الأحد، 2 فبراير 2025

بطولات رموز المقاومة طوفان يغيظ العِدا

قضايا وأحداث 

 بطولات رموز المقاومة طوفان يغيظ العِدا



تفاجأ العالم كله بالإعلان عن خطاب مرتقب للمتحدث الرسمي أبي عبيدة، بينما كان مشغولًا بمتابعة عملية تبادل الأسرى والمحتجزين بين المقاومة حماس وإسرائيل، تلك العملية التي أظهرت قدرات حماس التنظيمية الرائعة في مقابل خَوَر وانحطاط إسرائيلي. وكانت عملية أشبه بمشهد مستقل من الحرب، كانت فيه كتائب حماس هي المخرج والمصمم لكل شيء حتى أدق التفاصيل، وكأنها ترسم لوحة فنية على يد أمهر الفنانين، وقدمت من خلالها رسالة واضحة لمواجهة جديدة.

جذبت هذه المواجهة أنظار العالم أجمع ليشاهد التفوق الواضح لحماس التي صمدت في مقاومة ملحمية لمدة 471 يومًا أمام القوات الإسرائيلية، وتمكنت من دَحْرِها وهزيمتها هزيمة ساحقة بإمكانيات محدودة للغاية وما لديها من نبل وانضباط ونهج إنساني.


أحد أجمل مشاهد عملية التبادل مشهد المجندة الإسرائيلية التي مشت بين الأنقاض وصعدت إلى المنصة أمام منزل البطل يحيى السنوار، لتقدم مشهدًا بالغ الجودة يعجز أبرع المخرجين عن تنفيذه، وأظهر هذا المشهد الرائع المعاملة الإنسانية الراقية التي يتلقاها المحتجزون لدى حماس، وهذا في حد ذاته انتصار للمقاومة.

وفي تلك المشاهد الراقية كان من المتوقع أن يخرج أبو عبيدة ليقدم خطاب النصر، ولكن ذلك لم يحدث، وظهر أبو عبيدة وعرض في الزاوية اليسرى العليا من الشاشة صورًا ل7 أشخاص معظمهم لم يكن معروفًا؛ ليعلن أن «محمد الضيف» العقل المدبر لكتائب القسام والشخصية الأكثر تأثيرًا وغموضًا، قد انضم إلى قافلة البواسل الخالدين، وارتقى معه نائبه «مروان عيسى» وخمسة آخرون من كبار القادة العسكريين في حماس.

ومنذ اللحظة الأولى ترددت تساؤلات كثيرة، مثل: متى فقدناهم؟ أليس هناك وقف إطلاق النار؟! لكن سرعان ما ظهر أنهم قد فاضت روحهم الطاهرة في أماكن وأوقات مختلفة قبل فترة طويلة.

وهنا تؤكد حماس من جديد أننا أمام مثال آخر يفوق العقول في هذا العصر تقدمه قيادة فريدة في إدارة حرب استثنائية تخوضها منذ 7 أكتوبر 2023. فعلى الرغم من فقدان كل هؤلاء القادة الذين استهدفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب، فالمقاومة ظلت صامدة – وكأن شيئًّا لم يحدث – تواصل معركتها بقوة وعزيمة وتأثير على الأرض يزداد يومًا بعد يوم على مدار أكثر من 14 شهرًا.

ومن زاوية أخرى فإن نشر هذا الخبر في هذا التوقيت يدل بوضوح على أن كل شيء تحت السيطرة، وأن حماس تُظهر قدراتها التنظيمية على أفضل وجه. فرحيل أبرز القادة في ميدان المعركة لم يتسبب في اضطراب أو تشتيت المقاومة، بل على العكس من ذلك، واصل كل شخص وكل وحدة العمل بمزيد من العزيمة والإصرار والدافعية والتحفز، ولسان حالهم يقول: وكأنَّ شيئًا لم يحدث.

وقد ساهم كل فرد في المعركة الاستثنائية التي خاضتها المقاومة في كل شبر وزاوية ليلًا ونهارًا، وكأنها كابوس لا يمكن لقوات الاحتلال الفرار منه. وظهر أثر ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية وتصريحات بلينكن. فحماس كانت في كل مكان وكل زاوية، وكلما قتل الاحتلال أحد أفراد حماس كان العديد من المقاتلين الجدد يظهرون في بأس لا يقل عمَّن قضى منهم. كما كشفت كل لحظة من لحظات رحيل يحيى السنوار عن تفاصيل ملحمة بطولية استثنائية تحولت إلى سلاح أشد بأسًا أكثر مما كان على قيد الحياة. فقد صار رحيله البطولي مصدر قوة ومحفزًا للمجاهدين الذين لم يقف حزنهم حائلًا دون السير على خطاه. والأمر نفسه ينطبق على الأبطال السبعة الذين أعلن عنهم أبو عبيدة؛ ليؤكد حقيقة أن الجهاد عمل الجميع دون استثناء، فالكل في الميدان ولا أحد يرى أنه أغلى من غيره، فالجميع جنود.

    بَالْأَمْسِ كَانُوا بَيْنَنَا قِنْدِيلًا                       
                        وَالْيَوْمَ صَارُوا لِلْجِنَانِ دَلِيلًا  


قال أبو عبيدة في تصريحاته عن الضيف: «هذا ما يليق بقائدنا محمد الضيف (أبو خالد) الذي أرهق العدو منذ أكثر من 30 سنة، فكيف بربكم لمحمد الضيف أن يُذكر في التاريخ تضحيات هذا البطل المجاهد في سبيل الله والوطن؟ وكيف لمروان عيسى، عقل القسام وركنه المتين أن يموت على الفراش؟! كانت هذه الغاية هي الأنسب لتمثل نهاية حياة هؤلاء الشجعان الذين كرسوا حياتهم للجهاد والمقاومة، ولقد ظلوا أوفياء لوعدهم لله، فجزاهم الله خير الخاتمة. هؤلاء الرجال الشجعان كرسوا كل لحظة من حياتهم للوطن… وضربوا العدو في قلبه في معركة طوفان الأقصى.

وهذا كله يؤكد أن حماس ليست حركة تتمحور حول الشخص الواحد. فكلُّ هؤلاء القادة أحياء تركوا خلفهم قادة. واليوم هناك الآلاف من الأشخاص في كتائب القسام يمكنهم القيادة بنفس الأداء الاستثنائي في القيادة؛ ليفيق المحتل على حقيقة أن رحيل هؤلاء ليس بشارة لإسرائيل بل نذير بنهاية الاحتلال مهما طال، فذاك ممات يغيظ العِدا.


أكاديمي وسياسي

وكاتب تركي

@yaktay






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق