قصف غزة في أوقات الفراغ
في المواعيد ذاتها، وفي الظروف نفسها، يقصف الصهاينة غزة، وهم مطمئنون إلى أن ردود الفعل العربية ستأتي أضعف مما كانت في سابق الاعتداءات.
بالأمس، اختاروا الرابع عشر من يوليو/ تموز لتمضية الوقت بالقصف والقتل، وهو الموعد ذاته الذي شن فيه الصهاينة عدوانهم الهمجي في عام 2014، حيث كان المونديال الكروي مشتعلاً في البرازيل، وكانت الأمة منقسمةً في التشجيع بين ألمانيا والبرازيل، إلا من استمسك بعروبته وإنسانيته كان قلبه فارغاً إلا من التضامن والتعاطف مع كتائب القسام وسرايا القدس، وهما يواجهان العدوان الغاشم.
ولو قارنت بين المواقف وردات الفعل في 2014 وما جرى بالأمس ستلمس إلى أي مدىً وصل التغلغل الصهيوني في القرار الرسمي العربي، إذ لم يعد أحد يجرؤ على ارتكاب حماقة إصدار بيان إدانة، أو شجب واستنكار، أو يوجّه رسالة تحذيرٍ للمعتدي، وتضامنٍ مع المعتدى عليه، ذرّاً للرماد في عيون رأي عام يتألم للدم المراق.
كل ما فعله النظام الرسمي العربي هو إجراء الاتصالات بين الطرفين للتهدئة، ومناشدة الصهاينة الاكتفاء بهذا القدر من نزهة القصف، وكأنه مقرونٌ بحق الاحتلال في العربدة، كلما شعر بالملل، أو أراد أن يقتل أوقات الفراغ، حتى إذا جاء صباح اليوم التالي، كان كل شيء قد سكت، وكأن شيئاً لم يحصل، فتستأنف الثرثرة حول مصالحةٍ فلسطينيةٍ، وفق معادلة الاحتلال الإسرائيلي والليكوديين العرب: إما مصالحة فلسطينية تتخلى عن فكرة المقاومة، وتسقطها من حسابات الفعل ورد الفعل.. أو اجتياح غزة مجدّداً قائم ووارد، في ظروفٍ شديدة البؤس، تتسابق فيها العواصم العربية على خدمة إسرائيل.
وليس جديداً هنا أنهم لا يتحرّكون للتهدئة، إلا إذا ردت المقاومة الفلسطينية على العدوان. وقبل ذلك، لا شيء يقلقهم أو يزعجهم، استمراراً للصيغة القديمة: كلما انطلقت صواريخ المقاومة على العدو الإسرائيلي، دوّت صفارات الإنذار في بيوت العرب المتصهينة، حكاما ومحكومين، ليواجه المواطن الفلسطيني الحقيقة المرّة، وهي أن كل العرب محاصرون مثله، ومحتلون مثله، فلا ينتظر منهم غوثا.وعلى الرغم من أنه يخوض معركتنا جميعاً، فإنه ليس لغزة إلاه، فحتى الحناجر ماتت، وإنْ هتفت مطالبةً بالغوث للفلسطينيين فسيضعون فيها هراوات الأمن الساهر على خدمة الطغيان والاحتلال معاً.
في عدوان 2014، كان الموقف العربي كالتالي: إسرائيل تعربد كما تشاء، والنظام الرسمي العربي يسدد فواتير العربدة والعدوان، من دون أن يفكر أحد في ارتكاب "خطيئة" التفكير في رد العدوان، ولو بالتلويح بإعلان موقفٍ صارم وواضح، بعيداً عن هزلية المطالبة بضبط النفس، وتقديس نصوص "عملية السلام".
أما الآن، فلم يعد أحد يشغل نفسه بلعب ذلك الدور، إذ باتوا يتنافسون في خنق غزة، وتركيع المقاومة، ومعاقبة الإنسان الفلسطيني على عدم الخضوع لما يفرضه ترامب ونتنياهو من صفقاتٍ للتسوية، كما تحلم بها إسرائيل التي باتت واثقة من أن كثيرين من المحسوبين على العرب يمكنهم أن يقولوا لأفيخاي أدرعي "قم وأنا أقعد مطرحك". ولكل ذلك وغيره، مر الاعتداء على غزة، هذه المرة، وكأنه مشهدٌ في فيلم يعاد عرضه للمرة الألف، لينتقل الجميع بعده إلى جدول الأعمال الأهم، والبند الأول فيه: لمن تذهب كأس العالم، لفرنسا أم كرواتيا؟
وعلى الرغم من ذلك، ستبقى غزة عصية على الكسر، ما دام هناك من يحتفظ بأبجدية الكفاح من دون ابتذال، وسيبقى أن كل الفلسطينيين مدنيون، وإن رفعوا سلاح المقاومة.. ويظل كل الصهاينة مستعمرين مسلحين، وإن زرعوا الورود في أرض فلسطين المغتصبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق