كيف تمسح شعباً من الوجود؟
ما يفعله نظام عبد الفتاح السيسي في مصر هو عملية إجهاز بشكل كامل على مفهوم الشعب في حياة الأمم، وتحويل الجماهير إلى كائناتٍ لا تطالب إلا باحتياجاتها الغريزية، ولا تفكّر في أبعد من ذلك، بحيث يصبح منتهى الحلم هو البقاء على قيد الحياة، خارج زنزانة.
هنا تصبح الحرية، بأبعادها السياسية العامة، والشخصية الخاصة، مفردةً نابيةً، أو لفظاً خارجاً عن القانون، أو تهمةً تلاحق من يردّدها أو يتغنى، أو يطالب بها، لنفسه أو للمجموع.
في ذلك تصلح مأساة الخبير الاقتصادي الدولي، البروفيسور عبد الله خطاب، وهو أيضا المستشار السابق في الحكومة المصرية، خلال الشهور السابقة للانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، تصلح نموذجاً واضحاً ودالاً على: كيف تتم إبادة الإنسان، بوصفه إنساناً مفكراً وحراً في مصر.
حكم قضاء السيسي، أمس، بالسجن المؤبد 25 عاماً على البروفيسور شحاته، وشقيقه، بعد اتهامها بالإرهاب، في أعقاب مجزرة رابعة العدوية.
وبعد فترة اعتقال وسجن مورست خلالهما كل أشكال التعذيب والقتل المنهجي للوجود الإنساني لأستاذ جامعي حاصل على الدكتوراه من بريطانيا، ونال تقديراً دولياً من خلال عمله في مراكز اقتصادية عالمية متخصصة، وخبيراً بالمعونة الأميركية ومستشاراً في وزارة المالية وخبيراً في صندوق النقد الدولي.
كان من الأسهل، والأضمن للدكتور عبد الله شحاتة، أن يبقى محلقاً بعيداً، وعالياً في فضاء النجاح والتفوق بالخارج، لكنه مثل كثيرين، بعد ثورة يناير/ كانون ثاني 2011، دفعه الحنين والانتماء إلى العودة، موظفاً خبراته وتجربته الناجحة في مشروع إعادة بناء مصر، دولة للحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية، واستقال من مناصبه الدولية المرموقة ورجع، ليكون مصيره، بعد أشهر قلائل من المحاولة، زنزانة خانقة وسجاناً سادياً، وحصص وافرة من التعذيب، وصفها محاميه عزت غنيم الذي جرى اعتقاله وتعذيبه فيما بعد، بالقول: حضرت تجديد حبسه؛ تمالكت نفسي من البكاء أول ما رايته قادما نحوي، وبيده الأغلال، ويهرع إليّ محتضناً قائلاً: "مبهدلك معي في الجامعة وفي النيابة كمان"؛ لم يكن لي خيار الرد بعدما جذبه العسكري إلى داخل مبنى النيابة بشدة، سمعت منه كيف تم تعذيبه.
ووفقا لشهادة المحامي، فإنه واجه تعذيباً رهيباً في زنزانته، بهدف إجباره على الإدلاء بأقوال واعترافات معدة له سلفاً أمام كاميرا فيديو مثبتة أمامه.
لم تكن لدي عبد الله شحاتة خطاب جنسية دولة أخرى، من دول الشمال، تنتشله من التعذيب على أيدي حكام المقبرة السعيدة الذين يعذّبون الموتى والأحياء فيها، بحديثٍ صاخبٍ عن الوطنية والتحرّر والأمن القومي، ثم يخفضون رؤوسهم كالحملان المطيعة، حين تقطب دولة أخرى جبينها، وتطلب إطلاق سراح حامل جنسيتها، كما جرى في حالاتٍ مماثلة.
ولم تكلف واحدةٌ من الجهات الدولية التي منحها خبير الاقتصاد العالمي جهده وخبراته نفسها عناء إصدار بيان يطالب سلطات تدمير الإنسان في مصر، بإخراجه من سلخانة التعذيب، وتوفير الحد الأدنى من ضمانات سلامة إجراءات التحقيقات والمحاكمة.
وكونه مستشاراً في أول حكومة بعد انتخاب الرئيس مرسي، فهذا كان كافياً لكي يتناساه الضمير الحقوقي في الداخل، هذا الضمير الغارق فيما أسميته الحزن "الشوفيني" المؤدلج الذي تغذّى عليه النظام، واستخدمه وقوداً لآليات إرهابه، منذ ادّعى الضمير الثوري الخرس، مبكّراً للغاية، مع مذبحة نادي الحرس الجمهوري، يوليو/ تموز 2013، ويمكنك أن ترجع إلى أبعد من ذلك، حين اكتست ردود الأفعال بالشوفينية ذاتها، مع وقوع مذبحة "ماسبيرو" في أكتوبر/ تشرين الثاني 2011.
ستبقى عمليات مسح الإنسان المصري من الوجود ما بقيت هذه الشوفينية مستمرة، بينما تواصل السلطة، بتنفيذييها وإعلامييها، عداءً عنصرياً بغيضاً لقطاعات أوسع من الشعب المصري، تنظر إليها باعتبارها أوراماً سرطانية تهدّد"التنمية الكاذبة"، ويجب استئصالها، مع الفشل في معالجتها، الأمر الذي يفرز مناخاً عدمياً، تذهب فيه قيمة المواطنة أدراج رياح شوفينيةٍ وفاشيةٍ، تمنح المواطن المصري، الناقم على تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، شعوراً بأن وطنه ينكره، ولا يريده.
كان من الأسهل، والأضمن للدكتور عبد الله شحاتة، أن يبقى محلقاً بعيداً، وعالياً في فضاء النجاح والتفوق بالخارج، لكنه مثل كثيرين، بعد ثورة يناير/ كانون ثاني 2011، دفعه الحنين والانتماء إلى العودة، موظفاً خبراته وتجربته الناجحة في مشروع إعادة بناء مصر، دولة للحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية، واستقال من مناصبه الدولية المرموقة ورجع، ليكون مصيره، بعد أشهر قلائل من المحاولة، زنزانة خانقة وسجاناً سادياً، وحصص وافرة من التعذيب، وصفها محاميه عزت غنيم الذي جرى اعتقاله وتعذيبه فيما بعد، بالقول: حضرت تجديد حبسه؛ تمالكت نفسي من البكاء أول ما رايته قادما نحوي، وبيده الأغلال، ويهرع إليّ محتضناً قائلاً: "مبهدلك معي في الجامعة وفي النيابة كمان"؛ لم يكن لي خيار الرد بعدما جذبه العسكري إلى داخل مبنى النيابة بشدة، سمعت منه كيف تم تعذيبه.
ووفقا لشهادة المحامي، فإنه واجه تعذيباً رهيباً في زنزانته، بهدف إجباره على الإدلاء بأقوال واعترافات معدة له سلفاً أمام كاميرا فيديو مثبتة أمامه.
لم تكن لدي عبد الله شحاتة خطاب جنسية دولة أخرى، من دول الشمال، تنتشله من التعذيب على أيدي حكام المقبرة السعيدة الذين يعذّبون الموتى والأحياء فيها، بحديثٍ صاخبٍ عن الوطنية والتحرّر والأمن القومي، ثم يخفضون رؤوسهم كالحملان المطيعة، حين تقطب دولة أخرى جبينها، وتطلب إطلاق سراح حامل جنسيتها، كما جرى في حالاتٍ مماثلة.
ولم تكلف واحدةٌ من الجهات الدولية التي منحها خبير الاقتصاد العالمي جهده وخبراته نفسها عناء إصدار بيان يطالب سلطات تدمير الإنسان في مصر، بإخراجه من سلخانة التعذيب، وتوفير الحد الأدنى من ضمانات سلامة إجراءات التحقيقات والمحاكمة.
وكونه مستشاراً في أول حكومة بعد انتخاب الرئيس مرسي، فهذا كان كافياً لكي يتناساه الضمير الحقوقي في الداخل، هذا الضمير الغارق فيما أسميته الحزن "الشوفيني" المؤدلج الذي تغذّى عليه النظام، واستخدمه وقوداً لآليات إرهابه، منذ ادّعى الضمير الثوري الخرس، مبكّراً للغاية، مع مذبحة نادي الحرس الجمهوري، يوليو/ تموز 2013، ويمكنك أن ترجع إلى أبعد من ذلك، حين اكتست ردود الأفعال بالشوفينية ذاتها، مع وقوع مذبحة "ماسبيرو" في أكتوبر/ تشرين الثاني 2011.
ستبقى عمليات مسح الإنسان المصري من الوجود ما بقيت هذه الشوفينية مستمرة، بينما تواصل السلطة، بتنفيذييها وإعلامييها، عداءً عنصرياً بغيضاً لقطاعات أوسع من الشعب المصري، تنظر إليها باعتبارها أوراماً سرطانية تهدّد"التنمية الكاذبة"، ويجب استئصالها، مع الفشل في معالجتها، الأمر الذي يفرز مناخاً عدمياً، تذهب فيه قيمة المواطنة أدراج رياح شوفينيةٍ وفاشيةٍ، تمنح المواطن المصري، الناقم على تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، شعوراً بأن وطنه ينكره، ولا يريده.
زوجة الخبير الاقتصادي الدولي، البروفيسور عبد الله خطاب
تنام بالشارع أمام العقرب لعلها تستطيع أن ترى زوجها من خلال الزجاج فقط
فأنها حتى لا تستطيع مصافحته ..أو لمسه ..أو أن تسر إليه حديثاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق