العودة للدعوة
كان لي رأي منذ البدايات الأولى للثورات العربية ..صرحتُ به وصارحت فيه كل من أعرف من المهتمين بالشأن العام في مصر وغيرها ، وتكلمت به في حينه في ندوات وذكرته في مقالات ومقابلات..
وكان يتلخص في قناعتي بأن الإسلاميين أخطاوا خطأً استراتيجيًا بتصدُّرهم المبكر للساحة السياسية ..
لأنه لا الظروف المحلية ولا الإقليمية ولا العالمية كانت ستسمح لهم بعد أن ظلوا مطاردين مهمشين لعشرات السنين ؛ أن يتولوا فجأة قيادة شعوب ثائرة في ظروف متفجرة ، فيتقدموا صفوفهم رافعين الشعارات بسقوط أمريكا وتحرير القدس وتحكيم الشريعة في مظاهرات مليونية..قد تتحول في نظر المتربصين إلى صدامات ومعارك حقيقية ضد الأعداء الأصليين بعد بضع سنين..
وكان البديل المطروح وقتها - في اجتهادي - ألا يُغرق الإسلاميون بالانهماك في التسابق للصفوف السياسية الأولى..وأن يظلوا في الصف الثاني او الثالث منها ، متراصين خلف قيادة نظيفة غير محسوبة على الإسلاميين، بشرط أن تكون قديرة وخبيرة بشؤون السياسة المحلية والعالمية، بحيث إذا نجحت تلك القيادة فلها ولهم...وإذا فشلت أو أُفشِلَت ظل الإسلاميون محتفظين بكياناتهم ومكتسباتهم وبجمهورهم كثير الحماسة عديم التجربة..دون أن يغامروا بكل ذلك بوضع كل البيض في سلة واحدة.. يمكن أن تتهشم مكتسباتها وتتطاير أحلامها في لحظة واحدة. وكان الرأي أيضًا أن يجعل هؤلاء الإسلاميون هَمَّ الانطلاق بالدعوة ودعمها على رأس أولوياتهم، بعد أن أزيلت الحدود دونها، وازيحت السدود من أمامها..فيظلوا منشغلين بإعادة الناس إلى وعيهم..وفتح المزيد من الجسور معهم لمضاعفة الأنصار منهم، حمايةً للثورة وشبابها ونكاية في اعدائها.. مع تكثيف العمل أيضا لترتيب البيت الإسلامي نفسه من داخله ، بعد أن دَبَّ بين أهله داء الأمم من التفرق والتحزب والاختلاف.. ولكي يخططوا ًفي الوقت ذاته على مهلٍ لمواجهة الاعداء المتربصين المتحفزين للنكاية بأهل الدين...
لكن الذي حدث أن نشوة الانتصار المؤقت أدخلت الأكثرين في سكرة الانشغال الدائم.. بإشعال محارق المعارك الجانبية، لأجل السبق إلى غنائم موهومة ومكاسب غير معلومة ولا مفهومة..
لكن الذي حدث أن نشوة الانتصار المؤقت أدخلت الأكثرين في سكرة الانشغال الدائم.. بإشعال محارق المعارك الجانبية، لأجل السبق إلى غنائم موهومة ومكاسب غير معلومة ولا مفهومة..
واليوم ؛ وبعد أن جرى ماجرى.. وبعد أن صودرت وأغلقت أكثر وسائل الدعوة الراشدة أمام المُصلحين..وانفتحت أبواب الدعوات المنكرة لتكثير سواد الفساد والمفسدين، بما ينذر بتنشئة أجيال جديدة من المغيبين واللاهين المستهترين بل الكارهين للدين.. أصبح من المتعين البحث عن سُبل جديدة لانطلاقة أخرى بالدعوة الرشيدة ، لإنقاذ مايمكن إنقاذه..حيث إن الميسور منها لايسقط بالمعسور.. والمستطاع لا يلحق بغير المستطاع ، فالحاجة مُلِحة للعودة إلى استعادة حمل رسالة تلك الدعوة ، ولو على المستويات الفردية والعائلية و الأسرية.. ريثما تتحسن الظروف وتتجدد الهِمم والآمال.. فنحن في كل الأحوال أمة دعوة..قال الله تعالى لها : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)َ (آل عمران /104) .. وقال ( لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)(النساء/114) وقال : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين)َ ( فصلت/33) .
فهل من مقاربات أو مقترحات أو أفكار..للعودة للدعوة دون تقيد بعقدة انتظار تحقيق التمكين وشهود الانتصار..؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق