د. علي الصلابي
لم تظهر فكرة الجامعة الإِسلاميَّة في معترك السِّياسة الدَّوليَّة إِلا في عهد السُّلطان عبد الحميد، وبالضَّبط بعد ارتقاء السُّلطان عبد الحميد عرش الدَّولة العثمانيَّة عام 1876م. فبعد أن التقط السُّلطان عبد الحميد أنفاسه، وجرَّد المتأثِّرين بالفكر الأوربيِّ من سلطاتهم، وتولَّى هو قيادة البلاد قيادةً حازمةً؛ اهتمَّ السُّلطان عبد الحميد بفكرة الجامعة الإِسلاميَّة، وقد تكلَّم في مذكَّراته عن ضرورة العمل على تدعيم أواصر الأخوَّة الإِسلاميَّة بين كلِّ مسلمي العالم في الصِّين، والهند، وأواسط أفريقية، وغيرها، وحتَّى إِيران، وفي هذا يقول: (عدم وجود تفاهم مع إِيران أمرٌ جديرٌ بالتَّأسُّف عليه، وإِذا أردنا أن نفوِّت الفرصة على الإِنجليز، وعلى الرُّوس؛ فإِنَّنا نرى فائدة تقارب إِسلامي في هذا الأمر).
وتحدَّث عن علاقة الدَّولة العثمانيَّة بإِنجلترا الَّتي تضع العراقيل أمام الوحدة العثمانيَّة، يقول عبد الحميد الثَّاني: (الإِسلام والمسيحيَّة نظرتان مختلفتان، ولا يمكن الجمع بينهما في حضارةٍ واحدةٍ) لذلك يرى: أنَّ (الإِنجليز قد أفسدوا عقول المصريِّين؛ لأنَّ البعض أصبح يقدِّم القوميَّة على الدِّين. ويظنُّ: أنَّه يمكن مزج حضارة مصر بالحضارة الأوربيَّة، وإِنجلترا تهدف من نشر الفكر القومي في البلاد الإِسلاميَّة إِلى هزِّ عرشي... وأنَّ الفكر القوميَّ قد تقدَّم تقدُّماً ملموساً في مصر. والمثقَّفون المصريُّون أصبحوا من حيث لا يشعرون ألعوبةً في يد الإِنجليز، إِنَّهم بذلك يهزُّون اقتدار الدَّولة الإِسلاميَّة، ويهزُّون معها اعتبار الخلافة).
ويقول عن السِّياسة الإِنجليزيَّة تجاه الخلافة: (قالت صحيفة ستاندرد الإِنكليزيَّة ما نصُّه: (يجب أن تصبح الجزيرة العربيَّة تحت الحماية الإِنجليزيَّة، ويجب على إِنكلترا أن تسيطر على مدن المسلمين المقدَّسة)... إِنَّ إِنجلترا تعمل لهدفين: إِضعاف تأثير الإِسلام، وتقوية نفوذها.. لذلك أراد الإِنجليز أن يكون الخديوي في مصر خليفة للمسلمين، ولكن ليس هناك مسلمٌ صادقٌ واحدٌ يقبل أن يكون الخديوي أميراً للمؤمنين؛ لأنَّه بدأ دراسته في جنيف، وأكملها في فيينا، وتطبَّع بطابع الكفَّار).
وعندما ظهر اقتراح إِنكلترا (لإِعلان الشَّريف حسين أمير مكَّة خليفة للمسلمين) ويعترف السُّلطان عبد الحميد الثَّاني بأنَّه لم يكن لديه الطَّاقة، ولا القوَّة لمحاربة الدُّول الأوربيَّة.. (ولكنَّ الدُّول الكبرى كانت ترتعد من سلاح الخلافة، وخوفهم من الخلافة جعلهم يتَّفقون على إِنهاء الدَّولة العثمانيَّة) ، و(أنَّ الدَّولة العثمانيَّة تضمُّ أجناساً متعدِّدةً من أتراكٍ، وعربٍ، وألبان، وبلغار، ويونانيِّين، وزنوج، وعناصر أخرى، ورغم هذا فوحدة الإِسلام تجعلنا أفراد أسرةٍ واحدةٍ).
ويُعبِّر عبد الحميد الثَّاني عن ثقته في وحدة العالم الإِسلامي بقوله: (يجب تقوية روابطنا ببقيَّة المسلمين في كلِّ مكانٍ، يجب أن نقترب من بعضنا البعض أكثر، وأكثر، فلا أمل في المستقبل إِلا بهذه الوحدة، ووقتها لم يحن بعد؛ لكنَّه سيأتي، سيأتي اليوم الَّذي يتَّحد فيه كلُّ المؤمنين، وينهضون فيه نهضةً واحدةً، ويقومون قومة رجلٍ واحدٍ، وفيه يحطِّمون رقبة الكفَّار).
كانت فكرة الجامعة الإِسلاميَّة في نظر السُّلطان عبد الحميد يمكن بها أن تحقِّق أهدافاً، منها:
ـ مواجهة أعداء الإِسلام المثقَّفين بالثَّقافة الغربيَّة، والَّذين توغَّلوا في المراكز الإِداريَّة، والسِّياسيَّة الحسَّاسة في أجهزة الدُّول الإِسلاميَّة عموماً، وفي أجهزة الدَّولة العثمانيَّة خصوصاً، وإِيقافهم عند حدِّهم، عندما يجدون: أنَّ هناك سدَّاً
إِسلاميَّاً ضخماً، وقويَّاً يقف أمامهم.
ـ محاولة إِيقاف الدُّول الاستعماريَّة الأوربيَّة، وروسيا، عند حدِّها عندما تجد: أنَّ المسلمين قد تكتَّلوا في صفٍّ واحدٍ، وقد فطنوا إِلى أطماعهم الاستعماريَّة، ووقفوا ضدَّها بالوحدة الإِسلاميَّة.
ـ إِثبات أنَّ المسلمين يمكن أن يكونوا قوَّةً سياسيَّةً عسكريَّة، يحسب لها حسابها في مواجهة الغزو الثَّقافي، والفكريِّ، والعقديِّ الرُّوسي، الأوربيِّ النَّصراني.
ـ تأخذ الوحدة الإِسلاميَّة الجديدة دورها في التَّأثير على السِّياسة العالميَّة.
ـ تستعيد الدَّولة العثمانيَّة بوصفها دولة الخلافة قوَّتها، وبذلك يمكن إِعادة تقويتها، وتجهيزها بالأجهزة العلميَّة الحديثة في الميادين كافَّةً، وبذلك تستعيد هيبتها، وتكون درساً تاريخيَّاً. يقول: (إِنَّ العمل على تقوية الكيان السِّياسي، والاجتماعي الإِسلامي، أفضل من إِلقائه أرضاً، وتكوين كيانٍ غريبٍ فكريَّاً، واجتماعيَّاً على نفس الأرض).
ـ إِحياء منصب الخلافة، ليكون أداةً قويَّةً، وليس صوريَّاً كما حدث لفترة، وبذلك لا يكون السُّلطان وحده فقط هو الَّذي يقف في مواجهة أطماع الغرب، وعملائه في الدَّاخل، وإِنَّما هي وحدةٌ شعوريَّةٌ بين شعوب المسلمين جميعاً. يكون هو الرَّمز، والموجِّه، والموحِّد.
وإِلى هذا أشار المؤرِّخ البريطاني (آرنولد توينبي) في قوله: (إِنَّ السُّلطان عبد الحميد، كان يهدف من سياسته الإِسلاميَّة، تجميع مسلمي العالم تحت رايةٍ واحدةٍ، وهذا لا يعني إِلا هجمةً مضادَّةً، يقوم بها المسلمون ضدَّ هجمة العالم الغربيِّ الَّتي استهدفت عالم المسلمين).
ولذلك استخدم السُّلطان عبد الحميد كلَّ الإِمكانيَّات المتاحة في ذلك الوقت من اتِّخاذ الدُّعاة من مختلف جنسيَّات العالم الإسلامي، من العلماء، والمبرِّزين في مجالات السِّياسة، والدُّعاة الَّذين يمكن أن يذهبوا إِلى أرجاء العالم الإِسلامي المختلفة للالتقاء بالشُّعوب الإِسلاميَّة، وفهم ما عندهم، وإِبلاغهم بآراء وتوجيهات السُّلطان الخليفة، ونشر العلوم الإِسلاميَّة، ومراكز الدِّراسات الإِسلاميَّة في الدَّاخل، والخارج، وطبع الكتب الإِسلاميَّة الأساسيَّة، ومحاولة اتِّخاذ اللُّغة العربيَّة لأوَّل مرَّة في تاريخ الدَّولة العثمانيَّة لغةً للدَّولة، أو ما يسمَّى بالتَّعبير المعاصر «تعريب» الدَّولة العثمانيَّة، والعناية بالمساجد، والجوامع من تجديدٍ، وترميمٍ، وبناءِ الجديد منها، والقيام بحملات تبرُّعٍ لإِحياء المساجد في العالم، والاهتمام بالمواصلات لربط أجزاء الدَّولة العثمانيَّة، واستمالة زعماء القبائل العربيَّة، وإِنشاء مدرسة في عاصمة الخلافة لتعليم أولاد رؤساء العشائر، والقبائل، وتدريبهم على الإِدارة، واستمالة شيوخ الطُّرق الصُّوفيَّة، والاستفادة من الصَّحافة الإِسلاميَّة في الدِّعاية للجامعة الإِسلاميَّة، واتِّخاذ بعض الصُّحف وسيلةً للدِّعاية لهذه الجامعة، والعمل على تطوير النَّهضة العلميَّة، والتِّقنيَّة في الدَّولة العثمانيَّة، وتحديث الدَّولة فيما هو ضروريٌّ.
ولقد التفَّت مجموعةٌ من العلماء، ودعاة الأمَّةً الإِسلاميَّة إِلى دعوة الجامعة الإِسلاميَّة من أمثال جمال الدِّين الأفغاني، ومصطفى كامل من مصر، وأبي الهدى الصَّيادي من سورية، وعبد الرَّشيد إِبراهيم من سيبيريا، والحركة السَّنوسيَّة في ليبيا، وغيرها.
جمال الدِّين الأفغاني والسُّلطان عبد الحميد:
أيَّد جمال الدِّين الأفغاني دعوة السُّلطان عبد الحميد إِلى الجامعة الإِسلاميَّة، وقدَّم مشروعاتٍ أكبر بكثير من طموح السُّلطان. ولم يكن السُّلطان يأمل في أكثر من وحدة هدفٍ بين الشُّعوب الإِسلاميَّة، ووحدة حركة بينها، وهي وحدةٌ شعوريَّةٌ عمليَّةٌ، في نفس الوقت، تكون الخلافة فيها ذات هيبةٍ، وقوَّةٍ، لكنَّ الأفغاني عرض على السُّلطان مشروعاً، يرمي إِلى توحيد أهل السُّنَّة مع الشِّيعة، وكانت نظرة السُّلطان عبد الحميد لا ترمي في هذا الصَّدد أكثر من توحيد الحركة السِّياسيَّة بين الفريقين لمواجهة الاستعمار العالمي.
واستفاد السُّلطان عبد الحميد كثيراً من الأفغاني، في الدِّعاية إِلى الجامعة الإِسلاميَّة، رغم الاختلاف بين فكر السُّلطان، وفكر الأفغاني، ومن أسباب الاختلاف:
1 ـ إِيمان الأفغاني بقضيَّة وحدة المسلمين، وتأييده في نفس الوقت للثُّوَّار ضدَّ السُّلطان عبد الحميد من القوميِّين الأتراك، والعثمانيِّين عامَّةً.
2 ـ دعوة الأفغاني لوحدة الشُّعوب الإِسلاميَّة، بحيث تكون كالبنيان الواحد، وبقلبٍ واحدٍ في مواجهة الدُّول الأوربيَّة الرَّامية إِلى تقسيم الدَّولة العثمانيَّة العاملة على انهيارها، وفي نفس الوقت، لم يتعرَّض الأفغاني للاستعمار الفرنسي، ولو بكلمة تنديد. في وقت احتاج فيه السُّلطان عبد الحميد إِلى مقاومة الفرنسيِّين في شمال أفريقية.
3 ـ تنديد جمال الدِّين بالاستعمار الإِنكليزي، في حين يذكر السُّلطان عبد الحميد: أنَّ المخابرات العثمانيَّة، حصلت على خطَّةٍ أعدَّت في وزارة الخارجيَّة الإِنكليزيَّة، واشترك فيها جمال الدِّين الأفغاني، وبلنت الإِنكليزيِّ، وتقضي هذه الخطَّة بإِقصاء الخلافة عن السُّلطان عبد الحميد، وعن العثمانيِّين عموماً. وبلنت هذا سياسيٌّ إِنكليزيٌّ يعمل في وزارة الخارجيَّة الإِنكليزيَّة، ومؤلِّف كتاب «مستقبل الإِسلام» ودعا فيه صراحة إِلى العمل على نزع الخلافة من العثمانيِّين، وتقليدها للعرب. وقد ردَّ مصطفى كامل باشا زعيم الحركة الوطنيَّة في مصر على «بلنت» في كتاب مصطفى كامل باشا المشهور (المسألة الشَّرقيَّة) قائلاً: (وبالجملة، فإنَّ حضرة مؤلِّف كتاب مستقبل الإِسلام يرى ـ وما هو إِلا مترجم عن آمال بني جنسه ـ أنَّ الأليَق بالإِسلام أن ينصِّب إِنكلترا دولة له، بل إِنَّ الخليفة يجب أن يكون إِنكليزيَّاً).
4 ـ رغم الأطماع الرُّوسيَّة، والحروب الرُّوسيَّة ضدَّ الدَّولة العثمانيَّة واقتطاع الرُّوس لأجزاءٍ من الأراضي العثمانيَّة، فقد كان موقف السَّيِّد جمال الدِّين الأفغاني من مبدأ التَّوسُّع الرُّوسي غريباً على مفهوم الجامعة الإِسلاميَّة؛ لأنَّه يعترف بما للرُّوس من مصالح حيويَّة، واستراتيجيَّةً في الهند، تدفعهم لاحتلالها، وأنَّه ليس لدى الأفغاني اعتراضٌ على هذا الاحتلال إِذا حدث، بل ينصح الرُّوس باتِّباع أسلم السُّبل، وأسهلها لتنفيذه، وذلك بأن يستعينوا بدولة فارس، وبلاد الأفغان، لفتح أبواب الهند، شريطة أن تسهمهما في الغنيمة، وتشركهما في المنفعة.
5 ـ الخلاف العقدي الَّذي ظهر بين العلماء في إِستانبول وبين جمال الدِّين الأفغاني، وظهور كتاب الشَّيخ (خليل فوزي الفيليباوي) المُعَنْوَن: (السُّيوف القواطع) للرَّدِّ على عقيدة الأفغاني، وسكوت الأفغاني عن هذا، وعدم دفاعه عن نفسه. والكتاب باللُّغة العربيَّة، ومترجمٌ وقتها إِلى اللُّغة التُّركيَّة.
مالَ السُّلطان عبد الحميد إِلى تركيز كلِّ السُّلطات في يده بعد أن ذاق الأمرَّيْن من وزرائه، وضبَّاط جيشه، وصدوره العظام المتأثِّرين بالفكر الغربيِّ، والَّذين هدفوا إِلى إِقامة ديمقراطيَّة أوربيَّة، تضمُّ مجلساً منتخباً يمثِّل كلَّ شعوب الدَّولة العثمانيَّة، ومعارضة السُّلطان عبد الحميد لهذا بحجَّة: أنَّ عدد النُّوَّاب المسلمين سيكون حوالي نصف العدد الكلِّي للبرلمان. في حين أنَّ جمال الدِّين الأفغاني يميل إِلى الدِّيمقراطيَّة، وعدم تركيز السُّلطات في يد شخصٍ واحدٍ بعينه، ويميل الأفغاني إِلى الحرِّيَّة في التَّعبير عن الرَّأي.
ولقد ذكر السُّلطان عبد الحميد في مذكَّراته بأنَّ جمال الدِّين الأفغاني مهرِّجٌ، وله علاقةٌ بالمخابرات الإِنكليزيَّة: (وقعتْ في يدي خطَّةٌ أعدَّها في وزارة الخارجيَّة الإِنكليزيَّة مهرِّجٌ اسمه: جمال الدِّين الأفغاني، وإِنكليزيٌّ يُدعى: بلنت قالا فيها بإِقصاء الخلافة عن الأتراك. واقترحا على الإِنكليز إِعلان الشَّريف حسين أمير مكَّة خليفةً على المسلمين).
كنت أعرف جمال الدِّين الأفغاني عن قرب. كان في مصر، وكان رجلاً خطيراً، اقترح عليَّ ذات مرَّةٍ ـ وهو يدَّعي المهديَّة ـ أن يثير جميع مسلمي اسيا الوسطى، وكنت أعرف: أنَّه غير قادرٍ على هذا، وكان رجل الإِنكليز، ومن المحتمل جدَّاً أن يكون الإِنكليز قد أعدُّوا هذا الرَّجل لاختباري، فرفضت فوراً، فاتَّحد مع بلنت.استدعيته إِلى إِستانبول عن طريق أبي الهدى الصَّيادي الحلبي، الَّذي كان يلقى الاحترام في كلِّ البلاد العربيَّة.قام بالتَّوسُّط في هذا كلٌّ من: منيف باشا، حامي الأفغان القديم، والأديب الشَّاعر عبد الحق حامد، وجاء جمال الدِّين الأفغاني إِلى إِستانبول، ولم أسمح له مرَّةً أخرى بالخروج منها...).
أمَّا رأي جمال الدِّين الأفغاني في السُّلطان عبد الحميد؛ فإِنَّه يقول: (إِنَّ السُّلطان عبد الحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر؛ لرجحهم ذكاءً، ودهاءً، وسياسةً، خصوصاً في تسخير جليسه، ولا عجب إِذا رأيناه يذلِّل لك ما يقام لملكه من الصِّعاب من دول الغرب، ويخرج المناوئ له من حضرته راضياً عنه، وعن سيرته، وسيره، مقتنعاً بحجَّته سواءٌ في ذلك: الملك، والأمير، والوزير، والسَّفير...).
وقال: (ورأيته يعلم دقائق الأمور السِّياسيَّة، ومرامي الدُّول الغربيَّة، وهو معدٌّ لكلِّ هوَّةٍ تطرأ على الملك مخرجاً، وسلماً، وأعظم ما أدهشني ما أعدَّه من خفيِّ الوسائل، وأمضى العوامل، كي لا تتَّفق أوربَّة على عملٍ خطيرٍ في الممالك العثمانيَّة، ويريها عياناً محسوساً أن تجزئة السَّلطنة العثمانيَّة لا يمكن إِلا بخرابٍ يعمُّ الممالك الأوربيَّة بأسرها).
ويقول: (أمَّا ما رأيته من يقظة السُّلطان، ورشده، وحذره، وإِعداده العدَّة اللازمة لإِبطال مكائد أوربَّة، وحسن نواياه، واستعداده للنُّهوض بالدَّولة الَّذي فيه نهضة المسلمين عموماً، فقد دفعني إِلى مدِّ يدي له، فبايعته بالخلافة، والملك عالماً علم اليقين: أنَّ الممالك الإِسلاميَّة في الشَّرق لا تسلم من شراك أوربَّة، ولا من السَّعي وراء إِضعافها، وتجزئتها، وفي الأخير ازدراؤها واحدةً بعد أخرى إلا بيقطةٍ، وانتباهٍ عموميٍّ، وانضواءٍ تحت راية الخليفة الأعظم...).
إِنَّ جمال الدِّين الأفغاني أمره محيِّر، فهناك من يدافع عنه، وهناك من يتَّهمه بالعمالة، والانضمام إِلى المحافل الماسونيَّة، فمثلاً: كتاب «دعوة جمال الدِّين الأفغاني في ميزان الإِسلام» للمؤلِّف مصطفى فوزي عبد اللَّطيف غزال يرى: أنَّه كان من عوامل الهدم في الأمَّة في تاريخها الحديث. أمَّا كتاب «جمال الدِّين الأفغاني المصلح المفترى عليه» للدُّكتور محسن عبد الحميد، فيراه من المصلحين.
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط، الطبعة الأولى1424ه، 2003م، ص (337-341).
عبد الحميد الثاني، مذكَّرات السُّلطان عبد الحميد، تقديم د. محمَّد حرب، دار القلم، الطَّبعة الثَّالثة، 1412هـ،1991م.ص (160). ص (148).
محسن عبد الحميد، جمال الدِّين الأفغاني المصلح المفترى عليه، مؤسَّسة الرِّسالة، الطَّبعة الأولى 1403هـ/1983م. ص(137).
أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التَّاريخ العثماني،دار الشُّروق، الطَّبعة الثَّانية، ـ 1406هـ. 1986م ص (234).
اسماعيل أحمد ياغي،الدولة العثمانية في التَّاريخ الحديث، مكتبة العبيكان، السعودية مكتبة العبيكان، الطَّبعة الأولى 1416هـ،1996م ص (189).