حكايتنا في القرن العاثر
أمتنا وشعوبنا المكلومة بين أسوأ تاجر وأقبح قائد! فكيف يتقوم المسار وكيف تثبت على الحق القيادة؟
أسوأ تاجر يمكن أن يجمعك به حظك العاثر، هو التاجر الذي تصنع أخلاقه ظروفه المرحلية من حين لآخر!
ترى منه الصدق وتعاينه، ثم يفاجئك في موقف آخر بأقبح مما تتصوره عن التاجر الفاسد، وهو كما تراه في الحالتين صادق!
لست أحمقا ولا مغفلا ولا قليل فهم، إنما أنت أمام شخص يعيد تشكيل أخلاقه بشكل حقيقي بحسب ظروفه الموضوعية!
أما أقبح قائد فهو الذي يدرك الحق والحقائق ثم يتعامى عنها طمعا في مكسب سياسي مؤقت من عدو خبيث وماكر!
وتظل أنت مثقلا بالهم والغم، تقارع أمواج الجهل التي يبثها بين عموم الناس وخصوص الأتباع هذا القائد المنقذ، هو ومن يرافقه في نفس المركب الواعد!
وفي لحظة عابرة يفاجئك هذا القائد النبيل والواعد بطرح يتقدم على طرحك الرائع بما فيه من حق وتجرد ونصوع الحقائق!
مفاجأة تذهلك حد الشك في موقفك السابق! فأنت تقف أمام هامة وقائد لا ينقصه فهم ولا تلتبس عليه الحقائق! ثم تبكي ندما ودمعا يتساقط فتكتوي حرقة على رجل من زمن الصحابة كنت عنه غافل!
وفي ليلة سوداء غير مقمرة تشعر بحراك وهمهمة من خارج خيمتك الفقيرة، فيتعاظم القلق في نفسك، وتبات ساجدا وصدرك ضيقا وتخنقك المشاعر، وتتمنى ألا تطلع الشمس فلا تدري على أي حال سيتكشف صباحك المرتاب القلق والخائف!
حتى إذا تسلل ضوء الشمس من شقوق خيمتك المتهالكة من كثرة ترحالها والمعارك، يفاجئك صوت نفس القائد ويدهشك ملعلعا بمقولات وكأنه بات مروجا للظلم وبوقا للظالم! فتخرج مسرعا متعثرا بخيمتك التي تسقط خلفك من حجم اضطرابك والمصائب، فعقلك لا يكاد يصدق أذنيك ويشكك في صوت القائد!
نعم يا بني لا تحدق كثيرا، فهو نفس الشيخ – عفوا القائد الواعد -، والذي سمعت منه حقا أبلجا ووعيا عميقا فاقك في استيعاب الحق والحقائق، ها هو يعود مرة أخرى وينتكس ويغيب عنه الحق وتنقلب رأسا على عقب كل الحقائق، وتغيب معها دماء الحرائر وتنسى المظالم!
تمهل يا أخي وتوازن.. فالشيخ لم يتغير ولا الموجه والقائد، بل هو نفسه بشحمه ولحمه متحدثا وخلفه كتب كثيرة كما تعرفها لا تزال تملأ الرفوف وتغطي لون الجدار وتخفي الحائط، لم يتبدل الرجل ولكن غابت عنك حقيقة أقبح تاجر!
أنت يا بني أمام نفس النموذج الذي يصنع خلقه ودينه الواقع الموضوعي وحجم المغانم السياسية والسلطة والنفوذ والمعابر!
اهدأ وتنهد برفق ولا تفكر كثيرا لئلا يسقط رأسك كما سقطت خيمتك التي رافقتك في كل تجاربك المتعثرة وأنت تجري خلف قائد مبشر وواعد!
لم تكن تغيب عن قائدك الحقائق، فقد نطق بها وأعلنها في زمن الجهاد والبناء والمغارم، وعندما جاء زمن المغانم السياسية تبدلت الحقائق وأصبح الحق غائر!
هل تتذكر الهمهمة والهمس في محيط خيمتك الفقيرة؟ حينها لم يكن سمرا بليل ولا تدارسا لكتاب البخاري ومسلم بين خلان وأصحاب العمائم! بل كان ثعبانا أتى خلسة يزحف بين المهاجع ليرى القائد الواعد ويبتلع مشروعه وأتباعه، بعد أن يريه الشهد ويذيقه بعضه ويعده ببعض المكاسب!
توازن يا بني ولا تحزن.. فيكفيك أنك كنت ولا زلت مع الله صادق.
لكن عليك أن تتوقف وتراجع نفسك، فإن وقوعك في نفس الخيبة في كل مرة دليل نقص في دينك وإيمانك! فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!
هل تذكر يا أخي حين مررت خطأ وخطأين، ثم قلت للناس وأنت تصرخ على المنبر والعرق يتصبب منك ووجنتيك حمراوتين، أن اسمعوا وأطيعوا للقائد وإن أخذ مالكم وجلد ظهوركم بغير حق! فهو يرى ما لا ترون، ويعي ويدرك ما لا تستوعبون، ولديه معلومات خطيرة، وتجربته تاريخية ومريرة، فاقبلوا منه أي اجتهاد وأي موقف وصورة، فهو يحفظ كتاب الله ويبيت ساجدا لله ويصحو باكيا من قلقه عليكم وحبه لكم، فكيف تسيؤون الظن برجل أمضى حياته لله!
لقد كنت أنت جزءا من صناعة أقبح قائد، بل إن سيرتك الأولى وايقاعك في التعامل معه قد فوتت الخير عليه وأوقعته في شرك وشرور نفسه المتعاظمة، حين لم يجد منك وممن حولك من يقول له من بينكم اتق الله!
فهل استوعبت يا أخي الصادق والمجاهد الصورة؟ وهل وعيت التجربة وقومت نفسك أولا وأدركت معنى ولمن الدين النصيحة، ليتقوم المسار وتثبت على الحق القيادة؟ أم ستبقى عابدا وساجدا في خيمتك المتهالكة والفقيرة، والثعابين تحيط بها وتزحف بين المهاجع لتبتلع كل أمل وتحرف كل قيادة واعدة للمشروع والمسيرة؟
اللهم نسألك متضرعين أن تجعلنا هداة مهديين، وأن تثبتنا على الحق، وتجعلنا ممن يسهمون في عمارة الأرض وإقامة العدل وتمكين الدين.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 13/1/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق