قلاع فرنسا تتهاوى في إفريقيا.. باسيرو فاي يفوز برئاسة السنغال
قلعة جديدة من قلاع فرنسا في إفريقيا تسقط، الشباب الأفريقي الواعي يتبوأ مقاعد القيادة، ويعلنها اليوم من السنغال الرئيس الشاب المنتخب مباشرة من الشعب "باسيرو فاي" أن السنغال ستتحرر من سياسة فرنسا الاستغلالية لبلاد، ومن التبعية للغرب.
في السنغال تلك الدولة الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة 95 في المائة مسلمون بتعداد سكان يتجاوز 15 مليون نسمة، القابعة في أقصى الغرب من القارة الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، تشتهر بجزيرة "غوريه" تلك الندبة العميقة في تاريخ البلاد التي كانت تعرف بأنها بلاد العبيد والعاج والذهب، ففي تلك الجزيرة كانت تجتمع مجموعات من البشر لينقلوا إلى الأمريكتين وتنتهي بذلك حريتهم ويحولون إلى عبيد ولا يعودن إلى بلادهم أبدا، وبها أشهر الطرق الصوفية التي كان لها دورها المؤثر في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وبلغ من قوة انتشار الطرق الصوفية في السنغال أن دشنت ما يعرف الآن بالدبلوماسية الروحية، وذلك لانتشار تلك الحركات في دول الجوار وتأثيرها الشعبي المتزايد ما أوجد لها دورَا محوريًا في السياسية.
استقلت السنغال عن الاحتلال الفرنسي في العام 1960م، ومع استبداد حكامها إلا أنها لم تشهد قط انقلابا عسكريا منذ استقلالها.
وهي تشهد الآن انتقالا سلميا للسلطة، لا يبرئ بالطبع تعسف السلطة السابقة ولا ديكتاتورية الرئيس "ماكي سال"، لكنه يُبقي على مسار سارات عليه البلاد منذ استقلالها.
في السنغال يأتي رئيس جديد، ميزته الأولى أنه يأتي من أوساط الشعب السنغالي، ومن رحم معانته، وقد ذاق مع ألم الفقر آلام السجن وهو بعد شاب صغير.
من هو الرئيس "باسيرو" الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في السنغال؟
قبل الحديث عن الرئيس الجديد يجب أن نعلم أنه حل بديلا للقائد السنغالي الملهم الدكتور عثمان سونكو الذي قاد النضال ضد سلطة الرئيس المنتهية ولايته والذي حرمه من الترشح لأسباب سياسية فجاء "بشير" أو "باسيرو" كمرشح بديل.
الشعب السنغالي، الذي كان مؤهلًا مسبقًا لاحتضان برامج حزب باستيف، لم ينس السنوات القاسية من الفساد تحت نظام ماكي سال. من خلال مظاهرات عديدة والتضحية بأرواح الكثيرين دفاعًا عن مبادئ سونكو وحزبه |
عثمان سونكو:
عثمان سونكو من مواليد 15 يوليو 1974 سياسي سنغالي. هو كبير مفتشي الضرائب السابق في السنغال. وهو مؤسس حركة "الوطنيين من أجل العمل والأخلاق والأخوة"، وقد كان أصغر مرشح يخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2019 في السنغال عندما تحدّى الرئيس الحالي، ماكي سال. ينظر الكثيرون إلى سونكو على أنه زعيم معارضة صاعد في السياسة السنغالية لماكي سال.
اتُّهِم في فبراير 2021 بالاغتصاب، وهو ما ندد به ووصفه بأنه «محاولة لتصفية سياسية» أثارها الرئيس ماكي سال. تم القبض عليه واحتجازه في الشهر التالي، مما تسبب في اشتباكات عنيفة بين أنصاره والشرطة. أُطلق سراحه بعد ذلك من خلال مراجعة قضائية.
ولد عثمان سونكو في تييس بالسنغال، وقضى طفولته بكلّ من سيبيكوتاني (بالقرب من العاصمة داكار)، حصل سونكو على البكالوريا في عام 1993، وفي عام 1999 على درجة الماجستير في العلوم القانونية، تخصص القانون العام، من جامعة جاستون بيرجر في سانت لويس بالسنغال.
بعد حصول سونكو على درجة الماجستير، التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة والقضاء (ENAM). وقضى سونكو 15 عامًا من الخدمة كاختصاصي في الضرائب.
سونكو هو رئيس الحزب الوطني السنغالي من أجل العمل والأخلاق والأخوة، الذي تم إنشاؤه في عام 2014. وهو أيضًا النائب المنتخب للجمعية الوطنية السنغالية في الانتخابات التشريعية لعام 2017.
في عام 2016، كان سونكو مفتش ضرائب تحول إلى كاشف عن الفساد، حيث كشف ممارسات فاسدة مثل الملاذات الضريبية الخارجية للنخبة السنغالية، تم فصله نتيجة لنشاطه.
ألّف سونكو كتاب «النفط والغاز في السنغال»، الذي نُشر عام 2017. يروي الكتاب فضائح قضية بترو تيم. ويدعو إلى إعادة تخصيص الثروة الوطنية والإدارة المستدامة للآثار البيئية والاجتماعية لاستخراج الموارد الطبيعية. في عام 2018 قام بتأليف كتاب ثان بعنوان «الحلول».
ترشح سونكو للرئاسة في انتخابات 2019 في السنغال كمرشح للعدالة الضريبية. ويدعو سونكو بشكل واضح أن تستبدل السنغال - التي لا تزال تستخدم الفرنك الفرنسي (إلى جانب سبع دول فرنكوفونية أخرى في غرب إفريقيا) - ا بعملة محلية. "يقترح سونكو خروجًا تدريجيًا وحكيمًا ومسؤولًا من النظام النقدي للفرنك.
في الانتخابات الرئاسية في 24 فبراير 2019، أُعيد انتخاب ماكي سال، وفاز بنسبة 58٪ من الأصوات. وجاء سونكو في المركز الثالث بنسبة 16٪. خلال فترة التحضير للانتخابات (وقبل يوم الانتخابات مباشرة) تم استهداف سونكو مرارًا وتكرارًا بتشوهات مجهولة باستخدام وثائق مزورة وادعاءات كاذبة تهدف إلى تشويه سمعته.
تم القبض على سونكو بالقرب من جامعة الشيخ أنتا ديوب في 3 مارس 2021، ووُجّهت إليه تُهم الإخلال بالنظام العام. وكان في طريقه إلى المحكمة للدفاع عن نفسه ضد تهم الاغتصاب التي يقول هو ومؤيدوه إنها ذات دوافع سياسية.
بدأت الاحتجاجات في 3 مارس. أدّى اعتقال عثمان سونكو في 4 مارس إلى اشتباكات بين الشرطة والطلاب المتظاهرين في داكار وفي بينونا. وقتل ثمانية اشخاص خلال الاحتجاجات. كان من الواضح أن اتهام سونكو بالاغتصاب جاء بسبب معارضة واستخدم القضاء لمحاولة إقصائه.
في 4 مارس 2021، نظم السنغاليون في نيويورك احتجاجا في مقر الأمم المتحدة، للمطالبة بإطلاق سراح سونكو من السجن.
وطالب وسيط الجمهورية عليون بدارة سيسي الحكومة بوقف التهديدات والترهيب، ودعا المتظاهرين إلى وقف العنف والنهب، محذرا في 7 مارس من «أننا على شفا نهاية العالم». دعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى ضبط النفس والهدوء بالإضافة إلى ضمان الحق في الاحتجاج. دعا أنصار سونكو إلى ثلاثة أيام أخرى من الاحتجاج، بدءًا من 8 مارس.
في 14 ديسمبر 2023، صدر الحكم في المحاكمة الجديدة بشأن أهلية عثمان صونكو وإعلان أهلية عثمان صونكو وإعادته إلى القوائم الانتخابية، لكنه استبعد أخيرا من الانتخابات الرئاسية.[1]
بشير جوماي فاي من السجن إلى القصر:
باسيرو أو "بشير"، الذي لم يبلغ من العمر إلا 44 عامًا، والذي يشغل منصب رفيق درب لزعيم حزب "باستيف" الذي تم حله، قد تم انتخابه مؤخرًا رئيسًا لجمهورية السنغال من الجولة الأولى بأغلبية تزيد عن 56% من الأصوات. منافسه، أمادو با، ممثل الحزب الحاكم، احتل المركز الثاني بأكثر من 31% من الأصوات، مما يجعل فاي ينتقل من ظلمات السجن إلى رحابة القصر الرئاسي في أقل من أسبوعين.
فاي، حامل درجة الماجستير في القانون، والذي التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة والقضاء بدكار في عام 2004، عُيّن بعد تخرجه موظفًا في دائرة الضرائب والعقارات. من هذا المنصب، بدأت مسيرته ولقائه الأول برفيق دربه وصديقه في النضال السياسي، عثمان سونكو.
أعلن "بشير جوماي فاي" فور فوزه عن بزوغ فجر جديد يسوده مفهوم "السيادة" و"الاستقلالية"، متخليًا عن النهج القديم المتبع في العلاقات السنغالية مع القوى التقليدية، لا سيما مع فرنسا. |
وهو من مواليد 1980 كان سجينا تم القبض عليه بسبب انتقاده سير العدالة في ظل حكم ماكي سال، وزج به في سجن كيب مانويل لفترة، وكان أحد المستهدفين المباشرين من نظام ماكي سال.
تعرف بشير جوماي فاي على عثمان سونكو في مديرية الضرائب والأملاك العقارية، حيث انضم إلى النقابة التي كان يقودها عثمان سونكو، وهي النقابة التي تولى أمانتها العامة قبل أن يفسح المجال لغيره، بعد تأسيس حزب (باستيف).
وفي يوم 15 مارس 2024 قامت السلطة السنغالية القضائية بإطلاق سراح سونكو مع رفض ملفه الترشحي وكذلك نائبه بشير جوماي فاي وغيرهم من المسجونين، وكان تبقى على موعد الانتخابات الرئاسية أسبوعين فقط، لكنهما اجتهدا وخاضا الانتخابات.
الشعب السنغالي، الذي كان مؤهلًا مسبقًا لاحتضان برامج حزب باستيف، لم ينس السنوات القاسية من الفساد تحت نظام ماكي سال. من خلال مظاهرات عديدة والتضحية بأرواح الكثيرين دفاعًا عن مبادئ سونكو وحزبه، اعتنق السنغاليون هذه المبادئ كطريق بديل يستعيد به السنغال مكانتها ويطهر فساد قطاع الطاقة الذي ارتبط بأقرباء ماكي سال.
أنصار حزب باستيف، الذي تم حله، شنوا حملة انتخابية عنيفة وقدموا برنامجًا انتخابيًا يحمل طموحات عظيمة، أبرزها توفير فرص عمل للشباب السنغالي والقضاء على الفساد، مع التعهد بإعادة النظر في العقود الفرنسية المتعلقة بملف الغاز. استغل باسيرو ديوماي فاي نضال عثمان سونكو وشعبيته الواسعة، خاصة بين الشباب، ليُعلن فوزه في الانتخابات الرئاسية السنغالية بفارق مريح في النتائج الأولية، متفوقًا على ممثل النظام، الوزير أمادو باه، الذي انتقد احتفالات المعارضة وأنصارها بالفوز قبل الإعلان الرسمي.
صبر بشير "باسيرو" وأستاذه عثمان سونكو وأتباعهم على معاناة الأذى، إذ إن برنامجهم كان يعرقل مصالح فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة. التي كانت تتعاون مع السلطة القائمة تحت قيادة "ماكي صال"، والتي عملت على منعهم بكل قوة، لكنهم لم يتركوا سبيلاً إلا وسلكوه لترسيخ برنامجهم في صناديق الاقتراع. من خلال الاحتجاج السلمي وحتى استخدام القضاء وإيجاد قوة واضحة في الحضور الإعلامي والاستغلال الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي، تمكنا من تقديم برنامج يعكس رؤية جيل الشباب، الذي لم يختبر الاستعمار ويسعى لإزالة آثاره وتطوير السنغال بأطر جديدة. هكذا، منح الشعب ثقته لباسيرو فاي، ليتحول من معارض مسجون إلى قائد الدولة.
وهكذا فاز بشير جوماي فاي برئاسة السنغال وفي الحقيقة عثمان سونكو هو الأب الروحي ويعد بشير جوماي فاي تلميذه، كانا في السجن معا وخرجا في نفس اليوم لقيادة الحزب وخوض الانتخابات حتى الوصول للحظة الفوز.
أعلن "بشير جوماي فاي" فور فوزه عن بزوغ فجر جديد يسوده
مفهوم "السيادة" و"الاستقلالية"، متخليًا عن النهج القديم المتبع في
العلاقات السنغالية مع القوى التقليدية، لا سيما مع فرنسا.
ووعد الرئيس السنغالي المنتخب ديمقراطيًا - وهو أصغر رئيس منتخب ديمقراطيًا عبر صناديق الاقتراع- بالتخلي عن عملة الفرنك الإفريقي، المرتبطة باليورو والمدعومة من قبل فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، معبرًا عن رغبته في إحلال عملة سنغالية جديدة أو عملة إقليمية غرب إفريقية مكانها، على الرغم من التحديات الكبيرة التي قد تواجه هذا التحول.
ما يبعث على الإعجاب في تلك التجربة التغيرية أن الزعيم الشاب عثمان سونكو، مؤسس حزب باستيف، لم يتمتع فقط بكونه سياسيًا بكاريزما قوية، بل هو أيضًا قائد محنك، فكانت لديه خطة بديلة لمحاولة إقصائه وجهز صديقه ورفقيه باسيرو ديوماي في حال تم إقصاؤه ليكون بديلا عنه. هذا الاستعداد لتجاوز "الأنَا" لديه يمثل درسًا مهمًا في النضال من أجل التغيير فحين تغيب الأنا يحضر المشروع السياسي.
وهكذا سقطت قلعة أخرى من قلاع فرنسا في إفريقيا، تلك القرة التي ظلمت لعقود يبدو أنها تتحرك كل يوم بخطوات واسعة لاستعادة حريتها من قبضة الإمبريالية الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق