السرطان صورته أفضل من العرب في الإعلام الأميركي..
إليك الوصفة السحرية لمواجهة الإسلاموفوبيا
"حتى مرض السرطان له سمعة أفضل من المسلمين الأميركيين"، في مقال مهم نشر في فورين بوليسي في 5 يوليو/تموز 2016، يتقصي الكاتب جذور الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة الأميركية وسبل مواجهتها.
نص المقال
الأسبوع الماضي كان رجل أعمال إماراتي يتلقى العلاج في ولاية أوهايو يحاول حجز غرفة في فندق، فإذا به يجد نفسه مطروحاً أرضاً تحاصره قوات الشرطة للاشتباه بكونه إرهابياً.
أحدهم اتصل برقم الطوارئ 911 للإبلاغ عن رجل مشبوه بعلاقته بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لكن علامَ استند هذا الاشتباه؟ على زيه التقليدي الإماراتي وعلى كون الرجل تحدث بالعربية على الهاتف.
وما هذه الحادثة إلا غيض من فيض يدفعنا للتشكك بأن المسألة أكبر من أن تحلها بضعة عبارات قاسية اللهجة يصدرها المسؤولون الأميركيون، فهناك ثقافة مترسخة في أميركا تشيطن العرب والمسلمين.
ترى ما الذي يدفع امرأً ليتصل بالشرطة ويبلغ عن مشتبه إرهابي لمجرد رؤية زي عربي تقليدي وسماع اللغة العربية؟
نعم، قد تكون هنالك أسباب مشروعة للريبة والحذر حسبما قالته جوليا شيرسون مديرة فرع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في كليفلاند لصحيفة النيويورك تايمز؛
لكن مع ذلك دعونا لا ننسَ سنواتٍ وسنواتٍ من الجعجعة الإعلامية والتغطيات الصحفية والأفلام والخطابات السياسية التي تصوّر العرب والمسلمين كأنهم شرٌ أجنبيٌ مستطير.
ترامب
لكن الجائزة الأولى للإسلاموفوبيا هذا العام 2016 تذهب إلى نصيب دونالد ترامب، فهو الذي بعد هجوم أورلاندو جدد دعوته لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأميركية، منادياً كذلك بتشديد الخناق والرقابة اللصيقة العرقية والإثنية عليهم في البلاد، ومحذراً من أن "الإسلام الراديكالي المتطرف في طريقه إلى سواحلنا".
عباراته هذه استحقت توبيخاً قاسياً من الرئيس باراك أوباما الذي حذر من عواقب الوقوع "في فخ تعميم صورة نمطية واحدة وإطلاقها على كل المسلمين والتلميح [الخاطئ] إلى أننا نخوض حرباً ضد كل الدين الإسلامي نفسِه."
وكذلك كانت هيلاري كلينتون من الرأي نفسه إذ قالت "لا يمكننا شيطنة المسلمين". حتى أن الجمهوريين كذلك شجبوا عبارات ترامب ووصفوها بالمهينة.
لكن بالرغم من أن ردود الفعل المنددة بخطاب ترامب جميعها أهلٌ للثناء، إلا أنها لا تكفي لاقتلاع الإسلاموفوبيا من جذورها الضاربة في الحياة والحلبة السياسية الأمريكية؛ فالمرشح الرئاسي الجمهوري المزعوم ليس أول من بدأ هذا الخطاب المعادي للإسلام في الولايات المتحدة، إن هو إلا مذياعٌ يبث هذه الآراء والإيحاءات ويثبتها بإعطائها منبراً أكبر وأكثر فجاجة.
عباراته وتصريحاته ليست سوى أعنف تعبير عن انتشار تلك الآراء والنظرة السلبية تجاه العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية.
ففي استطلاع للرأي أجرته جامعة ميريلاند عام 2011 تبين أن 61% من الشعب الأميركي لديهم نظرة سلبية تجاه الإسلام، ويبدو أن نظرة الرأي العام تلك قد تنامت بشكل دراماتيكي خلال السنوات الـ15 الماضية، ففي استطلاع آخر للرأي أجرته قناة ABC News الإخبارية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول مباشرة، تبين أن 39% فقط من الأمريكيين ينظرون للإسلام نظرة سلبية.
ترجمة تلك الآراء على أرض الواقع هي في ارتكاب جرائم الكراهية في الولايات المتحدة، ففي 2015 وفي أعقاب اعتدائي سان بيرناردينو وباريس تضاعفت جرائم الكراهية المرتكبة ضد المسلمين والمساجد 3 أضعاف في كل أنحاء الولايات المتحدة.
ليس الشرق الأوسط مصدراً للأخبار السعيدة، لكن ما من جهود تبذل لتغطية أخبارٍ غيرِ أخبارِ العنف هناك؛ حتى أن أخباره السيئة لا تصب سوى في تغذية الصورة النمطية عن العرب والمسلمين وتغذية الإسلاموفوبيا بشكل خفيف خفي لا نلحظه إلى أن تحدث حوادث كتلك التي جرت في أوهايو.
السرطان أوفر حظاً
عام 2016 نشر مكتب استشارات اسمه 416Labs دراسة أظهرت أن التغطية الإعلامية الصحفية في جريدة النيويورك تايمز وتصويرها للإسلام والمسلمين على مدى 25 عاماً كان لهما أثرٌ أكثر سلبية من السرطان والكحول والكوكايين؛ كذلك وجدت الدراسة أنه ما من كلمات إيجابية تتبادر إلى الذهن الأمريكي عند ذكر الإسلام والمسلمين ضمن قائمة أول 25 ارتباطاً ذهنياً بالإسلام، كما أن 8% فقط من العناوين الإخبارية ذات الصلة تحمل خبراً أو تلميحاً إيجابياً؛ أي أن السرطان كان أوفر حظاً بالمقارنة، إذ حصد نسبة 17%.
جميع هذه تسهم في صياغة الوعي الجمعي الذهني الأميركي وتشكيله وتسهم في تطبيع النزعات العنصرية.
وبينما يحصد خطاب ترامب العنصري الفج جُلّ الاهتمام الإعلامي، تتزايد الحملة الإسلاموفوبية ضراوة وتعجّ بأمثلة تشنيع المسلمين، وتكرار الإشارة إليهم بأقذع الصفات والإيحاءات التي تنم عن تعصب أعمى.
رأينا مسلمين
في شهر يناير/كانون الثاني 2016 وأثناء مناظرة جمهورية في المرحلة التمهيدية طرحت مذيعة أخبار قناة Fox News ميغن كيلي، سؤالاً على حاكم ولاية نيوجيرزي، كريس كريستي، حول تأييده لفكرة تشديد الرقابة اللصيقة على المسلمين بغية رصد المخططات الإرهابية ووأدها في مهدها قبل وقوعها، وذلك على خلفية اعتداء سان بيرناردينو في شهر ديسمبر/كانون الأول.
لكن كريستي عندما عبر عن رفضه للفكرة مشيراً إلى وجود طرق أخرى كثيرة لتحري وكشف المخططات الإرهابية التي تحاك وتدبّر في الخفاء، لقي من ميغن كيلي عناداً وتشبثاً أكثر بالفكرة؛ إذ قالت له "لقد قال الجيران إنهم رأوا رجالاً داخلين وخارجين من المرآب ورأوا كذلك طروداً وصناديق يتم تسليمها؛ لقد رأوا مسلمين، ومع ذلك لم يخطر لهم أن في هذا سبباً كافياً للاتصال بالشرطة! أولست أنت ترى فيه سبباً وجيهاً؟".
بمجرد استخدامها لعبارة "لقد رأوا مسلمين" ألمحت كيلي إلى أن المسلمين رمزٌ بديهيٌ يثير الشبهات لدى رؤيته، فهم أغرابٌ أجانب ليسوا من صلب المجتمع الأمريكي وليسوا لا أستاذ مدرستك ولا طبيبك ولا بائع خضراواتك ولا محاميك. قد يكونون أميركيي الجنسية، لكنهم "الآخر" في الوقت نفسه.
ليس عربياً ليس مسلماً
خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2008 وقفت امرأة داخل قاعة بلدية ما في مواجهة المرشح الجمهوري آنذاك السيناتور جون ماكين، وقالت له إنها تخشى أنها لا تستطيع الوثوق بالسيناتور -آنذاك- باراك أوباما والسبب "أني قرأت عنه وإنه.. إنه عربي".
فما كان من ماكين إلا أن أمسك بالميكروفون لإسكاتها وقال "لا يا سيدتي. إنه رب عائلة محترم ومواطنٌ يشاء القدر أن آرائي لا تتفق مع آرائه في قضايا جوهرية، وهذا هو أساس كل هذه الحملة. إنه ليس عربياً".
وقتها انهال الثناء على جواب ماكين الذي جاء رداً في مواجهة التعصب العنصري، لكن قلة قليلة من الناس لاحظوا أن في جواب ماكين خيطاً رفيعاً يوحي بأنه لا يجتمع عربيٌ ورب أسرة محترم في رجل واحد.
بيد أن رجلاً جمهورياً آخر أتى بردٍ في المواجهة؛ إنه وزير الخارجية السابق كولن باول الذي قال "إن الجواب الصحيح هو أنه [أوباما] ليس مسلماً، بل هو مسيحي"
في إطار تأييده لحملة أوباما الانتخابية عام 2008، وتابع "لكن الجواب الأصح هو: ماذا يعني لو كان مسلماً؟ هل ثمة مشكلة ما في أن يكون المرء مسلماً في هذا البلد؟ إن الإجابة هي لا".
هوليود
من أين لتلك المرأة التي سألت ماكين ذاك السؤال.. من أين لها تلك الفكرة القائلة بأن العرب لا أمان لهم أصلاً؟ ليس منبع هذه الفكرة فقط من سياسيي أميركا وإعلامها الإخباري الذي يعزز هذه الصور النمطية، بل إن هذه الفكرة مترسخة متجذرة في الثقافة الشعبية.
لقد عكف جاك شاهين صاحب كتاب Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People (تصوير العرب بصورة شنيعة: كيف تشيطن هوليوود قوماً بأكملهم) على دراسة 1000 فيلم، فوجد من خلالها أن العرب يصورون ضمن قوالب نمطية أو رؤية سلبية في 932 فيلماً منها، قوامهم طبعاً الإرهابيون والشيوخ المشبوهون أو ما إلى ذلك من شخصيات لا توحي بالثقة. أما الأفلام التي صورتهم تصويراً إيجابياً فلم تتعدّ 12 فيلماً، فيما صورهم 56 فيلماً بشكل حيادي.
أرغب في قتل العرب
عام 2014 عرض فيلم American Sniper (القناص الأميركي) الذي يدور حول حياة كريس كايل المجند في القوات الحربية الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية، وقد حصد ذلك الفيلم إقبالاً جماهيرياً غير مسبوق على المشاهدة، لكنه أيضاً حصد انتقادات كثيفة ولاذعة إزاء تلميعه لسياسات حرب العراق وتمجيده لقتل العرب.
فبطل الفيلم، كايل، بطل قومي يُشهد له بأنه أكثر القناصين سداداً في الرمي والفتك في كل التاريخ الأمريكي، بيد أنه في الفيلم الذي يسرد مذكراته يتباهى مراراً وتكراراً بقتله لـ"الهمجيين الوحوش" أثناء خدمته العسكرية في العراق؛ ففي الفيلم جميع العراقيين حتى من أطفال ونساء خالون من ذرة إنسانية.
لقد فتح هذا عرض هذا الفيلم الباب على مصراعيه أمام سيل جارف من الكراهية على الشبكات الاجتماعية موجه ضد العرب والمسلمين ويكيل لهم التهديدات.
أحد المغردين على تويتر صاحب الحساب @dezmondharmon كتب تغريدة تقول "فيلم American Snipe يملأني رغبة جامحة في إطلاق النار على بضعة عرب حثالة".
إذاً هل يكون الجواب في إنتاج طنٍ من الأفلام التي تصور العرب والمسلمين في ضوء إيجابي؟
ليس بالضرورة؛ هكذا يرى عامر زهر الفنان الكوميدي والكاتب والأستاذ المساعد في كلية الحقوق بجامعة ديترويت والأميركي من أصل فلسطيني.
يستخدم زهر حس الفكاهة الكوميدي ضرباً من الاحتجاج على التنميط والقولبة الجاهزة، بيد أنه يدرك كذلك أن الجمهور الذي يقبل على مشاهدة أفلامه هم أساساً منفتحون ويتقبلون رسالته، ولهذا السبب أخبرني أنه كثيراً ما يظهر على شاشة قناة Fox News بصورة منتظمة كي يتحدى بشكل مباشر جميع من يسيئون الظن بالعرب والمسلمين ويرون فيهم الخطر الأكبر "الذين يريدون أن يروني جثة هامدة" على حد قوله.
روشتة المواجهة
يقول زهر "لا سبيل لهزيمة العنصرية بإرضاء الشخص العنصري ولا بإظهار الوجه الحسن للإسلام أو العرب، بل الطريقة المثلى لهزيمتها يكون بالتحدي المباشر."
بكلمات أخرى، إن اكتشاف السلوك العنصري المتعصب وتعريته وإظهاره أمام المشاهد والنهي عنه هو خير وسيلة لجعله غير مقبول، تماماً كما حصل مع الأميركيين من أصل أفريقي حينما حورب التعصب العنصري السافر ضدهم ليصبح غير مقبول [في الوعي الجمعي] ولو كانت التفرقة العنصرية ما زالت متفشية داخل النظام.
كذلك تحدثت مع ماز جبراني، وهو ممثل كوميدي ارتجالي أميركي من أصل إيراني، دأب هو الآخر لسنواتٍ على محاربة الصور النمطية التي تحوم حول الإيرانيين والمسلمين. بين عامي 2005 و2011 شارك جبراني في عرض كوميدي من تأدية فرقة كوميدية مؤلفة من 4 ممثلين فكاهيين ارتجاليين جابوا البلاد في جولة حازت استحساناً ونجاحاً واسعاً.
العرض اسمه Axis of Evil "محور الشر" ويتناول النظرة الغربية الخاطئة للشرق الأوسط ويحاول الاستخفاف بقضايا ثقيلة كالإرهاب والقنابل. فجبراني، الذي وفد إلى البلاد مهاجراً حديثاً في السبعينيات، تعرض أثناء التسوق في متجر Costco للمناداة بأنه "إيراني نذل" وأن والدته "عاهرة" وأن عليها أن تعود إلى بلدها من حيث أتت. وعلى مر السنوات جمع جبراني تجاربه وتجارب الغير واستخدمها في عروضه.
أخبرني جبراني على الهاتف من لوس أنجليس "أشعر فعلاً أن المعركة مستمرة، بيد أنها ليست معركة خاسرة، بل أظن أن هنالك خطى كثيرة تبذل، وآمل أن يكون الجيل الأصغر في الولايات المتحدة أكثر تعايشاً وانفتاحاً وعالمية".
أما عن آخر أعمال جبراني ففيلمٌ كوميدي فكاهي ليس بطله أميركياً، بل مهاجرٌ إيراني حديث العهد بأميركا ينقذ الموقف والأحداث في الفيلم.
لكننا إذا سلّمنا بأهمية تصوير العرب والمسلمين "هناك" [في بلدانهم] بدقة أكثر في سبيل التخلص من القالب الإشكالي "نحن وهم ضد بعض"، يتوجب علينا أيضاً بالدرجة نفسها من الأهمية أن ندرك وجود "إسلاموفوبيا ناعمة" خفية ومتغلغلة داخل الولايات المتحدة موجهة ضد المواطنين الأميركيين من خلفية عربية وديانة إسلامية.
يقول إتش إيه هيللير، من كبار زملاء المجلس الأطلسي والزميل المساعد في المعهد الملكي للخدمات المتحدة "حالياً تشير كثير من التصريحات الصادرة عن المرشحين الرئاسيين الأميركيين إلى المسلمين بصيغة فيها شيء من الشرطية، مثل "علينا احترام المسلمين لأنهم خطنا الدفاعي الأول" وما إلى ذلك، لكن المسلمين الأميركيين ليسوا أداة لمحاربة الإرهاب، بل هم أولاً وقبل كل شيء مواطنون وينبغي النظر إليهم على هذا النحو".
لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لهذا السرد الإعلامي الذي يصور العرب والمسلمين على أنهم "الآخر"؛
فمهمة نقضِ غَزْلِ الإسلاموفوبيا المتجذرة والمتراكمة منذ سنين أنكاثاً ليست مهمة سهلة، بل مهمة تستلزم نفساً طويلاً، أما ضمن المدى القصير فعلينا جميعاً العمل كي نضمن عدم السماح لرياحها العاتية أن تعصف بأهواء وأمزجة هذه الدورة الانتخابية الحائرة.
- هذا الموضوع مترجم بتصرف عن موقع Foreign Policy
الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغطهنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق