شائعة الحوار المجتمعي
الحوار المجتمعي مصطلح ملتبس، في الواقع المصري على الأقل. ذلك أنك لا تستطيع أن ترفضه، كما أنك لا تستطيع أن تفهمه. فالدعوة إلى الحوار مما لا ينبغي أن ترد، ولكن تنفيذها هو الذي يحتاج إلى مناقشة.
وعندما تتحدث عن حوار مجتمعي فإن ذلك يستدعي العديد من الأسئلة حول الطرف أو الأطراف التي لها الحق في تمثيل المجتمع والتي إذا وافقت أو عارضت أو انتقدت فإن ما يصدر عنها يعد إعلانا عن رأي المجتمع.
وإذا كان ذلك مفهوما في المجتمعات الديمقراطية التي تحفل بالمؤسسات المنتخبة التي لها شرعية الحديث باسم المجتمع أو أغلبيته على الأقل، فإن وضع المجتمعات الأخرى التي غابت عنها مثل تلك المؤسسات يصبح مثيرا للتساؤل والحيرة.
هذا الكلام تثيره الدعوة التي أطلقها الرئيس المؤقت عدلي منصور، حين امتنع عن إصدار مشروع قانون الإرهاب مؤثرا إحالته إلى الحوار المجتمعي رغم موافقة مجلس الوزراء عليه. ولست أشك في أن دعوته تلك متأثرة بالأصداء السلبية التي ترددت في أوساط النشطاء والحقوقيين حين أفزعهم المشروع الجديد ورأوا فيه بصمات الدولة البوليسية وشبحها الذي قامت الثورة أساسا للقضاء عليه.
من ناحية أخرى، فإن لنا خبرة لا تنسى مع مصطلح الحوار المجتمعي، تجعلنا نتشكك في جدواه ولا تطمئن إلى الوسائل المتبعة لإجرائه.
هذا الكلام تثيره الدعوة التي أطلقها الرئيس المؤقت عدلي منصور، حين امتنع عن إصدار مشروع قانون الإرهاب مؤثرا إحالته إلى الحوار المجتمعي رغم موافقة مجلس الوزراء عليه. ولست أشك في أن دعوته تلك متأثرة بالأصداء السلبية التي ترددت في أوساط النشطاء والحقوقيين حين أفزعهم المشروع الجديد ورأوا فيه بصمات الدولة البوليسية وشبحها الذي قامت الثورة أساسا للقضاء عليه.
من ناحية أخرى، فإن لنا خبرة لا تنسى مع مصطلح الحوار المجتمعي، تجعلنا نتشكك في جدواه ولا تطمئن إلى الوسائل المتبعة لإجرائه.
فنحن نذكر جيدا انه في شهر أكتوبر الماضي(2013) عقد مجلس الدفاع الوطني اجتمعات برئاسة المستشار عدلي منصور وقرر تأجيل إصدار مشروع قانون تنظيم التظاهر لمدة أسبوع، لإجراء حوار مجتمعي حوله. ومر الأسبوع الذي تخللته عدة اجتماعات مع أطراف قدموا في الإعلام باعتبارهم يمثلون المجتمع الذي يراد إجراء الحوار معه. ثم صدر القانون بعد ذلك ليتحول إلى سُبة في جبين النظام وعورة فضحته في الداخل والخارج.
إذ لم يتوقع أحد ان تطلق ثورة 25 يناير 2011 تظاهرة كبرى وان يقدم النظام الحالي عقب تظاهرة أخرى يوم 30 يونيو 2013 في ميدان التحرير، ثم بعد ذلك تحتال الحكومة لمنع التظاهرات، من خلال قانون يدعي تنظيمها. في حين يطلق يد وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في منعها.
من ناحية أخرى، فإنه في منتصف أبريل الجاري(2014) نشرت الصحف أن قانوني مباشرة الحقوق السياسية وانتخابات مجلس الشعب سيتم طرحهما للحوار المجتمعي بمجرد الانتهاء من المقترحات الخاصة بهما، لكننا لم نسمع شيئا في ذلك الحوار المفترض، لكن أكبر ضربة وجهت إلى فكرة الحوار المذكور جاءت من لجنة الخمسين التي أعادت كتابة الدستور الجديد (بدلا من إدخال بعض التعديلات عليه كما أعلن) ذلك أن الإعلان الدستوري الذي حدد مهمتها ذكر في المادة 29 منه انه يتعين على اللجنة ان تنجز مهمتها خلال 60 يوما «تلتزم» خلالها بعرض التعديلات على الحوار المجتمعي.
من ناحية أخرى، فإنه في منتصف أبريل الجاري(2014) نشرت الصحف أن قانوني مباشرة الحقوق السياسية وانتخابات مجلس الشعب سيتم طرحهما للحوار المجتمعي بمجرد الانتهاء من المقترحات الخاصة بهما، لكننا لم نسمع شيئا في ذلك الحوار المفترض، لكن أكبر ضربة وجهت إلى فكرة الحوار المذكور جاءت من لجنة الخمسين التي أعادت كتابة الدستور الجديد (بدلا من إدخال بعض التعديلات عليه كما أعلن) ذلك أن الإعلان الدستوري الذي حدد مهمتها ذكر في المادة 29 منه انه يتعين على اللجنة ان تنجز مهمتها خلال 60 يوما «تلتزم» خلالها بعرض التعديلات على الحوار المجتمعي.
لكن الطريف ان اللجنة المذكورة أجرت التعديلات في اجتماعات مغلقة. ولم تجر أى حوار مجتمعي حولها، مكتفية بما جرى بين أعضائها من مناقشات لم يتابعها الرأي العام. وحين سألت إحدى الصحفيات رئيس اللجنة السيد عمرو موسى عن موضوع الحوار، كان رده ان الصحفيين يعرفون كل شيء!
الخلاصة أن مصطلح الحوار المجتمعي أصبح في الخبرة العملية مجرد شعار فارغ المضمون. حتى بدا وكأنه مصطلح لا يستهدف أبعد من دغدغة مشاعر الجماهير وإيهامها بأنها شريكة في القرار، في حين أنها من الناحية العملية شاهد لم ير شيئا. ان شئت فقل انه بدا صيغة للالتفاف على أدبيات الممارسة الديمقراطية المتعارف عليها في المجتمعات المعاصرة.
الخلاصة أن مصطلح الحوار المجتمعي أصبح في الخبرة العملية مجرد شعار فارغ المضمون. حتى بدا وكأنه مصطلح لا يستهدف أبعد من دغدغة مشاعر الجماهير وإيهامها بأنها شريكة في القرار، في حين أنها من الناحية العملية شاهد لم ير شيئا. ان شئت فقل انه بدا صيغة للالتفاف على أدبيات الممارسة الديمقراطية المتعارف عليها في المجتمعات المعاصرة.
الأمر الذي ينبهنا إلى أن الحوار المجتمعي الحقيقي لا مجال له إلا في مجتمع حر ينتخب ممثليه في كيانات ومؤسسات معلومة، برلمانية أو محلية أو مهنية وفئوية.
وفي هذه الحالة فإن إدارة الحوار المنشود تتم من خلال استطلاع آراء تلك الجهات، التي تعد معبرا عن الشرائح التي انتخبتها، أما الاجتماعات التي تعقد مع الأنصار والمؤيدين، واللقاءات التي تتم مع أناس تنتقيهم الأجهزة أو تصطفيهم رئاسة الدولة فإن ذلك لا يعد حوارا مجتمعيا بأي حال. وإنما هو في حقيقته تزوير للحوار ونوع من التهريج السياسي.
لقد ابتدعنا في مصر حيلا جديدة للالتفاف على الديمقراطية، اعتمدت على التعبئة والحشد وتجاهلت دور المؤسسات.
لقد ابتدعنا في مصر حيلا جديدة للالتفاف على الديمقراطية، اعتمدت على التعبئة والحشد وتجاهلت دور المؤسسات.
في انحياز لا يخلو من انتهازية سياسية لصيغة الديمقراطية المباشرة في صورتها الإغريقية، الأمر الذي يعبر عن تجاهل للديمقراطية التمثيلية التي تقوم على المؤسسات المنتخبة. والصيغة الأولى مقبولة ومعمول بها في المقاطعات السويسرية والكيانات الصغيرة نسبيا (سكان سويسرا أقل من 8 ملايين يتوزعون على 23 مقاطعة أو كانتون)، لكنها متعذرة في بلد مثل مصر يضم 90 مليونا من البشر.
إن فكرة الحوار المجتمعي ــ أكرر ــ لا تقوم لها قائمة في غيبة مناخ ديمقراطي يوفر للمجتمع مؤسسات منتخبة تعبر عنه، وما لم توجد تلك المؤسسات فإن الحوار المفترض سيظل شعارا فارغ المضمون. وفي حدِّه الأدنى فإنه سيكون بمثابة وضع للعربة أمام الحصان.
إن فكرة الحوار المجتمعي ــ أكرر ــ لا تقوم لها قائمة في غيبة مناخ ديمقراطي يوفر للمجتمع مؤسسات منتخبة تعبر عنه، وما لم توجد تلك المؤسسات فإن الحوار المفترض سيظل شعارا فارغ المضمون. وفي حدِّه الأدنى فإنه سيكون بمثابة وضع للعربة أمام الحصان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق