس أسامة فتحي، باعتباره صديقاً قديماً، ومعاوناً، في بعض الملفات الخاصة بالمصريين في الخارج، للدكتور عصام الحداد، مساعد رئيس الجمهورية.
في حدود علمي، وكنت مشاركاً في جلسات الحوار الوطني المنعقدة في مقر رئاسة الجمهورية، أن لجنة ثلاثية كانت منوطةً بدعوة رموز جبهة الإنقاذ، وفي مقدمتهم البرادعي، للمشاركة في الحوار، غير أن كل جهودها تحطمت على صخرة يقينٍ لدى قيادات الجبهة التي حسمت خيارها بالاقتراب حد الالتصاق من ثلاثي الدولة العميقة، بأن كل شيء سينتهي في (30/6)، ولا حوار قبلها.
والثابت تاريخياً أن الدكتور محمد البرادعي، بوصفه أحد الرؤوس الثلاثة الكبار في قيادة "الإنقاذ"، كان قد قطع أشواطا بعيدة، داخلياً وخارجياً، في مشروع إنهاء حكم الرئيس مرسي، سواء مع كاترين آشتون وبيرناردينو ليون، أوروبياً، أو مع صغار قيادات حركة "تمرد" المصنوعة في ورش العسكر، محلياً، إذ حملت عناوين أواخر مايو/ أيار 2013 نبأ استقبال كبير ثورة يناير 2011 صغار الثورة المضادة يونيو 2013 في منزله، لبحث التحركات ضد الرئيس مرسي، بالتزامن مع عملية انفتاحٍ ثوري، غير مسبوق، على الثورة المضادة، تم خلالها تعطيل العمل بثنائية "فلول وثوار" ومحو الفواصل بينهما، على أرضية التوحد من أجل إطاحة الرئيس القادم من الإخوان المسلمين.
وعلى ذلك، ليس هناك ما يؤكد أن مرسي التقى البرادعي، في الشهور السابقة على تنفيذ الانقلاب، فالثابت أن لقاءهما الوحيد، بعد وصول الرئيس المنتخب إلى "الاتحادية"، كان بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وهو اللقاء الذي أعلنت عنه مؤسسة الرئاسة.
وعلى مدار الشهور التالية لأزمة الإعلان الدستوري التي التقطتها "الوحوش الكاسرة"، للبدء في تنفيذ مشروع الانقلاب، باءت محاولات دعوة البرادعي وحلفائه بالفشل، وكان رده الذي سمعه المتواصلون معه، حد الملل، هو "بعد 30 يونيو نشوف"، وبدا واضحا أن "الوحوش الكاسرة" جائعة لالتهام الرئيس نفسه، وليس مجرد "قرمشة" رئيس حكومته.
تلك شهادتي في حدود معلوماتي، لا أدّعي أنها اليقين، مع استعدادي للاعتذار إن ثبت عدم دقتها، لكني أرجح أن اللقاء المزعوم لو كان قد حصل، لما كان البرادعي ومشجعوه سيتكتمون عليه، أو يتركونه من دون استثمار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق