الاثنين، 2 يوليو 2018

هل كان رجمًا بالغيب..؟

هل كان رجمًا بالغيب..؟

د.عبد العزيز مصطفى كامل

قبل 30 يونيو بعام ونصف..وبعد سبعة شهور من انطلاق ثورة 25 يناير ..بل وقبل مجئ مرسي.. كتبتُ هذه السطور، ضمن أول مقالة لي بعد خروجي من معتقلات آل سعود عقب الثورة المصرية بشهور قليلة.. 
وكانت بعنوان (الثورات العربية والانطلاق الدعوي) وقد نُشرت بمجلة البيان عدد 292 ، وموجودة على الانترنت .. وجاء فيها نصًا :
[ عند التأمل في أحوال الناس بعد الانتفاضات والثورات العربية الأخيرة، نجد أنه إلى جانب انفتاح أبواب الدعوة أمام الصالحين والمصلحين؛ فإن أبواباً كثيرة، قد فُتحت أمام الدعاة على أبواب جهنم ؛ حيث من أجابهم إليها قذفوه فيها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم . وفي كلا الحالتين لا مناص من إطلاق عنان الدعوة إلى الله بكل السُبل، ترغيباً في سبيل المؤمنين، وترهيباً من سبيل المجرمين.

وقد كشَفت تطورات تلك الثورات أن حزب الشيطان له كثير من الخلايا التي كانت نائمة، أزعجتها صيحات الإيمان هنا وهناك، فانطلقت بدعوات مضادة عالية الصوت عالمية الصدى، تستميت لأجل التشكيك في محكمات العقيدة، ومسلَّمات الشريعة وحُرُمات المسلمين، غير هيَّابة من العاقبة أو العقوبة؛ لأنها محمية بضمانةٍ (ليبرالية) كاملة في التمرد، تحت شعار (حقوق الإنسان) في أن يكفُر أو يفجُر، وفي ظل " قيم " الديمقراطية، التي إن فتحت باباً من أبواب الإصلاح للعباد ؛ فإنها تكسر آلاف الأبواب أمام طوفان الفساد ، ف «قيم» الديمقراطية هذه لا تعني شيئاً غير ترسيخ العَلمانية اللادينية بكل معانيها. وهذه حقيقة لا بد أن يعرفها مَنْ لا يعرفها، ويعترف بها من لا يريد الاعتراف بها.

لكن آفاقاً جديدة نحو صحوات إسلامية جديدة؛ بدأت بوادرها تلوح في الأفق مؤخراً، في بلدان وبيئات لم تكن قد أخذت حظها من موجات انتشار المد الإسلامي في العقود الأخيرة لشدة البطش فيها، مثل: تونس وليبيا وسورية، وهذه الصحوات المنتظَرة في تلك البلاد وغيرها، تستوجب استنفاراً دعوياً من داخلها وخارجها، يتلقف الداخلين في دين الله أفواجاً. وفي الوقت ذاته هناك مراحل جديدة في البلدان التي سبقت إلى الصحوة ، يُرجى لها أن تتحول إلى نهضة .

لكن هناك قوى داخل بلاد المسلمين وخارجها لا تريد لهذه الأمة أن تنهض بالإسلام أو تتقدم أو تصل إلى أي إنجاز أو خير لدنيا أو آخرة، وهذه القوى الكارهة للدين تتربص الآن بالبلدان التي شهدت تحولات جماهيرية؛ لتحوِّلها إلى صدامات وصراعات وفتن لا تنتهي، والأمر كما قال الله - تعالى -: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْـمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 105]، وكما قال سبحانه : {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، وقال: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا ألَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا ألَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْـمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء: ١٤١].

هذه القوى المتربصة بالدين وأهله تتحين الفرص الآن بالبلدان التي شهدت تحولات جذرية أو جزئية ، لتحُول بينها وبين العودة للإسلام أو النهوض به من جديد، مصممة على إعادة الإسلاميين إلى أجواء الكبت والتضييق والتهميش والتشويش على سمعتهم وأمانتهم وكفاءتهم؛ ليحولوا بينهم وبين الجماهير المتعطشة والمتعاطفة مع الدين وأهله من الصالحين. لذلك فإن المرحلة القادمة ستشهد بذل كل المحاولات لتنشيط (دعوات مضادة) تسير مع اتجاه الثورات المضادة التي يقوم بها الملوثون المنحرفون الذين يتضررون من الاستقامة والنقاء. سيزداد هذا التكالب و «البلطجة الفكرية» كلما لاحت فرصة من فرص النجاح الإسلامي (سياسياً كان أو اقتصادياً أو اجتماعياً، أو حتى إعلامياً). أما إذا تطور نجاحٌ مَّا في بلد مَّا؛ بحيث يتطلع الإسلاميون من خلاله إلى الوصول لمقاعد التأثير والتغيير - رئاسية كانت أو نيابية - فهنا لن تكونَ إلا الحـرب ! نعم، الحـرب بكل معانيهـا، وهـذا ما دل عليه تاريخ قرن كامل من الصراع ضد مشروعات النهوض الإسلامي منذ إسقاط الخلافة العثمانية عام 1914م. فهناك بالفعل اتفاق ( غير مكتوب ) بين قوى الطغيان في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م، يقضي بألا يُسمَح – سِلْماً أو حرباً – لأي كيان للإسلام بأن ينجح أو يستمر في النجاح، دون أن يحاط بالفتن والمؤامرات المجهِدة أو المجهِضة؛ بحيث لا يعطِي ذلك الكيـان «النمـوذج» الـذي يمكـن الاقتــداء بـه فـي (قوته) و (تقدمه) و (استقلاله) و (عالميته).

ولم تكن تلك المعركة الطويلة التي خاضها - ولا يزال يخوضها – أعداء الشرق والغرب إلا تجسيداً وتطبيقاً لروح ذلك التحالف غير المقدس ضد مشروعات النهوض الإسلامي. وقد كانت ممارسات الأنظمة القمعية المحلية ضد الإسلاميين على مدى ما مضى من عقود، تمثل دور النيابة عن قوى الاستكبار الدولي في الحيلولة دون استئناف الدور العالمي الرائد للمسلمين، بعد أن نجح أعداؤهم في تشتيت وتفتيت كيانهم الجامع الأخير؛ بحيث لا يُسمح بعده لبوادر مشروع إسلامي أن ينجح أو يستمر، فضلا عن أن يستقر.. ولذلك أُجهضت أو سُرقت كل الثورات التي كانت لها في بداياتها توجهات إسلامية، هذا ما حدث مع الثورات الجزائرية والتونسية والمصرية، ومع جهاد الشعب الليبي والسوداني، وشعوب بلاد الشام والعراق، كل ذلك في النصف الأول من القرن العشرين، ولما بدأت بوادر الصحوة الإسلامية قبيل موعد التجديد ببداية القرن الهجري الجديد (المتوافق مع السبعينيات الميلادية )؛ حوربت هذه الصحوة بشراسة وعنف، رغم بداياتها السلمية، وسط ترحيب العالم " الحر" ! وهو ما كان صعباً على الفهم إلا في ضوء تنفيذ «الاتفاق غير المكتوب» بعدم السماح بنهضة إسلامية تؤمن بالحرية والعالمية في أي مكان في العالم؛ حيث لم يُسمح لهذه النهضة أن تسير في طريقها في مصر – مثلاً - على يد مجموع الجماعات الإسلامية، ولا في الجزائر بقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ولا في أفغانستان على يد المجاهدين ضد الغزو السوفييتي سابقاً، ولا الطالبان لاحقاً، ولا في الشيشان ولا في البوسنة، ولا في الصومال «الفقيرة» بزعامة المحاكم الإسلامية، ولا حتى في غزة «الصغيرة» حيث تجربة حركة المقاومة الإسلامية.

ولهذا فإن المعطيات المستجدة على الساحة العربية بعد الثورات التي فتحت نوافذ الأمل أمام الإسلاميين؛ فتحت معها أبواب صراعات جديدة، تأخذ صورة حرب منهجية - لا زلنا في بداياتها – بين المشروع الإسلامي المتطلع للنهوض، والمشروعات الأخرى غير المشروعة، المصرة على الاستئثار والاحتكار لكل مواقع التأثير والتغيير.. ] .. انتهى النقل..

والآن أقول : ما أثار بالأمس المخاوف على مصر التي لم تكن قد تقدمت بثورتها بضع خطوات نحو النهوض.. يثور اليوم أضعافه على تركيا التي قطعت أشواطا من الانطلاق والصعود.. وبالرغم من أن (أردوغان ) - المتفاخر علنا بالعلمانية - لايمثل بالمعايير الشرعية - القدوة المثالية لزعيم الإصلاح الرافع للواء الشريعة الإسلامية..؛ فإن مجرد عاطفته الدينية ونزعته نحو التحرر من العبودية؛ تثير أحقاد أحفاد القردة والخنازير، ومن لف لفهم ودار في فلكهم من سباع الأرض وضباعها..ومن كلابها وذئابها .. الذين قال الله تعالى عنهم : ( إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) (آل عمران/ 120).. لذلك يظل السعي نحو الاعتصام بمنهاج الإسلام الصحيح...هو الضمانة الوحيدة للسير على طريق النصر والتغيير والتصحيح..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق