من روائع العلامة محمد البشير الإبراهيمي.
عرفاناً بفضله، وإحياء لعلمه، أحببت أن أتحف القراء الكرام ببعض كلماته الرائعة، عسانا ننتفع بها علما وعملا، وينتفع بها الشيخ ثوابا وأجراً، والله الموفق للمرام والمعين على القصد.
الكلمة الأولى: سبيل السعادة.
قال رحمه الله: " أيها الإخوان! إذا حدثتكم عن الإسلام أو أجريته على لساني، فلست أعني هذه المظاهر الموجودة بين المسلمين اليوم، وإنما أعني تلك الحقائق التي سعد بها أصحاب محمد وأسعدوا بها العالم، تلك الحقائق التي سارت الإنسانية على هداها قروناً فما ضلت عن سبيل الحق ولا زاغت؛ إنما أعني تلك الآداب التي صححت العقل والفكر، وصححت الاتجاه والقصد، ووحدت القلوب والشواعر. فإن أردتم أن تستبدلوا السعادة بالشقاء فعودوا إلى ذلك الطراز العالي المتصل بالسماء؛ إن السعادة منبثقة من النفوس، وإن الشقاء لكذلك، وإن إرادة الإنسان هي زمامه إلى الجنة أو إلى النار".
(آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، جمع وتقديم نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، دار الغرب الإسلامي،2/472).
الكلمة الثانية: من واجب علماء الإسلام.
إن أول من يجب عليه أن يؤذن بهذا الصوت جهيراً مدوياً هم علماء الإسلام، فكل عالم مسلم لا يدعو إلى اتحاد المسلمين، وإلى إحياء حقائق الإسلام العالية، وإلى إسعاد الشرق بها فهو خائن لدينه، ولأمانة الله عنده. وإن العالم المسلم الذي يسكت عن كلمة الحق في حينها والذي لا يعمل لإقامة الحق، ولا يرضى أن يموت في سبيل الحق؛ جبان، والجبن والإيمان لا يلتقيان في قلب المؤمن.
إن عهد الله في أعناق علماء الدين لعهد ثقيل، وإن أمانة الإسلام في نفوس علمائه لعظيمة، وإنهم لمسؤولون عليها يوم تنشر الصحائف في هذه الدار، وفي تلك الدار.
أيها الإخوان! إن الكلام لطويل، وإن الوقت لقصير، فليكن آخر ما نتواصى به: الحق والصبر والاتحاد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (الآثار 2/472).
الكلمة الثالثة: التفرق شر كله.
قال رحمه الله: "أيتها الأمة! إن التفرق شر كله، وشر أنواع التفرق ماكان في الدين، وأشنع أنواع التفرق في الدين ما كان منشؤه الهوى والغرض، ونتيجته التعادي والتباغض، وأثره في نفوس الأجانب السخرية من الدين والتنقّص له واتخاذ أعمال أهله حجة عليه، وما أعظم جناية المسلم الذي يقيم من أعماله الفاسدة حجة على دينه الصحيح، وما أشنع جريمة المسلم الذي يعرض – بسوء عمله- دينه الطاهر النقي للزراية والاحتقار". (الآثار 2/162)
الكلمة الرابعة: الأمة الإسلامية العربية تخاطب أبناءها.
أي أبنائي!
إني أنا الأم الولود المنجبــــة،،،،،،، للطرف الغرّ الحسان المعجبة،،،،
فلم غدت محاسني محجبة؟
ولدت الغرّ الميامين، من آبائكم الأولين، فأوسَعوني برًّا وتكرمة، وكافَأوني وفاء وإحساناً. وفد عليّ الإسلام فكنت له حصناً، ووفدت معه اللغة العربية فقلت لها حسناً. ثم اتخذتهما مفخرتي دهري، ووضعتهما بين سحري ونحري، وأقسمت أن أتقلب بهما طول عمري. ألا لستم لي حتى ترعوا عهدي برعاية عهدهما، وتحققوا وعدي بالاستماتة في سبيلهما.
أنا الأم، ومن حق الأم أن تسمي ولدها، وقد سميتكم العرب المسلمين وأشهدت التاريخ فسجل. فلستم مني إن عققتموني بتبديل الاسم أو تفريق المسمّى.
إني قريرة العين بيومكم هذا إذ وسمتموه بوسمي، وسميتموه باسمي، وشرفتموه بالإسلام، وزنتموه بالعروبة. الآثار(1/230).
الكلمة الخامسة: بين مقام النبوة ومقام العبودية.
قال رحمه الله:" إن النبوة هي أكمل الخصائص الإنسانية، وأشرف المواهب الإلهية، ولكن الله حين يرفع ذكر الأنبياء يضعهم في الدرجة الأولى من معارج الرقي، وهي درجة العبودية لله، فمحمد عبد الله قبل أن يكون رسوله، وفي القرآن: (واذكر عبدنا أيوب)، (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب). الآثار: (2/464)
الكلمة السادسة: قيمة كل إنسان ما يحسنه.
قال –رحمه الله-: " بيَّن لنا-رضي الله عنه (1)- وهو مصدر البيان، وينبوع التبيان، أنّ الأعمار هي الأعمال، وبالإحسان فيها تتفاوت قيمة الرجال، وأن ذلك لا يرجع إلى وزن بميزان، ولا كيل بقفزان، وإنما هوعقل مفكر، ولسان متذكر. ومن لا عمل له لا عمر له. ومن لا أثر له في الدين يتمثل به أمر ربه، ولا أثر له في الدنيا تزدان بها صحيفة كسبه، فوجوده عدم، وعقباه ندم، وحياته مسلوبة الاعتبار، وإن شارك الأحياء في الصفة والمميزات.
فاحرصوا رحمكم الله، على أن تكون لحياتكم قيمة، واربأوا عن أن تكون في كفة النحس والهضيمة، واسعوا في الوصول بها إلى القيم الغالية، والحصول منها على الحصص العالية". (الآثار:1/65).
ـــــــــ
(1) يعني : علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في قوله: "قيمة كل إنسان ما يحسنه".
الكلمة السابعة: المال سلاح كما أن العلم سلاح.
ألا فليعلم كل من لا يريد أن يعلم؛ أن سوق المال اليوم معترك أبطال، وأن في جوانبه رماة ونحن الهدف، وأن مكان المال من الحياة مكان الوريد من البدن، وأن الزمان قد دار دورته وقضى الله أن يصبح المال والعلم سلاحين لا يطمع طامع في الحياة بدونهما، فللنظر مكاننا منهما ومكانهما منّا. (الآثار:1/55).
الحكمة الثامنة: الحق لا يثبت بالدعوى ولكن بالدليل.
أما إن الحق لا يثبت بالدعوى ولكن بالدليل، وإن العبرة بالمسميات لا بالأسماء وبالأفعال لا بالأقوال، ولو أن كل من سمته أمّه "صالحاً" كان صالحاً على الحقيقة، وكل من سمته الحكومة "عدلاً" في المحكمة كان عدلا على الحقيقة؛ لكنا سعداء بكثرة الصالحين والعدول فينا. ولو أنّ كل من تسمّى "حسناً" لا يأتي –لمكان اسمه- إلا الفعل الحسن لطم الحسن على القبح، ولكن من وراء هذه الأسماء الجميلة أفق الواقع تتهاوى فيه هذه الأسماء وتنفلق، فلا نجد إلا الحقيقة من فعل يُصدّق أو يُكذّب. (الآثار:1/113).
الكلمة التاسعة: العاقل من جارى العقلا في أعمالهم.
إخواني: العاقل من جارى العقلاء في أعمالهم في دائرة دينه وقوميته ووجدانه، والحازم من لم يرض لنفسه أخس المنازل، وأخس المنازل للرجل منزلة القول بلا عمل، وأخس منها أن يكون الرجل كالدفتر يحكي ما قال الرجال وما فعل الرجال دون أن يضرب معهم في الأعمال الصالحة بنصيب، أو يرمي في معترك الآراء بالسهم المصيب. (الآثار: 1/56).
الكلمة العاشرة: وصية لمن يقتدي بهم العامة.
قال - رحمه الله - يوصي المعلمين:" وأوصيكم بحسن العشرة مع بعضكم إذا اجتمعتم، وبحفظ العهد والغيب لبعضكم إذا افترقتم، إن العامة التي ائتمنتكم على تربية أبنائها تنظر إلى أعمالكم بالمرآة المكبرة، فالصغيرة من أعمالكم تعدها كبيرة،والخافتة من أقوالكم تسمعها جهيرة، فاحذروا ثم احذروا!" (الآثار:3/265) بواسطة: (المعالم السنية...) ص65، لأبي أحمد البشير بن الشيخ.
الكلمة الحادية عشرة: أشرف خدمة تُقدّمها لأمّتك.
قال -رحمه الله-:" إنّ أشرف خدمة يُقدّمها العاملون المخلصون لأمّتهم ولوطنهم هي التّعليم والتّربية الصّالحة، فهما سُلّم الحياة وإكسير السّعادة". ( الآثار:3/68).
قال ـ رحمه الله ـ:" ومتى قعد الأفراد عن تعاطي أسباب الكمال فشت النقائص في المجموع. (الآثار: 1/201).
الكلمة الثالثة عشرة: خطر المدنية الغربية.
قال رحمه الله : أيها الإخوان! إن الإسلام مازال في أوربا المسيحية في حرب صليبية لم تنطفئ نارها، وإنما غطى عليها رماد المدنية والعلم اللذين غزوا بهما عقولنا، وسحروا بها عيوننا، وخدروا بهما مشاعرنا، تحيلا ومكراً ليصرفونا عن الاستعداد، وما هذه المدنية وهذا العلم إلا سلاح جديد أفتك من سلاح الحديد: فإن سلاح الحديد يقتل الأجساد فينقل الأرواح إلى مقام الشهادة، أما هذا السلاح فإنه يقتل الأرواح ويجردها من أسباب السعادة.
(الآثار: 4/78)
الكلمة الرابعة عشرة: لو أن الإسلام فهم على حقيقته.
قال رحمه الله:" إن العالم في اضطراب، لأن أهله في احتراب، وقد جرّب المناهج والأدوية وتداوى بكل ما يخطر على البال، وتداوى بالمال وسحره فلم يشف من مسِّه، واسترقى بجميع الرقى، فلم يبرأ من لمحه، وعالجه بالدواء الأحمر، فكان الدّاء الأصفر.
ويميناً برة لا حنث فيها ولا تأول، لو أن الإسلام فهم على حقيقته، وطبّق على وجهه الذي جاء به من عند الله محمد بن عبد الله لكان هو الدواء النافع الذي يحلّ العقد ويرفع الإشكال، ولكان هو الحكم في معترك الخلاف، والجالب بقوانينه وأخلاقه لسعادة العالم. ولكن الإسلام جمد فذهبت خواصه، وتفرّقت مذاهبه فزهقت روحه وذهبت ريحه، والذنب في ذلك كله في عنق علمائه: تعصبوا للمذاهب المفرّقة فبعدوا عن المذهب الجامع، وهو كتاب الله وهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وفهموا الدين قشوراً وصدفوا عن اللباب، وتركوا قيادة الأمة فأضاعوا الأمانة، وصرفوا الأمة بتعليمهم عن معاني الدّين الجليلة، فأصاروها إلى الألفاظ، فهي تسبح منذ قرون في بحر من الألفاظ لا ساحل له..."
(الآثار: 4/78).
الكلمة الخامسة عشرة: دور الشباب في التصفية والتربية.
قال رحمه الله: "إنّ دينكم شوهته الأضاليل، وإنّ سيرة نبيكم غمرتها الأباطيل، وإن كتابكم ضيعته التآويل، فهل لكم يا شباب الإسلام أن تمحوا بأيديكم الطاهرة الزيف والزيغ عنها، وتكتبوه في نفوس الناس جديداً كما نزل، وكما فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"
( الآثار: 4/271).
الكلمة السادسة عشرة: صفات الرجال الذين ينتشر بهم الإسلام.
قال رحمه الله: " وكيف نطمع في التبشير بالإسلام في الأقطار الوثنية إذا لم نُجهّز جيشاً من الشباب ونسلحهم بالسلاح اللازم لذلك من أخلاق أقواها العزيمة والتضحية والصبر على المكاره وتحمّل المشاق، فلم ينتشر الدّين في أول أمره إلا برجال من هذا الطراز العالي."
(الآثار:5/301)
الكلمة السابعة عشرة: السعي إلى الكمال.
قال رحمه الله: " أيها الإخوة نحن نريد من الكمال هنا الكمال المكتسب الذي في مكنة الإنسان الوصول إليه بالتعمل والتهمم والمزاولة، ولسنا نعني الكمال الخلقي التكويني الذي لا يد للمخلوق فيه، ذلك الكمال الذي يتفاوت فيه العاملون حتى يكونوا كما قال الشاعر:
ولم أرأمثال الرجال تفاوتاً إلى* المجد حتى عدّ ألف بواحد.
وإن سنة الله في الأمم أنها تتقاعس عن الفضائل وتتناعس عن الكسب وتنغمس في النقائص فتتدهور إلى الحد الذي تقتضيه قوة تلك النقائص وأسبابها. فإذا أراد الله بها خيراً بصّرها بتلك النقائص وأشعرها بمعنى الكمال، وأيقظ في نفوسها دواعيه فيأخذ أفرادها بأسباب الكمال متعاونين أو متنافسين حتى يصلوا إلى أقصى مراتبه. فإذا شعروا ولم يعملوا لبلوغ الكمال مع القدرة على العمل فقد باءوا بالعيب الفاضح، وكانوا هم المعنيين بقول المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس شيئاً * كنقص القادرين على التمام.
( الآثار: 1/202)
الكلمة الثامنة عشرة: رمضان وتحقيق الاتحاد.
قال رحمه الله: " أيها المسلمون...
هذا شهر رمضان على الأبواب، فأحيوا في نفوسكم جميع معانيه الدينية والاجتماعية وابدأوا لتحقيق ذلك بالاتحاد في صومه، والاتحاد في الخروج منه، واظهروا في هذين اليومين بالمظهر المشرف لدينكم ولجماعتكم، واجتمعوا على السرور بمقدمه وعلى الابتهاج بوداعه، واعلموا أن للاتحاد هيبة، وأن في الاجتماع قوة وسطوة، فاستجلوا هذه المعاني في مظاهر دينكم، واستغلوا ثمراتها في ظواهر دنياكم". ( الآثار: 2/163).
الكلمة التاسعة عشرة: قل للجزائــر الحبيبــة!
هذه رسالة أرسلها الإبراهيمي إلى أُمّه الجزائر وهو عنها غائب، وأسماها : "تحية غائب كالآيب"، وذا طرف منها، يشوقك إليها ولايغنيك عنها:
قال رحمه الله: " قل للجزائر الحبيبة هل يخطر ببالك من لم تغيبي قط عن باله؟ وهل طاف بك طائف السلو، وشغلك مانع الجمع وموجب الخلو، عن مشغول بهواك عن سواك؟ إنه يعتقد أن في كل جزيرة قطعةً من الحُسن، وفيك الحُسن جميعُه، لذلك كنَّ مفرداتٍ وكنت جمعاً، فإذا قالوا: "الجزائر الخالدات" رجعنا فيك إلى توحيد الصفة وقلنا : "الجزائر الخالدة"، وليس بمستنكر أن تُجمع الجزائر كلها في واحدة".
(الآثار: 4/ 182 ـ 183)
الكلمة العشرون: المدنية سلاح جديد أفتك من سلح الحديد.
قال رحمه الله : " أيها الإخوان: إن الإسلام ما زال في أوربا المسيحية في حرب صليبية لم تنطفئ نارها، وإنما غطى عليها رماد المدنية والعلم اللذين غزوا بهما عقولنا، وسحروا بهما عيوننا، وخدروا بهما مشاعرنا، تحيلاً ومكراً ليصرفونا عن الاستعداد، وما هذه المدنية وهذا العلم إلا سلاح جديد أفتك من سلح الحديد، فإن سلاح الحديد يقتل الأجساد فينقل الأرواح إلى مقام الشهادة، أما هذا السلاح فإنه يقتل الأرواح ويجردها من أسباب السعادة.
( الآثار: 4/78).
الكلمة الواحدة والعشرون: رجاؤنا في الله قوي.
قال ـ رحمه الله ـ: " رجاؤنا في الله قوي، ولكنه رجاء الموحدين العارفين بسننه الكونية، فلا نرجو أن نحيا من غير أن نستعد للحياة، وإنما نرجو أن يوفقنا الله إلى هذا الاستعداد".
(الآثار: 2/39)
الكلمة الثانية والعشرون: كونوا بررةً بلغتكم.
قال ـ رحمه الله ـ :" وأوصيكم بأن تكونوا بررة بهذه اللغة الشريفة لتُحيوها فتحيوا بها، وما ذلك إلا بالتعمق في فقهها والاصطباغ بآدابها وحِكمها، وسبيل ذلك كله المطالعة المنظّمة.
لم تأت هذه الوصية عفواً، ولكنني أرى من مجرى الأحوال والحوادث أن هذه اللغة لا تزال في ليل مظلم مما تلقّاه من حرب أعدائها وجفاء أبنائها، وأنّ ميدان العراك بينها وبين الحوادث لم يزل فسيحاً، فاستعدّوا للذود عن حياضها والنضح عن حقيقتها، وستكون العاقبة لها إن استعددتم لهذا الدفاع الجديد".
( الآثار: 2/39)
رحم الله العلامة الإبراهيمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق