سجون مصر... "مقابر" بلا شهادات وفاة
سجن مغرق في الإهمال، وسجان لا يعرف للإنسانية مسلكا. هكذا تسير الحياة في سجون الانقلاب العسكري المصري، التي لا تعرف من نور الشمس إلا اللهيب، ومن صوت الحرية إلا الصراخ، ومن أدوات الحياة إلا السوط.
وصفوها بالـ "تهذيب والإصلاح" وجعلوها "مقابر" بلا شهادات وفاة.
"كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته يجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه ولا ايذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك، لائقة انسانياً وصحياً وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الاتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون"، هكذا يجب أن تكون الحياة في السجون وفقا للدستور المصري 2013 الذي جرى إقراره بعد الانقلاب العسكري في مصر.
تقول آيات حمادة، عضو جبهة طريق الثورة، والحاصلة على إفراج صحي بعد 54 يوما من الاعتقال في معسكر السلام للأمن المركزي وسجن القناطر، عقب القبض عليها في جامعة الأزهر، واتهامها بتخريب منشآت الجامعة ومقاومة السلطات، "في معسكر الأمن المركزي، كنا ننام على المياه التي يغرق العسكر بها الأرض، 27 بنتاً في زنزانة واحدة، كنا نطرق على باب الزنزانة بالساعات حتى يأتينا الحارس، كنا نقول لبعضنا البعض لو حصل لنا أي سوء، فلن يشعر بنا أحد، ولولا وجود طبيبة من المتهمين كان حدثت كوارث".
وأضافت "لم يختلف الأمر بعد الانتقال للسجن، كنا 14 بنتاً في عنبر لا يسع الا لنصف عددنا، فكنا نتبادل النوم، وفي البرد القارس لم يكن لدينا سوى 3 بطاطين، كان معايا بنت مصابة بالصرع، رفضوا دخول أدويتها، حينما كانت تصاب بالتشنجات كنت أضع يدي في فمها حتى لا تبلع لسانها وننتظر حتى تذهب التشنجات وحدها، وحينما أصيبت إحدى الفتيات بالغدة الليمفاوية انتقلت العدوى لي ولفتاتين غيري وتم عزلنا في غرفة تفتقد ابسط الامكانيات الوقائية".
لم تخرج آيات سوى تحت ضغط الضجة التى أحدثها أصدقاؤها ومحامو المراكز الحقوقية بضرورة الإفراج الصحي عنها، لإصابتها بمرض السكر والحمى الروماتيزمية وتدهور صحتها داخل السجن، لترضخ النيابة للتظلم الأخير بين 6 تظلمات سابقة، وتقرر إخلاء سبيلها بكفالة 1000 جنيه.
تعلق آيات على خروجها قائلة "كنت محظوظة بالضغط الإعلامي الذي أخرجني، لكن هناك آلاف المعتقلين داخل الأقسام والسجون يتعرضون للموت البطيء يوميا ولا يعلم أحد عنهم شيئاً".
السجن "سيد قراره"
الأوضاع السيئة في السجون ليست وليدة اللحظة، فتهالك البنية التحتية، وسوء الخدمات المقدمة، وعدم التزام إدارة السجن بالقانون، هو أمر معتاد بين السجناء منذ عهد مبارك مرورا بالمجلس العسكري والرئيس محمد مرسي، إلا أن الشائع بين جميع العاملين في القطاع المدني أن السجون تمر بأسوأ مراحلها بعد 30 يونيو/حزيران في التعامل مع السجناء صحيا.
محمود بلال، المحامي في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يقول "لسنا قادرين على ملاحقة تردي الأوضاع الصحية للمعتقلين، في ظل تكدس السجون بهم، والإدارة لم تعد تخاف، تحت وعي جمعي في الشارع يبرر أيّ موقف تتخذه الشرطة بمجرد أن تلصقه بالإخوان، وبالتالي لا نستطيع التحقيق في أيٍّ من الانتهاكات التي تقوم بها وزارة الداخلية".
ويضيف "لا تلتزم جميع السجون بأيٍّ من الاجراءات التي تفرضها القوانين، بداية من عدم توقيع الكشف الطبي على السجين، والمفترض بمجرد دخوله، ورفض طلبات دخول الأدوية للمرضى من السجناء، والإجابة غالبا تكون لأسباب أمنية ".
بلال أوضح أن إدارة السجن لا يعاقبها أحد حتى لو أدت تلك الانتهاكات إلى الوفاة، فغالبا على حد قوله، يتم حفظ الشكوى بالنيابة، مضيفا "لم يتم الرضوخ لحصول السجناء على حقوقهم الصحية، إلا لمن يتم تسليط الضوء عليهم إعلاميا، ووسط ذلك يقع منا العشرات دون أن نعلم عن حالتهم شيئاً".
مقبرة الأحياء
"مقبرة الأحياء" هو الاسم الشائع للسجون بين السجناء، نظرا لتردي بنيتها والأوضاع المعيشية والصحية داخلها، والتي وصفتها دراسة قام بها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بأنها حلقة مفرغة يدور فيها السجناء بمجرد دخولهم السجن، بداية من بنية تحتية متهالكة لا توفر مناخاً صحيّاً للمعيشة، وضعف مستوى الأطباء مقدمي الخدمة، والقصور في توفير الخدمة الطبية الطارئة وغياب الصحة النفسية، رغم أهميتها واختفاء التدابير الوقائية من غذاء ومرافق ونظافة وتهوية وإضاءة، والذي يؤدي وفقا لما جاء في الدراسة مع التكدس الشديد للسجناء إلى انتشار العدوى والإصابة بالأمراض.
"م.ت"، أحد المعتقلين في قضية متظاهري المعادي، أوضح أن إصابة أحدهم بميكروب في عينه لم يلبث في ساعات أن انتقل إلى جميع الأفراد الموجودين في الزنزانة وظلوا دون تلقي علاج. وأضاف: "أحد المتهمين معنا كان مريضاً بالقلب، لم يكن يتلقى أيّ رعاية طبية، حتى تدهورت حالته، وبعد ضغط المحامين جاءت سيارة اسعاف من دون طبيب، فما كان من المسعف إلا أن أخبرنا بأنه لا يستطيع فعل شيء، وغادر".
"تقرير المرصد المصري للحقوق والحريات رصد 10 حالات وفاة، تأثراً بالإهمال الطبي، داخل السجون خلال الاشهر الأخيرة"
تقرير المرصد المصريّ للحقوق والحريات رصد 10 حالات وفاة، تأثرا بالإهمال الطبي، داخل السجون خلال الاشهر الأخيرة، تباينت بين إهمال في تقديم الخدمة داخل السجن، أو رفض الإدارة نقلهم خارجه، فضلا عن رصد ما يقرب من 20 شخصاً مهددين بالخطر، في حال استمرار اهمال رعايتهم صحيا لإصابتهم بأمراض خطيرة ومزمنة.
الدكتور صفوت خليل، وفقا للمرصد، أحد الحالات العشرة التي توفيت داخل سجن المنصورة العمومي بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث كان يعاني من السرطان ويحتاج إلى العلاج وبتر جزء من قدمه، إلا أن سلطات الانقلاب اعتقلته، وأهملت إدارة السجن حالته حتى تسبب سوء الرعاية في وفاته.
الطبيب غائب
قانون تنظيم ادارة السجون في مادته 33 يفرض وجود طبيب أو أكثر حسب الحاجة داخل كل سجن، ووفقا للمادة 24 من لائحته الداخلية، فالطبيب منوط بالأعمال الصحية التي تكفل صحة المسجون ووقايتهم من الأمراض الوبائية. لذا فالطبيب وفقا للمواد السابقة هو المسئول الأول عن حياة المسجون، ورغم ذلك، رصدت التقارير الحقوقية غياب معظم الأطباء عن السجون أو مستشفياتها، ولعل أبرزها ما كشفته حالة الناشط السياسي أحمد دومة، والذي يعاني من مشاكل في الجهاز الهضمي تفاقمت عقب دخوله في اضراب عن الطعام اعتراضا على حبسه، وأدى غياب طبيب السجن الى تدهورها أكثر.
أحمد جمال، ووفقا لسيد صبحي، المحامي في مركز نضال للحقوق والحريات، تعرض لتعذيب أدى إلى تدهور حالته الصحية، ونظرا لغياب الطبيب ورفض السجن طلبات توقيع الكشف الطبي عليه، يعيش أحمد على المسكنات مع حالة تسوء يوماً إثر يوم.
وتأتي المقارنة بين التعامل مع السجناء من التيارات السياسية المختلفة، والسجناء من نظام مبارك ورجال أعماله، لتكشف التصنيف الذي تقوم به السجون، سواء وفقا للانتماء السياسي أو الطبقة المالية.
فلم تقرر النيابة نقل الرئيس المخلوع مبارك إلا في إبريل/نيسان الماضي، بعدما قضى عامين بين أحضان جناح خاص في المركز الطبي العالمي في شرم الشيخ، إلى المبنى الجديد بسجن طرة والذي بُني خصيصاً له بميزانية تصل الى 3 مليون جنيه، يقول رضا مرعي، المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لم يتلق أيّ سجين من سجون طرة السبعة علاجه في هذا
المبنى الجديد.
مرعي أوضح أن التعامل الطبي مع سجناء النظام السابق وأصحاب رأس المال يختلف تماما، قائلا "تختفي أمامهم الاجراءات المعقدة التي توضع أمامنا في نقل المريض إلى مستشفى في الخارج، فجميعهم يتلقون العلاج في أعلى المستشفيات الخاصة، بل إن هشام طلعت مصطفى، على سبيل المثال، منذ اتخاذ حكم حبسه وهو موجود في مستشفى السلام الدولي، مثل حبيب العادلي وغيره، والذين يقدمون الطلبات للعلاج على حسابهم، أما السجناء من ذوى الطبقة الفقيرة فإدارة السجن المفترض تعالجهم على حسابها في مستشفيات عامة، وفي أغلب الأحيان تتجاهل ذلك وترفض".
يقول مرعي إن غياب الطبيب، أغلب الوقت، عن السجن أو المستشفى التابع له، وتبعيته الإدارية كضابط لوزارة الداخلية، يساعد على التعتيم على أيّة انتهاكات تحدث داخل أسوار السجن، الذي يظل مجتمعا مغلقا أمام أيّة رقابة، مضيفا "مصدر المعلومات الوحيد لأيّ حادث داخل السجن هو الادارة فقط".
ورغم ما اتفق عليه مرعي وغيره من محامي المراكز الحقوقية بضرورة وجود لجنة مستقلة لها حق الإشراف على السجون في أيّ وقت، إلا أن مواقف وزارة الداخلية لا تشير الى تقبلها ذلك، ففي الوقت الذي صرح فيه الوزير محمد إبراهيم بفتح السجون أمام أي تفتيش، قامت جمعية أطباء التحرير بتشكيل لجنة وقدمت طلباً لزيارة السجون وتقييم أوضاعها الصحية، إلا أنها لم تجد سوى الرفض. لتظل بذلك سجون الظلم "مقبرة الأحياء".
"كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته يجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه ولا ايذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك، لائقة انسانياً وصحياً وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الاتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون"، هكذا يجب أن تكون الحياة في السجون وفقا للدستور المصري 2013 الذي جرى إقراره بعد الانقلاب العسكري في مصر.
تقول آيات حمادة، عضو جبهة طريق الثورة، والحاصلة على إفراج صحي بعد 54 يوما من الاعتقال في معسكر السلام للأمن المركزي وسجن القناطر، عقب القبض عليها في جامعة الأزهر، واتهامها بتخريب منشآت الجامعة ومقاومة السلطات، "في معسكر الأمن المركزي، كنا ننام على المياه التي يغرق العسكر بها الأرض، 27 بنتاً في زنزانة واحدة، كنا نطرق على باب الزنزانة بالساعات حتى يأتينا الحارس، كنا نقول لبعضنا البعض لو حصل لنا أي سوء، فلن يشعر بنا أحد، ولولا وجود طبيبة من المتهمين كان حدثت كوارث".
"كنا ننام على المياه التي يُغرق العسكر بها الأرض، 27 بنتاً في زنزانة واحدة"
|
لم تخرج آيات سوى تحت ضغط الضجة التى أحدثها أصدقاؤها ومحامو المراكز الحقوقية بضرورة الإفراج الصحي عنها، لإصابتها بمرض السكر والحمى الروماتيزمية وتدهور صحتها داخل السجن، لترضخ النيابة للتظلم الأخير بين 6 تظلمات سابقة، وتقرر إخلاء سبيلها بكفالة 1000 جنيه.
تعلق آيات على خروجها قائلة "كنت محظوظة بالضغط الإعلامي الذي أخرجني، لكن هناك آلاف المعتقلين داخل الأقسام والسجون يتعرضون للموت البطيء يوميا ولا يعلم أحد عنهم شيئاً".
السجن "سيد قراره"
الأوضاع السيئة في السجون ليست وليدة اللحظة، فتهالك البنية التحتية، وسوء الخدمات المقدمة، وعدم التزام إدارة السجن بالقانون، هو أمر معتاد بين السجناء منذ عهد مبارك مرورا بالمجلس العسكري والرئيس محمد مرسي، إلا أن الشائع بين جميع العاملين في القطاع المدني أن السجون تمر بأسوأ مراحلها بعد 30 يونيو/حزيران في التعامل مع السجناء صحيا.
محمود بلال، المحامي في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يقول "لسنا قادرين على ملاحقة تردي الأوضاع الصحية للمعتقلين، في ظل تكدس السجون بهم، والإدارة لم تعد تخاف، تحت وعي جمعي في الشارع يبرر أيّ موقف تتخذه الشرطة بمجرد أن تلصقه بالإخوان، وبالتالي لا نستطيع التحقيق في أيٍّ من الانتهاكات التي تقوم بها وزارة الداخلية".
ويضيف "لا تلتزم جميع السجون بأيٍّ من الاجراءات التي تفرضها القوانين، بداية من عدم توقيع الكشف الطبي على السجين، والمفترض بمجرد دخوله، ورفض طلبات دخول الأدوية للمرضى من السجناء، والإجابة غالبا تكون لأسباب أمنية ".
بلال أوضح أن إدارة السجن لا يعاقبها أحد حتى لو أدت تلك الانتهاكات إلى الوفاة، فغالبا على حد قوله، يتم حفظ الشكوى بالنيابة، مضيفا "لم يتم الرضوخ لحصول السجناء على حقوقهم الصحية، إلا لمن يتم تسليط الضوء عليهم إعلاميا، ووسط ذلك يقع منا العشرات دون أن نعلم عن حالتهم شيئاً".
مقبرة الأحياء
"مقبرة الأحياء" هو الاسم الشائع للسجون بين السجناء، نظرا لتردي بنيتها والأوضاع المعيشية والصحية داخلها، والتي وصفتها دراسة قام بها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بأنها حلقة مفرغة يدور فيها السجناء بمجرد دخولهم السجن، بداية من بنية تحتية متهالكة لا توفر مناخاً صحيّاً للمعيشة، وضعف مستوى الأطباء مقدمي الخدمة، والقصور في توفير الخدمة الطبية الطارئة وغياب الصحة النفسية، رغم أهميتها واختفاء التدابير الوقائية من غذاء ومرافق ونظافة وتهوية وإضاءة، والذي يؤدي وفقا لما جاء في الدراسة مع التكدس الشديد للسجناء إلى انتشار العدوى والإصابة بالأمراض.
"م.ت"، أحد المعتقلين في قضية متظاهري المعادي، أوضح أن إصابة أحدهم بميكروب في عينه لم يلبث في ساعات أن انتقل إلى جميع الأفراد الموجودين في الزنزانة وظلوا دون تلقي علاج. وأضاف: "أحد المتهمين معنا كان مريضاً بالقلب، لم يكن يتلقى أيّ رعاية طبية، حتى تدهورت حالته، وبعد ضغط المحامين جاءت سيارة اسعاف من دون طبيب، فما كان من المسعف إلا أن أخبرنا بأنه لا يستطيع فعل شيء، وغادر".
"تقرير المرصد المصري للحقوق والحريات رصد 10 حالات وفاة، تأثراً بالإهمال الطبي، داخل السجون خلال الاشهر الأخيرة"
تقرير المرصد المصريّ للحقوق والحريات رصد 10 حالات وفاة، تأثرا بالإهمال الطبي، داخل السجون خلال الاشهر الأخيرة، تباينت بين إهمال في تقديم الخدمة داخل السجن، أو رفض الإدارة نقلهم خارجه، فضلا عن رصد ما يقرب من 20 شخصاً مهددين بالخطر، في حال استمرار اهمال رعايتهم صحيا لإصابتهم بأمراض خطيرة ومزمنة.
الدكتور صفوت خليل، وفقا للمرصد، أحد الحالات العشرة التي توفيت داخل سجن المنصورة العمومي بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث كان يعاني من السرطان ويحتاج إلى العلاج وبتر جزء من قدمه، إلا أن سلطات الانقلاب اعتقلته، وأهملت إدارة السجن حالته حتى تسبب سوء الرعاية في وفاته.
الطبيب غائب
قانون تنظيم ادارة السجون في مادته 33 يفرض وجود طبيب أو أكثر حسب الحاجة داخل كل سجن، ووفقا للمادة 24 من لائحته الداخلية، فالطبيب منوط بالأعمال الصحية التي تكفل صحة المسجون ووقايتهم من الأمراض الوبائية. لذا فالطبيب وفقا للمواد السابقة هو المسئول الأول عن حياة المسجون، ورغم ذلك، رصدت التقارير الحقوقية غياب معظم الأطباء عن السجون أو مستشفياتها، ولعل أبرزها ما كشفته حالة الناشط السياسي أحمد دومة، والذي يعاني من مشاكل في الجهاز الهضمي تفاقمت عقب دخوله في اضراب عن الطعام اعتراضا على حبسه، وأدى غياب طبيب السجن الى تدهورها أكثر.
أحمد جمال، ووفقا لسيد صبحي، المحامي في مركز نضال للحقوق والحريات، تعرض لتعذيب أدى إلى تدهور حالته الصحية، ونظرا لغياب الطبيب ورفض السجن طلبات توقيع الكشف الطبي عليه، يعيش أحمد على المسكنات مع حالة تسوء يوماً إثر يوم.
وتأتي المقارنة بين التعامل مع السجناء من التيارات السياسية المختلفة، والسجناء من نظام مبارك ورجال أعماله، لتكشف التصنيف الذي تقوم به السجون، سواء وفقا للانتماء السياسي أو الطبقة المالية.
فلم تقرر النيابة نقل الرئيس المخلوع مبارك إلا في إبريل/نيسان الماضي، بعدما قضى عامين بين أحضان جناح خاص في المركز الطبي العالمي في شرم الشيخ، إلى المبنى الجديد بسجن طرة والذي بُني خصيصاً له بميزانية تصل الى 3 مليون جنيه، يقول رضا مرعي، المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لم يتلق أيّ سجين من سجون طرة السبعة علاجه في هذا
"لم يتلقّ أيّ سجين بسجن طره العلاج في المبنى الطبي، الذي أنشىء خصيصاً لاستقبال المخلوع مبارك"
|
المبنى الجديد.
مرعي أوضح أن التعامل الطبي مع سجناء النظام السابق وأصحاب رأس المال يختلف تماما، قائلا "تختفي أمامهم الاجراءات المعقدة التي توضع أمامنا في نقل المريض إلى مستشفى في الخارج، فجميعهم يتلقون العلاج في أعلى المستشفيات الخاصة، بل إن هشام طلعت مصطفى، على سبيل المثال، منذ اتخاذ حكم حبسه وهو موجود في مستشفى السلام الدولي، مثل حبيب العادلي وغيره، والذين يقدمون الطلبات للعلاج على حسابهم، أما السجناء من ذوى الطبقة الفقيرة فإدارة السجن المفترض تعالجهم على حسابها في مستشفيات عامة، وفي أغلب الأحيان تتجاهل ذلك وترفض".
يقول مرعي إن غياب الطبيب، أغلب الوقت، عن السجن أو المستشفى التابع له، وتبعيته الإدارية كضابط لوزارة الداخلية، يساعد على التعتيم على أيّة انتهاكات تحدث داخل أسوار السجن، الذي يظل مجتمعا مغلقا أمام أيّة رقابة، مضيفا "مصدر المعلومات الوحيد لأيّ حادث داخل السجن هو الادارة فقط".
ورغم ما اتفق عليه مرعي وغيره من محامي المراكز الحقوقية بضرورة وجود لجنة مستقلة لها حق الإشراف على السجون في أيّ وقت، إلا أن مواقف وزارة الداخلية لا تشير الى تقبلها ذلك، ففي الوقت الذي صرح فيه الوزير محمد إبراهيم بفتح السجون أمام أي تفتيش، قامت جمعية أطباء التحرير بتشكيل لجنة وقدمت طلباً لزيارة السجون وتقييم أوضاعها الصحية، إلا أنها لم تجد سوى الرفض. لتظل بذلك سجون الظلم "مقبرة الأحياء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق