مأساة يناير .. ومسخرة يونيو

مشهد "السيف والقلنسوة الكهنوتية" كان حاضرا على مسرح الانقلاب

 وائل قنديل

المسافة بين عبد الناصر والسيسي هي المسافة ذاتها بين بونابارت الأول "نابليون" وبونابارت الثالث"نابليون لويس"، أو تلك التي تفصل بين ثروت عكاشة وكل من توفيق وأحمد عكاشة.

هي أيضا المسافة بين زمن عزيز المصري وزمن سما المصري.

ويمكنك أن تضع ما شئت من عشرات، بل مئات، المتضادات من الأسماء والأحداث والشخصيات، وفقا لمبدأ فيلسوف المثالية الأشهر، فريدريش هيجل، وهو ينظر إلى حركة التاريخ معتبرا أن "جميع الأحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر، إذا جاز القول، مرتين"، فيسعفه كارل ماركس بإضافة مهمة، في كتابه "الثامن عشر من برومير"، بقوله إن هيجل نسي أن يضيف " المرة الأولى كمأساة والمرة الثانية كمسخرة".

في كتاب "الثامن عشر من برومير" تناول كارل ماركس تلك الدراما التاريخية المثيرة في تاريخ فرنسا بين ثورة فبراير/شباط ١٨٤٨ والانقلاب عليها في ديسمبر/كانون الأول ١٨٥١.

ثلاث سنوات فقط هي الفاصلة بين الثورة والانقلاب، هي فترة تزيد بأشهر قليلة عما يفصل ثورة المصريين في يناير/كانون الثاني ٢٠١١ وانقلاب العسكر عليها في يونيو/حزيران ٢٠١٣.

في الحالتين، الفرنسية والمصرية، ما يقترب من التطابق على الرغم من ١٦٠ عاما تفصل الحدثين. 
يقول ماركس عما جرى في فرنسا "ان ثورة شباط/فبراير كانت هجومًا مفاجئًا، كانت أخذًا مباغتًا للمجتمع القديم. وقد أشاد الشعب بهذه الضربة غير المتوقعة باعتبارها عملاً ذا أهمية تاريخية عالمية يفضي إلى حقبة جديدة. وفي اليوم الثاني من كانون الأول/ديسمبر، تختفي ثورة شباط/فبراير بين يدي نصاب ماكر، ويبدو في النتيجة أن ما أطيح ليس الملكية بل التنازلات الليبرالية، التي انتزعتها منها قرون من الكفاح.وبدلاً من أن يظفر المجتمع نفسه، لنفسه، بمحتوى جديد، بدا أن الدولة عادت إلى أقدم أشكالها فحسب – إلى السيطرة البدائية عديمة الحياء – سيطرة السيف والقلنسوة الكهنوتية".

وإذا قارنت بين تلك الصورة التاريخية، التي رسمها ماركس لما جرى في فرنسا، وما جرى في مصر، أظنك لن تجد تفاوتا كبيرا، فمشهد "السيف والقلنسوة الكهنوتية" كان حاضرا بقوة على مسرح انقلاب عبد الفتاح السيسي، متجسدا في الأدوار المساندة، التي لعبها بطريرك الكنيسة المصرية وشيخ الأزهر، حين وقفا مختبئين خلف أزرار البزة العسكرية لصاحب السيف المدجج بالقوة المتغطرسة. على أن المشهد لم يقتصر على كهنة الدين فقط، بل حظي كهنة السياسة بأدوار ثانوية صغيرة.

وفي الحالتين، كانت الجماهير وقود مغامرة النصابين الماكرين، حيث جرى اختطاف الجموع بالسيف والقلنسوة، ودغدغة غرائز الجوع والخوف بلا هوادة، واصطناع جحيم من الصراع الطبقي والدفع إلى احتراب مجتمعي مخيف، حتى وجدت الأمة نفسها في حالة من التآكل الذاتي والارتداد إلى أكثر تجليات الانحطاط في المجتمعات البشرية٠

 وكما يقول كارل ماركس، وهو يتأمل في أسى كيف نجح النصاب الماكر في فعل الأفاعيل بالفرنسيين: "ولا يكفي القول، كما يفعل الفرنسيون، إن أمتهم قد أُخذت على حين غرة، فإن الأمة والمرأة لا تغفر لهما تلك اللحظة، التي تفقدان فيها الحذر ويتمكن أول مغامر يمر بهما من أن ينتهكهما. إن جملاً كهذه لا تستطيع حل اللغز بل تصوغه بشكل آخر فقط. بقي أن نفسر كيف يستطيع ثلاثة نصابين أن يأخذوا، على حين غرة، ويأسروا، دون مقاومة، أمة يبلغ تعدادها ستة وثلاثين مليون نسمة".

السؤال ذاته ينفجر في وجوهنا حين نلقي نظرة على الحالة المصرية، مع فارق بسيط أن النخبة المصرية بدت مخطوفة ومخدوعة ومغرَّرَاً ببعضها.

نحاول أن نجيب غداً..