الصوت عبري والصدى عربي!
أحمد عبد العزيز
الجبناء (دائما) ما يلومون الضحية، ولا يجرؤون على لوم الجلاد.. فالضحية هو الطرف الأضعف في طرفي المعادلة، فلا سيف لديه ولا ذهب، ولا قوة ولا جاه، أما الجلاد فيملك السيف والذهب، والعصا والجزرة، والكرباج والحلوى..
دائما وأبدا ما ينهال الجبناء باللوم على الضحية: لِمَ فعلت هذا؟ لِمَ قلت كذا؟ لِمَ لمْ ترض بالأمر الواقع؟ أيرضيك ما جرى لك ولأهلك من تنكيل وتشريد؟ من سيعوضك عن كل هذا الذي فقدت وهو كثير؟
ليتك سكت! إلى آخر عبارات اللوم والتبكيت التي نعرفها والتي لا نعرف!
بالمقابل، لا يجرؤ هؤلاء الجبناء على الإشارة إلى الجلاد بإصبع الاتهام ولو على استحياء، وإذا أشاروا إليه فباعتبار الإجرام سجية لديه، على الضحية أن يتحاشاها، ولا يتعرض لها، فينجو بنفسه وأهله منها؛ لأن تعرضه لها يكشف (بالضرورة) جبنهم وخوَرَهم الذيْن دائما ما يخفونهما وراء عبارات منتقاة من عيون الحكمة، وتحليلات تبدو عقلانية، واستشهادات تاريخية، واقتباسات دينية، كلها متهافتة، ملوية الأعناق، مبتسرة، مجتزأة، على غرار "ولا تقربوا الصلاة"!
ويتوزع هؤلاء الجبناء على مختلف الطوائف والفرق والانتماءات والمجتمعات؛ فمنهم العلماني، ومنهم الإعلامي، ومنهم الحقوقي، ومنهم السياسي، ومنهم المندس، ومنهم المتمسلف صاحب الغُترة المكوية واللحية الكثة والشارب المحفوف، والسلفية والسلف منه براء..
وليس أسوأ من الجبان إلا المرتزِق؛ فالجبان يسعه السكوت، أما المرتزق فلا يملك إلا أن يكون معبرا عما يجول في خاطر سيده وكفيله الذي يمده بأسباب حياة ما هي بالحياة!
السنوار كافر ومجنون وهش و..!
هذه خلاصة ما ردده صدى الصوت العبري بلسان عربي غير مبين!
يُعرِّف هذا الصدى العربي للصوت العبري نفسه بأنه معارض سياسي، وحقوقي جزائري.. التقيته غير مرة، في ندوات ومناسبات تتعلق بأحوال اللاجئين والنازحين من أشقائنا السوريين، قبل سبع أو ثماني سنوات تقريبا..
كان يبدو محترما، منحازا للمظلومين والمستضعفين، ناقما على النظام السوري ورئيسه الجلاد، وكل الطغاة العرب، قبل أن يصبح خادما في بلاط أحدهم..
مرت السنون ولم نلتق، ثم ظهر أمامي فجأة على قناة خليجية مغمورة وقد تبدل حاله، فوجدت شخصا غير الذي التقيته، إذ وجدت كائنا مرتزِقا متملقا، يقول كلاما رخيصا لا يصدر عن إنسان عادي، ناهيك عن أن يقوله معارض سياسي، وحقوقي مثقف!
بعد مشاهدتي إياه، علقت لديه على منصة "إكس" لائما مؤنبا، أيام كان اسمها "تويتر"، وتراشقنا، فقام بحظري.. ومنذ تلك الواقعة لم أسمع به ولا عنه، حتى ظهرت أمامي (قبل يومين) على منصة "إكس" تغريدة لإعلامي خليجي يُدعى محمد أحمد الملا..
كانت التغريدة إعلانا عن حوار أجراه مع هذا الذي كان صاحبنا ثم تصهين، وأرفق مع الإعلان مقتطفا مرئيا من هذا الحوار..
استمعت إلى هذا المقتطف الذي تكلم فيه "صاحبنا القديم" بلهجة حادة غاضبة، ولغة مضطربة (سمحت لنفسي بضبط صياغتها) فقال:
"كتبتُ ما أثار الغضب، وتعرضت لهجوم كبير.. قلت عن يحيى السنوار: إن شخصا مكث في السجن 23 سنة، يجب ألا يتولى منصبا قياديا؛ لأنه معروف لدى المحتل، وأكشف عن معلومة أقولها لأول مرة.. لقد خضع السنوار لعلاج نفسي لمدة أربع سنوات على يد طبيب.. هذا الطبيب ليس مدنيا ولا فلسطينيا، بل هو ضابط استخبارات إسرائيلي.. هل من المعقول أن شخصا كان يُعالج نفسيا، لدى طبيب نفسي من المخابرات الإسرائيلية يصبح قائدا، بعد أن يخرج من السجن مباشرة"؟!
ويتابع معللا:
"المفروض أن الذي يُسجن ثلاث سنوات يجب ألا يتولى الشأن العام، هذا إذا كان شأنا عاما عاديا، في ظروف السلم، فكيف في ظروف الحرب"؟!
ويواصل مستطردا:
"اتصل بي أسرى كانوا مع السنوار وقالوا لي: كان السنوار تنتابه لحظات من الغضب فيضرب رأسه بالسرير أو بالجدران، بل كان يتلفظ بألفاظ بذيئة، وأحيانا بألفاظ تمس الذات الإلهية؛ بسبب الوضع النفسي الذي كان عليه"!
ويخلص إلى ما كُلف بنقله فيقول:
"فهذه المغامرة [طوفان الأقصى] قادها السنوار، بدلا من أن يخضع للعلاج النفسي، أو حتى يبقى كمستشار! ولكن أن يصبح قائدا ويورِّط غزة والقضية الفلسطينية بهذه الطريقة، أعتقد بأن هذا خطأ جسيم بمعنى الكلمة".
انتهى كلام صاحبنا القديم المتصهين الجديد أنور مالك، بعد ضبط الصياغة..
هنا يطل سؤال منطقي: هل كان لأفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيوني أن يقول غير هذا الكلام إذا ما تكلم عن يحيى السنوار؟
من يتابع أدرعي سيقول: إن صاحبكم القديم قال ما لا تجود بمثله قريحة أدرعي الذي هو أكذب من مسيلمة..
السؤال الثاني: ما الرسالة العبرية التي أراد أصحابها أن يصل صداها بالعربية، حتى لو كانت ركيكة، وما هدف العدو الصهيوني منها؟
إليك (عزيزي) ما يريد العدو الصهيوني أن يصل إليك، ويستقر في عقلك الباطن:
- الزعيم الفلسطيني الذي يقود أول حرب نوعية وجودية مع العدو الصهيوني.. "مجنون"! ولو لم يكن مجنونا لما تعرضت غزة لكل هذا الدمار، وما بلغ ضحايا العدوان الصهيوني كل هذا العدد، جُلهم من النساء والأطفال!
- الزعيم الفلسطيني الذي يرفع راية الجهاد في سبيل الله.. "كافر" يسب الذات الإلهية! فكيف تولوا "كافرا" عليكم وأنتم المسلمون المتدينون؟!
- الزعيم الفلسطيني المنوط به تقديم المثال للخُلق الرفيع.. "قليل الأدب".. بذيء.. لا يتورع عن التلفظ بألفاظ نابية، كيف هذا وأنتم تقولون: الرسول (صلى الله عليه وسلم) قدوتنا؟!
- الزعيم الفلسطيني الذي صار حديث العالم.. "هش" لا يتحمل الضغط، وسينهار قريبا..
- كيف لكم (أيها العرب والمسلمون) أن تثقوا في هكذا قيادة، و"تنساقوا" خلفها؟!
"مجنون" و"كافر" و"بذيء" و"هش".. لكن صاحبنا القديم المتصهين الذكي الواعي الفاهم لا يرى بأسا في أن يكون هذا الذي جمع أطراف عدم الأهلية مستشارا.. ما شاء الله.. اقتراح وجيه جدا أوي خالص، من مخلص جدا أوي خالص!
طيب يا أيها المخلص.. ماذا لو أخذت قيادة حماس برأي هذا المستشار "المجنون الكافر البذيء الهش" ونفذت ما أشار به عليها، وأعني هجوم طوفان الأقصى؟ ولا يهم ساعتئذ إذا كانت القيادة نزلت على رأي هذا "المستشار" تحت تهديد سلاحه الذي لا يفارق خصره وهو "المجنون الكافر البذيء الهش"، أو اقتناعا منها برأيه، وهنا لا يمكن لأي إنسان سوي عاقل بأن يصف هذه القيادة بالعاقلة، أو المسلمة، أو الخلوقة، أو المتماسكة، فالنتيجة واحدة في كلتا الحالتين: تدمير غزة وإبادة أهلها!
كيان بحجم حماس وخبرتها وتدينها وسلامة عقيدتها يختار مجنونا كافرا بذيئا هشا؛ لقيادته، ويتولى (بالتبعية) قيادة غزة والمقاومة!
كلام لا يقوله إلا أفيخاي أدرعي، أو إيدي كوهين، هذا إن خطر على بالهما من الأساس.. لكن صاحبنا القديم المتصهين الجديد انتدب نفسه، أو تم تكليفه من كفيله، بهذه المهمة الدنيئة، فربما يسمع له الجمهور العربي الذي يتحسس من اللسان العبري، إذا نطق العربية..
ثم من هؤلاء الأسرى الذين نقلوا إلى هذا المتصهين الجديد هذه الرواية التي تضحك لها أو منها الثكالى؟ ولماذا خصُّوه هو بالذات بها؟ أم أن هذا هو "الاسكريبت" العبري الذي طُلب إليه أن يلقيه بالعربية؟!
على أية حال.. إذا كانت هذه الانتصارات المبهرة التي تحققها حماس وأخواتها في غزة، منذ أكثر من شهرين، هي نتيجة العلاج عند طبيب نفسي ضابط استخبارات صهيوني، فما أروعها من نتيجة، وما أمهره من طبيب، وله كل الشكر، وأدعو كل الأسرى الفلسطينيين لمباشرة العلاج تحت إشرافه..
براءة من هؤلاء المتصهينين المرتزقة، ومن كفلائهم الذين والوا الصهاينة وأعانوهم بالصمت وادعاء الحكمة، وضبط النفس، على إبادة الآلاف من أهلنا في غزة..
عليهم جميعا من الله ما يستحقون..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق