عرب الميدان وعرب المهرجان
وائل قنديل
كلّ يوم يمرّ يُثبت صدقية ما قاله مجرم الحرب ورئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عن موقف الأنظمة العربية من العدوان على غزّة: "أصدقاؤنا في الدول العربية والعالم يعرفون أننا إن لم ننتصر سيأتي دورهم".
سبعون يومًا من العدوان الهمجي والإبادة الجماعية والتطهير العرقي توشك على الاكتمال والمواقف العربية الرسمية لم تتحرّك خطوة واحدة إلى الأمام منذ اليوم الأوّل للعدوان، بل يصحّ أن يقال إنّها كلّ يوم يمضي تعود إلى الوراء، إلى تلك الحالة من الشماتة ولوم الضحية واتهام فصائل المقاومة بالجنون، بل وتأثيم فعل المقاومة ذاته، من خلال تسيير مجنزرات الفتاوى الدينية الفاسدة وجرّافات الإعلام الناطق بما تحلم به إسرائيل.
على بعد سبعين يومًا من الجريمة، يكثّف بعض الإعلام العربي المرتبط بأنظمة مستاءة من إعطاب قافلة التطبيع قصفه العنيف للمقاومة ورموزها، كما لا تتوقّف عمليات زراعة حقول السوشيال ميديا بقنابل وألغام من ساقط القول وفاحش الشائعات تنفجر يوميًا، وبشكل جماعي في وجوه وأجساد الشعب الفلسطيني في غزّة، عقابًا له على تمسّكه باعتزازه النبيل ببطولات مقاومته الوطنية، واحتضانه لها، ناهيك عن الاستهداف القذر لأبطال المقاومة أنفسهم، سواء الميدانيون في أرض المعركة أو السياسيون الذين يحملون قضية الشعب المقاوم في المحافل الدولية.
تنطلق غارات التخوين والاتهام من قواعد ومنصّات إعلامية تشتغل لمصلحة وبتكليف من حكومات دول عربية بعينها يمكن وضعها في إطار"محور الترفيه" الذي يناصب هذه المقاومة الصامدة العداء، كونها تُحدِث تشويشًا على مهرجاناته الغنائية والسينمائية والسياحية التي لم تتوّقف يومًا واحدًا من أيام الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري للشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.
لا يمكن، في أي حال، اعتبار منصّات وأبواق الخطاب المتصهين البذيء اجتهادًا أو اختيارًا ذاتيًا لأصحابها، ذلك أنّها تتقاطع في بذاءتها وتدنّيها مع تدنّي الموقف الرسمي لأنظمة عربية بعينها، تمارس عمليًا ما تنطق به، لاحقًا أو استباقًا، هذه الأبواق لفظيًا في ساحات الميديا.
الطلعة الواحدة لراجمات البذاءة المتصهينة تستهدف المقاومة، أداءً عسكريًا وإعلاميًا، وداعميها على الجبهتين، اللبنانية والفلسطينية، والمنابر الإعلامية المدافعة عن حقّ الشعب الفلسطيني في التصدّي للاحتلال، معًا وفي توقيت واحد، في تنظيم هجومي محكم ومحدّد الأهداف، وموّحد الصياغة مهما اختلفت تشكيلاته ونقاط انطلاقه.
بعضهم من الوضع انبطاحًا وانحناءً إلى الأسفل كي يتمتّع بزاوية رؤية جيّدة لما يبين من مفاتن راقصة استعراضية أو مطربة أو ممثلة تتمايل فوق خشبة مسرح عرب المهرجانات، ينشر فحيحه بحق القيادات السياسية والإعلامية للمقاومة، مردّدًا في تسفّل كلامًا رخيصًا عن بطولات القسّام وبسالة مقاتلي حزب الله في الجنوب اللبناني، ومروءة القوات المسلحة اليمنية إذ تمنع مرور السفن الذاهبة إلى الكيان الصهيوني بمياه البحر الأحمر.. وفي الوقت ذاته، يدافع عن التواطؤ الواضح لأنظمة عربية مع العدوان.
والوضع كذلك، من الطبيعي أن يبدو بنيامين نتنياهو واثقًا وهو يكرّر أنّ القضاء على "حماس" هدف مشترك بين الاحتلال وأصدقائه وحلفائه من التطبيعيين العرب، الذين يشتري سبعة منهم السلاح من إسرائيل، فيما يشاركها قسمٌ منهم تجارة الغاز والمياه والبندورة كذلك، فهؤلاء لا يكرهون "حماس" لأنّها حماس، بل تنبع كراهيتهم من أنها حركة مقاومة مسلحة.
يكره هؤلاء المقاومة، فكرًة وعملاً، لأسبابٍ ليست غامضةً أبدًا، فكون فصائل المقاومة تلحق بالكيان الصهيوني خسائر بشرية تفوق ما تكبّده في حروبٍ نظاميةٍ سابقة طوال أكثر من نصف قرن، فهذا من شأنه أن يعرّي هذه الحكومات أمام شعوبها، وينزع عنها تلك الحجّة المضحكة من أنه لا قبل لأحد بالعدو الصهيوني، ويُسقط تلك الأسطورة التي تقول إنّه ليس بالإمكان مواجهته عسكريًا، وإلا فالفناء مصير من يفكر في ذلك.
أمّا وأنّ هؤلاء المقاومين البواسل قد تمكّنوا من كسر أنف العدو، ومن ورائه واشنطن، طوال سبعين يومًا من الثبات في أرض المعركة، فهذا ما يحرج نظامًا عربيًا يتربّح من إعادة تدوير مخلفات كامب ديفيد وأوسلو وما جاء بعدهما من اتفاقيات ثنائية، ومبادرات جماعية تقوم على مبدأ وحيد هو: الاستسلام خيار استراتيجي وحيد للنظام العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق