سليم عزوز
لا أقصد بـ"المركوب"؛ الاسم الشائع في اللهجة الصعيدية القديمة لـ"الحذاء"، ولـ"الحذاء القديم" في بعض الدوائر، فـ"المركوب" هو من ركب، يركب، فهو "مركوب"، وهو من الامتطاء، نسبة لما تردد عن الذين ركبوا الثورة!
القوى المشكلة لجبهة الإنقاذ (رحم الله موتاكم) تؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين ركبت ثورة يناير، وعلى أساس أنها شاركت متأخرة في الثورة، مع أن الإخوان كانوا منذ اللحظة الأولى في قلب الثورة، لكن القرار الذي تأخر هو قرار الجماعة. وقد حضر الإخوان في وقت غاب فيه البرادعي نفسه في اليوم الأول، كما أن أحزاباً شاركت في الجبهة لم تشارك فيها. فرئيس حزب "الوفد"، وعندما وجد حرصاً من شباب الحزب على الخروج في يوم 25 يناير، حذرهم من مغبة ذلك، ثم أعلن أن من يريد التظاهر فعلى مسؤوليته الشخصية. أما رئيس الحزب الناصري "سامح عاشور"؛ فقد أعلن منذ اليوم الأول أن حزبه لن يشارك في مظاهرات لا يعرف هوية الداعين إليها، وبينما كانت الجماهير في "التحرير" وغيره من ميادين الثورة تكتظ بالثوار، كان "عاشور" على مرمى حجر، وفي مقر الحزب، يعلن أنه مع مبارك! هذا فضلاً عن أن الكنيسة وبوصفها دعت للتظاهر يوم 30 يونيو، قد أعلن رئيسها البابا شنودة أن رعاياه لن يشاركوا في المظاهرات يوم 25 يناير، لأنه مع الرئيس، وليس سراً أن البابا من الذين كانوا يزورون مبارك في محبسه!
ولا يمكن لأحد أن ينكر أن الإخوان شاركوا في الثورة، كما شارك فيها غيرهم، وكان لهم فيها ما لم يكن لكثيرين من الذين شاركوا فيها (أفراداً أو حركات)، لا سيما في حماية مداخل الميدان، وفي يوم موقعة الجمل، فلم نشاهد أحدا من الذين يحتكرون الحديث باسم الثورة وقد أصيب في هذا اليوم، الذي أصيب فيه أكثر من ألف شاب بعد مواجهة حامية الوطيس مع الشبيحة!
الإخوان هم شركاء في الثورة التي أدى كل منا فيها على قدر جهده، ومن ركب الثورة ليسوا هم ولكنه المجلس العسكري، كما ركبها كثير من الكيانات المشكلة لجبهة الإنقاذ؛ التي مثلت غطاء مدنياً للانقلاب العسكري!
الإخوان هم شركاء في الثورة التي أدى كل منا فيها على قدر جهده، ومن ركب الثورة ليسوا هم ولكنه المجلس العسكري، كما ركبها كثير من الكيانات المشكلة لجبهة الإنقاذ
ولم يقتصر الاتهام للإخوان على مجرد "ركوب الثورة"، ولكن في أنهم تحالفوا مع المجلس العسكري الذي استجاب لهم، فكان الذهاب للانتخابات (البرلمانية والرئاسية)!
وقصة التحالف مع العسكر لم يبدأها الاخوان، لكن فعلها الشباب الذي احتكر الحديث باسم الثورة، وشكل ما أطلقت عليه في وقته "ائتلافات الوجاهة الاجتماعية". وبعض هذه الائتلافات كانت مشكلة من فرد واحد، والهدف هو حضور اجتماعات المجلس العسكري والتقرب إليه بالنوافل، والذي كان يبحث عن طليعة شبابية يواجه بها الإخوان. ولم يكن الذهاب للانتخابات رغبة العسكر، لكنهم رضخوا لذلك بعد ضغوط مارسها الجميع!
الشباب الثوري الآن هو الذي باع مطالب الثورة، ودماء الشهداء، مقابل أن يجد له مكاناً في "حظيرة عصام شرف" الذي عينه العسكر رئيسا للحكومة
والشباب الثوري الآن هو الذي باع مطالب الثورة، ودماء الشهداء، مقابل أن يجد له مكاناً في "حظيرة عصام شرف" الذي عينه العسكر رئيسا للحكومة، وأطلق هؤلاء الشبان عليه رئيس الحكومة القادم من ميدان التحرير. وكتبت كثيراً عن أنهم يدخلون الغش والتدليس على الرأي العام، فعصام شرف هو رئيس الحكومة القادم من لجنة السياسات. وفي يوم تعيينه كان من يقف على المنصة في الميدان بجانبه (الناصري) حسين عبد الغني، و(الإخواني) محمد البلتاجي، و(القاضي ذو الميول الناصرية) زكريا عبد العزيز، وكان المحتشدون في الميدان من كل ألوان الطيف الثوري، فهل كان عصام شرف فعلا رئيس الحكومة القادم من ميدان التحرير؟!
المشكلة في أن الإخوان كانوا يعرفون ماذا يريدون، فلم يستعدوا المجلس العسكري، فهم يعرفون قدرتهم على الحشد وكسب الانتخابات، في حين أن الشباب الثوري كان لا يجد لوجوده قيمة، إلا في حالة السيولة الثورية، فماذا كانت استراتيجيتهم للمرحلة القادمة؟!
بدأت الضغوط الثورية على المجلس العسكري للرحيل، فما هو البديل له في ظل ثورة لم تفرز زعيما وإنما أنتجت مطالب؟!
لقد كان المجلس العسكري هو من يحكم وقد تجاوز الفترة الانتقالية التي قررها لنفسه وهى ستة شهور. فبعد عام ونصف العام، جاء المشير محمد حسين طنطاوي ليقول إنه قد يلجأ للاستفتاء الشعبي لأخذ رأي الشعب في استمرار المجلس في السلطة من عدمه، ورددت عليه وقتها بأننا لم نأت بكم باستفتاء لتستمروا باستفتاء!
وقد بدأت الضغوط الثورية على المجلس العسكري للرحيل، فما هو البديل له في ظل ثورة لم تفرز زعيما وإنما أنتجت مطالب؟!
لقد تحدث البعض عن مجلس ثوري يحكم، وبمجرد طرح الأسماء، كان المأزق. فحمدين صباحي كان على الهواء في أحد البرامج التلفزيونية، وقد نقل إليه اختياره عضواً في المجلس، فقال إنه يرفض ذلك، فما هو البديل الذي أفسده الإخوان باللجوء للانتخابات؟!
أخطأ الإخوان في إدارة ملف الانتخابات، عندما استبعدوا من ينتمون للثورة من قوائمهم واحتفوا بمعارضة مبارك على هذه القوائم، كما أخطأوا عندما دفعوا بمرشح رئاسي بعد الإعلان عن أنهم لن يفعلوا
ثم إن الإخوان ليسوا وحدهم من ذهبوا للانتخابات النيابية، كما أنهم ليسوا وحدهم الذين ذهبوا للانتخابات الرئاسية، فجبهة الإنقاذ ضمت الأحزاب التي شاركت في الأولى، كما ضمت عدداً من المرشحين الرئاسيين الذين سقطوا في هذه الانتخابات، فهل يعقل أن يلعبوا سياسة، وعندما يفشلون يريدونها ثورة؟!
أخطأ الإخوان في إدارة ملف الانتخابات، عندما استبعدوا من ينتمون للثورة من قوائمهم واحتفوا بمعارضة مبارك على هذه القوائم، كما أخطأوا عندما دفعوا بمرشح رئاسي بعد الإعلان عن أنهم لن يفعلوا، لكن ليس لأحد من القوى الأخرى أن يستغل هذا لدعوة العسكر للإطاحة بهم، فهذه جريمة ليست مبررة، وكان على تحالف جبهة الإنقاذ أن ينزل للشارع لطرح نفسه بديلاً للإخوان، بدلاً من أن يكون جزءاً من ثورة الفلول، ثم يصيح مرة أخرى بأن السيسي ركب الثورة!
لنعود مرة أخرى للحديث عن "الراكب" و"المركوب"، فالقوم في كل مرة يقومون بثورة يندفع فريق ليركبها، فهل السيسي هو من ركب 30 يونيو فعلاً؟!
هل كان المغفلون يعتقدون أن السيسي، وقد طالبوه بالتدخل، سيعزل الرئيس المنتخب ويختار أحداً منهم؟!
الحقيقة، أن 30 يونيو هي الثورة المضادة، وكان وجهاء جبهة الإنقاذ يدركون ذلك، لكنهم تصرفوا على طريقة من أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه، ففي هذا اليوم كان "الراكب" هم ضباط الشرطة، وكانت الصور المرفوعة هي صورة السيسي، ولا وجود يُذكر للبرادعي وجماعته. فهل يمكن لأحد من غلمان هذا اليوم القول إن المشهد في ميدان التحرير كان ينتمي لثورة يناير بأي شكل، وقد كانوا "مركوبين" وليسوا "راكبين"؟ فمن تم رفعهم على الأعناق هم من هزمتهم ثورة يناير بعد أن واجهوها بعنف، وقتلوا عدداً من المشاركين فيها!
هل كان المغفلون يعتقدون أن السيسي، وقد طالبوه بالتدخل، سيعزل الرئيس المنتخب ويختار أحداً منهم؟!
لا بأس، فأنتم أصحاب ثورة يناير وركبها الإخوان، وأصحاب ثورة 30 يونيو وركبها السيسي، وشرعاً تسقط شهادة من ينتمي لأهل الغفلة!
فـ"المركوب" لا تقبل شهادته، ولو في حزمة من بقل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق