خرفان المرشد وخرفان المشير
وائل قنديل
هؤلاء اللاهون فوق دبابة المنتصر الباطش يسلكون وكأنهم قد امتلكوا التاريخ، حسب النظرية القديمة "التاريخ يكتبه المنتصرون"، لكنهم يتناسون أن "الجنرال جوجل" و"الكولونيل يوتيوب" قد أسقطا هذه النظرية وصار للمهزومين حصن وسلاح أمضى من كل ما في ترسانة التلفاز والصحافة.
وأذكر أنني في صبيحة ذلك اليوم، الذي دشنت فيه نخب مصرية مرحلة من الحرب القذرة، أني كتبت أناشد الذاهبين لحلبة الانتحار "قبل أن تخرج اليوم أرجوك راجع ذاكرة ثورتك واستفت قلبك وعقلك قبل أن تلطخ يديك بدماء الذين واجهوا الموت والغدر معك... تذكر شهداء يناير واستمع لصراخهم على ضميرك الذي نجح تجار الدم في دفنه تحت ركام من الأكاذيب والأوهام". كنت أدرك أنه في هذا النوع من الحرب ليس هناك منتصر، الكل خاسر، إذ تكون قيم المجتمع ونظمه الأخلاقية على رأس الخسائر، إذ تذهب الحشود إلى عملية انتحار أخلاقي وإحراق لكل المعاني التي تحفظ للبشر الحد الأدنى من إنسانيتهم. واللافت في هذه الحروب أن الكل يرى في خصمه الشر المطلق والقبح اللانهائي، فيما يتمرغ هو شخصياً في فيافي الرداءة والدناءة مسقطاً كل شروره ورذائله على الآخر. في صباح الثلاثين من يونيو/حزيران كان المشهد عبثياً بامتياز، وقلت وقتها "
الكثير من النخب السياسية تسلك هذه الأيام وكأن مصر ليست دولة مستقرة لها نظام اجتماعي وسياسي راسخ ومحدد الملامح والقسمات... يتصرفون وكأننا بصدد اكتشاف قارة جديدة تحرك داخل كل فصيل نوازع الهيمنة والاحتكار والتملك، حتى لو كان السبيل إلى ذلك إبادة كل المنافسين والشركاء في هذا الاكتشاف". كان تجار هذه الحرب القذرة يحشدون الجماهير لذبح "الخرفان" أو الذين صاروا كذلك بعد أن كانوا شركاء الميدان ورفاق الثورة. لا بأس هنا أن أعيد ما قلته في ذلك الصباح الكئيب: "يدهشك أن بعض هؤلاء الممتلئين نشوة وشهوة لتطهير مصر من مصريين آخرين يوصمون بأنهم قوات احتلال، هم أنفسهم الذين تغنوا ببسالة الإخوان المسلمين وبطولاتهم فى إنقاذ ثورة يناير العظيمة من الفناء على أيدي عصابات نظام مبارك يوم موقعة الجمل، وأترك لك رابط هذا الفيديو الذي يسجل شهادات الذين يطالبون بجلاء الإخوان والإسلاميين عن مصر اليوم.
إن الذين يدعونك إلى الانقلاب على أول معطى ديموقراطي لمصر الثورة اليوم ويدفعونك للإمساك بالسيوف لنحر الخرفان، هم أول من تحدث عن فضائل الإخوان وأفضالهم على ثورة يناير، حين تشبثوا بمواقعهم في الميدان يذودون عن الثورة ويموتون دفاعاً عن المتظاهرين في لحظة انصرف فيها عديدون متأثرين بالخطاب العاطفي للمخلوع، الذي ابتز به المشاعر ونصب كميناً كادت تسقط فيه الثورة وتنتهي إلى غير رجعة. نعم أخطأ الإخوان والإسلاميون حين صدّروا لشركاء الثورة إحساساً بأنهم راغبون في الاستحواذ والهيمنة، غير أن خطأ الصديق لا يبرر أبداً أن ترتمي في أحضان العدو وتحارب تحت رايته، وأظن أن المشهد شديد الوضوح الآن بعد أن تحول أبطال ثورة يناير إلى كومبارس في انقلاب ٣٠ يونيو، وتكفي شهادات الثوار الذين صاروا غرباء منبوذين في ميدان ثورتهم دليلاً دامغاً على أن يونيو ليس امتداداً ليناير، بل ردة عليه وسيراً عكس اتجاهه".
كان هذا بعض ما سجلته في ذلك اليوم مدعماً برابط فيديو يحتوي على شهادة ١٢ شخصية أرى بعضهم اليوم وقد انتقل من مرحلة كراهية الخرفان إلى حالة العداء التام مع ثورة يناير ٢٠١١.
وما أعادني إليه أني اكتشفت أن بعضهم يتصرف وكأن "جوجل" و"يوتيوب" لم يولدا بعد، فتراه بحماسة بالغة يلعق ماضيه القريب وينقلب على ذاكرته وهو يصيح، أو بالأحرى يثغو بأن "الخرفان" الذين أنقذوه من الذبح يوم موقعة الجمل هم الذين قتلوا المتظاهرين واعتدوا على "الجمل".
لهؤلاء أعيد إهداء هذا الفيديو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق