الثلاثاء، 3 ديسمبر 2019

الخليفة سليمان بين الحقيقة و (حريم السلطان)

الخليفة سليمان بين الحقيقة و (حريم السلطان)

داعية إسلامي أردني ودكتور جامعي ومكتشف في مجال علم الأدوية.
من هو الخليفة سليمان القانوني الذي يتحدث عنه مسلسل حريم السلطان؟ ولماذا يتم تصويره على أنه سلطان منغمس في الشهوات؟
بداية إخوتي هل يُقبل منا أن نأخذ تاريخنا عن أعدائنا؟!
إن كان ما يسمى بالكتاب المقدس الذي يدين به
اليهود والنصارى يفتري على نبي الله سليمان عليه السلام، فيقول في سفر الملوك الأول: (وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه فذهب سليمان وراء عشتروث إلاهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين).
حاشا نبي الله عليه السلام.
فإن كانوا يقولون ذلك في النبي سليمان مع أنه يعترفون بنبوته ويفتخرون به، فماذا تتوقعون أن يقولوا عن الخليفة سليمان الذي مرغ أنوفهم في التراب حتى قال عنه المؤرخ الألماني هالمر ” كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه” ؟!
أحرق أعداء الإسلام وأغرقوا مكتبات بغداد وقرطبة وغرناطة وأشبيلية وطرابلس لبنان والقدس وعسقلان وغيرها. يحرقون كتبنا ثم يكتبون تاريخنا بأنفسهم. فهل يليق بنا بعد ذلك أن نعرض عما تبقى من مؤلفات علمائنا ومؤرخينا؟!
ألا ينبغي لنا إخوتي بدلا من أن نتعرف على الخليفة سليمان من كتب أعدائنا الموجوعين منه، ومن أفلام العلمانيين أيتام أتان الترك…ألا ينبغي أن نتعرف عليه من كتب علماء ومؤرخين مسلمين عاصروا الخليفة أو كانوا قريبي عهد به؟!
الخليفة سليمان أثنى عليه المؤرخ الفقيه الذي عاصره طاشكبري زاده كما في كتابه (العقد المنظوم).
وأحمد بن يوسف القرماني الذي عاصر الخليفة أيضا كما في كتابه (أخبار الدول) فقال: (وكان رحمه الله عالي الهمة , عالما , شجيعا الى الغاية , طويل القامة, حسن الصورة, وهو ممن اشتهر فى الآفاق بالعدل والخير).
وكذلك الفقيه المؤرخ ابن العماد الحنبلي الذي ولد بعد وفاة الخليفة باثنين وثلاثين عاما فقط كان مما قال عنه في كتابه (شذرات الذهب):
(استمر في السلطنة تسعا وأربعين سنة، وهو سلطان غاز في سبيل الله، مجاهد لنصرة دين الله).
وقال فيه: (وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية في القرن العاشر)
تعالوا نقف وقفات مع سيرة الخليفة سليمان رحمه الله، مستمدين كثيرا من المعلومات من دراسة أعدها الكاتب محمود حافظ بعنوان (السلطان سليمان القانوني…أكبر ملوك الإسلام!!). هذه الوقفات تجعلك تدرك لماذا تحرص وسائل الإعلام التابعة للصليبيين وأذنابهم من حكام المسلمين على تشويه صورة سليمان القانوني.

تولى سليمان الخلافة بعد أبيه سليم الأول عام 926 هـ، أي قبل حوالي 500 عام، وعمره 26 سنة.
فأرسل إلى ملوك أوروبا يأمرهم بدفع الجزية المقررة عليهم كما كانوا يفعلون في عهد أبيه.
فما كان من ملك المجر إلا أن قتل رسول الخليفة.
فاستشاط السلطان سليمان
غضبا وقال: (أيُقتل سفير دولة الإسلام ؟!)
ليس من مصلحة الأنظمة أن نعرف التاريخ الحقيقي لسليمان. فالمسلمون أهون الناس في أيامنا، يُقتلون في الدول “الشقيقة” و”الصديقة” ويهانون، فلا تطالب دولهم بحقهم ولايستشيط لهم السلاطين غضبا ولا يتنصرون.
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم
أما سليمان، فما أصبح الصباح إلا وقد أعدّ جيشا جرار مدعوما بالسفن الحربية وخرج بنفسه على رأس هذا الجيش قاصدا مدينة بلجراد (عاصمة صربيا حاليا) فحاصرها ثم دخلها فاتحاً يوم 26 رمضان، وأمر أن يرفع الآذان من قلعتها.
وكانت هذه بداية زحفه نحو المجر التي كان بها إمبراطورية قوية قضى عليها آخر حياته.
بعد فتح بلغراد وقعت هيبة الخليفة في قلوب ملوك أوروبا وروسيا وعلموا أنهم أمام رجل, فأرسلوا إليه يهنئونه بالفتوح ويعطونه الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
كان سليمان مع عزته على الكفار رؤوفا شفوقا بالمسلمين كما وصفه ابن العماد الحنبلي.
((أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)).
فأطلق سراح 600 مسجون في مصر.
ليس من مصلحة الأنظمة في العالم الإسلامي أن تدرك هذا عن الخليفة ثم تقارنه بها! تقارنه بالبلد الذي يمتلك أمراؤه محطات الإفساد الناشرة لحريم السلطان بينما فيه 30 ألف سجين سياسي معظمهم دعاة وعلماء، أو تقارنه بالبلد الذي يذوَّب فيه السجناء بالأسيد ثم يقوم ممثلون منه بدبلجة صوت السلطان وقادته! أو بالبلد الذي فيه
4500 امرأة من أهل السنة يتعرضن للاغتصاب والتعذيب! وقد كان سليمان قد كف شر أجداد هؤلاء الجلادين من الصفويين.
الخليفة سليمان جعل منصب الفتوى أعلى المناصب قاطبةً بعد منصب الخلافة، وجعل بطانته من العلماء وعلى رأسهم العالم الجليل أبو السعود صاحب
التفسير المشهور بـ “تفسير أبي السعود”، والذي لا زال تفسيره محفوظا قرأنا فيه واستفدنا منه.
وتعاون مع أبي السعود على صياغة قوانين مستمدة من القرآن والسنة، ومن هنا كانت تسميته بسليمان القانوني. وقد وصفه الجبرتي في كتابه (عجائب الآثار): بــ(إقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية , وتعظيم العلماء وأهل الدين).
نعم، لم يتخذ سليمان طراطير يتمسح بهم ويضفي بهم على نفسه شرعية ويوظف بهم الدين من أجل أطماعه وشهواته.
أكثر ما اشتهر به الخليفة همته العالية في الجهاد، بحيث شملت رقعة خلافته أكثر من 30 دولة من دول العصر! وامتدت في القارات الثلاثة المعروفة آنذاك، فكانت الخلافة العثمانية الدولة العظمى وتمتلك السيادة على البحار والمحيطات.
واجه جيوشا جرارة وتغلب عليها بفضل الله على كل المحاور.
إقرأ أيضا: أزمة القدوات ..هكذا يغتالوننا!
شرقا واجه الروس القياصرة في وضم نصف روسيا لخلافته وصد هجمات البرتغاليين على الهند المسلمة وقتها.
غربا واجه الإسبان في شمال إفريقيا وحرر عدة بلدان منهم، وأنقذ عشرات الآلاف من المسلمين الفارين من الاضطهاد بعد سقوط الأندلس.
شمالا توغل في أوروبا فشملت
خلافته معظم يوغسلافيا والمجر وبولندا وبلغاريا ومقدونيا ورومانيا واليونان
جنوبا صد هجمات البرتغاليين على شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا..
الخنجر المسموم الدولة الصفوية الرافضية كانت قد ارتكبت مجازر ضد أهل السنة في العراق وفارس
وتحالفت مع الصليبيين. فوجه الخليفة حملات طهرت منهم العراق وإيران وأذربيجان والقوقاز.
محمود بن سعيد مقديش الذي ولد بعد وفاة الخليفة بــ 150 عاما قال في كتابه (نزهة الأنظار): (ولم يكن أكثرُ جهادا ونصرة للدين, وأكملُ عّدَّة وآلة لقطع الملاعين,
وأقمع لأهل البغي والبدعة والكفرة الملحدين , وأشدّ عضدا وأشدّ نصراً لأهل السنة والدين منه رحمه الله)
أعلمتم لماذا يكرهونه؟!
كان الخليفة يعتني ببناء المناطق التي يفتحها حضاريا، كبلجراد، حتى سمّاها المؤرخون (أندلس البلقان) في الوقت الذي كانت أوروبا غارقة في جهلها، فكانت
الكنيسة تحرق وتكفر من يخالفها في مغالطاتها العلمية. كوبرنيكوس الذي اضطهدته الكنيسة لقوله بأن الأرض ليست مركز الكون وأنها تدور حول نفسها، كان من معاصري الخليفة سليمان.
كان الخليفة يحس بمسؤوليته تجاه المسلمين جميعا. جزيرة رودس اليونانية، كان يسكنها صليبيون مسمون بــ (فرسان القديس يوحنا). فكانوا يغيرون على سفن المسلمين المتجهة للحجاز يقتلون رجالهم ويهتكون أعراض النساء. ففتحها الخليفة بعد حصار 6 أشهر، وأعطى نصارى القلعة من غير هؤلاء أمانا على كنائسهم
ودينهم، في الوقت ذاته الذي كان بابا الفاتيكان يتصدى لدعوة مارتن لوثر ومذهبه البروتستانت بالقتل والتحريق والتعذيب.
كان الخليفة قد أصدر قانونا بمنع اليهود من سكن فلسطين. لا يريد لك من باعوا فلسطين أن تعرف هذا عنه!
بعد تاريخ مشرف من الجهاد والفتوحات وعزة المسلمين أراد الخليفة أن يتمم فتح بلاد المجر، والتي كانت دول أوروبا الأخرى كألمانيا تدعمها بالجنود خوفا من الزحف العثماني. كان الخليفة قد بلغ من العمر 74 عاما. وكان طبيبه قد نصحه بعدم الخروج لمرضه, فكان جوابه: أحب أن أموت غازيا فى سبيل الله.
وأخيرا فتحت مدينة سيكتوار فاكتمل سقوط الإمبراطورية التيى دامت قرابة 6 قرون. فلما بلغه الخبر وهو في يحتضر قال: الآن طاب الموت. وتوفي رحمه الله.
فحزن المسلمون حزن شديدا. أما النصارى فدقت كنائسهم أجراسها فرحا بتخلصهم من مجدد الجهاد في القرن العاشر.
كان هذا جانبا من سيرة الخليفة سليمان رحمه الله. فهل نصدق في وصفه ابن العماد الحنبلي الذي جاء بعده بقليل وقال فيه: (لا يعرف الغلّ والخداع, ويتحاشى عن سوء الطباع ولا يعرف المكر والنفاق, ولا يألف مساوئ الأخلاق, بل هو صافى الفؤاد, صادق الاعتقاد).
أم نصدق ميرال أوكاي التي جاءت لنا بعد خمسمائة عام بزبالات كتب أعداء الخليفة لتصوغ لنا (حريم السلطان) وتظهر الخليفة رجلا فاسدا معاقر خمر متقلبا بين أحضان النساء يضحكن عليه ويغوينه؟! في الوقت الذي تخوض فيه العلمانية في تركيا معركتها الخسيسة ضد الروح الإسلامية التي سرت
في كثير من أبناء الشعب التركي.
فيأتي أيتام أتان الترك ليكرسوا الصورة النمطية التي رسمها الأوروبيون عن الشخصية المسلمة وخاصة العثمانية، ولا عجب، فقد قمعت شرهم وفسادهم !
أما ما يقال من أنه رحمه الله قتل ابنه مصطفى بإغواء من زوجته روكسلانا أو خرم سلطان التي تعاونت مع رستم باشا، وأنها كانت ماكرة خدعته، فقد بحثت طويلا لأجد أي مستند من كتب الأوائل يشهد لهذا فلم أجد. فهل نصدق سيرة الخليفة الحسنة الظاهرة وعدله المستفيض لتسعة وأربعين عاما أم ما يَدعي
الكتاب الأوروبيون أنهم اطلعوا عليه من همس امرأة السلطان له في غرفة النوم؟!
المؤرخ الأميريكي هارولد لامب الذي أسهب في تصوير روكسانا كماكرة في كتابه
(Suleiman the Magnificent Sultan of the East)
هو ذاته الذي قال:
عن الخليفة ” إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى”!
ولنتذكر أن هذا الذي افتراه أهل الكتاب على الخليفة سليمان هو نفس ما افتروه على النبي سليمان فقالوا: أغوته النساء !
المسالة ليست مسألة مسلسل، ولا شخص الخليفة سليمان، إنها الحرب الممنهجة على مبدأ
الخلافة. إنه تاريخ يزور وعقول تغيب ليحس المسلمون أنهم متطفلون على البشرية لا جذور لهم ولا تاريخ يعتزون به. وأنصح إخوتي بالعودة لكلمة (هكذا يغتالوننا).
أعداؤنا يحققون بمسلسلاتهم هذه ثلاثة أهداف: إفساد أخلاق الشباب بالمشاهد الماجنة، وتشويه تاريخهم في أذهانهم،
وجعلهم يكرهون أحكاما إسلامية يبترونها عن سياقها المناسب ويضعوها في أبشع صورة.
فهل يرضى مسلم لنفسه أن يفتح قلبه وعينيه وأذنيه لحثالات هؤلاء الذين يريدون أن يصفوا حساباتهم مع الدولة العثمانية ويأخذوا بثأرهم من الإسلام والمسلمين من خلال هذه المسلسلات؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق