الخميس، 14 ديسمبر 2023

قراءة في رواية "الشوك والقَرنْفُل"

قراءة في رواية "الشوك والقَرنْفُل"



اسم الرواية :"الشوك والقَرنْفُل"..

الكاتب : يحيى السنوار (أبو ابراهيم)

نبذة :هذه ليست قصتي الشخصية ولا قصة شخص بعينه، على الرغم من أن جميع أحداثها حقيقية. كل حدث منها أو كل مجموعة من الأحداث تخص هذا الفلسطيني أو يخت. الخيال في هذا العمل هو فقط في تحويله إلى رواية تدور حول شخصين محددين ليتحققوا منها شكل عمل الروائي وشروطه، وكل ما بعد ذلك حقيقي، عاشت نجوميته منه سمعته من أفواه من عاشوه هم أهلهم وجيرانهم على مدار الأعوام على أرض فلسطين الحبيبة.

أهديه إلى من تعلقت أفردتهم بأرضية الطقس البارد، من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط.



 قراءة  عادل الاسطة

"الشوك والقَرنْفُل"  

1- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل " ١:

" عندما قمنا لصلاة الفجر همس في أذني وهو يحاول الابتسام قائلا :
- هل يجوز لمثلنا ونحن نعيش هذه الحياة ونرى ما نرى أن نحب ونعشق يا أحمد ؟
حينها قررت أن أنهي قصة غرامي - إذا جاز لنا أن نسميها قصة غرام - وأدركت معنى أن قصتنا قصة فلسطينية مريرة لا مكان فيها لأكثر من حب واحد .. وعشق واحد " . ( صفحة ١٨٢ ) .
قد لا يأخذ كثيرون منا بهذا الرأي وأنا لا أقتبسه لأنني أومن به ، وإنما أقتبسه لإضاءة شخصية يحيى السنوار الذي أثار موقع إلكتروني أمس حوله السؤال الآتي :
- هل تعتقد أن يحيى السنوار هو المسؤول عما آلت إليه غزة ؟
وعقبت على السؤال بأن الإسرائيليين دفعوا غزة لهذا الخيار وأن إسرائيل هي المسؤولة ، فحتى الحل الهزيل بدولة فلسطينية على ٢٢ من أرض فلسطين رفضته وقتلته .
( أشار موقع إسرائيلي إلى أن يحيى السنوار يتم اليوم ٦١ عاما من عمره المديد . لاحظوا الاهتمام بحياته )
صباح الخير يا غزة !
٣٠ / ١٠ / ٢٠٢٣ .

***

2- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٢ :

ينتهي الفصل الأول من الرواية بالفقرة الآتية :
" تم انتقاء خمسة عشر رجلا من تلك المجموعة حيث أوقفوا إلى جوار الحائط . أصدر ذلك الضابط أوامره إلى عدد من الجنود قبالتهم وأشهروا بنادقهم وجلسوا على ركبهم ، ثم صوبوا إليهم أطلقوا النار عليهم ليخروا صراعا ، أما الآخرون الذين كان يتصبب عرقهم فقد تم تقييد أيديهم خلف ظهورهم وعصب أعينهم ، وحملوا في إحدى الحافلات التي انطلقت بهم على الحدود المصرية ، وقد أمرهم الجنود الذين رافقوهم بعبور الحدود إلى مصر وان من لا يتقدم أو يلتفت سيتم إطلاق النار عليه حتى الموت " ( صفحة ١٠ ) .
كان هذا في حزيران ١٩٦٧ ، وكان عمر الراوي يومها خمسة أعوام - ولد السنوار في ١٩٦٢ - ، وكان والده خرج ضمن المقاومة الشعبية وعمه جنديا في جيش تحرير فلسطين . استشهد أحدهما ولم يعد ثانيهما وتربى الطفل بلا أب وبلا عم ورعاه واخوته وأبناء عمه جده الذي طرد في العام ١٩٤٨ من أرضه ليقضي العمر لاجئا .
هنا نذكر أن ما ورد في الفقرة المقتبسة له شبيه في رواية غسان كنفاني " ما تبقى لكم " ( ١٩٦٦ ) التي تأتي على احتلال قطاع غزة في العام ١٩٥٦ ، فالفدائي حامد ؛ الفدائي الأول شاهد قتل الفدائي سالم بالطريقة نفسها .
هل سيكرر طفل فلسطيني ممن يتعرضون لمجازر الإبادة الآن في غزة ما قام به يحيى السنوار في ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ ؟
هل سيكون ذلك الطفل هو الذي تنبأ به أمل دنقل في قصيدته الشهيرة " لا تصالح " ؛ الطفل الذي يوقد الحرب شاملة يسترجع الحق من أضلع المستحيل ؟
لم تتعلم إسرائيل مما جرى خلال ٧٥ عاما ، والحروب منذ ١٩٤٨ تتكرر .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٣١ / ١٠ / ٢٠٢٣ .

***

3- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٣ : قسوة اللجوء ومقاومة مستمرة

" مع كل صباح يوم تحمل أمي أو زوجة عمي جرار الماء الفخارية و ( سخان ) الماء الحديدي وتخرجان بهما لتضعاها في طابور الأدوات المتشابهة أمام ( حنفية ) صنبور الماء الذي كانت وكالة الغوث قد وضعته في ساحة الحارة ، حيث يأتي الماء ساعتين أو ثلاثا في اليوم ومن يدركه الدور ملأ أوعيته ، ومن لا يدركه اضطر للانتظار لليوم التالي ، ويستلف بعض الماء من الجيران ، ولطالما حاولت إحدى الجارات التي غفلت عن القيام مبكرة لتضع آنيتها في أول الطابور أن تسرق دور جاراتها ، بأن تضع آنيتها قبل أوانيهن ، فيكشف ذلك ، فتبدأ ( طوشة ) مشاجرة تبدأ بالكلمات ( دوري دورك ) ثم تتطور إلى التدافع بالأيدي وشد الشعور والكلمات النابية ، وأحيانا تصل إلى تكسير الجرار الفخارية "( صفحة ١٣ / الفصل الثاني ) .
في منتصف ثمانينيات القرن ٢٠ كتبت قصة قصيرة عنوانها " ثلاثة أيام حزيرانية في حياة يوسف . م " كتبت فيها عن معاناة أهل المخيم في ستينيات القرن ٢٠ في الحصول على الماء . تبدو الصورة مشابهة لما ورد في الفقرة المقتبسة .
في الفصل الثاني يكتب السنوار عن حياة راوي روايته إثر هزيمة حزيران ١٩٦٧ وعن نشوئه في كنف جده مع ابني عمه الشهيد اللذين رعاهما الجد بعد أن أجبر أهل أمهما أمهما بالزواج .
تصحو مخيلة الطفل على حياة المنفى في المخيم حيث الفقر وإعانات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وبيع الأم أساورها الذهبية لتنفق على أطفالها ، وتصحو في الوقت نفسه على منع التجول وملاحقة المقاومين الفلسطينيين واعتقالهم أو قتلهم . ويرصد الراوي ألعاب الأطفال البسيطة ؛ ألعاب الذكور ومنها لعبة " عرب ويهود " وألعاب الإناث .
ينتهي الفصل الثاني بشيء جديد هو " أننا عرفنا سبب منع التجول الذي كان بالأمس ، فقد ألقى شخص قنبلة يدوية على دورية من دوريات الاحتلال وانفجرت وأصابت الجنود الذين كانوا في سيارة الجيب والذين بدأوا بإطلاق النار العشوائي على الناس فأصابوا العديدين "( ١٩ ) .
أمس انتهى اليوم الخامس والعشرين لبداية الحرب بمجزرة ارتكبت في مخيم جباليا أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن ٤٠٠ مواطن فلسطيني .
هل ستنتهي الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحياة الأولين تزداد قسوة ؟
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١ / ١١ / ٢٠٢٣

***

4- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٤ : عرب ويهود

" الأخبار كانت تسري في المخيم سريان النار في الهشيم ، فتزيد الناس سعادة وترفع المعنويات ، ونحن كأطفال انعكس ذلك على لعبنا ( عرب ويهود ) فقد صرنا نلعبها يوميا وأصبحت القاعدة السائدة أن العرب سيغلبون ويقتلون أعداءهم "( صفحة ٢٧ ) .
يواصل الراوي الحديث عن طفولته الفقيرة ، فملابسه تخاط من ملابس ( البقج ) التي توزعها وكالة غوث اللاجئين ، ومشاهداته لا تخلو من رؤية جنود الاحتلال ينكلون بالناس ، وما يسمعه يدور حول المقاومين / الفدائيين وإعادة تنظيم أنفسهم ، وخاله وجده يرعيانه وأمه وإخوانه وابني عمه . وتتشابه الأيام ويصبح الطفل أكثر قدرة على إدراك ما يدور حوله " الشيء الجديد الذي بدا واضحا هو انطلاقة المقاومة ، ففي كل يوم هناك عمليات إطلاق نار على دوريات الاحتلال أو إلقاء قنابل يدوية ، أو تفجير عبوات ، وفي كل مرة يرد جنود الاحتلال بمنتهى القوة والعنف ضد الأهالي المدنيين العزل ... " ( ٢٥ ) . ومع ردود أفعال الجيش العنيفة " فقد شعر الجميع ، بالعزة تحت حماية بنادق المقاومة " ( ٢٦ ) ، و
" يا راجل أي والله حياة دقيقة بعزة وكرامة ولا ألف سنة زي الزفت تحت بساطير جنود الاحتلال " .
انطلقت المقاومة من مخيم جباليا " وأصبح الجميع يسمونه مخيم جباليا ( مخيم الثورة )" ، وكان القاص زكي العيلة أصدر في بداية ثمانينيات القرن ٢٠ مجموعته القصصية " الجبل لا يأتي " وأكثرها تدور حول المقاومة في المخيم المذكور .
لكي نفهم ما يجري الآن في غزة علينا أن نقرأ يحيى السنوار في روايته ، وطز في بلفور صاحب الوعد المشؤوم .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١١ / ٢٠٢٣

***

5- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٥ : عقاب الخائن واللص

يقال إن يحيى السنوار لم يكن يتسامح مع اثنين ؛ الخائن واللص . لم يتمكن المحتلون من الفدائي إلا بسبب وشاية متعاون . يلقى القبض عليه فيعاقب ليس باللعنة وإنما بالموت . هكذا يقتل أبو حاتم من وشى بالفدائي أبو يوسف :
" تناول أبو حاتم بندقيته من كتفه ، ووجهها نحو رأس ذلك الجاسوس . وضعت أمي يدها على عيني فحاولت إزاحتها لأرى ما يحدث ، ولكن سمعت صوت طلقات وهتف الناس :
- الموت للخائنين ، الموت للعميل " .
في الفصل الخامس نتعرف على اسم الراوي . إنه أحمد إبراهيم الصالح .
عندما يرى أحمد ابن عمه حسن يدخن يعلم أمه :
" ياما شفت حسن ابن عمي يدخن ! "
تحقق والدة أحمد مع حسن وتسأله من أين أتى بالنقود :
- لقد سقطت من جدي نصف ليرة وأخذتها .
ولم يقل الحقيقة . لقد سرقها من جده الذي بدأ يهده العمى والهم .
" ربطت أمي حسن إلى العامود ، وهي تنوح وتندب حظها وحظ حسن . يا حسرتي عليك يا ابن الشهيد . أبوك شهيد يا حسن .. عارف معنى شهيد . أبوك شهيد وأنت تسرق نصف ما في كيس جدك !! نصف مصروف العائلة يا حسن !! عيب عليك يا حسن ، ثم صرخت علينا جميعا :
- ادخلوا جميعا إلى الغرفة .
فدخلنا جميعا دون تردد .
في هذه الليلة فرض علينا حظر التجول ليس فقط في الدار من قوات الاحتلال ، بل في الغرفة من أمي ... " .
ومما لا شك فيه أن ما شاهده ترك أثرا بالغا في سلوكه . أدرك السنوار أن نجاح الثورة لن يتحقق ما لم تكن محصنة من الداخل . ربما يضيء هذا سبب نجاح ما حدث في ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ . لم يكن هناك جاسوس يخبر الإسرائيليين ولم يكن هناك لص يطمع بمليون دولار ليسلم رأس يحيى السنوار كما سلم قريب يحيى عياش ، في العام ١٩٩٦ ، رأسه للمخابرات الإسرائيلية .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٣ / ١١ / ٢٠٢٣

***

6- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٦ : فقر ، ومتاجرون باسم الثورة

يروي الراوي في الفصل الخامس عن الانتعاش الاقتصادي الذي عاشته الضفة الغربية بعد هزيمة حزيران ، فعندما تزورهم خالته التي تزوجت في الخليل تحضر لهم سلة فواكه فيها تفاح " لم نر مثله من قبل ، وبالطبع لم نذق مثله فقد كنا أكلنا التفاح مرتين أو ثلاثا فقط طيلة أيام عمري وليس من هذا النوع".
غير أن ما يلفت النظر فيما يرويه يخص بعض المتاجرين باسم المقاومة ، إذ يغتصب اثنان امرأة ويقتلانها بحجة أنها عميلة دون أن تكون كذلك وتردد في الحارة " أن بعض من تقمصوا صورة فدائيين استغلوا حصانتهم وخدعوها ، ثم هتكوا عرضها ، وخشية أن ينفضحوا قتلوها واتهموها بأنها عميلة".
في غزة استمر إذلال جنود الاحتلال للناس بسبب المقاومة فصار بعض الرجال " يتحرقون غيظا وقهرا أمام هذا الإذلال " . هذا الحال دفع من بقي من رجال المقاومة وجيش تحرير فلسطين إلى المقاومة فنشطت حركة فتح والجبهة الشعبية ، وعززت معركة الكرامة في ١٩٦٨ المعنويات .
أطرف ما في هذا الفصل هو ما يرويه عن دراسته في مدارس وكالة غوث اللاجئين والحليب وزيت السمك الذي كانوا يجبرون على شربه ، وكنت في العام ١٩٧٩ كتبت قصة " درويش يتمرد " في الموضوع نفسه . إنها طفولة أبناء المخيمات الفلسطينية .
" زيت السمك مفيد جدا . ولكن الحليب الساخن معقول وأحسن ما فيه هو دفء الكأس ، فحين تمسكه بيديك الصغيرتين واللتين تكادان تتجمدان في ذلك البرد القارس تشعر عادة بأن يديك أصبحتا جزءا من جسدك بعد أن كانتا سقطتا منه " .
في الصف بعد شرب الحليب أراد المعلم أن يضحكهم لسوء أوضاعهم من البرد فقال :
" يا أولاد تخيلوا أن السماء تمطر الآن رزا ولحما !!
حدثت ضوضاء في الصف وقد نسينا البرد والبلل ونحن نسمع ذكر الرز واللحم... "
ما زال الإسرائيليون يلاحقون هؤلاء الأطفال الذين صاروا أجدادا ويلاحقون آباءهم وأحفادهم أيضا .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٤ / ١١ / ٢٠٢٣

***

7- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٧ : اليهود وعقلية الانتقام : لكي نفهم ما يجري .

يروي الراوي في الفصل السادس عن الأجواء التي سادت في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد هزيمة ٩٦٧ وبداية توطدت العلاقات بينهما من خلال التجارة والزواج وتنظيم خلايا المقاومة ، ويأتي على الظروف الاقتصادية الصعبة التي عانى منها السكان وأكثرهم لاجئون فقراء معدمون ما أجبر قسما منهم إلى التوجه للعمل في المصانع والشركات الإسرائيلية ، وهذا ما جوبه في غزة بعنف إذ لم يراع المقاومون حالات الناس واحتياجاتهم ، وقد كتبت عن هذا من قبل حين تناولت الرواية .
ما يلفت الانتباه هنا وما يفرضه زمن القراءة الذي يتم في اليوم الثلاثين للحرب الدائرة الآن ٢٠٢٣ هو عقلية الانتقام التي توجه الإسرائيليين في حروبهم مع الفلسطينيين .
يصف الراوي ما فعله الإسرائيليون بقرية صوريف في منطقة الخليل ، صوريف التي سكنت فيها خالته بعد زواجها بعد حزيران ١٩٦٦ . لقد انتقم الإسرائيليون من سكانها في حرب ١٩٦٧ بقصفها والسبب :
" أن أحد سكان صوريف واسمه محمد عبد الوهاب القاضي كان يرعى غنمه في أحد الأيام في منطقة قريبة تدعى ( صناحين ) فشاهد قافلة من اليهود قادمة من جهة ( بيت شيمش ) إلى عتصيون فأبلغ المجاهدين الذين سارعوا فنصبوا لهم كمينا في منطقة تسمى ( ظهر الحجة ) وحين وصلوها هاجموهم وقتلوهم جميعا وكان عددهم ( ٣٥ ) من الضباط والجنود والأطباء ، فامتلأت قلوب اليهود حقدا على بلدة صوريف ، وحين حدث الاحتلال عام ٦٧ قام اليهود بقصف بلدة صوريف بالمدفعية ودمروا العديد من المنازل ، فقط بدافع الانتقام لما كان في ذلك الحادث "( صفحة ٤٤ ) .
هذا كله ومنه سجن زوج خالته وعذابات الأسرى وعائلاتهم وما يعانون منه من إذلال هو ما رسخ في عقلية الراوي / ومن ورائه يحيى السنوار الكاتب .
هل تعرفون إذن من هو يحيى السنوار المطلوب رقم ١ الآن والذي أوقف الدولة العبرية على رجل واحدة فتركها دولة غير متوازنة فقدت قيادتها عقلها - إن كان لها ولقياداتها منذ تأسيسها عقل ؟
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٥ / ١١ / ٢٠٢٣

***

8- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٨ : ما متع إسرائيلي إلا بما جاع به فلسطيني

الكتابة عن الفقر وأشكاله وطرق التغلب عليه ، ليبقى اللاجئون الفلسطينيون على قيد الحياة يعيشون بقدر كبير من الحرمان ، حضر بكثرة في كتابات كتاب غزة ، وقد أفردت له مساحة في كتابي " القصة القصيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة بين ١٩٦٧ و ١٩٨١ " ، وقد شغل مساحة كبيرة في رواية " الشوك والقرنفل " ، فعدا ما تقدمه وكالة غوث اللاجئين ، من مساعدات شهرية ووجبات يومية للأطفال المعوزين ، عمد بعض اللاجئين إلى التسلل عبر الحدود للوصول إلى المستوطنات اليهودية ، فلم تكن هناك جدران ووسائل مراقبة كما هي الآن ، وكانوا يبحثون عن الطعام فيما يرميه المستوطنون في النفايات أو مما يستطيعون التقاطه من حمضيات من بياراتهم القديمة ، ولم يكن يحيى السنوار الوحيد الذي كتب في هذا ، فقبل روايته شاهدنا هذا في مسلسل وليد سيف " الدرب الطويل " الذي أعيد تقديمه تحت عنوان " التغريبة الفلسطينية " وبعد روايته كتبت سعاد العامري عن البقرة اليهودية " بدلة إنكليزية وبقرة يهودية " وكتب أيضا عمر حمش " مفاتيح البهجة".
في الرواية نقرأ قصة جارة الراوي أم العبد المرأة الفلسطينية الفقيرة وكيف كانت تتدبر شؤون أسرتها:
" لم توفر أم العبد بابا للكسب المباح إلا طرقته ، فكان أولادها يخرجون يوم الجمعة ومعهم أكياس الخيش ينطلقون بعيدا إلى منطقة قريبة من حدود ١٩٤٨ . هناك كانت مزبلة للمستوطنات اليهودية القريبة ، الأحذية القديمة ، بعض المعلبات التي فات موعد استخدامها ، زجاجات البيرة الفارغة يجمعون منها كل ما يمكن بيعه أو استخدامه ويضعون في أكياسهم كل ما يجمعون ويحملونها عائدين.
تغسل لهم أمهم الزجاجات جيدا وتبيعها لامرأة أخرى تجلس تبيعها أمام العيادة يشتريها الناس هناك ليضعوا فيها الدواء ."( صفحة ٥٧ ) .
فقر مدقع يحتاج إلى كتابة أخرى .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٦ / ١١ / ٢٠٢٣

***

9- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٩ : عزة نفس الفتاة اللاجئة

يروي أحمد إبراهيم الصالح راوي الرواية عن طفولته الفقيرة وكيف أنه حاول أن يحصل على كرت خاص يمنح لطلبة المدرسة ممن يعانون من فقر واضح في التغذية ولديهم بنية جسمية ضعيفة بصورة مميزة . يسمح الكرت بتناول وجبة تقدمها مطاعم الوكالة ، ويحصل هو على كرت فيفرح به فرحة كبيرة لدرجة " أن رأسي كاد يصل إلى السقف " .
عندما عاد أحمد إلى البيت بشر إخوته وكانت ردة فعل أخته فاطمة عنيفة " غضبت غضبا شديدا وهجمت علي تحاول انتزاع الكرت مني وهي تصرخ ( إحنا مش فقراء ) " وعندما استنجد بأمه أكدت لها أنه ليس في استلام كرت الطعمة أي عيب " فنحن لاجئون طبيعي جدا أن يأخذ أحد الأولاد كرت الطعمة " وحياة اللاجئين كلهم تعتمد على الوكالة ، المدارس والصحة والبيوت " فاضطرت فاطمة لتركي رغما عنها وعلى غير قناعة ورضا " .
الطريف هو ما يقصه عما فعله مرة كي يطعم الكفتة لابن عمه إبراهيم . لم يكن إبراهيم يملك كرت طعمة فكان يتحسر عندما يحدثه أحمد عن الوجبات ولذلك قرر أن يأخذ حصته إلى ابن عمه ، علما بأن هذا غير مسموح :
" جلست على الطاولة وإبراهيم ينتظرني عند باب الخروج وبخفة وحذر شديد حشوت له نصف الرغيف بنصف حصتي من الكفتة ووضعته في كيس النايلون ثم أخفيته داخل بنطالي " وينجو في أثناء التفتيش ولكن " ما إن صارت في يدي حتى رأيت مجموعة من الأولاد حوالي الثلاثين ولدا من عائلة تسكن قريبا من الصحة ، كنا نسميهم الهكسوس لكثرة مشاكلهم يهجون علي لسرقة السندويشة من يدي ، أطلقت سراحي للريح وهم ورائي " .
عندما التفت أحمد وراءه ليرى إن كانوا لاحقوه ضربه أحدهم بحجر أصابه بعينه فجرى نحو البيت " قفزت أمي بهلع بالغ ورفعت يدي عن عيني تنظر ما حدث وصرخت : ( يا ويلي راحت عين الولد ) ." .
حكايات اللاجئين في غزة بخاصة واللاجئين بعامة حكاية ، وعندما كتبت سلسلة كتابات عن الشاعر أحمد دحبور وشعره ، وجمعتها في كتاب " أحمد دحبور .. مجنون حيفا " ٢٠١٨ ، توقفت أمام فقره المدقع ، وأحمد عاش في مخيمات سورية .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٧ / ١١ / ٢٠٢٣

***

10- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٠ : تربية شديدة صارمة

يأتي الراوي أحمد على تربية أمه له ولإخوته ولابني عمه ؛ إبراهيم وحسن .
يتحرش الأخير بابنة الجيران فتذهب أمها إلى جارتها وتخبرها بالأمر . في المساء تناديه امرأة عمه وتتكلم معه بلطف وحنو ، فلا يجوز له هو ابن الشهيد أن يسيء لسيرة العائلة وسمعة أبيه ثم إن عليه أن يراعي حق الجيرة . يعدها حسن بأنه لن يكرر هذا السلوك ، ولكنه لا يلتزم فتعود الجارة لتشكوه ثانية وتطمئن أم الراوي الجارة وبأنه إن لم يرتدع فستستعين بأحد الفدائيين " وليكن بعده ما يكون وليكسروا له يده ورجله " .
ما يخطر ببال والدة الراوي هذه المرة هو ربط حسن وهو نائم وتضربه هي والأولاد . وتعد الحبل وتقيد يديه ورجليه وتأتي بالعصا وتوقظ الجد وتخبره بما فعله حسن " فأخذ الحد يرتجف ويقول " الله يسود وجهك يا حسن .. الله يسود وجهك يا حسن . اضربوه ، كسروا يديه ورجليه " .
يستيقظ حسن فيجد نفسه مقيدا ويبدأ يهدد ويتوعد فبدأت العصا تنزل على جنبيه . وتخبره زوجة عمه بأنه إن كرر فعلته فسوف تخبر الفدائيين . ويطلب حسن من أخيه الطيب إبراهيم أن يفك الحبل عن يديه ورجليه .
العقاب الذي أوقعته زوجة عمه به ترك أثرا على حياته كلها . يترك حسن البيت ويذهب إلى يافا ويعمل هناك ولا يعود إلى الدار . يحب فتاة يهودية ويعيشان معا ثم تتركه وحين يعود إلى المخيم بعد سنوات لا تستقبله العائلة فيتعاون مع الاحتلال وتكون نهايته سيئة .
في الحلقة الأولى مما كتبته عن " الشوك والقرنفل " أتيت على المقاوم والحب . لقد مال قلبه إلى فتاة ثم رأى أن هناك حبا واحدا يجب أن يخصص المقاوم له حياته : قضية فلسطين .
عندنا مثل يقول " الله يرحم من بكاني وبكى علي ولا يرحم من ضحكني وضحك علي " وفي المقابل هناك مثلان آخران هما " كثرة الضغط بتولد الانفجار " و " كثرة الشد بتكسر " .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٨ / ١١ / ٢٠٢٣ .

***

11- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١١ : موت الأب في غياب الأبناء

يأتي الراوي على موت جده الذي رعى أحفاده بعد استشهاد أحدهما وغياب ثانيهما دون أن يكون هناك كبار يقفون في بيت الأجر . يموت الجد في بداية السبعينيات بعد أن تدهورت صحته " وأسلم روحه لربه ، فودعناه بالبكاء والدموع - رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته - مات جدي دون أن يعرف شيئا عن مصير والدي الذي غاب منذ ما يزيد على خمس سنوات ، ودون أن يرى حفيده الذي هرب من غزة ليعمل في إسرائيل ودون أن يكون محمود في جواره ، ولكنا قمنا بالواجب ، والجيران وقفوا إلى جانبنا ، فالمخيم كالعائلة الواحدة في الأفراح والأتراح " ( صفحة ٦٠ ) .
وفي ظل المقتلة الحالية في غزة ٢٠٢٣ يبدو الجد محظوظا ، إذ وجد من أكرم موته فدفنه وأقام له بيت عزاء.
في قصة سميرة عزام " فلسطيني " يموت الأب في عمان وابنه في بيروت ؛ ولأن الأخير يحتاج إلى إذن من وزارة الداخلية اللبنانية يحتاج إصداره إلى أيام فإنه لا يتمكن من السفر والحضور " أخروه أسبوعا أو ادفنوه".
وفي رواية كنفاني " رجال في الشمس " يتذكر أبو قيس وهو في صحراء الكويت الأستاذ سليم الذي مات في قريته قبل سقوطها بليلة واحدة ويغبطه أنه دفن في تراب بلده ، ويرى أنه ليس هناك موت أفضل من هذا .
ولا يختلف ما كتبه ربعي المدهون في كتابه " طعم الفراق : ثلاثة أجيال فلسطينية في ذاكرة " .
غالبا ما أكتب عن موت ثلاثة من أعمامي ممن ولدوا في يافا وعاشوا في المنافي مثالا لذلك .
مات عمي محمد في عمان شريدا لم يجد أحدا من إخوته يقيم له بيت أجر ، ومات عمي محمود في الشام ولم يحضر جنازته أي أخ من إخوته أو المشاركة في بيت الأجر ، ومات عمي عبد القادر في اجتياح نابلس ٢٠٠٢ فدفن مع ٧٥ من شهداء انتفاضة الأقصى دفنا جماعيا .
الآن في غزة يموت الآلاف موتا جماعيا فلا تقام لهم بيوت أجر وقسم منهم لا يجد قريبا له يشهد دفنه .
ماذا فعلت الحركة الصهيونية فينا حتى تحول البلاد المقدسة بلاد سمن وعسل ؟
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٩ / ١١ / ٢٠٢٣

***

12- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٢ : عذابات الفلسطيني : الطفولة المنغرسة في الذاكرة

في الفصل الثامن يروي لنا أحمد ما ألم بأخيه محمود الذي ذهب ، بعد أن أنهى التوجيهي ، إلى القاهرة ليدرس فيها .
بعد عام يعود محمود إلى غزة ليقضي الإجازة الصيفية بين أهله فيتم اعتقاله من بيته .
هذه المرة لم يعرف الراوي ما يعنيه الاحتلال من خلال السماع والمشاهدة عما يلم بالآخرين وحسب . لقد اقتحم جنود الاحتلال بيته واعتقلوا أخاه الكبير وزادت هموم أمه هما على هم .
كانت فرحة الأم بابنها العائد من القاهرة كبيرة ، ولكنها فرحة لم تكتمل ، فرددت الأم المثل الشعبي الفلسطيني " أجت المسكينة تفرح ما لاقت إلها مطرح " ، ولم تفرح الأم التي أعدت العدة لاستقبال ابنها البكر ، وبدلا من أن تقضي أيامها وأفراد أسرتها معا بفرح وسرور وحبور صارت تتردد على مبنى الحكم العسكري - السرايا ، وانشغلت وابنها حسن بتعيين محام ومراجعته ومراجعة الصليب الأحمر بصورة دورية وبزيارة سجن غزة المركزي في يوم الجمعة من أول كل شهر .
عالم الفقدان والسجن والاحتلال ومقاومته انزرع في ذهن الراوي منذ كان طفلا .
يذكر الراوي مثلا كيف أن الناس إن رأت جنود الاحتلال قادمة لاعتقال شخص ما تخبره بصوت عال بكلمات صار متفقا عليها :
" وكلما رأى أحد الصبية أو الفتيات وحتى الكبار من الرجال والنساء قوات الاحتلال هتف بصوت عال ( بيعوا ) وكل من يسمع هذه الكلمة يرددها فورا بصوت عال ( بيعوا بيعوا ، بيعوا واتربح منو ) وقد كان القصد حينها مطالبة جنود الاحتلال بيع أسلحتهم .
هذه الظاهرة ظاهرة المناداة ورفع الصوت بهذا النداء تحول بعد وقت قصير إلى صورة من النشيد الشعبي " ينشده الطلاب كلما رأوا دورية احتلال ( بيعوا بيعوا . بيعوا واتريح منو والصندل أحسن منو).
هذا ما رسخ في ذهن يحيى السنوار الذي لم يكن في هذا الوقت يتجاوز الثامنة أو التاسعة من عمره .
ينتهي فيلم عمر المختار بإعدامه وإن لم تخني الذاكرة فإن المخرج أنهاه وقد استحضر طفلا . كان المشهد ذا دلالة . أعدمتموني ولكن هذا الطفل سيقاتل المستعمرين الغزاة ويطردهم . إن الأمل معقود عليه .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ١١ / ٢٠٢٣ .

***

13- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٣ : أبناء المخيم والحب

في العام ٢٠١٩ أصدرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت ورام الله كتابا قصصيا عنوانه " حب في المخيم " ، وللأسف فإنه لم يحظ حتى اللحظة بمراجعات نقدية لافتة ، واعترف أنا بأنني مقصر في هذا الجانب .
كنت في الحلقة الأولى من هذه السلسلة توقفت أمام حوار بين صديقين في " الشوك والقرنفل " يبوح أحدهما لثانيهما بحبه ثم ينسى حبه لأن من له قضية يجب أن يقصر حبه عليها .
ولكن ألم تأت الرواية على مراهقة أبناء المخيم ؟ ثم هل كلهم متشابهون وليست لدى قسم منهم مشاعر وأحاسيس وميول نحو الأنثى ؟ أليس بينهم من ليس لديه اهتمام بالشأن العام ، وجل تفكيره منصرف إلى همومه الذاتية الفردية ؟
الكتابة السابقة أشارت إلى حسن ابن عم الراوي الذي تحرش بفتاة من المخيم فعاقبته امرأة عمه .
في المخيم مثل حسن عشرات الشباب والفتيات الذين يحبون ويميلون في طفولتهم إلى من تهوى قلوبهم ، وأنا عشت في المخيم وأعرف قصصا كثيرة عن شباب وشابات ، بل وأعرف أيضا كيف كان طلاب المدارس ينتظرون فترة خروج الطالبات من المدارس ليتبادلون معهن النظرات . هل اختلفت مخيمات غزة عن مخيمات للاجئين في الضفة الغربية والأردن وسورية ولبنان ؟
في بداية الفصل الثامن يروي الراوي أحمد عن كثيرين من أبناء المخيم وبناته ممن لا يهتمون بإنشاء علاقات حب وغرام " حيث أن قواعد الحي في المخيم توجب التعامل مع بنات الجيران مثل التعامل مع الأخوات " وأن أمه كانت دوما تحذر إخوتي وأخواتي من أي علاقات مع الجنس الآخر " وألا يفعلوا ما يفعله بعض الأولاد في طريق الفتيات .
ومع ذلك كان هناك بعض شبان يقفون على طريق الفتيات فقط لمجرد النظر إليهن أو إلقاء بعض الكلمات العابرة ( وين يا جميل ) ، ( ما تطلعوا علينا يا ناس .. الكبرة لله ) ، وكان هؤلاء الشبان يمنون أنفسهم بحب الفتيات . يعقب الراوي قائلا :
" فأهل المخيم مثل كل الناس ، رغم بؤسهم وشقائهم يحبون ويعشقون ويعيشون الحياة كما يعيشها كل الناس " .
روى الراوي عن شباب جريئين أجازوا لأنفسهم كتابة رسائل عشق وغرام جروا وراء الفتيات وتبادلوا معهن بعض الكلمات ، وبعض الفتيات كن يفتحن شبابيك غرفهن ملهوفات لرؤية الحبيب يمر بالقرب من بيتهن ، وإن ضبطن ضربهن الآباء والأمهات " ولكن هذه القصص كانت قليلة ونادرة جدا في المخيم في تلك الفترة المبكرة من بعد الحرب " .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ١١ / ٢٠٢٣

***

14- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٤ : عمال مقاومون

في الأيام التي تلت ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ سمعنا الكثير عن عمال غزة في الأرض المحتلة وما ألم بهم بسبب ما جرى . رحل قسم منهم إلى مدن الضفة الغربية واعتقل آخرون فضرب من ضرب وعذب من عذب ثم أعيدوا إلى غزة فمات أحدهم بسبب المرض .
لم يمانع يحيى السنوار وهو يحكم غزة في ذهاب قسم من أبنائها ليعمل في المزارع والمصانع وورشات البناء الإسرائيلية ، ولم ير في عملهم خيانة .
في روايته يأتي على موضوع العمل في الداخل الفلسطيني - إسرائيل - بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ والمواقف المتباينة إزاءه من الناس ومنتمي الفصائل ، ويبين أن العمل أدى إلى " تحسن الوضع المادي العام للناس بصورة عامة " مع أن " المقاومة استمرت وظلت على شكل موجات تعلو وتهبط ، فهي لم تكن يوما مرتبطة بالوضع المادي فقط وإنما بالانتماء الوطني والشعور بالواجب ، مع أن ضيق الحال يزكي تلك المشاعر " .
قسم من هؤلاء العمال لم تغره الأموال وتعمه ، فقد ذهب إلى العمل وله هذف آخر هو البدء بالإعداد والتخطيط لعمليات فدائية داخل الأراضي المحتلة منذ عام ١٩٤٨ . يذكر الراوي قصة ابن جيرانه عبد الحغيظ الذي انتمى إلى الجبهة الشعبية . كان عبد الحفيظ يأخذ قنبلة يخفيها في كيس طعامه ويحملها إلى يافا فيضعها في مكان ويعود إلى البيت ، فتنفجر هناك محدثة إصابات أو أضرار وأحيانا قتلى ، ولم يلق القبض عليه إلا بعد أن اعترف عليه زميل له .
يروي الراوي عن ظروف عمال غزة الصعبة والقاسية وانحراف بعض المتفلتين منهم ممن بدأ يشرب الخمر ويتردد على أوكار الزانيات والملاهي والمراقص " وفي حالات نادرة تجد أن أحدهم قد صادف فتاة يهودية وتطورت علاقته بها وأصبح يحبها ويعيش معها وفقا لقيم وعادات مجتمعها " وقد أوردت قصة حسن ابن عم الراوي .
يورد الراوي ما عاشه أهل غزة واهل الضفة الغربية بعد ١٩٦٧ حيث صار جزء من أثاث بيوتهم مما كان في بيوت الإسرائيليين وقد تخلصوا منه وباعوه في سوق الخردوات .
" ما متع إسرائيلي إلا بما جاع به فلسطيني " وصارت بيوتنا ممتلئة بال ( سكند هاند / التي ساخه ) . Second Hand و Alte Sache .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ١١ / ٢٠٢٣ .

***

15- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٥ : ذاكرة الطفل الفلسطيني


في الفصل التاسع من الرواية يقص الراوي أحمد فصولا أخرى من المأساة الفلسطينية التي امتلأت بها ذاكرة الأطفال الفلسطينيين المولودين في المنفى بعد النكبة ، وبالتحديد جيل الخمسينيات والستينيات من القرن ٢٠ .
لم تكن حرب حزيران ١٩٦٧ الحدث المأساوي الوحيد الذي عاشه هذا الجيل ، فقد عاش أيضا مأساة الحرب بين الثورة الفلسطينية والنظام الأردني في أيلول ١٩٧٠ والعام الذي تلاه وأسفر عن مذبحة الفلسطينيين وخروج ثورتهم من الأردن وموت جمال عبد الناصر ، وعاش أيضا ، بخاصة أطفال غزة وشبابها ، الصدامات العنيفة بين فدائيي غزة والجيش الإسرائيلي المحتل ، واستمرت هذه الصدامات قوية عنيفة حتى العام ١٩٧٣ الذي شهد أيضا حرب ٦ أكتوبر بين الجيشين السوري والمصري من ناحية والجيش الإسرائيلي من ناحية ثانية .
في بداية سبعينيات القرن ٢٠ قام ( إريك شارون ) بتأسيس الوحدة ( ١٠١ ) " التي اشتهرت بلبس القبعات الحمراء وعرفت شعبيا باسم ( الطواقي الحمر ) والتي اعتبرت وحدة خاصة دربت تدريبات خاصة جدا ، هذه الوحدة كانت تقتحم الأزقة داخل المخيمات وفي البيارات بين أشجار الحمضيات وتطلق النار على كل من يتحرك للاشتباه فيه ، وتهاجم الناس وتضرب وتعتدي وتفتك دون أي ضوابط أو قوانين وقد كان لها دور بارز في محاربة المقاومة وتصفية الكثير من قياداتها وعناصرها " وحدث مرة أن لاحقت هذه الوحدة فدائيا اختفى ، فعاقبت أهل المخيم عقابا جماعيا وحددت موقع البيت الذي لجأ إليه ، وحين نادت عليه ولم يستسلم هدمت البيت على رأسه فقتلته وثلاثة من رفاقه الذين كانوا يختبئون في ملجأ فيه .
هل هذه المجازر فقط هي ما امتلأت به ذاكرة الراوي ومن ورائه يحيى السنوار ؟
طبعا في هذه الفترة قام شارون نفسه بتدمير أعداد كبيرة من بيوت المخيمات في غزة لشق طرق عريضة تجعل حركة اختفاء الفدائيين صعبة ومهمة إلقاء القبض عليهم سهلة.
سنرى.

صباح الخير يا غزة واليوم هو ذكرى استقلال دولة فلسطين العظمى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو الغالب على أمره وبه الاستعانة .

خربشات عادل الاسطة
١٥ / ١٠ / ٢٠٢٣

***

16- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٦ : أكتوبر ١٩٧٣ في ذاكرة الطفل اللاجيء

يروي الراوي في الصفحات الأخيرة من الفصل التاسع عن بداية الاستيطان في مدينة الخليل وبداية الصدامات بين المستوطنين وأهل المدينة ومعرفة الأولين بالعقلية العشائرية التي تغلب على " الخلايلة " ، فعندما كانت تحدث صدامات يأتي الحاخام ( ليفنجر ) ويجتمع بزعماء عشائر الخليل ليحل المشاكل بينهم ، ولكن الاستيطان كان سببا إضافيا آخر لبداية المقاومة الفلسطينية فحدثت عملية الدبوية الشهيرة .
المشاكل بين الطرفين كان يوازيها تعالي الخلايلة على اللاجئين من أبناء المخيم وعلى أهل القرى ، ما دفع كثيرين من هؤلاء إلى العمل في المصانع والورش الإسرائيلية . لقد شكلت نظرة التعالي - استعلاء - عقدة لدى الأطفال اللاجئين فظلوا يحلمون بالعودة إلى بيوتهم في مدنهم وقراهم .
ما لا يغيب عن ذهن الراوي هو الحدث الكبير الذي حدث في ٦ أكتوبر ١٩٧٣ - أي حرب تشرين بين مصر وسورية من جهة وإسرائيل من جهة ثانية .
لم يكن الراوي في ذلك الوقت يتجاوز الحادية عشرة من عمره وقد سمع عن الحرب وردة فعل الناس عليها :
" وبدأت الأحلام بالنصر والعودة تداعب خيال كل واحد من أهالي المخيم لا يقطعها إلا صوت مكبرات صوت الاحتلال تعلن منع التجول والتزام البيوت حتى إشعار آخر فالتزم الناس بيوتهم ، وهم يحلمون أن هءه آخر مرة يمنع عليهم التحول ، فكلها أيام وتصل جيوش العرب المحررة ، والتفت كل عائلة على المذياع ، وقد التففنا نحن كذلك حول المذياع " .
العودة إلى الديار هي من سيخلص الطفل اللاجيء من نظرات الاستعلاء هذه ، والراوي هنا نموذج لأطفال اللاجئين الفلسطينيين كلهم . إنها لعنة اللجوء .
هل ظلت حرب أكتوبر ١٩٧٣ والنصر الذي حققه الجيشان المصري والسوري في بدايتها تكمن عميقا في مخيلة الراوي ، ومن ورائه الكاتب ، فاختار للحرب الدائرة حاليا يوم السبت من أكتوبر ٢٠٢٣ بداية لها مستبشرا ومتفائلا ؟
" الطفل أبو الرجل " يقول الشاعر الإنجليزي ( وردزوورث ) ، وكانت من ألعاب الكاتب في طفولته لعبة " عرب ويهود " وكان أن سمع في ١٩٧٣ عن حرب بين عرب ويهود ، و ... و ... . إنها الحرب التي لا تنتهي .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ١١ / ٢٠٢٣ .

***

17- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٧ : أدب السجون

لا أعرف إن كان المهتمون بأدب السجون التفتوا إلى الرواية وناقشوها ودرسوها وهم يدرسون هذا الموضوع الشائك والغزير الإنتاج في الأدب الفلسطيني ، والآن في ذروة الحرب الدائرة حاليا يحتل موضوع تبادل الأسرى مكانة لا تقل عن أهمية وقف إطلاق النار ، بل إن عملية تبادلهم قد تؤدي إلى هدنة ما.
ليست الرواية في مجملها مقتصرة على موضوع السجن . إنه موضوع من ضمن موضوعات عديدة شغل صفحات محدودة منها لا صفحاتها كلها.
وإن ميزنا بين الراوي والكاتب فإن الثاني أنفق عقدين ويزيد من حياته في السجون الإسرائيلية ولا أعرف إن خص تجربته بكتاب على غرار عشرات الأسرى الذين دونوا تجاربهم في روايات أو مجموعات قصصية أو سير ذاتية .
يدور الفصل العاشر من فصول الرواية الثلاثين حول تجربة محمود شقيق الراوي الكبير الذي ذهب ليدرس في القاهرة ، وهناك نشط في صفوف الطلاب الفلسطينيين المهتمين بالقضية الفلسطينية وانضم إلى حركة فتح ، وعندما أنهى دراسته وعاد اعتقل للمرة الثانية وحكم بقضاء فترة في السجن.
تنعكس حياة السجين على الأسرة كلها ، فلا يعاني وحده . تنقلب حياة أسرته كلها رأسا على قدم وتتحمل الأم الغذاب والمعاناة وكذلك الإخوة . تبدأ الزيارات وعذاباتها وتكبر حسرة الأهل ويكبر حزنهم وينتظرون لحظة خروج ابنهم بصبر فارغ ، إن لم يحكم بالمؤبد ، وإن عوقب بمؤبدات عديدة فليس هناك من أمل في الخروج إلا بعملية تبادل أسرى وهذا ما حدث مع الكاتب نفسه وما سعى إليه منذ قاد حركة حماس في قطاع غزة ليخرج إخوانه السجناء . إنه يعرف أكثر من غيره ماذا يعني أن تنفق عمرك في عالم السجن وأن تخبر قسوة السجان وساديته وتمثيله أدوارا مختلفة .
ما يرويه الراوي عن عالم السجن ليس غريبا على من عاش التجربة أو من قرأ أدبيات السجناء أو من أصغى إليهم.
ينتهي الفصل بالفقرة الآتية:
" وهكذا بدأ السجن يتحول إلى مدرسة متقدمة يعلم فيها المتعلم غيره ، ويتدرب فيها عديم الخبرة على المناظرة والتفكير السياسي ، وبدأ يتبلور فكر سياسي وأيديولوجي واضح للمعتقلين حسب انتماءاتهم السياسية حيث كانت قد برزت ثلاثة تجمعات واضحة تجمع قوات التحرير الشعبية بميولها اللينينية ، تجمع فتح بطرحه الوطني المجرد ، وتجمع الجبهة الشعبية بطرحه الماركسي اليساري " ( ٨٩).
طبعا كان هذا في سبعينيات وثمانينيات القرن ٢٠ .
هل تعرفون معنى قضية الأسرى وأهميتها فيما جرى منذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ ؟
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ١١ / ٢٠٢٣ .

***

18- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٨ :هذا هو العرس الفلسطيني وهذه هي غزة

يروي الراوي في الفصل الحادي عشر أحداثا عديدة منها عودة ابن عمه حسن من يافا ليزور عائلته ويسأل عن أخيه الصغير إبراهيم ويعطيه المال.
تستقبله العائلة وتسأله عن أحواله وأين قضى فترة غيابه وتستغرب أنه صادق فتاة يهودية وتأمل منه أن يستقر في غزة ويجد عملا له ويتزوج فيصر على عودته إلى يافا ويرفض العرض وحين يعرض الأموال الكثيرة على أخيه يرفضها إبراهيم ويحدث الفراق إلى حين.
ما هو لافت في هذا الفصل هو موضوع زواج الأخوين محمود وحسن . خرج الأول من السجن وصار الثاني حرفيا ماهرا أسهم في تحسين أوضاع العائلة ، وتبحث والدتهما لهما عن عروسين ويتم العرس في يوم واحد في غياب الأب الذي اختفت آثاره في العام ١٩٦٧ ، وفي أوج الفرح تبكي الأم . إنها دموع الفرح ، وغالبا ما يختلط في حياة الفلسطينيين الفرح بالحزن ، وهو ما تعبر عنه أمثالهم ، وقد أوردت من قبل المثل " أجت المسكينة تفرح ما لاقت إلها مطرح " وإذا ما أفرطوا في الضحك قالوا : " الله يسترنا من هالضحك".
يبحث محمود عن وظيفة فيجدها في وكالة غوث اللاجئين وتضعف المقاومة بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ وينشط العمل في المصانع والورش الإسرائيلية وتستقر الأحوال الشخصية قياسا إلى السنوات الست السابقة.
ويظهر الراوي، وهو الأخ الصغير لمحمود وحسن ، الفرق بينهما يوم الصمدة ، فالثاني خجول جدا والأول الذي درس في القاهرة أقل خجلا. ويروي أيضا عن عادات أهل غزة في تلك الفترة ، وهي عادات فلسطينية بعامة ، عن البحث عن العروس.
الأم هي التي تزور البيوت باحثة عن عروس ثم تعود إلى ابنها وتبدي رأيها في الفتاة وأسباب الرفض أو القبول:
" واصلت أمي البحث عن عروس مناسبة لحسن ، ويوم ليوم تخرج لمعاينة إحدى الفتيات فلا تعجبها هذه لأن شعرها مجعد ، ولا تعجبها تلك لأن أنفها طويل ، ولا هذه أنفها كبير ، ولا تلك لأنها غير مرتبة ، فبيتهم لم يكن مرتبا ، وتلك لأن بيتها لم يكن نظيفا كما يجب وبعد كل جولة من جولاتها الاستكشافية تعود لتقدم التقرير لحسن وبمرافقة نهائي.
وبعد طول جهد واجهها حسن بالسؤال : ( يا ما انت ليش مغلبة حالك ؟) التفتت إليه غاضبة عاتبة قائلة : ( وليش ما أغلب حالي هو انت قليل يا حسن!!)
ويقترح عليها أن تخطب له سعاد ابنة جارتهم أم العبد . وهكذا يعقد القران ويتم العرس وتقام الولائم وتغنى الأغاني الشعبية والطبل يرافقهن ( عمين لفيتن يا بنات .. عادار أبو محمود لفينا ياليله ، طلبنا منه النسب .. رحب واحترم ياليله.. ) وحين تختلط الدموع بالزغاريد يعقب الراوي : " ولكنها أحوال المخيم كل فرحة تنكأ الجراح من جديد ، وتفتح مرة أخرى كل الذكريات".
عندما كتبت عن القصة القصيرة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة توقفت مطولا أمام الموضوع الاجتماعي فيها ، وهو موضوع شغل حيزا في مخيلة كتاب القصة القصيرة هناك.
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ١١ / ٢٠٢٣

***

19- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ١٩ : من عاشر القوم صار منهم

من الشخصيات اللافتة في الرواية شخصية حسن ابن عم الراوي ، وهو غير حسن أخيه .
كتبت من قبل عما ألم بحسن حين وقع في الحب وكيف غادر البيت وذهب إلى يافا ليعمل في إسرائيل وأحب ابنة صاحب المصنع الفتاة اليهودية - سينفصلان لاحقا ويعود إلى غزة ويعمل مخبرا ويقتل . وكتبت عن زيارته الأولى لعائلته في المخيم وعرضه المال على أخيه إبراهيم الذي رفضها وفضل البقاء مع أسرة عمه .
يصف الراوي أحمد ابن عم حسن هيئته بعد إقامته فترة طويلة مع الإسرائيليين على النحو الآتي :
" بعد سنوات من الغياب أطل علينا حسن ( ابن عمي من جديد ) ولكن بصورة جديدة كان قد أصبح رجلا كبيرا ولكنه قد أعفى لحيته وشعره ، ملابس غريبة بصورة موحشة ، مثل ملابس اليهود ، وقد لبس في عنقه سلسلة ذهبية ووضع حول رسغ يده سلسلة ذهبية سميكة ، ولبس بنطال كابوي عند ركبته وبيديه علبة سجائر ، يبدو تماما من كوكب آخر ، طرق الباب فتحت له ولم أعرفه للوهلة الأولى فوضع أصابع يده بين شعري ناثرا إياه قائلا :
- أنت أحمد .
فعرفته من صوته :
- أنت حسن ؟
فقال :
- نعم .
فصرخت :
- يا أمي يا محمود هذا ابن عمي حسن قد عاد للدار " ( ٩٥ ) .
وعندما يقص حسن على اسرة عمه ما جرى معه يخاطب زوجة عمه :
"- المهم يا مرت عمي أنت كسبتني في خير ، طلعت من المخيم وشفت الدنيا وعشت وأخذت راحتي بدل بؤس المخيم وحرمانه "
ويعقب الراوي :
" فقالت أمي متهكمة : (اه شفت الدنيا مع صاحبتك اليهودية)
فقال : اه ومالها اليهودية ؟!! "
ويغادر حسن بيت عمه مختلفين .
صار حسن بعد أن عاشر المجتمع اليهودي مختلفا كليا عما هو عليه مجتمع غزة المحافظ.
الفقرة السابقة عموما تفتح المجال واسعا للكتابة عن المجتمع الفلسطيني الباقي في فلسطين التاريخية ولم يغادرها في العام ١٩٤٨ ، وهو ما ظهر في قصة توفيق فياض Tawfik Fayad " أبو جابر الخليلي " وكتبت عنه وأنا أكتب عن " القدس في كتابات كتاب القصة القصيرة الفلسطينية".
مجتمع انفتح على ثقافة أخرى وتأثر بها وصار أكثر ليبرالية وهذا ما أدهش أكثر الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين صاروا يتحدثون عن هذا بصراحة ويرون في فلسطينيي ١٩٤٨ منفتحين زيادة عن اللازم وصار قسم من سكان ١٩٦٧ يعير الفلسطينيين الباقين بهذا .
مرة كتبت عن الفوال " أبو ناصر " ابن مخيم عسكر لأسرة من اللد .
سألت " أبو ناصر " إن هييء له أن يعود إلى اللد ، فهل سيستقر فيها ؟ فأجابني بالسلب ، وأخبرني أنه ذهب وعمل هناك وأقام عن أقاربه فلاحظ أنهم منفتحون وهذا الانفتاح لا يروق له هو المحافظ .
منذ فترة وأنا أفكر في الكتابة عن الحروب الصليبية ومشروع زواج الملك العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي من شقيقة ريتشارد قلب الأسد لحل الصراع الدموي الذي اشتد لدرجة شعور الجهتين المتحاربتين باليأس والإحباط لكثرة القتلى ولخراب الديار و ... و ... وعندنا مثل يقول " من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم " والطريف أننا نعاشر اليهود منذ ٧٥ عاما والصراع يزداد اشتعالا وعنفا ودموية والكراهية تتجذر وتتعمق و .. و .. إلخ
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١٩ / ١١ / ٢٠٢٣

***

20- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٢٠ :من الخليل يأتي كل أمر جليل

في الفصل الثاني عشر يروي الراوي عن بدايات التيار الإسلامي في الضفة الغربية وقطاع غزة .
لم تبدأ بدايات هذا التيار في غزة أو في مدن شمال الضفة الغربية . لقد ظهر في الخليل ومن مدرسة طارق بن زياد حيث برز عدد من المدرسين فيها تخرجوا من الجامعة الأردنية وعادوا إلى الخليل وبدأوا يحاولون نشر الفكر الإسلامي في المدينة ووجدوا في صفوف طلاب المدرسة الثانوية تربة خصبة لذلك .
لم يكن اسم الإخوان المسلمين في الخليل أشبه بالشتيمة كما كان في قطاع غزة أو في شمال الضفة الغربية . لقد كان للإخوان تاريخ قديم وكانت فكرة الإخوان متبناة لدى عائلات معروفة بغناها وشرفها في المدينة ، لذا فقد كان من السهل ظهور الاسم وإعلانه دون حرج .
لقد رأى بعض الطلاب الميالين لهذا التيار أن الدافع الوطني وحده غير قادر لإدارة الصراع وأن من الضروري ... ( في بداية حرب ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ كتب حنظلة حنظلة إن لم تخني الذاكرة : لا يفل اليمين إلا. اليمين إلا - أي لا يواجه اليمين الإسرائيلي المتشدد إلا اليمين الفلسطيني المتشدد - مستغيدا من قول الشاعر " لا يفل الحديد إلا الحديد ) .
في بقية فصول الرواية يفصل الراوي في بروز هذا التيار وانتقاله إلى غزة ودخوله إلى بيته الذي لم يكن يعرف إلا فصائل مثل فتح والجبهة الشعبية ، وسينعكس ظهوره على أفراد العائلة وانقسامها على نفسها ، فمحمود فتحاوي التوجه يستاء من تدين حسن ومحمد أخويه وإبراهيم ابن عمه ، وكثيرا ما كان يجلس معهم كل على انفراد ليقنعهم بالامتناع عن الذهاب إلى المسجد لأن من يعطي الدروس فيه إخونجية وهؤلاء ضد عبد الناصر وضد الوحدة العربية ولا يعترفون بمنظمة التحرير الفلسطينية ويقولون إن شهداء الثورة الفلسطينية ( فطايس ) وليسوا شهداء ، وعدا ذلك فإن الإخوان المسلمين لا يشاركون في المقاومة والعمل المسلح ، وسيأتي في فصول لاحقة على تحول التيار الإسلامي إلى العمل المسلح ويطنب في الكتابة عنه .
من الخليل يأتي كل أمر جليل .
ومن الخليل وتجارها ستأتي المساعدات لإعادة إعمار غزة .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ١١ / ٢٠٢٣

***

21- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٢١ : الخوف والإخبار : عن المخبرين ودورهم ثانية

كتبت من قبل تحت عنوان "عقاب الخائن واللص" وأتيت على موقف يحيى السنوار نفسه من المتعاونين. وأنا أكتب شاهدت غير شريط فيديو عن حياته، واحد منها تحت عنوان "صائد الثعابين"- أي الجواسيس المتعاونين مع الاحتلال الذين يؤذون المقاومة ويضعفونها. في الأشرطة ورد أنه صفى ستة أشخاص، بينهم أربعة متعاونين فلسطينيين، وحكم بناء على ذلك أربعة مؤبدات قضى منها ٢٠ عاما في السجن، تعلم خلالها العبرية وصار مترجما يعتمده الإسرائيليون في حالة إجراء مفاوضات مع حركة حماس، واعتقدت المخابرات الإسرائيلية أنه إنسان مسالم ليس متطرفا لأنه لم يكن يطمح إلى أكثر من أمرين؛ إخراج الأسرى وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من أبناء غزة للعمل في المصانع والورش الإسرائيلية ، ولم تظن بأنه يضللها.
يروي الراوي عن الحياة في مدينة الخليل وبداية الاستيطان فيها وتردد اليهود المتدينين على الحرم الإبراهيمي للصلاة فيه ومقاومة أهل الخليل لهم بالحجارة، ومما يرويه الحكاية الآتية الدالة التي أرجح أنها حفرت عميقا في نفسية الراوي والكاتب معا:
" قاطعه عبد الرحمن: لا شك أن الدافع الوطني وحده غير قادر لإدارة الصراع وأن من الضروري... قاطعه عبد الفتاح: يا أخي هذا شعبنا طيلة تاريخه يدافع عن أرضه ولا يستسلم وهو... قاطعه الشاب : أنا سأحدثك بقصة حدثت معي، بعد الاحتلال الإسرائيلي للخليل كنت لا أزال صغيرا، ورأيت يهوديا يسير وحده في شارع الخليل فأغاظني ذلك الأمر فتناولت حجرا عن الأرض، والقيته على ذلك اليهودي ثم هربت وراء الأشجار (التفاح) في قطعة أرض لنا وجلست هناك لبعض الوقت حتى اعتقدت أن اليهودي قد ذهب، وإذ بي أسمع صوت أحد أبناء الجيران ينادي يا جمال.. تعال لقد ذهب.
خرجت من وراء الأشجار فإذا باليهودي يختبيء وراء زاوية البيت، يخرج نحوي وقد أشهر مسدسه نحو رأسي، وبدأ يحاول إخافتي كي لا أعاود الكرة، وقد فهمت أنه بعد أن ألقيت عليه الحجر، قد طرق باب الجيران وهددهم إذا لم يحضروني ويسلموني له أنه سوف يخرب بيتهم ويسجن أولادهم ، فقام أحد أبنائهم بذلك الدور حيث سلمني لليهودي بتلك الصورة" (١٠١).
في مقالاتي الأدبية كتبت مرارا عن المخبر في الواقع الفلسطيني ابتداء من شخصية زكريا في رواية غسان كنفاني "ما تبقى لكم" ورواية إميل حبيبي "المتشائل" ومرورا بقصة توفيق فياضTawfik Fayad " المخبر " وقصة محمد نفاع في مجموعته " التفاحة النهرية "المخبر . ن" وغيرها. وهناك رواية كاملة عنه للروائي وليد أبو بكر عنوانها " الوجوه " .
في غزة الآن تقتل إسرائيل الآلاف ممن لا يعرفون أين مكان يحيى السنوار ولا علاقة مباشرة لهم بحركة المقاومة سوى أنهم يعيشون في غزة ، ولا ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيون .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ١١ / ٢٠٢٣

***

22- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٢٢ : تأثير الانتماء السياسي على الأسرة الفلسطينية

في ٥ / ٧ / ٢٠٢١ كتب أول خربشة عن الرواية تحت عنوان " يحيى السنوار : فتح وحماس والإخوة الأعداء " وأتيت فيها على بداية الاختلاف بين الإخوة سياسيا وفكريا ، وهذا ما ستعاني منه غزة مع بداية ظهور حركة حماس وازدياد قوتها وتأثيرها في الشارع الفلسطيني وفوزها بالانتخابات في العام ٢٠٠٦ وتشكيلها وزارة فلسطينية في حينه .
الأخ الكبير محمود درس في القاهرة وانتمى إلى حركة فتح ودافع عنها وعن منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ، ومال الأخوان حسن ومحمد إلى الحركات الإسلامية وواظبا على الصلاة في المسجد والاستماع إلى الشيخ أحمد وتأثرا به وبطروحاته ، وهذه الاختلافات صار لها حضور لافت في البيت وثارت حولها نقاشات كثيرة تمحورت حول الفرق بين فتح وحماس في تعاطيهما مع اللجوء إلى القوة وحول نعت شهداء فتح والجبهة الشعبية : أهم شهداء أم أنهم ليسوا كذلك ؟ ، وأيضا حول الموقف من الرئيس المصري جمال عبد الناصر وعلاقته بحركة الإخوان المسلمين .
هكذا بدأ النفور بين الإخوة .
كان محمود الفتحاوي مستاء جدا من تدين محمد وإبراهيم وقد ساءه من قبل تدين حسن .
" كان الحوار يحتد كثيرا جدا إذا ما كان عبد الحفيظ في إحدى هذه الجلسات فيبدأ بالتهجم على المشايخ وعلى الدين ويصل به الحد إلى القول إن الإخوان عملاء لأنهم يقبضون رواتب من السعودية ، بالإضافة إلى نقاشات فكرية مختلفة وكان حسن يرد عليه ردودا غاضبة بتهمة الإلحاد وعدم الإيمان بالله ، وأنهم أذناب للاتحاد السوفيتي الذي كان أول من اعترف بقيام دولة إسرائيل عام ( ١٩٤٨ ) " .
وأما السارد أحمد فيوضح موقفه بقوله :
" كان الكثير من حديث حسن وحواره يعجبني ويجد صداه مع نفسي وأعماق روحي لكني كنت لا أفهم موقفه في عدة نقاط وكنت أرى ضعفه واضحا جليا حين يناقشون معه دور الإسلاميين في حمل الهم الوطني ، ودورهم في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال إضافة إلى موقفهم من الشهداء الذين يقضون في سبيل الوطن كذلك موقفهم المغمغم من منظمة التحرير الفلسطينية " ( ١٠٩ )
أعتقد أن للرواية قيمة تاريخية واجتماعية لمن يريد أن يدرس المجتمع الفلسطيني وبداية تشكل حركة حماس فيه .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٢ / ١١ / ٢٠٢٣

***

23- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٢٣ : غزة والمشكلة السكانية وكابوس إسرائيل

هل أتى الراوي على مشكلة الاكتظاظ السكاني في غزة وتفكير الإسرائيليين الدائم فيها باعتبارها تشكل خطرا على الدولة العبرية ؟
منذ بداية خمسينيات القرن ٢٠ ، ووجود اللاجئين في غزة غير بعيدين عن مدنهم وقراهم التي هجروا منها في العام ١٩٤٨ ، وإسرائيل تفكر في إمكانية ترحيلهم إلى سيناء . حتى قبل أن يولد الراوي ويحيى السنوار نفسه كان التفكير بالترحيل وإعادة التوطين قائما ، وقد كتب عن هذا معين بسيسو في كتابه " دفاتر فلسطينية " ، وأتى على المظاهرات في غزة في حينه وقيادته باعتباره شيوعيا لها ، علما بأنه غزي الأصل فلم يكن لاجئا .
مع بداية سبعينيات القرن ٢٠ شقت إسرائيل الطرق في المخيمات ، لأسباب أمنية ذكرتها ، فهدمت البيوت وأخذت تفكر في إعادة توطين أهلها حتى تخفف من الاكتظاظ السكاني فيها تحسبا لانفجارات أمنية وتزايد المقاومة .
كانت البيوت المكتظة بالسكان في المخيمات تتحول إلى ما " يشبه كراتين فراخ الدجاج " ، فاقترحت دائرة الإسكان في الحاكمية العسكرية مشاريع إسكانية يقيم فيها من يعاني من ضيق في سكنه ، وانقسم أهل المخيمات ما بين مؤيد ومعارض . يروي الراوي :
" فالبيوت لا يمكنها الاتساع لنا مع الزيادة الكبيرة في النسل ، وحل القضية ليس في الأفق المنظور ولا يمكننا شراء أرض عادية والبناء عليها فكلفة ذلك أعلى من أن تطاق والمعارضون يخشون من ذوبان قضية اللاجئين بتفريغ المخيمات من سكانها ، وأن هذا هو هدف الاحتلال توطين اللاجئين في هذه الأحياء وإنهاء قضيتهم " .
في العام ١٩٧٨ غادرنا نحن المخيم بعد أن اشترينا قطعة أرض أقمنا بيتنا عليها ، ومنذ ذلك التاريخ والمخيمات تضيق بسكانها وتزداد مبانيها حتى تحولت إلى كتل اسمنتية مكتظة ، وها هي إسرائيل في غزة تهدمها على رؤوس سكانها .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ١١ / ٢٠٢٣

***

24- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٢٤ : رأى في حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣

يأتي الراوي على حرب أكتوبر ١٩٧٣ وانعكاسها على جيله . كانت الحرب " نقطة تحول استراتيجية في مشاعرنا جميعا " رغم أنها " لم تخفف شيئا علينا كفلسطينيين " .
كان جيله يتوقع أن تحرر الحرب فلسطين فتزول إسرائيل ويعود إلى مدنهم وقراهم التي هجر أهله منها في العام ١٩٤٨ ، ولكنها لم تحقق هذا بل " وحتى لم تتحرر المناطق التي احتلت عام ١٩٦٧ في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء " فكل ما حصل عمليا " هو تقدم الجيش المصري واجتيازه لقناة السويس وخط بارليف " .
مع ما سبق إلا " أننا شبعنا وارتوينا حتى تمام الرضى من هزيمة إسرائيل " ويصف مشاعره ومشاعر جيله بل وما آمنوا به :
" وصدقنا وآمنا وأقنعتنا بكل عقولنا وقلوبنا أن أسطورة إسرائيل وجيشها الذي لا يقهر قد انهارت أمام عظمة وإرادة الجندي العربي الذي خاض معركة معقولة سواء على الجبهة المصرية أو الجبهة السورية ، وكانت رؤوسنا جميعا تكاد تطاول السماء فخرا وعزا "( ١١١ ) .
هل ظل موقفه وجيله من الحرب تلك كما كتب عنه في السطور السابقة ؟
بالتأكيد لا ، فمشاعرهم " بدأت تنقلب تدريجيا أمام النبرة الجديدة التي بدأنا نسمعها من الرئيس المصري أنور السادات حول استعداديته للسلام مع إسرائيل ، والمصيبة كانت قد لجمتنا تماما ونحن نسمع المذياع وهو يغطي زيارة السادات للقدس وخطابه في الكنيست أمام الحكومة الإسرائيلية ... " .
في ٧ أكتوبر كررت حركة حماس بقيادة يحيى السننوار ومحمد ضييف تجربة السادات وحافظ الأسد ، والسؤال هو :
- إلى أين تقودنا هذه الحرب ؟ وماذا سيقال فيها وفي من قادها ؟ وهل سيتكرر ما حدث في حرب أكتوبر ١٩٧٣ ؟
لن استعجل وأبدي رأيا .
ننتظر ونرى .
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ١١ / ٢٠٢٣

***

25- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل" ٢٥: الإسلاميون: كيف كانوا؟ كيف أصبحوا؟

في الفصل الثالث عشر يروي أحمد عن طلبة الخليل الذين درسوا في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية في سبعينيات القرن ٢٠ وعودتهم إلى التدريس في مدارس الخليل وترويجهم لفكر أستاذهم عبدالله عزام، كما يسرد عن دراسة أخيه محمد في جامعة بير زيت قلعة اليسار الفلسطيني في ذلك الوقت حين كانت حركة فتح تنافسها، في حين كان التيار الإسلامي ضعيفا.
كانت جامعة بير زيت منفتحة اجتماعيا لدرجة أن أخاه القادم من غزة لم ينسجم فيها، فقد كان خجولا وراعه ما كان يشاهد من سلوكات بين الشباب والشابات .
لكن أهم ما في هذا الفصل هو كتابته عن حركة الإخوان المسلمين في الأردن وعدم مشاركتها في حرب أيلول ١٩٧٠ لإسقاط النظام الأردني، ويوضح ذلك جمال أحد الشخوص الثانويين في الرواية قائلا:
" إن هذه قضية حسم الإسلاميون رأيهم فيها منذ البداية وهم لم يكونوا ولن يكونوا يوما أداة لعدم الاستقرار وإدخال المنطقة أو جزء منها في حالة عدم وضوح أو التورط في ممارسات تستثير ضدهم الرأي العام " (١٢١).
في الفصل الرابع عشر اعتراف صريح اعتراف واضح يقر بعدم اهتمام الاحتلال بالإسلاميين فترك لهم حرية الحركة :
" جامعة الخليل كانت تقع في تدريجها بين نابلس وغزة، فهي أقل محافظة من غزة وأشد من جامعة النجاح . حركة هؤلاء الطلاب - طلاب غزة الإسلاميين - كانت بعيدة عن أي رقابة واضحة أو مضايقات من أجهزة مخابرات الاحتلال وإن كان هناك شيء من الرقابة فلم تكن ظاهرة ، فكان هؤلاء الطلاب يتحركون بسهولة ويمارسون أنشطتهم دون أي قيود خاصة وأنها كانت في العادة محصورة في مجالات الصراعات الفكرية والتناقض الداخلي بين الأطر والتوجهات المختلفة ، ولم يكن لذلك أثر واضح على الاحتلال"(١٢٩).
كيف انقلبت الأمور لاحقا وتحديدا منذ الانتفاضة الأولى؟
غالبا ما اتهم أبناء حركة فتح وقوى اليسار الإسرائيلي صعود التيار الإسلامي في الضفة وغزة بأنه تم بتشجيع من النظام الأردني والاحتلال الإسرائيلي لإجهاض حركة التحرر الوطني الفلسطيني ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية.
دوام الحال من المحال ولا شيء يبقى على حاله إلا وجه الكريم.
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٦ / ١١ / ٢٠٢٣ .

***

26- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٢٦: العقيدة والبطل المثال المنشود صلاح الدين الأيوبي

في أواسط السبعينيات من القرن ٢٠ ، وبسبب توطد العلاقات بين غزة والخليل لقربهما الجغرافي ، وبسبب دراسة بعض أبناء قطاع غزة في جامعات الضفة الغربية ، حيث لم تكن في غزة جامعات بعد ، أخذ أبناء القطاع يزورون الخليل والقدس وينظمون رحلات منتظمة تقريبا .
في هذه الرحلات انفتح ذهن الراوي على الإلمام ببعد جديد للصراع في فلسطين غير البعدين الوطني والقومي اللذين تبنتهما حركتا فتح والجبهة الشعبية . هذا البعد الجديد هو البعد الديني الذي تبناه بعض أبناء الخليل ممن درسوا في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية ، ولكنهم انصرفوا إلى باكستان وأفغانستان لقتال الروس في الأخيرة .
في أثناء هذه الرحلات تعرف الراوي على المخيمات الفلسطينية في منطقة جنوب الضفة الغربية ومر بدير ياسين وسمع عن مجزرتها في العام ١٩٤٨ وزار الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى ولاحظ الاستيطان والاعتداء على الحرم الإبراهيمي واكتظاظه باليهود وعلى رأسهم الرابي المتطرف ( ليفنجر ) ، فأحدث هذا تغييرا في نظرته للصراع . يسرد الراوي الآتي :
" منذ هذه اللحظات بدأنا نفهم جيدا أن للصراع وجها آخر غير ما كنا نعي وندرك من قبل ، فالمسألة ليست فقط مسألة أرض وشعب طرد من هذه الأرض وإنما هي معركة عقيدة ودين ، معركة حضارة وتاريخ ووجود"
ويتابع:
" وقد نجح إبراهيم ومن نظموا هذه الرحلة في غرس هذا المعنى جيدا في نفوسنا ... "
" طيلة الطريق إلى الحافلة كانت لا تزال تتردد في سمعي كلمات إبراهيم عن منبر صلاح الدين الذي أعده قبل تحرير القدس بسنوات ... وكيف أحرقته الأيدي اليهودية الآثمة عام ١٩٦٨ ( ؟ ١٩٦٩ ) وأتساءل في نفسي هل من صلاح الدين لهذه المرحلة ؟" .
بعد أن هدمت الطائرات الإسرائيلية ما لا يقل عن نصف مباني غزة وسوتها بالأرض كتب بعض أبنائها إن كان الأسرى الخمسة آلاف يوافقون على ما يجري . لو كانوا يعلمون أن ثمن تحريرهم هو هذا الدمار والعدد الكبير من القتلى والجرحى فهل سيوافقون ؟
في خطاب السيد حسن نصرالله الأول في أكتوبر ٢٠٢٣ عن المقتلة ذكر أربعة ملفات دفعت المقاومة الفلسطينية في غزة إلى المبادرة بالهجوم ملف الأسرى منها ومنها تواصل اعتداءات المستوطنين اليهود على الأقصى ، والقصة طويلة طويلة .
هل أراد يحيى السنوار ومحمد ضيف أن يقوما بدور صلاح الدين الأيوبي ؟
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٧ / ١١ / ٢٠٢٣

***

27- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٢٧: جامعات غزة

يأتي الراوي على دراسة أبناء غزة في سبعينيات وثمانينيات القرن ٢٠، بل وحتى تسعينياته، في جامعات الضفة الغربية ويركز على جامعتي الخليل وبير زيت ويفصح عن سبب ذلك، فالجامعات المصرية التي احتضنت أبناء غزة أخذت تتشدد في قبولهم بعد توقيع أنور السادات اتفاقية (كامب ديفيد) مع إسرائيل، وبعد اغتيال فصيل فلسطيني الكاتب الروائي المصري يوسف السباعي.
لقد درس أبناء غزة في الجامعتين المذكورتين ؛ الخليل وبير زيت، وفي جامعة النجاح الوطنية وجامعة بيت لحم أيضا فأقاموا في مدن الضفة، ومن قبل درسوا في معاهد وكالة غوث اللاجئين في رام الله وتخرجوا منها وعملوا معلمي مدارس وصاروا كتابا معروفين أيضا.
جامعات الضفة الغربية التي احتضنت الطلاب فتحت المجال واسعا لحملة الشهادات العليا من أبناء غزة للعمل فيها، وهكذا ضمت أساتذة وطلابا، ومن قبل استقبلت الضفة الغربية عائلات غزية أقامت في مخيماتها ومدنها.
في بداية ثمانينيات القرن ٢٠ أنشئت بعض الجامعات في غزة وكانت جامعات فقيرة؛ علما ومباني أيضا ، ولذلك تردد بعض أبناء القطاع في الدراسة فيها مؤثرين الدراسة في جامعات الضفة، وهو ما حدث مع الراوي:
" أنهيت دراستي الثانوية وقررت الالتحاق بالجامعة الإسلامية بغزة، رغم معارضة أخي محمود الذي كان يقول: ماذا؟ هذه جامعة؟ هذه لا تصلح أن تكون مدرسة ثانوية؟ أما حسن فكان مع فكرة الدراسة فيها وإبراهيم كان موافقا وأمي نزلت عند رغبتي، وطلبت من محمود السكوت... فالتزم السكوت سكوت الحانق الغاضب غير الراضي.
سجلت في الجامعة الإسلامية وقبلت في كلية العلوم..." (١٣٥).
أذكر أنني زرت قطاع غزة في العام ١٩٨٥ أو ١٩٨٦ مع أحد معارفي ممن جاء من لندن وأراد أن يستقر في الضفة الغربية فقرر العمل في جامعاتها أو في جامعات قطاع غزة، وحين ذهبنا معا ليقدم طلب عمل رأى الوضع البائس الفقير للجامعة الإسلامية فقرر العودة إلى لندن ثانية.
لم أزر غزة بعد تلك الزيارة، ولكن ما أسمعه هو أن الجامعة الإسلامية صارت جامعة مرموقة معتبرة وأن أحد أعضاء التدريس فيها، وهو جمال الزبدة ، ترك الجامعات الأمريكية وعاد ليعمل فيها فطور واخترع واغتالته المخابرات الإسرائيلية، ثم جاء المغول الجدد وقصفتها الطائرات وسوت مبانيها بالأرض.
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ١١ / ٢٠٢٣.

***

28- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٢٨: بذور طوفان الأقصى والشيخ أحمد ياسين

كنت أمس أثرت السؤال الآتي:
هل يحضر الشيخ أحمد ياسين في الرواية؟
يرد في ذكر الشيخ أحمد في الفصل الثاني عشر في أثناء الحديث عن تدين محمد وإبراهيم وذهابهما إلى المسجد للمشاركة في أنشطة يشرف عليها إخونجية - يعني إخوان مسلمين - "الشيخ أحمد إخونجي والإخوان ضد عبد الناصر وضد الوحدة العربية ولا يعترفون بمنظمة التحرير الفلسطينية "(١٠٥).
سيحضر تأثير الشيخ أحمد لاحقا بخاصة حين يسأله محمد:
" - يا شيخ أحمد اسمح لي فهناك سؤال أود أن تجيب عليه لأنه كثيرا ما يتردد ويطرح علينا في كل مناسبة، وهو أين دور الإسلاميين في العمل الوطني؟"
ويجيبه الشيخ أحمد:
"نحن الآن في مرحلة تربية وإعداد".
ويضيف الراوي:
"كلمتا (إعداد وتربية) ظلتا تترددان طيلة الوقت على مدار شهر وسنوات كلما حدث نقاش في بيتنا أو في بيت أم العبد بحضور ابنها عبد الحفيظ أو في الجامعة في أي نقاش يتم التعرض فيه لموقف الإسلاميين من المقاومة المسلحة في الوقت الراهن".
وعبد الحفيظ كما سلف كان ينتمي للجبهة الشعبية.
والطريف أن المخابرات الإسرائيلية كانت تعلم بهذه الحوارات، فحين يستدعي ضابط المخابرات الإسرائيلية أبو وديع إبراهيم ليحقق معه ويحاول استدراجه للاستفاضة في الحديث وإبراهيم يجيب بحذر واقتضاب يحمر وجه أبو وديع ويصرخ "تربية وإعداد... تربية وإعداد لماذا التربية والإعداد ؟ ........ وليكن في علمك أننا نراقبكم".
نصرة القدس لم تبدأ في معركة "طوفان الأقصى" في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ، ففي الثمانينيات من القرن العشرين "أعلنت حركة دينية متطرفة تسمى حركة أمناء الهيكل أنها تنوي الدخول إلى باحة المسجد الأقصى ووضع حجر الأساس لإقامة هيكلهم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك وأنهم قد يلجأون للقوة في فعل ذلك". عندما علم طلاب الجامعة الإسلامية بذلك تجمعوا وعلى رأسهم إبراهيم وأعلنوا أنهم سيذهبون إلى القدس لنصرة الأقصى وكان الراوي وإبراهيم من المشاركين، ويصف هذا في الصفحتين ١٤٢ و١٤٣.
هل كانت بذور معركة طوفان الأقصى تكمن هناك: في كلمتي الشيخ أحمد وفي رحلة القدس وفي الحركة الطلابية في الجامعة الإسلامية ولهذا دمرتها إسرائيل؟
لم تزبط مع رجل المخابرات أبو وديع ويبدو أنه ورط أبو يائير وسيدفعه الثمن!
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ١١ / ٢٠٢٣

***

29- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٢٩: تراكم النضال ولا شيء يبدأ من فراغ

لم يغفل الراوي وهو يروي قصة حياة أسرته وحياة مخيم فلسطيني في قطاع غزة هو مخيم الشاطيء - يحيى السنوار من مخيم خان يونس - لم يغفل ما يجري في الضفة الغربية بخاصة مدينتا الخليل والقدس، بل ولم يغفل أهم مفاصل حياة الشعب الفلسطيني في الأردن ولبنان بالتحديد. إنه يروي عن الاستيطان في الخليل وعما ألم بالحرم الإبراهيمي وعن الحياة في المدينة والصلة بينها وبين مدينة غزة، كما يأتي على ما يلم بالمسجد الأقصى ومحاولات اقتحامه وهو ما ذكرته من قبل.
لا ينكر مثلا دور فتح والجبهة الشعبية في النضال؛ في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي لبنان التي كانت تجربتها فيما يتعلق بإطلاق الصواريخ على مستوطنات شمال فلسطين ملهمة لتجارب إطلاق الصواريخ من قطاع غزة لاحقا.
" رغم تفجر الحرب الأهلية في لبنان والتي كانت المقاومة الفلسطينية جزءا أساسيا فيها، إلا أن وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان ظل قويا ومصدر قلق دائم لدولة إسرائيل، خاصة وأن رجال المقاومة بين الحين والآخر كانوا يطلقون عددا من صواريخ الكاتيوشا على المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة خاصة كريات شموني، وقد استغلت حكومة إسرائيل برئاسة "مناحيم بيغن" ووزير حربه "شارون" عملية اغتيال لشخصية إسرائيلية في أوروبا فحشدت جيشها على الحدود اللبنانية وبدأت اجتياح لبنان" (١٣٨)
ولا يغفل الراوي ذكر مجزرة شاتيلا وصبرا، كما يشير إلى عملية مهاجمة التجمع الاستيطاني والعسكري في مبنى الدبوية في الخليل، وإلى إطلاق المستوطنين النار على طلاب جامعة الخليل.
هي هي دائرة العنف منذ العام ١٩٤٨.
في صيف العام ١٩٩٢ ترجمت كتيبا عن الإنجليزية للأستاذ الألماني ( Stefan Wild) عنوانه "غسان كنفاني: حياة فلسطيني" وردت فيه الفقرة الآتية:
"إن التاريخ المعاصر في الشرق الأوسط هو تاريخ الدم والدموع" و"في فلسطين هناك مجموعتان من الناس تدعيان الحق في المنطقة نفسها: الإسرائيليون والفلسطينيون. كم حربا شهد التاريخ على ادعاء كهذا؟ إن كلتا الفئتين يصبح شعبا حين يدعي حقه في فلسطين. وقد أصبح أحد الشعبين شعبا من خلال كسب النضال حتى الآن، في حين أصبح الآخر شعبا جراء تحوله إلى لاجئين وخسرانه المعركة حتى الآن. ويذكر غسان كنفاني في حياته وموته بأن عدالة ما ينبغي أن تكون وبخاصة بالنسبة للضعفاء، ويجب على أي حل سيتحقق - سواء كان قوميا أو ثنائي القومية أو متخطيا للقومية - أن يقر أن السعادة والرفاهية والحياة لطرف لا تعني الشقاء والبؤس والموت للطرف الآخر".
حالتنا حالة سيزيفية منذ ١٩٤٨.
و
"29-كم حربا شهد التاريخ على ادعاء كهذا"
شددوا على العبارة وراجعوا ما جرى بعد ١٩٧٥ عام تأليف هذا الكتيب.
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ١١ / ٢٠٢٣

**

30- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٣٠: عصامية أبطاله .. عصامية غزة

بعض شخوص الرواية يمتازون بأنهم عصاميون ولا عجب، فالراوي وأخواه وابنا عمه تربوا، بعد أن اختفى والد الأولين واستشهد والد الثانين وتزوجت أمهما، في كنف الجد الذي سرعان ما توفي وفي رعاية أم الراوي وعطف خاله عليها وتشغيل اثنين من الخمسة لديه في مغزل الصوف، وكان على حسن الأخ الثاني للراوي أن يكد ويعمل ويدرس.
يروي الراوي عن ابن عمه إبراهيم الآتي:
" في كل يوم كان إبراهيم يزداد في نظري سموا واحتراما، فهو الذي تربى يتيما من أبيه الذي استشهد وهو في الرابعة من عمره، ثم تركته أمه وهو لا زال صغيرا، وتربى بيننا، وقد أصبح رجلا عصاميا وقائدا حقيقيا رغم صغر سنه وصعوبة الظروف تحت الاحتلال.
كنت أنظر إليه وهو يتحرك في ساحة الجامعة يتحدث مع هذا ويوجه ذاك ويصدر أوامره وتعليماته لهؤلاء ويسير الأمور كما يريد..."
ويواصل الراوي:
" كان إبراهيم يدرس ومتفوقا في دراسته، ويزاول نشاطه الطلابي ويحتل بين زملائه موقعا مرموقا كقيادي في جماعته، وفوق ذلك كان يزاول أعمال البناء التي يكسب من ورائها المال الذي يكفيه للمصروف...".
إبراهيم في عصاميته مثال جيد لصديقي الأستاذ خليل حمد الذي تبنى في دراسته للأدب الإنجليزي نظرية اليتم باعثا على الإبداع. إبراهيم صار ذا شأن في الحركة الإسلامية أسهم في قيادتها إلى ما وصلت إليه. ولكن لا أعرف ماذا سيقول صديقي حين يعلم أن الأخ الكبير لإبراهيم - أي حسن - اختلف اختلافا كليا وصار يتعاون مع الإسرائيليين لدرجة أن أخاه فكر في قتله.
مما قيل عن شباب غزة أنهم "شاطرين" يعرفون كيف يكسبون رزقهم ويلتقطونه من فم العصفور و"ما بنخاف عليهم" و"ما بنضحك عليهم".
ماذا سيفعل شباب غزة بجيش "أبو يائير" و"غالانت" و"غيتس" وقد فعلوا في ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ ما فعلوا ؟
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
١ / ١٢ / ٢٠٢٣.

***

31- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٣١: تجنيد العملاء ومحاولات الإسقاط وأثره في النسيج الاجتماعي

كتبت من قبل مرتين عما رواه الراوي عن دور الخائن أو الضعيف في التأثير على المقاومة وإضعافها. وقد أيقنت إسرائيل أن المتعاونين يقدمون لها خدمات جليلة في إلقاء القبض على نشطاء الحركة الوطنية، ولم تخل بعض سير رجال المخابرات الإسرائيلية من الاعتراف بهذا مثل كتاب "مهنتي كضابط مخابرات ليعقوب بري الذي قضى ٢٩ عاما من العمل في الشاباك .
شغل هذا الموضوع حيزا لا بأس به في الرواية، فقد روى عنه الراوي في مواضع عديدة، ومن يشاهد أشرطة الفيديو التي تأتي على حياة الكاتب يعرف ما فعله بهؤلاء حين كان طليقا وكم كلفه ذلك من سنوات سجن.
إن أكثر صفحات الفصل ١٦ مثلا تكتب عن تجنيد العملاء والإسقاط وتواصل سرد قصة حياة حسن ابن عم الراوي؛ حسن الذي أراد أخوه إبراهيم أن يقتله.
لقد كان رجال المخابرات ينشطون في استدعاء الشباب إلى مكاتبهم ليهددوهم ويتوعدوهم ويضربوهم ويساوموهم باذلين كل جهد لتجنيد من يستطيعون تجنيده منهم وقد ينجحون في اقتناص بعض ضعاف النفوس "كل من يريد السفر للخارج للدراسة، لزيارة أقاربه، للعمل، كل من يريد ترخيصا للبناء، لفتح ورشة، أو متجر كل من يريد ومن لا يريد لا بد أن يمر من مكتب ضابط المخابرات حيث يبدأ المساومة ويعرض خدماته مقابل خدمات بسيطة جدا من هذا المواطن" (١٥٣).
لقد أصبح عدد ممن نجح ضابط المخابرات في تجنيدهم "مشهورا ومعروفا ويحمل المسدس على جنبه ويتردد به في الشوارع ويدخل إلى مكتب المخابرات وقتما يشاء".
وصار بعض المواطنين يلجأون إلى هؤلاء العملاء لتيسير أمورهم، وأخذ العملاء يطلبون من سائليهم مبالغ مالية كبيرة يتقاسمونها مع رجال المخابرات، وكل من قرأ كتاب الكاتب الإسرائيلي (ديفيد غروسمان) "الزمن الأصفر" (١٩٨٨) قرأ فصلا عنوانه "الواسطة" يتحدث فيه عن ثراء الطرفين؛ العميل ومن جنده.
وصار نشطاء التنظيمات المختلفة يخضعون لمراقبة هؤلاء العملاء.
ولضرب النسيج الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني عمل رجال المخابرات وعملاؤهم على إسقاط أخلاق بعض الشباب والشابات لتوريطهم. وهذا الموضوع كتب فيه كتاب كثيرون من قبل كتابة السنوار ومن بعدها. أسعد الأسعد في "ليل البنفسج" (١٩٩٠) وحسام شاهين في "زغرودة الفنجان" (٢٠١٥) وهيثم جابر "الشهيدة" (٢٠١٦) و... و... .
وقد سجلت في المناطق المحتلة في غزة والضفة الغربية أكثر من حادثة انتحار، ويعد فيلم "صالون هدى" المنجز في الأعوام الأخيرة نموذجا للفيلم الفلسطيني الذي عالج هذه الظاهرة.
"بات واضحا أن مخابرات الاحتلال باستخدام عملائها تمارس عملا ممنهجا لنشر الفساد المنظم لتدمير الشعب وإنهاء كل أمل لديه في مستقبل للتحرر أو المقاومة".
يذكر الراوي هنا ما كان يقوم به ضابط المخابرات أبو وديع من استغلال صور لشاب في أوضاع مخلة لكي يجندهم فإن رفضوا هددهم بفضحهم. (ص ١٥٥ و١٥٦) ويأتي الراوي هنا على دور نشطاء التنظيمات في توعية هؤلاء الشباب.
في الصفحة ١٥٧ يأتي على صلة ابن عمه حسن بالمخابرات الذي فاحت رائحته حتى أزكت الأنوف. إن أخ الراوي حسن كان من أشد المتضررين من كون ابن عمه حسن عميلا "فكثيرا ما سمع الناس عن الفاسد الكبير والمشبوه "حسن الصالح"، وذلك لتشابه اسمه مع اسم ابن عمه "وعلى حسن في كل مرة أن يفسر ويوضح القصة من بدايتها فأحيانا يصدق السامعون وأحيانا يهزون رؤوسهم وعيونهم تخبر بأنهم غير مصدقين"، وهذا ما دفع إبراهيم بالتفكير بقتل أخيه "يجب أن نقتل حسنا". وقد كمنوا له وضربوه ضربا مبرحا جعل الناس ينظرون إليهم باحترام وعيونهم تقول لهم: "لقد فعلتوها، الله يسلم أيديكم".
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٣ / ١٢ / ٢٠٢٣

***

32- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٣٢: البقاء في غزة ومكانة الأقصى

يخصص الراوي أحمد صفحات كثيرة للكتابة عن العملاء والتخلص منهم وسجنه وسجن ابن عمه إبراهيم وغرفة العصافير في داخل السجن، ويأتي على مراقبتهما معا لابن عمه حسن المرتبط ب"أبو وديع" ويشير إلى أن إبراهيم تخلص من أخيه، كما يفصح عن محاربة العملاء وفك الشيفرة المشتركة بينهم وبين المخابرات، ويستطرد في الكتابة عن الانتفاضة الأولى ١٩٨٧ والمظاهرات التي اندلعت بسببها وتجسس المخابرات على إبراهيم من خلال صديق له اسمه فايز، فيلاحقه للتأكد من استنتاجاته حوله وحين يصل إلى دليل يتخلص منه في إحدى المظاهرات محملا قتله لرصاص الاحتلال.
لكن الأهم هو ما يكتبه في الفصل الثاني والعشرين عن حبه للمسجد الأقصى، وربما يكون لهذا صلة مبكرة بما يجري.
في يوم السبت ٢ / ١٢ / ٢٠٢٣ كتبت في يوميات المقتلة وحرب الإبادة تحت عنوان "السؤال الصعب" متكئا على سؤال أثاره الكاتب الغزي طلعت قديح في صفحته فحواه أن الأسرى الفلسطينيين لو عرفوا أن ثمن تحريرهم هو تدمير غزة لرفضوا ذلك. وكنت أعدت تدوير سؤاله فسألته لأسيرات حررن وكانت إجابة إحداهن أن الأسرى في اليوم الثاني ل ٧ أكتوبر كتبوا انهم لا يرغبون في أن تكون هناك ضريبة دم لإطلاق سراحهم، وآمل أن أكون أحسنت الإصغاء.
والصحيح أنني ندمت لإثارة السؤال، فأنا أصغيت إلى خطاب السيد حسن نصرالله وعرفت منه أن هناك أربعة ملفات دفعت المقاومة للقيام بما قامت به منها ملف الأسرى ومنها ملف الأقصى ومنها ملف الاستيطان وما يجري في الضفة الغربية ومنها ملف حصار قطاع غزة.
كانت سبل الحياة في غزة تضيق فاقترحت والدة الراوي على إبراهيم الذي تزوج من ابنتها مريم أن يخرج إلى الأردن عله يحصل على فرصة عمل في السعودية، ولكنه رفض ذلك وحسم أمره أنه لن يغادر غزة ولو عاش فيها على الخبز وحده.
عندما حملت زوجة إبراهيم أنجبت بنتا أسماها إسراء، وحين تساءل الراوي عن سبب هذه التسمية أجابه إبراهيم:
"حتى تذكرني كلما رأيتها بواجبي تجاه أرض الإسراء والمعراج والمسجد الأقصى. وبما أن الأولاد أحد أسباب تقاعس الناس عن الجهاد، فإن تسميتها إسراء يجعل هذا سببا لدفعي لواجبي، بدلا من أن تكون سببا لتقاعسي"، ويتابع الراوي "وقد ذكرني بتلك اللحظات الجميلة التي قضيناها أثناء رباطنا في المسجد الأقصى المبارك، حين هدد اليهود باقتحامه، وقد ترقرق الدمع في عينه"(٢٢٤).
في بداية أحداث أكتوبر ٢٠٢٣ بث مواطن يهودي يرتدي ملابس عسكرية ويضع (الكيباه) على رأسه، ويبدو أنه خدم في الجيش الإسرائيلي، بث شريط فيديو يفصح عن رأيه في الأحداث، ويحمل المسؤولية لحكومته التي لم تستطع أن تكبح جماح مجموعة متدينين يهود متطرفين كرروا اقتحامهم لساحات المسجد الأقصى وشتمهم شتيمة عربية.
هل أسأت حين وجهت سؤال الكاتب الغزي إلى الأسيرات؟
ربما ! وكان يجب أن أنتبه إلى أن محمد ضييف اختار عبارة "طوفان الأقصى"، لا "طوفان الأسرى" لما حدث.
فيما عرفته عن الاستشراق الإسرائيلي أنه قبل حرب حزيران ١٩٦٧ درس نفسية الشعب المصري وعقليته وتفكيره من خلال روايات نجيب محفوظ وروائيين وكتاب مصريين آخرين كيوسف إدريس وتوفيق الحكيم ، فهل درس هذا الاستشراق الذي التفت إلى أدب غسان كنفاني، بعد التفاته إلى الأدب المصري ، هل درس رواية يحيى السنوار ليتعرف إلى شخصيته منها؟!
أشك في ذلك، فالسنوار ليس له رصيد أدبي كبير لافت، وحتى لو كان له مثل هذا الرصيد فأغلب الظن أن اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يدير دفة الحكم في الدولة العبرية لن يلتفت إلى وجهة النظر الفلسطينية، لأنه لا يرى إلا ما في مخيلته "أرض أكثر وعرب أقل"، وقد يكون فيما قدمته من قراءة لرواية "الشوك والقرنفل" بعض تفسير لما يحدث الآن. وربما بقي موضوع آخر لم أخض فيه وهو التركيز على القوة والعمل المسلح والموقف من اتفاقية أوسلو.
خربشات عادل الاسطة
٤ / ١٢ / ٢٠٢٣.

***

33- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٣٣: حماس واختطاف الجنود الإسرائيليين "صورة الجندي الإسرائيلي"

في الصفحات الأولى من الفصل الثاني والعشرين يأتي الراوي على بدايات التفكير في خطف الجنود الإسرائيليين كرد فعل على ما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة.
محمد شقيق الراوي الذي يعمل في ورش البناء والإعمار يلمح إلى أخيه الراوي بذلك.
كان محمد يترك عمله في البناء ويغيب أوقاتا طويلة أو قصيرة ثم يعود ليواصل العمل، وكان هذا الغياب مثار تساؤل الأخ / الراوي، وحين يسأله أحمد عن سبب الغياب يجيبه محمد:
- عمل. البحث عن عمل يا أحمد، فقبل إنهاء الورشة التي بأيدينا يجب أن تكون ورشة أخرى بانتظارنا.
يعقب الراوي أحمد على إجابة أخيه محمد :
- فأنظر في عينيه وأنا أؤكد أنه يكون في عمل من نوع آخر (يبحث عن عمل من نوع آخر، ليس له علاقة بشغل البناء والإعمار).
يأتي أحمد على معسكر صرفند في فلسطين ١٩٤٨ ويصف بداية عمليات اختطاف الجنود التي يشارك فيها أخوه محمد من المعسكر وكيف تتم والحيل التي لجأ إليها المختطفون:
"أحد الجنود أشار للسيارة بالتوقف بإلحاح، فتوقفت السيارة فيفتح الجندي بابها الخلفي ويلقي نفسه على الكرسي قائلا للمسمية (باللغة العبرية لمسمية) فيرد عليه السائق لا بأس (بالعبرية بسيدر) وتنطلق السيارة من جديد بعد أن تقطع مسافة، يلتفت إلى الشاب الجالس إلى جوار السائق وقد شهر موسا صغيرا طالبا منه عدم إبداء أي حركة (بالعبرية شوم تنوعاه) ويقول للجالس على الكرسي الخلفي باللغة العربية: خذ بندقيته، فيأخذها منه، ويرتجف الجندي ويبدأ بالبكاء، وهو يستنجد بأمه (بالعبرية ايماما) ويسيل بوله ليبلل بنطاله.
فيبدأ محمد بالصراخ عليه: أنتم تأتون لتقتلونا في غزة والضفة، وقد اغتصبتم أرضنا من قبل، هناك حين تكونون تشهرون السلاح وتطلقون الرصاص على الأطفال، تظنون أنفسكم رجالا، وهنا تريد أمك وتبول في ثيابك، ويطلق عليه رصاصة في القلب" (صفحة ٢٢٦)
ويقوم الثلاثة بدفن الجندي القتيل وأخذ سلاحه ومستنداته وإذا بالجندي من القوات الخاصة التابعة لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي.
وبعد أيام تختطف المجموعة نفسها جنديا ثانيا وتستولي على بندقيته وتقتله وتدفنه "وبينما هي تحاول اجتياز الأسلاك الحدودية التي تفصل قطاع غزة عن أراضي الداخل، لاحظها أحد الحراس فاتصل بالقوات التي تحرس المنطقة وبدأت مطاردتها، أدت بعد قليل إلى اعتقال بعض أفرادها وهرب آخرون واختفوا ثم هربوا عبر الحدود إلى مصر".
قادت الأحداث السابقة إلى فرض حظر التجول على قطاع غزة كاملا، وبدأت حملة اعتقالات واسعة.
أمس قرأت أن الثالوث الخطر الذي تسعى المخابرات الإسرائيلية لإلقاء القبض عليه حيا أو ميتا هم يحيى ومحمد السنوار ومحمد ضيف، ولما سألت مدرج الخبر على صفحته عن الصلة بين محمد ويحيى ظانا أن الأول ابن الثاني أجبت بأنه أخوه. هل كان الكاتب هنا يكتب عنه وعن أخيه؟
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
٦ / ١٢ / ٢٠٢٣ .

***

34- يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " ٣٤ : ذكرى انتفاضة ١٩٨٧

تحضر انتفاضة ١٩٨٧ في الرواية في الصفحة ١٩٧ وما تلاها ، ويحكي السارد عن سبب انفجارها ودور مخيمي جباليا وبلاطة في تأجيجها ، ثم دور طلاب الجامعة الإسلامية وإسهام أفراد أسرته على اختلاف توجهاتهم التنظيمية فيها . يروي الراوي :
" مساء الثلاثاء الثامن من ديسمبر من نفس العام ( ١٩٨٧ ) بينما كانت حافلة تقل عددا من العمال الفلسطينيين العائدين من عملهم داخل الأراضي المحتلة ( ١٩٤٨ ) متجهة نحو الجنوب إلى مدينة غزة وقد تجاوزت حاجز إيرز ، وعلى الاتجاه الآخر من الطريق كانت قاطرة ضخمة يقودها أحد الصهاينة ، تنهب الأرض نهما ، تكاد تطير عن الأرض متجهة نحو الشمال ، وحين أصبحت قريبة من حافلة العمال ، انحرفت نحوها فطحنتها طحنا ، حيث قتلت عددا من العمال وأصابت آخرين ، نقل القتلى إلى بيوتهم ، والجرحى للمستشفيات ، وانتشر الخبر في أنحاء القطاع عن حادث متعمد لقتل العمال ، فخرج الآلاف إلى الشوارع يتحدثون ويستفسرون "
ويتابع :
" ... حين عاد إبراهيم ليلا إلى الدار همس في أذني أن الجامعة الإسلامية غدا ستكون بؤرة المظاهرات ... وقد سقط في مخيم جباليا شهيد الانتفاضة الأول ، الشهيد الأول " حاتم السيس " .
" اشتعل مخيم بلاطة بالقرب من نابلس ، كان المخيم يعاني طيلة شهور من ممارسات جنود حرس الحدود الذين معظمهم من الدروز العاملين في هذا القطاع من الجنود والذين بدأوا بمضايقات ومعاكسات الفتيات ونساء الحي ، وكان المخيم في حالة غليان دائم على مدار الشهور السابقة ، فجاءت أحداث غزة لتصب الزيت على النار .
صلى الناس الجمعة ثم انطلقوا في شوارع المخيم في تظاهرة حاشدة توجت بصدامات عنيفة مع قوات الاحتلال ، الصورة كذلك كانت في مخيم الدهيشة بالقرب من مدينة بيت لحم " .
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه هو إسحق شامير الذي صرح بأن الشعب الفلسطيني لن يحقق شيئا بهذا العنف ، وأن هذا العنف لن يجدي نفعا وسيقابل بيد من حديد ، وقام وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه إسحق رابين باتباع سياسة تكسير العظام .
العنف لا يحقق شيئا وطريق السلم لم يحقق طموحات الشعب الفلسطيني . كل الحق على لون البقرة ولونها والجدل بين الله سبحانه وتعالى وشعبه المختار بهذا الخصوص .
من ٩ / ١٢ / ١٩٨٧ إلى ٩ / ١٢ / ٢٠٢٣ وما زال بطل مسرحية غسان كنفاني " الباب " يضرب الكرة على الجدار ولم يكل ولم يمل ولم ييأس ولم يحبط .
خربشات عادل الاسطة
٩ / ١٢ / ٢٠٢٣

***

35- يحيى السنوار الشوك والقرنفل" ٣٥ : أدب نكبة أم أدب حزيران أم أدب انتفاضة أم أدب مقاومة؟

في الأيام الأخيرة اتصل بي صديق يطلب مني أن أرشح له رواية ليدرسها ويشارك من خلال دراسته في مؤتمر عن أدب المقاومة في إحدى الجامعات الأردنية.
لم أقترح له رواية "الشوك والقرنفل" ابتداء ربما لأن الكتابة عنها قد تسبب له مشاكل بحكم الموقع الذي يقيم فيه، ثم لما كرر سؤاله طالبا اقتراح غير عمل طلبت منه أن يقرأ ما أكتبه عن يحيى السنوار، فهل يمكن إدراجها ضمن أدب المقاومة؟
الرواية التي تقع في ٣٣٥ صفحة من الحجم الكبير تأتي على فترات من حياة الشعب الفلسطيني قبل حزيران ١٩٦٧ حتى تاريخ الانتهاء من كتابتها في العام ٢٠٠٤، فهي بذلك تصور فترات مختلفة من مسيرة الشعب الفلسطيني. تأتي على واقع الفلسطينيين في أماكن اللجوء بعد ١٩٤٨ وتصور حياتهم بعد هزيمة ١٩٦٧ وتغطي فترة انتفاضة ١٩٨٧ ثم تأتي على أوسلو وحكم السلطة الفلسطينية لغزة حتى العام ٢٠٠ وتكتب عن بداية انتفاضة الأقصى.
الكتابة عن المقاومة في الرواية يشغل صفحات كثيرة، تماما كما أن وصف الواقع الاجتماعي والسياسي يشغل قسما كبيرا من حيزها. إنها بذلك يمكن أن تدرس وأنت تدرس أدب النكبة أو أدب هزيمة حزيران أو أدب انتفاضة ١٩٨٧ أو أدب مرحلة السلام. والرواية التي يرويها راو ولد في العام ١٩٦٢ وأنجزها في السجن في ٢٠٠٤ تغطي هذه الفترة الزمنية من حياة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وصلته بالخليل ، بل وتكتب عن حياة والديه وجده اللاجيء في العام ١٩٤٨.
وهي إن كانت سيرة روائية للراوي / الكاتب فهي أيضا سيرة لشعبه في مكان محدد من خلال أسرة لاجئة فلسطينية فقيرة معدمة خلال أربعين عاما شهدت خلالها الأسرة عدة أحداث محورية في حياة الفلسطينيين انتموا خلالها إلى تيارات سياسية وتنظيمات مسلحة تحاورت وتخاصمت واتفقت واختلفت وتغيرت وتبدلت وتبادلت الطروحات والسلوكات أيضا .
وإن كان الراوي مال إلى تيار أحد الإخوة وهو التيار الإسلامي الذي أسهم أخوه إبراهيم في تشكيله وقيادته واستشهد من أجله، فإنه يرصد مسيرة هذا التيار ويأتي على بعض رموزه حتى ليمكن اعتبار الرواية رصد كاتبها لمسيرة حركة حماس منذ ما بعد حزيران ١٩٦٧ - منذ كانت حركة إسلامية تشكل قادتها في حركة الإخوان المسلمين ثم حولوها إلى تيار مقاوم بالسلاح رفض أوسلو وظل يميل إلى العمل المسلح.
الراوي مثلا يأتي على إبعاد رموز حركة حماس إلى مخيم مرج الزهور وعلى قصة يحيى عياش وإن لم يذكره بالاسم وعلى استشهاد عماد عقل ورموز أخرى مثل جمال سليم وجمال منصور وتكون نهاية إبراهيم باستشهاده، ولعل نهايته تستحق كتابة خاصة أنهي بها هذه السلسلة من الكتابة.
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
الأحد ١٠ / ١٠ / ٢٠٢٣

***

36- يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" ٣٦: نهاية الرواية : استشهاد إبراهيم

تنتهي الرواية بخروج إبراهيم من السجن ومواصلته ، في انتفاضة الأقصى، النضال، واستشهاده.
يفصح الراوي عن رأي إبراهيم في اتفاقية أوسلو التي لم تنجز شيئا، فلم تسفر عن انسحاب كامل من المناطق المحتلة في العام ١٩٦٧، علما بأن الاحتلال كان "جاهزا للهروب من غزة، وجاهزا للهروب من الضفة عام ١٩٩٣، يوم أعمته المقاومة بضرباتها النوعية، وصرح الكثيرون من قادته أنهم سيفعلون ذلك، فجئنا نحن الفلسطينيين ووضعنا لعدونا السلم لينزل عن شجرة جرائمه..".
ويرى الراوي أن القوة لا التفاوض هي ما أجبرت العدو على الانسحاب من جنوب لبنان ٢٠٠٠، ويسرد عن اغتيال قيادات حمساوية ومن الجبهة الشعبية في انتفاضة الأقصى ويرى أن لا بديل سوى المقاومة ويكرر عبارات" فهذا جهاد جهاد.. نصر أو استشهاد، يجب أن نصنع السلاح على بساطته، ويجب أن نسعى لتطويره، في كل يوم لنزيد قدرته التدميرية، ونزيد مداه ونضرب به العدو الذي يمتلك كل تلك القدرات العسكرية" (٣٣٩) ويستشهد بالحديث النبوي (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليه.. ود حتى يقول الحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يه.. ودي تعال فاقت.. له).
وردا على قتل الإسرائيليين جمال منصور وجمال سليم وأبو علي مصطفى وكثرا آخرين تبدأ العمليات الاستشهادية، فتودع الأمهات الأبناء "في سبيل الله، وفي سبيل القدس والأقصى" ويعلن عن استعدادهن للتضحية بالأبناء من أجل عزة شعبنا وكرامة أمتنا.
تحضر الرؤيا لإبراهيم ويحدث الراوي - أي أخاه أحمد - بما يرى "ثم رأيتني يا أحمد صائما ورأيت رسول الله صلعم يقول لي إفطارك عندنا اليوم يا إبراهيم، فأنا في انتظارك، صرخت هل معنى ذلك." (٣٣٤) وتقصف سيارة إبراهيم ويرتقي شهيدا وتتلقى زوجته خبر استشهاده ببسمة لا تغادر شفتيها وزغرودة تعلو على صوت الحشد الهادر "إلى يمينها ياسر وإلى يسارها إسراء، ورأس أمي يطل من ورائها وهي تمسح دمعتها بطرف منديلها"
وأما محمود فتحاوي الانتماء أخو الشهيد إبراهيم وأحمد الراوي فتمدهما مريم ببندقيتين رفعاها فوق الرؤوس وانطلقا والجماهير من ورائهما تهدد "خيبر خيبر يا يه.. ود جيش محمد سوف يعود...".
هكذا تنتهي الرواية التي انتهى الكاتب من كتابتها في كانون الأول من العام ٢٠٠٤. ونحن اليوم في كانون الأول من العام ٢٠٢٣. لقد مرت تسعة عشر عاما وها هي البندقية يعلو صوتها وها نحن نشهد ما قالته الرواية وما قاله يحيى السننوار وهو في "سجن بئر السبع، ايشل فلسطين، انتهت.. في زنازين سجن بئر السبع واكتملت بفصلها الثلاثين ولكن لا زالت مأساة كاتبها ورفاقه مستمرة في اقبية سجون الاحتلال" (٣٣٥).
هل انتهت الحكاية التي ما زالت مأساة شعب كاتبها تتعاظم وتتزايد بوتيرة متسارعة وبمتوالية هندسية لا حسابية.
الحكاية طويلة.
هل عرفتم لماذا ندرس الأدب ولماذا أنفقت في العام ٢٠٢١ عشرة أيام، وفي العام ٢٠٢٣ ستة وثلاثين يوما أكتب عنها.
يحيى السننوار أوقف العالم على رجل واحدة. هل هو ومحمد ضيف ومروان عيسى المسؤولون عما وصلنا إليه أم أنه (ثيودور هرتسل) و(بلفور) وبريطانيا العظمى وأمريكا والغرب؟
راجعوا كتاب المؤرخ الإسرائيلي (إيلان بابيه) "عشر خرافات هزت إسرائيل" فقد تجدون الإجابة فيه.
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ١٢ / ٢٠٢٣

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق