الثلاثاء، 5 يوليو 2016

تجديد الفكر الديني

الدكتور عبدالله الحامد في برنامج ( الشريعة والحياة ) 

نحو تغيير الفكر الديني


مقدم الحلقة:
ماهر عبد الله
ضيف الحلقة:
د. عبد الله الحامد: كاتب سعودي
تاريخ الحلقة:
26/05/2002
عبدالله الحامد
ماهر عبد الله


ماهر عبد الله: سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).

موضوعنا لهذا اليوم يقع تحت عنوان عريض هو نحو تجديد الفكر الديني، غالبية ما تعورف على أنه الإسلام ومنهج السلف الصالح، هو في الحقيقة فكر تشكل في العصر العباسي الوسيط أيام ازدهار الدولة العباسية، لا سيما في عصر المأمون، وما تلاه على اعتبار أنها فترة شهدت الكثير من الصراعات الفكرية التي أثرت التراث الإسلامي والذي للأسف الشديد بقي عالة عليها إلى يومنا هذا.

في العصر العباسي طغت الصراعات، وانصبغ الفكر بطابع سجالي تبعاً لذلك، أكثر ما أسيء له في الفكر الإسلامي في تلك الفترة والفترات اللاحقة عليها أنه بسبب هذه الصراعات، وبسبب الازدهار الذي لحق بالأمة في تلك الفترة طغت روح التقليد وبقي ذلك هو النموذج الذي يطمح الجميع إلى تقليده، هذا أثر على العقلية المسلمة، وجعل منها في الشكل كبير عقلية تقليدية، وأكثر مفهوم أسيء استخدامه للتعبير عن هذه العقلية التقليدية هو مفهوم السلفية باعتبار أنها الصيرورة على نهج السلف الذي اتفق الناس أو اتفقت الأمة على صلاحه، لكن ليس كل من ادعوا السلفية كانوا سلفيين بالمعنى الحقيقي للكلمة، إذن موضوعنا هو نحو تجديد الفكر الديني، نحو مزيد من السعي.. نحو مزيد من الإبداع في الفكر الديني، ويسعدني أن يكون ضيفي لهذه الحلقة لمناقشة هذا الموضوع، الدكتور عبد الله الحامد، والدكتور عبد الله الحامد (كاتب سعودي معروف وهو أكاديمي سابق، فُصِل من الجامعة – جامعة الإمام في الرياض لأسباب سياسية، حيث أنه كان أحد أعضاء اللجنة السداسية التي وقعت على عريضة لجنة الحقوق الشرعية، الدكتور عبد الله الحامد إذن إضافة إلى كونه أكاديمي هو ناشط سياسي، وكاتب في بعض المطبوعات العربية)، دكتور عبد الله الحامد أهلاً وسهلاً بك في (الشريعة والحياة).

د. عبد الله الحامد: أهلاً وسهلاً.




ماهر عبد الله: أنا أعلم أنه طابعك العام أدبي، وما كتبته في الشعر أكثر مما كتبته في السياسة لكن هم المثقف والمثقف الإسلامي على وجهة التحديد يتداخل مع السياسة بغض النظر عن الخلفية وبغض النظر عن الثقافة الشخصية، أنا أشرت كثيراً في.. في المقدمة إلى العهد العباسي، وأنا أعلم أنك من الذين يستاءون جداً من بصمات تلك الفترة على فكرنا الإسلامي كما نراه اليوم، باعتقادك الشخصي إلى أي مدى يتأثر الفكر الإسلامي –كما نعرفه اليوم- بكافة تياراته بفكر تلك الفترة من تاريخ الأمة الإسلامية؟

د. عبد الله الحامد: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، في البداية لعله لا يفوتنا في مثل هذه الفترة أن نحيي صمود أهلنا في فلسطين المحتلة، وندعو الله للشهداء بالقبول، ولا شك أن الشهداء هم الذي يسقون شجرة النصر التي تنمو شيئاً فشيئاً، ودائماً إرادات الشعوب تقهر كل طغيان وعدوان.

بالنسبة لموضوع تأثر الفكر الإسلامي المعاصر بما أشرت إليه العصر العباسي، هناك شيء قد يفوت كثيراً من الناس وهو أن صياغة الفكر الإسلامي إنما تمت في العصر العباسي، وهذه الصياغة نظر إليها على أنها هي الإسلام، ولكن هذا الكلام يحتاج إلى تدقيق، فعندما نرى ما فصلنا فقهاؤنا القدامى –رحمنا الله وإياهم- من مدونات نجد فيها الفكرة.. الأفكار المركزية أو الأساسية للإسلام، لكن نجد هناك أشياء ثانوية كحلول لمشكلات حدثت، وتحديات واجهتهم، ولم يخلوا ما كتبوه من طابع العصر، لأن المفكرين والفقهاء والمدونين تأثروا بجو البيئة الذي أحاط بهم، وأول شيء تأثروا به هم أنهم يقدمون حلول.. حلولاً لمشكلات حدثت في مجتمعهم، أحمد بن حنبل –رحمه الله- عندما رفع لواء القرآن غير مخلوق كان يجيب على سؤال طرحه المعتزلة فتطلبه السياق العام، فبالتالي الذين صاغوا العقيدة فيما بعد اشتغلوا بالقضايا الغيبية، أكثر مما اشتغلوا بقضايا عالم الشهادة، وصار النقاش في عالم السماء، ولم يهبط ليناقش مشكلات الإنسان على الأرض، فطبعاً لذلك أسباب كثيرة، وله نماذج كثيرة، السؤال الذي يطرح نفسه هل هذا الفكر الذي صيغ في العصر العباسي هو الإسلام؟

ماهر عبد الله: أسمح لي، قبل أن تجيب على سؤالك هذا، يعني هناك مفارقة يتضمنها تقديمك هذا، وهو أننا نزعم سلفيو العقيدة، وأننا نلتزم بالسف الصالح، لكن واضح من كتابات أغلب الذين يقولون هذا، أنهم فعلاً يتكئون على أحمد بن حنبل، وفكر أحمد بن حنبل، لكن يفترض عندما نقول السلف الصالح أننا نتحدث عن جيل الصحابة وجيل التابعين، فكيف نزعم أننا سلفيون عندما يكون المحدد الأكبر لفكرنا الإسلامي في مرحلة لاحقة جيلين أو ثلاثة بعد جيل التابعين؟

د. عبد الله الحامد: الواقع نحن هنا نقع في إشكالية المصطلح، ما هي السلفية؟ السلفية من حيث التنظير هي الأشياء التي قام بها علماء وفقهاء السلف الصالح، بدءاً من الإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، هؤلاء عندما تطلق السلفية هم المؤسسون لها، لكن كيف أطلقت السلفية؟ السلفية في الأصل أن هذا الجيل كان عندما جاءت أسئلة حديثة طرحها الامتزاج الثقافي بين الأمم، كالسؤال حول القرآن وحول الذات والصفات والقدر، قال الفقهاء الذين هم رموز السلف الصالح عليكم بمذهب من سلف، ويقصدون بمن سلف السابقين من الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، لكن بعد ذلك تطور مفهوم السلفية بحيث أصبح هناك سلفيات عديدة، وهناك سلفيات.. سلفية محافظة وسلفية مجددة، فأصبح إطلاق المديح أو إطلاق الذم على السلفية غير صحيح، لأن السلفية تنقسم إلى قسمين في الواقع، السلفية منهجاً وأصولاً، مثلاً تدوين الحديث الشريف مصححاً، هذا أمر أساسي في الأمة، ولا غنى لمسلم عن أن يعتمد ذلك، ثم هناك بناء منهج أصول فقه الكتاب والسنة، ثم هناك تقديم الوحي على الرأي، ثم هناك فهم القرآن الكريم بحسب أصول اللغة العربية، هذه هي السلفية أصولا ومنهجاً، وهي أساس أو هي الأساس القويم لفهم الإسلام، من غير تحريف ولا تعقيد، لكي نخرج من الفهم الصوفي للقرآن الكريم والحديث الشريف الذي يجعل المعنى عائماً كالفهم البنيوي، ولكي نخرج أيضاً من الفهم التجريدي الذي تبناه المعتزلة أو تقديمهم العقل على النقل، فإذا جاءوا.. أو تفسيرهم القرآن بخلاف ما يبدو من ظاهر اللفظ، كما في تفسيرهم قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) بعضهم قالوا العقل، لكن هذا خلاف السياق العام، ثم هناك أيضاً خروجاً من التفسير الباطني للشريعة، كما ذهب إليه الفلاسفة التجريديون الذين يقولون إن للمعنى.. للقرآن والنصوص الدينية معنىً ظاهراً للعامة ومعنىً باطناً للخاصة، فلابد من ضبط فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة بمنهج السلف الصالح.

أما السلفية .. التفريعات والتطبيقات والحركات، وما قام به الإمام أحمد بن حنبل، مثلاً الإمام أحمد بن حنبل قام بأمور منها مثلاً تدوين السنة، تدوين السنة هذا لابد أن.. أن يعتمد عليه الآن، لكن له آراء أخرى، فهذه الآراء الأخرى منها ما هو مجال اجتهاد، وكل ما فيه اجتهاد لا.. لا مشاحة في الخلاف فيه، ثم هو مجال خطأ وصواب، وبالتالي ينبغي أن نفرز هذا عن هذا، كذلك ما قام به مثلاً من بعده أحمد بن تيمية، هذا له تفريعات وتطبيقات واهتمامات، وكذلك من جاء من بعده، تستطيع أن تعد الإمام محمد بن عبد الوهاب، حسن البنا، سيد قطب، كل هؤلاء لهم أفكار سلفية، لكن إذا كنا.. لكن هم في.. في الأصول لا يمكن أن تعتبر السلفية ذماً، أما في المحافظة على تفريعات اللي قالها الإمام أحمد، وإلزام الناس بها والالتزام بدون اجتهاد ورأي فهذا هو مجال الملاحظة في الفكر السلفي.

ماهر عبد الله: أذكركم بأنه بإمكانكم المشاركة معنا في هذه الحلقة على رقم الهاتف التالي: 4888873 أو على رقم الفاكس: 4890865 أو على الصفحة الرئيسية (للجزيرة نت) على العنوان التالي: www.aljazeera.net




ماهر عبد الله: سيدي، الدكتور عبد الله الحامد، أي السلفية.. تحدثت عن سلفية بمنهج وأصول، وتحدثت عن منهجيات.. عن سلفية تفريقات وتفريعات، أي السلفيتين هو الدارج اليوم في الفكر الإسلام؟

د. عبد الله الحامد: هو قبل ذلك، إذا سمحت لي لكي لا نظلم السلفية المعاصرة، يعني نحن نريد أن نبين أننا لا ينبغي أن ننال من القدامى، هؤلاء قاموا بدورهم، لكن اللوم على المحدثين الذي لا يريدون أن يتجاوزوهم، ولا يريدون التعامل معهم بصفتهم بشراً يخطئ ويصيب، بل ينظرون إليهم ويقدسونهم وكأنهم هم نص الكتاب والسنة، ويعتبرونهم هم المرجعية، هذه هي.. هي الإشكالية، السلفية إذن سلفيتان هناك سلفية مجددة، وهناك سلفية محافظة، مثلاً الإمام بن تيمية عندما صاغ خطايا لمعالجة المشكلات الفقهية الموجودة في عصره، كان مجدداً، لكن اتباعه الذين يريدون الآن تنصيب بن تيمية أو غير مرجعية كاملة، يريدون أن يحلوا مشكلات الناس كلها عبر فكر بن تيمية، هؤلاء مقلدون، وكذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب كذلك جهوده في الدعوة، لا شك إنه السلفية أيضاً أكثر الفرق حرجاً على صفاء التوحيد، وبالتالي هذا شيء جيد، لكن في كل عصر تبرز مشكلات ولها.. ولها علاج، المشكلة التي نعانيها اليوم، هي التحدي والضغط الحضاري الغربي بهيمنته علينا، وبالتالي يصبح أكثر السلفيين اليوم لا أريد أن أستخدم كلمة تقليدي، قد يكون معناها أحد مما ينبغي، لكن أقول أنهم محافظون، والمحافظ إذا لم يفهم العصر الذي يعيش فيه فإن مصيره هو الذوبان والضياع، وإن رياح العلمانية إذن آتية لا ريب فيها، فمن هنا أكثر أنماط الفكر الديني سواء كان سلفياً أو غير سلفي، كل الذين يرجعون في صياغ نظرياتهم وآرائهم إلى الفكر العباسي، بدون أن.. أن يعتمدوا الكتاب والسنة، لن ينجحوا في مجابهة الضغط الحضاري المعاصر.

ماهر عبد الله: كيف تتهمهم بأنهم لا يعتمدون على الكتاب والسنة، وجوهر منهجهم قائم على اتباع الكتاب والسنة؟ يعني هم لا ينظرون بالضرورة إلى ابن تيمية، كمصدر إلهام أم مصدر وحين وإنما ربما أنه قدم منهجاً معقولاً مازال ساري المفعول وصالح للتعامل مع الكتاب والسنة.

د. عبد الله الحامد: كل السلفيين –وهذا شيء جيد- يرجعون إلى الكتاب والسنة، لكن كون فلان من الناس يرجع إلى الكتاب والسنة، هذه فضيلة، لكن كونه فعلاً يأتي بحلول من الكتاب والسنة هذا هو السؤال أمامك الآن مشكلات معينة، العولمة، حقوق الإنسان، المجتمع المدني، الصناعة، العولمة، الأمم المتحدة، وأنظمتها، كل هذه الأشياء الجديدة، هل في صيدلية ابن تيمية أجوبة لهذه الأسئلة؟ ومن هنا تصبح الحاجة ملحة في العودة إلى الأصول، لأن الكتاب والسنة هما اللذان تعبدنا الله باتباعهما، ثم إن جوهر فكر ابن تيمية ومذهب ابن تيمية، وأحمد بن حنبل، والشافعي، ومالك وأبو حنيفة، أن.. أن..، يمثله كلمة قالها الشافعي تصلح كشعار، "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، إذن التعويل على صحة.. على الصحة، أو كما قال أبو حنيفة نحن رجال وهم رجال، إذن أيضاً ما معنى التجديد في الدين؟ إذا كنا سنرجع إلى أحمد بن حنبل وابن تيمية لمحاولة.. للبحث في صيدليتهما عن علاج لكل داء يمر بنا، هذا توهم، لأن ما.. ما معنى إذن التعبد بالدين، الله سبحانه وتعالى.. الشيء الصالح لكل زمان ومكان ما هو؟ هل هو كتاب ابن تيمية أو كتاب الشيخ الفلاني والعلاني، أم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟

ماهر عبد الله: طيب كيف تفسر إذن هذا الانتشار؟ إذا كان هذا الفكر بهذه التقليدية بهذا البعد عن الإبداع، بهذا البعد عن روح العصر، كيف تفسر انتشاره علماً بأننا نعيش على الأقل في الخمسين سنة الماضية فترة حيوية جداً مليئة بالتغيرات، مليئة بالتحديات، كيف ينتشر فكر جامد بهذه الطريقة محافظ كما أسميته ونحن نعيش هذه الفترة المليئة بالتغيرات؟

د. عبد الله الحامد: سبب الانتشار أن الزمن الذي أوجد تراكماً ثقافياً في الأمة صار من الصعب على المفكرين والمثقفين إصلاح الفكر الديني، لأن الناس في هذا المضمار نوعان، إما مثقف ديني لا يكاد يعرف من الأمور الحديثة شيئاً مذكوراً، وإما مثقف غير ديني يعرف الأمور الحديثة لكن لا يعرف كيف يؤسس مثلاً حقوق الناس على الدين، كيف يؤسس مثلاً فكرة المجتمع المدني على الدين، فبالتالي تظل الفجوة حتى توجد ومن أسبابه أيضاً أن خطاب النهضة الذي صاغه المفكرون الأوائل كمحمد عبده والأفغاني، لم يكد يتجاوز تقديم النهضة أو تقديم الإسلام، قدمه كخطاب، لم يتوسعوا في بناء النظريات، خذ مثلاً نظرية الحرية، نظرية حقوق الإنسان، نظرية.. نظريات المجتمع المدني، لم يكتب فيها الإسلاميون شيئاً كثيراً، لو.. لو كتب الإسلاميون في المجتمع المدني وحقوق الإنسان مثلما كتبوا في السواك أو في الوتر أو تقليم الأظافر، لاستطعنا أن.. أن نجد تأسسياً دينياً لنهضتنا، فبالتالي عبر الزمن حصل حصر للدين، ممكن أن تسميه رهبنة أو دروشة، هذا هو الذي يبدو.




ماهر عبد الله:
سيدي، أنت سألت سؤالاً ولم تقصد به أن تستفهم بقدر ما حاولت أن.. أن تقر حقيقة وهي أن الفكر الإسلامي، سألت الدارج هذا هو فكر الإسلام الصحيح أم هو الفكر الإسلامي العباسي، لكن لو.. لو قبلنا هذا.. ماذا تقصد بالفكر العباسي، المرحلة العباسية المزدهرة فكرياً، شهدت يعني لو أخذنا المأمون وما قبله وما بعده، ساد فيها الفكر المعتزلي وكان دين الدولة الرسمي، ثم جاء من بعده وحافظوا عليه لكن بحماس آخر، ثم ساد فكر آخر، عندما تقول الفكر العباسي، ما الذي تقصده بسيطرة الفكر العباسي هل هو الفكر الأشعري الذي هو مذهب غالبية الأمة الإسلامية اليوم، هل هو الفكر المعتزلي مذهب المأمون، ونخبة علماء الكلام المسلمين، هل هو الفكر الخارجي أم هو الفكر الشيعي والذي لم يكن ضعيفاً يعني الأخ وائل من لبنان يقول لماذا يُغيَّب الفكر الشيعي الفلسفي على الحوار بالرغم من أنه الفكر الإسلامي التقدمي المواكب للعصر؟ الفكر الشيعي حتى في تلك الفترة كان عنده ما يقدمه، فعندما تقول الفكر العباسي هو الذي يطغى اليوم، ماذا تقصد بالعباسي؟ كل هذا عباسي، الفكر الشيعي عباسي والفكر المعتزلي عباسي.

د. عبد الله الحامد: الذي أقصده إنه جميع إنتاج الفرق الإسلامية في العصر العباسي بحاجة إلى مراجعة ولا هذا يخص فرقة دون أخرى لماذا؟ لأن كل هذه الفرق تعرضت إلى مؤثرات عامة، فأول هذه المؤثرات الخلفية المعرفية، لم تكن عند كل علماء الفرق خلفية معرفية في علم السياسة ولا في علم الاجتماع ولا في علم الإدارة، ولا في العلوم الطبيعية والتطبيقية والبحتة بالقدر الذي هو لدينا اليوم، وبالتالي عندما قرأوا القرآن الكريم والحديث الشريف فهموه من خلال الخلفية المعرفية التي لديه، ولذلك عندما جاءوا إلى الشورى اختلفوا فيها هل هي واجبه أم غير واجبه؟ ثم عندما حددوا أعضاء كم عدد الشورى بعضهم قاسهم على صلاة الجمعة على.. على عدد.. العدد الذي تتم به صلاة الجمعة وهو أربعون، وهذا يدل على.. على ضيق الأفق في فهم القرآن الكريم، بينما علم السياسة هو علم إدارة من شؤون البشر، الله سبحانه وتعالى وضع مبدأ العدالة (يا داود إنَّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس) الأمر بالحكم بالقسط، والشورى من أدوات القسط، وآلياتها التي تتفرع منها لا تحتاج إلى أن نختلف فيها وخلافهم حول هذه النقطة يدل على أن العيب منهجي في جميع الفرق، وبالتالي عندما قرءوا الإشارات القرآنية في علم الفلك أو في علم الجغرافيا حتى صار لهم حتى في القضايا المؤكد حقيقتها في كل.. في المسألة هي رأيان، وهذا يدل على إسفنجية التفكير، يجوز أن.. أن تجد رأيين في الوضوء من لحم الجزور أو في الجهر بالبسملة أو الإسرار بها، لكن أن تجد رأيين في الشورى فهذا يدل على خلل معرفي.

ماهر عبد الله: يعني هذه صعب.. صعب –إذا سمحت لي- صعب أقبلها منك لسبب بسيط وهو إن هذه الفترة التي نتحدث عنها لو أُصيبت بهذا الخلل المنهجي في التفكير لما كانت تقريباً أحسن عهودنا ازدهاراً، يعني نحن نتحدث عن الفترة الذي.. التي كانت الأمة فيها بكل معنى الكلمة أمة مبدعة، تقدمت في علم الإدارة.. يعني ليس من الإنصاف أن نقارنها بما نحن عليه اليوم في علوم الإدارة والاجتماع وحتى العلوم البحتة، المسألة نسبية في.. في ذلك الوقت هل كانت أمة أرقى من تلك الأمم.. من تلك البغداد التي نعرفها بغداد الرشيد؟

د. عبد الله الحامد: عندما ننظر إلى الأمة في مستوى قوله تعالى: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس) نجد أن هناك خللاً، وهذا الازدهار العباسي كان بقوة الدفع الأولى قوة الحماس التي أشعلها القرآن، والرسول –صلى الله عليه وسلم- وصحابته وخلفاؤه الراشدون، قوة هذه الدفع ظلت تدفع هذه العربة ثم بعد ذلك انطفأ وخمد الشيء رويداً رويداً، فظهرت العيوب التي تتصل بمسألة الحضارة، ثم هناك كثير من علمائنا من أسباب فقر أو جدب الفكر الإداري والسياسي والمدني في العصر العباسي أن كثيراً من.. من الفقهاء كتبوا في ظل الحصار السياسي، فلم يكتبوا في.. في الفقه السياسي في علم الكلام، هل يعتقد أحد أن كتاب المارودي في "الأحكام السلطانية" أو كتاب "البيان" كتاباً في علم السياسة بمستوى إسلام، دعنا من مستوى.. يعني علم السياسة كما هو الآن، فبالتالي ليس.. هناك الفكر الإسلامي تأثر بمؤثرات منها الروح الصحراوية التي حملها العرب من جزيرتهم، وبالتالي ظهرت في الفكر الديني من خلال مقولات وآراء عديدة.

ماهر عبد الله: بس عفواً هذه تذكرها شنو يعني الصحراوية إيجابية أم سلبية؟

د. عبد الله الحامد: لأ، سلبية.. سلبية يعني ركزت مثلاً على فكرة السلطان وأنه إذا صلح يصلح العالم، بينما الفكر الاجتماعي حقائق علم الاجتماع تقول: "إن صلاح السلطة من صلاح المجتمع" وبالتالي هناك علاقة تبادلية وليس صحيحاً ما يُقال إن.. "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، صحيح هذه الكلمة لعثمان، رضي الله عنه، لكن هذه ليست حقيقةً علمية في علم الاجتماع السياسي، فإن الله يزع بالقوة المجتمعية، ثم بعد ذلك هناك الروح الكسراوية الكسراوية تأثر بها الفقهاء، وبالتالي منحوا مثلاً الحاكم سلطات لا حدود لها، وصار الحاكم هو أدرى بالمصلحة، ثم رووا أحاديث فيها الضعيف، وفيها الموضوع، وفيها المحرف عن إنه أطع السلطان ولو سلب مالك ولو ضرب ظهرك، ونحو ذلك.

ماهر عبد الله [مقاطعاً]: بس.. بس مرة أخرى اسمح لي بالمقاطعة يعني كيف تتهم تلك الفترة تحديداً بالكسراوية ونحن نتحدث عن مرحلة مفصلية كان زعيمها ورمزها في مرحلة من المراحل أحمد بن حنبل، الذي أقل مما قيل إنه صاحب أكبر محنة -إذا.. إذا جاز التعبير- سياسية أخذ من الخليفة موقف سُجن بسببه وعُذِّب بسببه؟ كيف تتهم فكر أحمد بن حنبل بالكسراوية؟ قد نختلف أو نتفق في موضوع الصحراوية نعم، لكن في الكسراوية أحمد بن حنبل الذي تحمل كل ما تحمل من أجل موقف، هو الذي كان يراجعه الخليفة شخصياً، ليس فقط السجان أو.. كيف تتهمه بأنه اقتبس من الكسراوية ليعطي للسلطان صلاحية مطلقة؟

د. عبد الله الحامد: العفو أنا لا لا..

ماهر عبد الله: لا ليس أحمد بن حنبل تحديدا، بس هذه.. تلك الفترة كيف نتهمها بأنها أدخلت في فكرنا السياسي الإسلامي كسراوية وأحد رموزها الكبار، لو رجعنا قليلاً للحسن البصري أيضاً كان متمرداً وشارك في أحد الثورات ضد الأمويين، وهؤلاء تركوا بصمات، الحسن البصري له بصمات في الفكر الإسلامي، كما لأحمد بن حنبل بصمات كيف يكون كسراوياً من ثار على السلطان بهذه الطريقة؟

د. عبد الله الحامد: أحمد بن حنبل والحسن البصري والعز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرها من الثوَّار الأحرار، هؤلاء يمثلون النشاز في الخط العام، الخط العام هو إعطاء الحاكم سلطة لا حدود لها حتى تجد في أنه له سلطة في حتى تعيين إمام مسجد صغير في قرية نائية، وهذا طبعاً إخلال بمفهوم العدل بشكل عام، ثم هناك مقولات مثل الأحاديث التي تُروى "أعطوا الأمير ماله وأسألوا الله الذي لكم" هذه.. هذا الفكر أشاع اللامبالاة والحقيقة لا يمكن أن يقاس الفكر الإسلامي بمقياس مثلاً الحسن البصري أو سعيد بن جبير أو أحمد بن حنبل أو غيرهم من الأحرار الذين أدركوا مسؤوليتهم الاجتماعية، إنما يُقاس بالكم الهائل من العلماء والمثقفين وهذه ظاهرة عامة دخل فيها الأدباء والشعراء والمؤرخون وهي تقديس الفردية، وبالتالي لماذا لم ينضج الفكر العباسي مثلاً ما أنضجه الغرب من فصل بين السلطات ومن حقوق الإنسان ومن مجتمع مدني، مع أن الإسلام قدم للبشرية القيم المدنية في.. في عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين؟ فهذا النكوص عن المنهج الراشدي لا شك أنه تأثر بالكسراوية وإلا بماذا يكون؟ ثم هناك مؤثر آخر الذي هو أيضاً الفكر اليوناني التجريدي الذي أيضاً دمر عقلية الأمة، وما.. وما المعركة التي حصلت في عهد المأمون إلا دلالة على أن الأمة بدأت تضع الثانويات محل الأوليات، وبالتالي ظهرت النزعة الصوفية، دخل هذا النسيج، دخلت الخيوط الكسراوية، والصحراوية، والصوفية، والتجريدية في نسيج الفكر الإسلامي، وبالتالي نحن جئنا اليوم لنقرأ هذا الفكر على أنه هو الإسلام، طيب أين مبدأ العدالة.. العدالة الاجتماعية مثلاً في الفكر الديني؟ نعم، نجد نصوص لابن تيمية ولغيره من.. من العلماء، لكن هذه النصوص أولاً قليلة، الشيء الثاني أنها مجرد لفتات لا تشكل خطاباً فضلاً عن أن تصوغ نظريات، خذ مثلاً حديث قاله الرسول صلى الله عليه وسلم- عن "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" هذا الحديث كان ممكن أن تُبنى عليه نظريات الجهاد المدني بأن يدافع العالم والمثقف كل سلطان جائر، سواء كان سلطاناً ثقافياً، أو سلطاناً اجتماعياً، أو سلطاناً سياسياً، نظرية إهدار الحقوق المدنية ليس مسؤولاً عنها المثقف الديني.

ماهر عبد الله: طيب أنا معذرة على التشويش، التشويش سبه انتهى الورق من جهاز الفاكس فأزعجك يبدو بعض الشيء.




سيدي، إذاً نعود إلى موضوع ما هو الخلل؟ إحنا انتقدنا الموضوع العباسي انتقاد كبير، لو.. لو ضربنا مثال أنت انتقدت التأثير اليوناني بأنه تأثير تجريدي كلامنا حتى هذه اللحظة كلام أيضاً تجريدي، ما هو الخلل في هذا الفكر السائد اليوم بغض النظر عن أنه كان عباسي المصدر أو كان غير ذلك؟
د. عبد الله الحامد: تقصد مظاهر الخلل؟
ماهر عبد الله: ما هو.. ما هو الخلل فيه إذا..؟
د. عبد الله الحامد: كثيرة.. كثيرة مثلاً خذ مثلاً الآن
ماهر عبد الله: يعني بعض الأمثلة التي توضح لماذا نطالب بتجديد الفكر الديني.
د. عبد الله الحامد: إيه، مثلاً أنا أذكر فيه بعض الدعاة مرة تكلم كلمة وكان يجمع تبرعات لإنشاء مشروعات إسلامية، دور أيتام، مراكز تعليمية غيره، وقال أنا ما.. ما أستطيع أجمع، لأنه العامي يقول لي هات لي حديث من بنى لله.. على غرار "من بنى لله مسجداً ولو كان حصى قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة"، هات لي حديث إنه من بنى مركز، من بنى دار أيتام لكي أتشجع، معنى ذلك هذا الخلل ورثناه من الخطاب الديني العباسي، ثم بعد ذلك أين القيم المدنية التي تقوم بها الأمم والشعوب؟ أين مثلاً الحث على الروح العملية؟ الحث على الروح الصناعية والتقنية؟ أين الحث على قيم المجتمع المدني؟ أين الحث على الروح الإنسانية؟ الخلافات بين.. بين الفرق في العصر العباسي هي التي دمرت البنية الداخلية للأمة وجهزتها للعدوان التتري والصليبي، العدوان التتري والصليبي لو.. لو جاء إلى أمة قوية ما استطاع، لكنها كانت نخرة جاهزة يعني مثل الإنسان الذي ميت وكان على المنسأة ينتظر أي ريح تسقطه، فبالتالي الخلافات بين الفرق قانون التضييق على أهل البدع وقتل دعاة.. دعاتها هذا صاغته كل الفرق المبالغة في.. في التفسيق، المبالغة في التكفير، حتى لا تكاد تجد عَلَماً دينياً إلا وقد كفَّر أو كُفَّر، ثم بعد ذلك هناك تركيز شديد في الفكر الديني على صلاح النية والصلاح الشخصي بدون النظر إلى العمل، الصلاح العملي التقني لم يولى للفكر الديني ما.. ما.. ما له أهمية.. ما له من أهمية، ثم بعد ذلك تركيز صلاح الناس بأنه بصلاح العلماء وصلاح الحكام، وهذا غير صحيح من ناحية اجتماعية، فهناك تبادلية بين المجتمع والقمة، ثم بعد ذلك التساهل مع الحكام والتشديد مع عامة الناس، هذا ظاهرة في فكرنا الإسلامي القديم الذي صيغ في العصر العباسي كله، غلو يعني كثيراً.

ماهر عبد الله: كيف.. كيف.. كيف ترى انعكاس هذه النقطة الأخيرة تحديداً في فكرنا الإسلامي السائد اليوم؟ قضية إهمال المجتمع أفراداً وجماعة لصالح الحاكم يعني هل مازالت موجودة بنفس هذا الزخم؟

د. عبد الله الحامد: لازالت موجودة وما نجدها الآن في العالم العربي كله، الفارق هو في الدرجة وليس في النوع في البلدان العربية، هذا حصيلة إنه الفكر الديني طبعاً نحن لا نستطيع أن نقول إن الفكر الديني، أسهم في هذا، لكنه بحكم إن الدين هو الأساس الذي تُبنى عليه نهضة الأمة كان ينبغي للمفكرين والمثقفين.. والعلماء المتهمين بالدين أن يرسخوا مبدأ العدالة الاجتماعية في الخطاب الديني، الله سبحانه وتعالى يقول: ألم ترَ.. الآية التي تُحدد مفهوم الدين قوله تعالى: (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يَدُّع اليتيم" (يدُّع اليتيم) (ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) الإسلام جاء هنا بالعدالة مرتبطة بالصلاة، فبالتالي هذا أثَّر علينا الآن في الخطاب الديني، إذاً ممكن الشيخ يرى أكبر الجرائم في مسألة انتهاك المال العام للأمة، الإخلال بمبدأ العدالة، وقد يحس أن هذا ليس له أولوية، ولكن قد يُشدَّد في مسألة قص الأظافر ومسألة اللحية، ومسألة تطويل الثياب، فهذا عدم ترتيب الأولويات هذا ناتج عن خطاب تقعَّد في العصر العباسي، وبالتالي هذا نموذج، هذا.. بالتالي حتى أنا أذكر إنه يعني موقف كثير الآن من الإسلاميين من مسألة مثلاً الديمقراطية، الديمقراطية كفر، والحاكمية لله، والشعب لا يمكن أن يكون له مصدر السيادة، هذا كلام غير صحيح، ما دليلكم؟ ما عندكم دليل، الموقف من الديمقراطية، الديمقراطية هي وسيلة، الاشتراكي ممكن يجعلها وسيلة في بناء الاشتراكية، العلماني يجعلها وسيلة في بناء العلمانية، الإسلامي يجعلها وسيلة لنشر الإسلام، فالمشكلة ليست بين الله وبين الناس، المشكلة بين الحاكم والمحكوم، وبالتالي هذا الفقر والجدب في الفكر السياسي هو الذي أنتج ما.. ما نحن نحس به اليوم من إنه تحولت الأمم والشعوب إلى قطيع وظيفته أن يسمع ويطيع، وبالتالي لا يمكن أن.. أن يكون هناك تكاتف وتعاون بين السلطة وقاعدتها المجتمع.

ماهر عبد الله: يعني فيه.. فيه جانب سلبي آخر لم.. لم تذكره إذا سمحت لي إذا اتفقت معي في الرأي عليه ثمة روح -يعني بعض ذكرت الإسلاميين ذكرت بعض..- هناك روح.. روح وصاية على الأمة، يعني فضلاً عن تغليب هذا الحاكم، فضلاً عن تهميش الشعب، فيه ثمة ظاهرة أنا باعتقادي هي أخطر وهي روح الوصاية على الدين، بمعنى أن.. أن أُنصب من نفسي حكماً عليك، أسمي نفسي وسيطاً وأنت متطرفاً، ما يجعلني أربطها بموضوعك وهو أن المعتزلة عندما سيطروا على.. على بغداد أول من بدأ بقتل الناس على الهوية عندما جاء من خلفهم وثار عليهم كرروا كردة فعل نفس.. هذا ينم عن.. روح وصاية على الدين، أنا الوصي، هل.. هل تعتقد أن هناك جذور في الفكر العباسي لهذا الروح؟

د. عبد الله الحامد: أعتقد إن الجذور قبل ذلك إنها.. إنها الروح الصحراوية، الإنسان لا يريد أن يسمح للآخر بالوجود ولا بأن يعبر عن نفسه، وبالتالي انتقلت شخصية رئيس.. زعيم القبيلة إلى –لا مؤاخذة- الشيخ في كثير من الأحيان، فبالتالي الآن نجدها موجودة تجد كثيراً من الفرق تنصب شيخ عاش في القرن السابع أو الخامس أو الثاني العباسي ليفتي في شؤون الحياة الحاضرة، ويُتخذ مرجعية ذات سلطة معنوية من تجاوزها قُمع، هناك إذاً هذه الوصاية فيها وصاية على أجيال الأمة كلها، ومن هنا تصبح مشروعية تجديد الدين ضرورة، ثم هناك هذه الوصاية تجدها مدعومة، بأنه العلماء هم الموقعون عن رب العالمين، سبحان الله العظيم، يعني الله أمرهم بأن يوقعوا عنه، للأسف نحن أحياناً نبتدع بعض الألفاظ بدون نحس.. يعني أنها لا تتناسق مع صفاء الدين وما أمر الله به عباده من التفكير، ثم بعد ذلك الآن نحن نتوراث قضية الحساسية الشديدة من نقد الشيوخ والعلماء وطبعاً هذه عاهة في.. في فكرنا العربي ليست.. ليس الدين مسؤولاً عنها، والفكر العباسي تأثر بالروح الصحراوية وبالنموذج العربي، نحن نكره النقد، وهذه السمة فينا كلنا حتى أهل الحداثة وغيرهم كل منا في تربيته يكره النقد، وبالتالي أنا أحس أنك إذا نقدتني نقدة بسيطة أحس أنك هدمتني، وعند الناس أيضاً أنا أنهدم عندما أُنقد بنقد بسيط، فبالتالي صار الإنسان يدافع عن أن يُنقد أو أن يُنقد شيخه، لأنه يعتبر مجرد نقد بسيط هدماً للشخصية، وهذا الأمر يعني لا شك إنه سيئ جداً، ثم شيء آخر بالنسبة لعلمائنا انتقلت قدسية القرآن الكريم والحديث الشريف إلى قدسية من شرح ومن فسر، فأصبح الشارح يناله شيء من.. من التعظيم ونصل.. وشرحه أيضاً ينال، مثل إذا قلنا صاحب الأمير أو صاحب الوزير، عادةً الوزير أو صاحب الأمير ليس كصاحب إنسان عادي، فكذلك هذا الذي شرح الحديث أو فسر القرآن أصبح له هذه القيمة المركزية، بالتالي صار عندما احتكار للحقيقة، في الغالب تجد عندما يكتبون أو نكتب نقول الحق هو كذا، أيضاً احتكار تمثيل السلف الصالح، كل إنسان الآن يأتي برأي يسنده إلى مرجعية قديمة قد يكون هو صنع هذه الفكرة عند هذه المرجعية، يعني أعاد بناءها على ما هو معروف مثلاً في.. في المسرح، وإن كان التمثيل بالمسرحيات يعني قد لا يكون مناسباً، لكن هو المثل.. المثال الدقيق، يعني تصنع من مثل مسرحية "أوديب" عشرات المسرحيات، لكن أنت تُعيد تشكيلها، فكذلك نجد الآن مثلاً الأحناف أعادوا تشكيل أبي حنيفة، أيضاً كثيرون من الشباب الآن يعيدون تشكيل سيد قطب، يعيدون تشكيل محمد بن عبد الوهاب، يعيدون تشكيل الإمام بن تيمية لينطق بما يريدون، يأخذون نصوص ويتركون نصوص، فالمسألة عملية انتقاء، بالتالي يعني المشكلة أننا نقدم الناس كملائكة لا كبشر لا يخطئون.

ماهر عبد الله: طيب أنا إعادة التشكيل سنعود إليها، لكن عندي مجموعة من الأخوة على الهاتف من.. من فترة نستمع إليهم، معايا الأخ الحسن محمدي من المغرب أخ الحسن معذرة على التأخير

الحسن محمدي: ألو.

ماهر عبد الله: اتفضل.
الحسن محمدي: ألو، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
الحسن محمدي: أشكرك أخي ماهر وأشكر ضيفك الكريم.
ماهر عبد الله: حياك الله.
الحسن محمدي: وأشكرك كثيراً على هذا الموضوع، لأنه هذا الموضوع بالذات يلامس حقيقة واقعنا اليوم، ولكن إني أطرح المشكلة بطريقة أخرى موضوعك تقريباً طُرح من.. من الثمانينات، وقد كتب فيه السيد يوسف القرضاوي في مجلة "الأمة" تحت موضوع "أين الخلل"؟ أظنك قد يعني قرأت هذه المواضيع، وأنا شخصياً أرى أن الإشكال الكبير جداً هو أنه نحن لا نتعاطى مع القرآن والسنة مباشرة، لماذا نرجع إلى العهد العباسي؟ نحن نعيش قرن.. يعني القرن العشرين، القرن 21، نحن نعيش سنة 2002، يعني نحن شباب اليوم لا نستطيع أن ندرس يعني الطوائف التي كانت سابقة يعني مثل مثلاً، مثل ما ذكرت أنت يعني الشيعة وغيرها من.. من الطوائف، يعني هذه إشكالات كبيرة جداً، نحن نعيش مشاكلنا اليوم، مشاكل مثلاً الربا، الربا محرم في.. في الشريعة الإسلامية، ولكن في.. في الدول الإسلامية الآن كله مباح، بما فيها السعودية، هذه.. هذه إشكال كبير جداً، أين العلماء اليوم؟ كيف يخاطبوننا اليوم في.. في المساجد؟ يخاطبوننا على أننا نحن ضعفاء ومتعبون وعاصون خرجنا عن ملة الإسلام، ويجب أن نعود إلى الإسلام، كيف نعود إلى الإسلام؟ لا أعرف، كيف نعود إلى الإسلام ونحن يعني إسلامنا ضعيف وإيماننا ضعيف، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- لم ينصرنا، يا أخي يعني من هذه..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طيب أخ.. أخ حسن مشكور جداً أخ الحسن معذرة للمقاطعة، الفكرة واضحة، معايا الأخت أم محمد من بريطانيا، أخت أم محمد تفضلي.

أم محمد: السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام، عليكم السلام، تفضلي.

أم محمد: شيخنا العزيز ذكر بعض الأمور عن موضوع التجديد، والحقيقة إنه كتب كثير من.. من المفكرين عن التجديد، ومنها رسالة للأستاذ أبو الأعلى المودودي اللي بدع في هذا المجال وذكر إنه التجديد في حقيقته عبارة عن تطهير الإسلام من أدناس الجاهلية ومن كل الأفكار الجاهلية، ويقول بإنه الناس اليوم لا يفرقون بين التجديد والتجدد، لأنه الحقيقة إنه المطالبات اللي مثل بعض المطالبات الجديدة اللي حصلت إنه تجديد الفكر الإسلامي أو الفقه الإسلامي حقيقتها هي عملية تجدد للدين، لأنهم لا يطالبون بالرجوع إلى الكتاب والسنة والاجتهاد الصحيح على أساسهم لحلول لمشاكل هذا الزمان، بل إنهم يطالبون بعمل عملية توفيق ما بين أفكار الإسلام وأفكار اللي مطروحة الغربية مثل الديمقراطية أو مثل.. وإدخال بعض.. بعض النظم والقوانين الغربية من أجل مسايرة الواقع، فأنا في البداية والله كنت متفائلة بحديث الأخ، ولكن بعدما نظرت إلى بعض الأطروحات اللي طرحتها إلي عليه بعض المآخذ، فمنها قوله مثلاً: إنه الآن يعني هل التاريخ هو الحكم على صحة فكر؟ وهل خطأ بعض الأشخاص من خلاله نحكم على صحة هذا الفكر أم لا؟ إننا.. إنما نريد أن نحكم على صحة الفكر الإسلامي –اللي هو الحل الوحيد المطروح الآن حتى للعالم كله من أجل إصلاح البشرية كلها- هل سنحكم عليه فقط من العصر العباسي؟ وما فائدة هذه الكلام الآن في ظل الأمة وهي تعاني وتموت وتتكالب عليها الأمم والشعوب؟ أليس الآن المجال هو أن نبحث أين الحل؟ أنا لا أريد أن أخوض في كثير من النقاط التي طرحها الشيخ والتي أرفضها، ولكني أقول الحل وأوجه هذا للأمة، أقول لها: أن الحل أن هناك الله -سبحانه وتعالى- قد فرض عليكي واجبات عليكي أن تقومي بها إذا لم تقومي بها الله سبحانه وتعالى لن يرضى عنك، وهناك أمور محرمات عليكي أن تبتعدي عنها إذا لم تبتعدي عنها إن الله لن.. لن يرضى عنك، أما المندوبات والمكروهات والدوائر الأخرى فهي مجال بينك وبين الله سبحانه وتعالى، فأقول إن من الواجبات الفردية الصلاة والصيام والزكاة والحج، أما من الواجبات الجماعية للمجتمع فهي أن يكون لهذه الأمة الإسلامية إمام واحد وخليفة واحد حتى يحكم بشرع الله –سبحانه وتعالى- هذه الواجبات هي التي سنسأل عنها يوم القيامة، فلماذا الخوض في هذه المتاهات؟ لماذا تتويه الأمة؟ علينا الآن أن نجدد لدين هذه الأمة بأن نقول لها اتركي الديمقراطية والقومية والوطنية، عودي إلى دينك الصحيح، ارجعي إلى الفقه الصحيح، إننا.. إنني خلال دراستي للفقه الإسلامي قد وجدت فرقاً شاسعاً بين الفقه الإسلامي في العصر الذهبي والفقه الإسلامي في هذا الزمن، حيث منذ إغلاق باب الاجتهاد وعصور الانحطاط هذه ماذا الذي حدث في الفقه الإسلامي؟ الذي حدث أولاً أنه تم إضافة.. إضافة مصادر تشريعية لم يكن يأخذ بها الأقدمون والذين قالوا بأنهم قد أخذوا بها هم بالحقيقة قد ظلموهم من مثل الاستصحاب والمصلحة والعرف وليس تغيير الأحكام بتغير الزمان، فالحقيقة أن هذا هو قول باطل والمحقق في هذه الأمور يرى أنها في الحقيقة قد.. قد ادخلت إدخالاً وأن الفقه الإسلامي على مدى الأزمان في العصور الإسلامية الزاهرة كان يُقتصر فيها البحث على كتاب الله وعلى السنة وعلى القياس وعلى الإجماع، فأنا أقول لهذه الأمة جددي دينك بأن تعودي إلى النصوص القرآنية والسنة وأن تعملي مع الجماعة المخلصة لتجديد هذا الدين ولإعادة الخليفة والإمام لكي تحلي مشاكلك ويرضى الله عليكِ.

ماهر عبد الله: طيب أخت أم محمد مشكورة جداً على هذه المداخلة القيمة وإن شاء الله تسمعي تعليق من الدكتور عبد الله.

معايا الأخ تركي العتيق، وأعتذر لك مرة أخرى أخ تركي على التأخير، تفضل.


تركي العتيق: أشكر لك.. السلام عليكم.

ماهر عبد الله: عليكم السلام.
تركي العتيق: يا أخ ماهر لما يثبت الدكتور الأخطاء هذه في.. في الإسلام في العهد العباسي، فلماذا لا تكون دعوة.. دعوة هؤلاء العلماء الموجودين حالياً ومناقشة الموضوع وإصلاح الخلل وتوضيح الأمر حتى يسير.. حتى يسير عليه المسلمون وتطبيق.. وتطبيقه، وإلا فإن السكوت على الخطأ فيه إثم، ونحن نرى اليوم حتى الدعوة التي يقوم بها الدعاة هي على خطأ، ويحملون الدولة والحكام ذلك الخطأ بحجة عدم تطبيق أمور الدين بصورة صحيحة وعند.. وعند حدوث أي.. أي حدث نرى ترجع الأمور.. يرجع.. يرجعون الأمور إلى عدم تطبيق السنة والشريعة و.. وشكراً لك.

ماهر عبد الله: مشكور جداً يا أخ تركي.

سيدي، ذكرت قبل المداخلات أن جزء من الخلل العباسي في روح الوصاية هو أن العلماء أصبحوا الموقعين عن رب العالمين، سؤال الأخ الحسن في البداية وسؤال الأخ تركي في.. ألا يمكن اعتبار العلماء هم الرديف، على اعتبار إنه عانينا من ظلم سياسي، عانينا من.. من سوء تطبيق من قِبَل النخبة السياسية الحاكمة؟ ألم يكن إعطاء العلماء هذه المكانة من جانب آخر، قد يكون من زاوية فكرية هو معيق، لكن من زاوية سياسية صرفة، من زاوية اجتماعية أخرى ألم يكونوا الرديف الذي كان بإمكانه أن يعادل الإجحاف الذي كان يقع على يد الحكام؟

د. عبد الله الحامد: كان من الممكن، لكن النموذج التربوي أو اهتمام العالم ظل يتناقص شيئاً فشيئاً، يعني لماذا نجد في تاريخ الأمة إلا أعداد محدودة مثل العز بن عبد السلام تتصدى لقضية الظلم الاجتماعي؟ العلماء في هذا الجانب أهملوا إهمالاً كبيراً، لأن الإخلال بالعدالة الاجتماعية وبقيم المجتمع المدني هو سبب سقوط الدول، كما ذكر ابن خلدون في علاقة الظلم بالفساد، وكما ذكر بن تيمية عندما قال كلمة: "إن الله ينصر الدولة الكافرة إذا كانت عادلة على الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة" الخلل الذي وقع فيه الفكر الديني أنه لم يعطي مبدأ العدالة الاجتماعية والتضحية في سبيلها ما تستحقه.

ماهر عبد الله:
بس اسمح لي بس العبارة التي ذكرتها.. لاسيما ذكرتها في معرض انتقاده لقولها؟

د. عبد الله الحامد:
لا معرض إنه..

ماهر عبد الله:
لأنها عبارة تنم عن وعي حضاري كالذي نطالب به، يعني لم يكن مشغولاً فقط بما اشتهر عنه من قضية الطلاق والزواج التي سجن بسببها.

د. عبد الله الحامد: نعم، هو هذا شيء بن تيمية له كتاب "السياسة الشرعية" لكن هذه الكلمات التي نسمعها لمثل بن تيمية أو للغساني طبعاً قال الغساني أيضاً كلمة مثلها، وابن تيمية وابن خلدون بنى على ذلك في مقدمته، لكن بن خلدون للأسف لم يُنظر إليه بصفته مفكراً أو عالماً دينياً، لو كان هناك وعي ديني لدى المهتمين بتطبيق البرنامج التربوي الديني لوضعت المقدمة في أساسيات الدروس، لأنها هي الربط بين الدين بمعنى الصلاة والدين بمعنى قيم المجتمع المدني، والرسول –صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة"، يعني الناس سيصلون وسيزكون وسيحجون حتى في ظل دولة كافرة، لكن إذا لم يتحقق العدل الاجتماعي ولم يوجد صناعة ولم يوجد قوة معرفية فستسقط الدولة، سقوط بغداد لم يكن بسبب قلة المؤلفين ولا بقلة المحققين، ولا بقلة المصلين والصائمين، لكن بسبب الإخلال بالقيم المدنية، الإخلال بالعدل، انتشار.. فشو الظلم، سقطت.. سقط البنيان الداخلي.

ماهر عبد الله:
طيب لو انتقلنا لسؤال.. أحد أسئلة الأخت أم محمد كونك ذكرت المجتمع المدني في جوابك الأخير، وذكرت قبل المكالمات الديمقراطية، الأخت أم محمد تعتقد أن كل ما تقوم به الدكتور عبد الله الحامد هو محاولة للتوفيق -إذا سمحت لي الأخت أم محمد بإعادة صياغة- تلفيق بين الفكر الإسلامي كما تراه، وبين ما هو مطروح في الساحة اليوم لمسايرة إبداعات العصر ومستحدثاته ليقال أننا عصريين.

د. عبد الله الحامد:
قد يبدو هذا لها، وهذا من حقها أن تراه وأن تعبر عنه باللغة التي تراها مناسبة، لكن تبقى الحقيقة قد تكون لها جوانب عديدة، فحصيلة قراءة التاريخ أن الأمم تسقط أو ترتفع بقيم هي أركان الحضارة، فأركان الحضارة هذه لابد من تحقيقها وتحققها سواءً في.. في الصين أو في البلدان العربية أو في الغرب، وبالتالي هل الإسلام يمنع من القيم الحضارية؟ لا يمنع، الإسلام عندما أمر مثلاً بالزكاة، أليست الزكاة لا تنتج إلا عن غنى، أليس الغنى لا ينتج إلا عن صناعة أو زراعة أو تجارة؟ إذن يصبح الاقتصاد مأموراً به في الشريعة، وهكذا، الدفاع عن الأمة، أليست تدافع الأمة بجنس السلاح التي تُضرب به؟ إذن إذا جاءت أمم تغالب الأمة بالتقنية، بالاختراعات، بالصناعات هل نركب هذه المعدات ونحج إلى بيت الله الحرام ونقول (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) أم نسابقهم؟ هل يظل مفهوم الصالحين هو أنهم هم المتعبدون فقط الذي قدم له النووي في كتابه هذا "رياض الصالحين"، "إن لله عباداً فطناء طلقوا الدنيا وخافوا الفتن" طلقنا الدنيا، تزوجها الغربيون، أنتجت لهم أشبال القوة المعرفية والتقنية وغزونا بها الآن، فهذه نتيجة الفك بين إقامة الصلاة وإقامة الحضارة، ثم الديمقراطية هي.. هي الشورى لكن نحن لو قلنا كلمة الشورى لصارت مصطلح مائع الآن، لأن الفقهاء موعوه عندما قالوا هل هي واجبة؟ وهل معلمة أو ملزمة؟ صارت غير مصطلح دقيق، لكن الديمقراطية تحدد معناها، والمودودي نفسه استخدم عبارة الديمقراطية الإسلامية، فهي عندما توصف بالإسلامية ينتهي الجدال، أما أن نتصور أن الدين صلاة وصوماً وحجاً فقط هذه أركان خاصة، لكن للدين أركان عامة التي لا يقوم المجتمع ولا تقوم الدولة ولا تقوم الحضارة إلا بها، فتشجيع العلوم والاختراعات هذا.. هذا فريضة إسلامية، ولذلك محمد رشيد رضا اعتبر القيم المدنية من فرائض الدين، وليست واجبة بالتبعية كما يتصور بعض الفقهاء، بل هي واجبة بالأصالة، لأنه لا يمكن أن توجد أمة قوية بدون قيم مدنية، فبالتالي لماذا نحن نريد نخرج هذه الأشياء من الإسلام؟ الله سبحانه وتعالى يقول: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) والله –سبحانه وتعالى- يقول (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) من الذي يرث الأرض الآن؟ هم الصالحون لعمارتها، هذا قانون وضعه الله –سبحانه وتعالى- على أساس أن الآخرة هي جزاء.. هي دار الجزاء لمن كفر ولمن آمن، أما الدنيا فهي فيها جزاء من ظلم بسطوته ومن عدل باستمراره سواءً صلى أو لم يصلي، فالله –سبحانه وتعالى- ذكر في الذكر الحكيم أنه لا يعاقب الأمم إذا صلحت، (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) فبناء صلاح الدول وعمرانها في الحياة الدنيا هو العدل الاجتماعي، أي دولة تخل بالعدل الاجتماعي ستسقط، فبالتالي ينبغي أن نفرق أن أركان الإسلام فيها ما يحقق مصالح الدنيا، وفيها ما يحقق مصالح الآخرة، فهذا معنى سعادة الدنيا والآخرة و(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة).

ماهر عبد الله: طيب اسمح لي نعود للأخ جار الله الزهراني – من السعودية، أخ جار الله تفضل.

جار الله الزهراني: آلو، السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
جار الله الزهراني: مساء الله بالخير أستاذ ماهر.
ماهر عبد الله: أهلاً بك.


جار الله الزهراني: بداية تصحيح آية ذكرها الأستاذ عبد الله (وهم مصلحون) وليست وهم صالحون، (وهم مصلحون) وليست وهم صالحون، طبعاً المشكلة أستاذ ماهر إنك تأتي بمثل الدكتور –مع احترامي له- في موضوع مهم جداً أستطيع أن أسميه الثورة على التراث وعلى كل شيء، يعني العلماء كلهم في السابق والحاضر لا.. لم يعجبه منه إلا العز بن عبد السلام، الله -عز وجل- يقول طبعاً في قضية مهمة جداً وأنا يعني أناشد الأستاذ ماهر قبل غيره لأنه صاحب البرنامج مع نفسه هو وربه بأن يهتم بهذه الآية وهو أن الله -عز وجل- قد ذكر أنه (من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)، من هو المؤمنون باتفاق المسلمين؟ هم الصحابة –رضي الله عنهم- الذي.. الذين شهد الله لهم ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بالإيمان، إذن منهجهم وطريقهم هو الذي يجب علينا أن نحتكم إليه بعد أن نحتكم إلى كتاب الله وسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليس بفكرنا وإلا سيصبح لكل واحد منا إسلام خاصاً به، فقد قال أحد السلف: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" الأخ الدكتور عبد الله الحامد له إسلام يفهمه، أنت أستاذ ماهر لك إسلام تفهمه، كل منا، لا، القضية ليس هكذا، ليست مشاعة، إنه فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم سواء ارتضى من ارتضى أو غضب من غضب، يجب علينا أن نتبع كتاب الله وسنة رسوله بفهم الصحابة.

ماهر عبد الله: أخ.. أخ جار الله تسمح لي.. تسمح لي بسؤالك؟ يا سيدي يعني ما.. ما تفضلت به هو عين وجوهر ما.. ما قاله الدكتور، الدكتور يقول: لماذا نعود إلى من لحق هؤلاء في الفترة العباسية، لماذا لا نعود إلى جيل الصحابة؟ هو يريد أن نعود بفهم الكتاب والسنة إلى فهم السلف الصالح بهذا المعنى الذي ذكرته أنت، فهم الصحابة وفهم التابعين، وليس بالضرورة فهم من جاء بعدهم ووظف فهمهم لمعالجة مشاكل.

جار الله الزهراني: يا أخي الإسلام حجة على الكل وليس أحد حجة على الإسلام.

ماهر عبد الله: بلا شك.

جار الله الزهراني: طيب إذن.. إذن القضية لو نبحث العصر العباسي شيء هناك آخر سيبحث في العصر العثماني، هناك سيبحث في العصر الأموي، إذن فعلاً كما ذكرت الأخت أم محمد من بريطانيا سنجعل الناس في متاهة، يا أخي القضية نعم فعلاً قد كفينا، إذن يجب أن نلجأ إلى هذا، وهذا ما.. ما يقوم عليه علماؤنا، علماؤنا دائماً يقولون قال الله، قال رسوله، قال الصحابة، هذا.. هذا هو وضع ومنهج البلد، هذا منهج السعودية، ولذلك (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، مهما أخطأوا فوالله العظيم لن نجد مثلهم في هذا العصر على الأقل يا أخي، ولذلك الآن كل العالم نحن.. نحن الآن، نحن الآن أصبحنا منار هدى، ولذلك لو تتابع برنامج (نور على الدرب) تجد اتصالات من جميع أنحاء العالم، لأن الناس يثقون الثقة الكبرى في هيئة كبار العلماء في السعودية مع احترامي لجميع العلماء في العالم، لكن لأنهم هم فعلاً منهجهم كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- على منهج السلف الصالح، أما العصر العباسي فقد انتهى، أصبح فقط جزء من التاريخ، إذا كان هناك مخلفات فلا.. فلازال يوجد عندنا مخلفات حتى من العصر الجاهلي ما قبل الإسلام، فعموماً يعني هذا ما أردت أن.. أن وأشكركم على ذلك.

ماهر عبد الله: طيب شكراً، شكراً يا أخ جار الله مشكور جداً، معايا الأخ سلطان بن ماجد من عُمان، أخ سلطان تفضل.

سلطان بن ماجد: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليك الأستاذ ماهر.

ماهر عبد الله: عليكم السلام ورحمة الله.
سلطان بن ماجد: لي عتب بسيط على قناة (الجزيرة) والعتب بين الأحباب.
ماهر عبد الله: تفضل.

سلطان بن ماجد: بدأتم.. اختصرتم من وقتنا نصف ساعة، الحين اتفقت الأمة الإسلامية قاطبة على أن السنة النبوية والقرآن الكريم –على.. على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- حجة من حجج الشرع التي يجب اتباعها وتحوي مخالفتها بلا مسوغ شرعي ولا داعي لتفصيل وتطويل وتهويل، ويجب علينا أن نعلن اللي هو أهم حاجة في موضوعنا هذا هو الجدل، ويجب علينا أن نعلن الحرب ضد الجدل واقتلاع جذوره، فأغلب شباب طلبة العلم ما هو علمهم إلا بسبب الجدل حيث لا فائدة منه، ولا فائدة من علم يُقصد به غير وجه الله عز وجل علم عرفه اتباع والحمقى والمغفلين وتعظيمهم وتضليلهم وتضليل العامة معهم، قال عليه الصلاة والسلام: "من طلب العلم ليماري العلماء أو ليماري به السفهاء و(...) به وجوه الناس إليه أدخله الله النار"، ما أتفه العلم والعلماء عندما يكونوا لصوص الأمجاد ف يقتل وحرق طاقات وخنق القدرات، مع أنه معروف مع.. مع أرباب الجدل إن.. إن المرء لا يدان إلا بكلامه أو فعله، وليس بدعاوي خصمه، كم سمعنا خطباء مصالح خطفوا الأبصار وذرفت الدموع تأثراً بكلامهم، وخدعوا القلوب، لكن بينه وبين الله خراب، وعمروا ما بينه وبين شياطين الإنس، إن الذي أصابنا تكفير بعضنا البعض وتضليل الناس وتفسيقهم، إن الطوائف غير الإسلامية اتحدت ضد الإسلام والمسلمين من طوائف شتى ونحن حتى يومنا هذا ننجرف مع التيار.. ننجرف مع تيار 11 سبتمبر، هدمت أمم وأزيلت ممالك بدعم الإرهاب، وعلماؤنا ما دعاؤهم إلا اللهم.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واقطع دابر أعداء الدين، من هم الشرك؟ أليس الذي (....) ودهم وبدل الاعتداء عليهم وأغلبهم من علماء السلاطين حرمت العمليات الاستشهادية، والعجب ما ذكر في جريدة "الخليج" الإماراتية في عددها 8235 بتاريخ 20/9/1422 ولا داعي للتفصيل "إن الاعتداء على أهل الذمة محرماً شرعاً" أين الذي أفتى بأهل الذمة؟ من هم أهل الذمة؟ عندما سقط 30 يهودياً قلنا أهل ذمة؟ ومن قبل عندما سقطوا 60 منهم عقدنا لهم اجتماع شرم الشيخ!!

ماهر عبد الله: طيب أخ محمد يعني عفواً أخ سلطان اعذرني للمقاطعة، لم يبق الكثير من الوقت ومعايا الأخ أنور ينتظر على الهاتف من فترة طويلة معذرة يا أخ أنور، تفضل.

أنور البدوي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماهر عبد الله: أرجو الاختصار، وعليكم السلام ورحمة الله.

أنور البدوي: الأخ الفاضل الضيف لقد تطرق لمواضيع كثيرة وفيها مغالطات كبيرة جداً جداً، العصر العباسي الذي ينقده الآن أنا أسأله سؤالاً: كيف كان حال أوروبا في العصر العباسي.. في زمن العصر العباسي؟ الحرية التي يتغنى بها وأن الفقهاء المسلمين لم يؤلفوا فيها كما ألف الغربيون متى عرف الغربيون الحرية؟ متى عرفوها؟ لم يعرفوها إلا بعد حوالي 11 قرناً بعد أن عرفها المسلمون، كذلك المساواة، المساواة لم تُعرف عند الغربيين إلا في القرن الثامن عشر، وهم الآن بالمناسبة أين المساواة عند الغرب في هذا الزمن؟ المساواة حتى في أعلى المنظمات الدولية منظمة الأمم المتحدة، هل هناك مساواة بين الدول المشتركة فيها؟ حق الفيتو أليس هذا ينقض مبدأ المساواة من أساسه؟ ثم..

ماهر عبد الله[مقاطعاً]: طيب أخ.. أخ أنور اسمح لي بالمقاطعة لم يبق معي إلا دقيقتين بس نعطي الدكتور فرصة للإجابة، مشكور جداً على هذا، يعني تحب تبدأ عندك دقيقتين فقط، الأخ أنور البدوي يعني يقول -أو مجمل الكلام لو عدنا إلى كلام الأخت أم محمد أيضاً- ثمة مغالطات فيما تفضلت به من كلام، العصر العباسي كان عصر متميز -بكلام الأخ أنور- أنه أين كانت أوروبا والعالم في.. في ذلك الوقت؟ الأخت أم محمد تقول: منذ متى والتاريخ هو.. هو الحكم يعني حادثة تاريخية انتهى أوانها، الأخ الجار الله قال: العصر العباسي انتهى، ما بقي هو منهج، منهج السلف الصالح، فكيف تدافع عن نفسك أمام أنه هناك مغالطة استشهاد بتاريخ انتهى ولم يعد قائماً؟

د. عبد الله الحامد: هناك قوانين في الاجتماع الإنساني لا يمكن.. الله –سبحانه و تعالى- له سنن، السنن.. سننه الاجتماعية مطردة على جميع الأمم والشعوب، فبالتالي من أخذ بهذه.. بقوانين النشوء والقوة قوي، ومن أخذ بقوانين الضعف ضعف، فبالتالي لماذا ينكر الناس فائدة التاريخ؟ أعتقد إن هذه مسألة يعني الكلام فيها سيطول إذا جلسنا سنقنع فيها، الذي أريد أن يعني أؤكد عليه في ختام الكلام طبعاً أنا أعتقد أن فيما قلته شيء كثير من الغرابة وغير المألوف، ولاشك إنه الصدمة الأولى لأي فكرة غير مألوفة تبدو يعني رفضية، لكن الشيء اللي أطالب فيه أنا هو الرجوع إلى منهج السلف الصالح، لا إلى متون السلف الصالح، يعني إلى كتب الحديث، إلى القرآن الكريم من أجل رؤية ما هي مقاصد الشريعة، ومن أجل صياغة العقيدة الإسلامية صياغة شاملة تجمع بين أركان الإسلام الخاصة التي تخصنا نحن المسلمين وأركان الإسلام العامة التي لابد منها لإقامة أي مجتمع قوي.

ماهر عبد الله: طيب سيدي أنا مضطر للمقاطعة، لكن الكلمة الجوهرية التي دافعت بها عن نفسك والتي أعتقد أنه أسيء فهمها من خلال المكالمات أنك تطالب بالعودة إلى منهج الكتب الصالح، لا إلى كتب ومتون السلف الصالح.

د. عبد الله الحامد: نعم.

ماهر عبد الله: طيب أعزائي لم يبق لي إلا أن أشكركم وأشكر باسمكم الدكتور عبد الله الحامد، إلى أن نلتقي في الأسبوع القادم تحية مني، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق