«المهدي المنتظر».. حين تنتهي حقبة الانتظار!!
لا بأس أن يعترف مرسي بالحقيقة التي لا تسيء إليه، حتى لو اعتبرها البعض شكلا من أشكال السذاجة السياسية.
لا بأس بذلك لأنها تكشف حقيقة الرجل الذي صال وجال بوصفه المخلص أو المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا، بعدما ملئت ظلما وجورا (لا نقصد أبداً المسّ بمعتقدات البعض، لاسيَّما أن المهدي موجود في كتب السنّة والشيعة).
لا بأس أن يقول مرسي (إذا تمكن من ذلك بطبيعة الحال) كيف أن السيسي أوهمه طوال الوقت عبر لعبة تسريبات مدروسة، وعبر وصلات من التمثيل المتقن والورع الكاذب، بأنه يقف في صفه، وأن ما قدمه للمعارضة كان كافيا، الأمر الذي يفسِّر دون شك إصرار مرسي على رفض الخضوع للشروط الكاملة التي وضعتها المعارضة.
أتذكر في هذا السياق كاتبا كبيرا التقيته قبل أسابيع من 30 يونيو، وحين طرحت عليه قناعتي بأن الانقلاب قادم لا محالة، أخبرني بأن مساعديْن للسيسي قد طلبا لقاءه، وأخبراه بأنه (أي السيسي) لا يريد التدخل في الشأن السياسي، وأنه عاكف على إصلاح وضع الجيش الذي تدهور خلال حقبة مبارك، فقلت لصاحبي الذي كان بعد اللقاء، إنهما فعلا ذلك من أجل أن ينقل تلك القناعة للإخوان، وقد نقلها بالفعل.
تلك حكاية أخرى، وإن ارتبطت بما نريد الحديث عنه، فالرجل الذي كانت عملية الشيطنة لمرسي والإخوان تتم بالاتفاق معه، كان يريد تحقيق الهدفين معا؛ أن يتخلص من مرسي والإخوان، وأن يظهر بمظهر المخلص في الآن نفسه، واللافت أن ذلك هو ما حدث بالضبط بسبب محدودية دهاء الإخوان، واعتمادهم التسريب أكثر من التحليل، وتصديقهم لحكاية حياد الجيش التي لم تكن أبداً مقنعة، لأن جيشا محايدا لم يكن ليترك رئيس البلاد المنتخب نهبا لعصابة تشيّطنه ليل نهار بالزور والكذب والبهتان. ألم يكن بوسع السيسي أن يخرج في لحظة ما ليقول إن الكلام عن تأجير قناة السويس أو التخلي عن سيناء هو محض هراء؟!
نجح السيسي في مسعاه لتدبير الانقلاب، ونجح في شيطنة الإخوان في عقول بعض السذّج، ونقول السذّج لأن انتخابات حرة ونزيهة لو جرت اليوم في مصر لا يمكن أن تمنح الإخوان في أسوأ الأحوال سوى أقل بخمسة أو عشرة في المئة مما حصلوا عليه في انتخابات مجلس الشعب الذي حله قضاء المخلوع، وهو نفسه قضاء الانقلاب. أما الأهم، فيتمثل في نجاحه في تقديم نفسه بوصفه المخلّص، إن كان عبر تدبير الانقلاب، أو عبر الوصلات التمثيلية التي قدمها طوال شهور، والأهم عبر توظيف وسائل إعلام فاجرة في أكبر عملية تضليل للشعب عرفها تاريخ الإعلام الحديث في العالم أجمع.
أيا يكن الأمر، فما هي سوى أسابيع حتى ينزل السيسي من مرتبة المهدي المنتظر إلى مرتبة الرئيس الفعلي، مع أن ذلك قد حصل بطبيعة الحال، فما من شيء يجري في البلاد على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي إلا ويحظى بمباركته، لكن المساءلة لا تتم بشكل واضح، إذ تغطي الزفة التي تحيط به على أي شيء، ومعها استمرار حملة الشيطنة للإخوان، مقابل حملة التأليه له شخصيا.
وفي حين لا يحظى الإخوان بأي تعاطف من قبل وسائل إعلام فاجرة، رغم آلاف القتلى، وأضعافهم من الجرحى، إلى جانب عشرين ألف معتقل إلى الآن، فإن مشهد ما بعد تحول المهدي المنتظر إلى رئيس سيكون مختلفا إلى حد كبير، إذ على صاحب الفخامة أن يجيب على أسئلة الناس المتعلقة باستكمال ثورة يناير التي رفعت شعارات «خبز، حرية، عدالة اجتماعية»،
في حين لا يعد الرجل سوى بدولة بوليسية تكمم الأفواه، باستثناء تلك الناعقة بتمجيده.
وهي دولة تستعيد لصوص حسني مبارك، وتمنحهم الصدارة، وتطبق أسوأ أنواع الرأسمالية التي تتمنى لو تفرض على متلقي المكالمة أن يدفع كما المرسل.
هي إذن دولة تدفن شعارات ثورة يناير تحت أقدام العسكر والأمن، ولا تستكملها كما زعم أدعياء الثورة الذين طبلوا لـ30 يونيو بوصفها استكمالا لثورة يناير، والذين سيتوزعون بين منافق وصامت ومطارد أو مختفٍ من المشهد، تاركين الساحة للسحرة وحملة المباخر، وأسوأ إعلاميي أجهزة الأمن والمخابرات.
حينذاك، سيبدأ المجتمع المصري باستعادة وعيه الذي غيّبته أجهزة الإعلام الفاجرة، ويتذكر خيرة أبنائه في السجون، من سجن ومن سيُسجن، ويتذكر فقره الذي يزداد بفعل هوس اللصوص، ونشوء لصوص جدد مقربين من الحكم الجديد، إذ لكل حاكم حواريوه ولصوصه أيضا.
وعند ذلك سيبدأ الناس بكسر حواجز الخوف من جديد، تماما كما فعلوا مع المخلوع، وصولا إلى التجمع في إطار عمل ثوري يستعيد ثورتهم المسروقة، ولا قيمة هنا لحديث الانتخابات، لأن حقبة مبارك لم تكن تعاني من نقص الانتخابات، بل من نزاهتها، وهنا سيكون الوضع بذات السوء مهما حاولوا تزيينه.
هي مصر التي فجّرت ثورة عظيمة، وعاش شعبها أحلام تلك الثورة؛ ستلملم جراحها، وتستيقظ من جديد معلنة أن حكم العسكر يجب أن ينتهي، لأن ثورة نبيلة لا يمكن أن تنتهي بحكم عسكر يتحالفون مع أسوأ اللصوص ورجال الأمن الذين ثار الناس أصلا من أجل خلعهم، فضلا عن أن ترهن قرارها لصغار يمولون وأعداءٍ يوفرون الغطاء الدولي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق