حسن غِيّة.. الكفاح الديمقراطي لمسلمي كندا
بُعيد انطلاق الاحتفال بفوز حسن غِيّة في الانتخابات الداخلية للحزب الليبرالي الكندي، عن دائرة سان ليونارد في مونتريال كيبيك، عاد إلى ذاكرتي هتاف مارتن لوثر كينغ العميق، "لدي حُلم".
لم يكن ذلك مرتبطاً بفوز شخص الصديق أبي عُمر، وإنما ببعث الأمل لمسار الفكر الذي عاشه وتبنّاه في وعيه الإسلامي، المختلف عن السائد في بيئات الشرق، بل في مجتمعات المواطنين المسلمين، في أوطانهم الغربية، في ظل أزمةٍ كبيرة، لوعي الفكر المدني في الإسلام، وعلاقته بمستقبل مواطنتهم الغربية، وتهديدات الاسلاموفوبيا ضد حقوقهم المدنية.
بعثتُ تهنئتي إلى الأستاذ حسن الذي شهدت له المنابر، في خطبته الشهيرة، إثر مجزرة المسجد الكبير في كيبيك في يناير/ كانون الثاني 2017، بلغته المتمكنة فكرياً واجتماعياً، عقلاً ووجداناً، ووُجهت إلى الضمير الكندي العام، بكل أديانه وشرائحه، أن مسلمي كندا باقون في ظل مواطنتهم، مصرّون على الشراكة الإيجابية، لصناعة الفارق القيمي لمجتمعاتهم الجديدة، ودعمها لأجل مستقبل أجيال كندا، وتنميتها، وأنهم لن يخضعوا لليمين المتشدّد، المسلح وغير المسلح، لوضعهم تحت تصنيف المواطنة التمييزية.
كانت تهنئة مختصرة، وأشرت له إلى أني أدرك وضع انشغاله اليوم، إذ أعلن الحزب الليبرالي، ترشيحه عن مقعده في انتخابات البرلمان الكندي الفيدرالي، وأن رفيقه القادم من ساحل الخليج
العربي، سيتوارى حتى تنتهي أجواء المرحلة، لكن هذه المرة عاد الرفيق حسن غيّة، باتصال طويل مليء بالشجن والأمل.
عرفتُ حسن غية، بعد وصولي إلى كندا لرحلة اللجوء السياسي. كنتُ حينها في غربةٍ صعبة، لا تكاد تجد رفيقاً، وخصوصا لتصنيف أهل الخليج العربي بين أشقائهم العرب، والإشكال الاجتماعي القديم بسبب صراع الأنظمة السياسي، وقلة اللاجئين قديماً، للاستقرار المهجري منهم، فكل الأبواب موصودةٌ دونك، ما لم تكن لديك مصلحة قد يؤملها هذا الطرف أو ذاك، أو لأن المجتمع يجهلك، ومنشغلٌ بهمومه فلا تثريب عليه، إلا حسن غية، وقلة قليلة.
فتح أبو عمر لي قلبه وشاركني همّي، وحين كان يرقب فيَّ بأس الغربة التي صيّرها الله بعد ذلك، وله الحمد الأجلّ، نعمة جزلى، فكان يُصّر علي أن أتواصل معه عند كل ضيق، وأنه سيأتيني، حتى لو كانت الطريق الممتدة إلى منزله مكتظة بالثلوج، عشرات الكيلومترات. وحين دعاني إلى حفل المسلمين الكيبكيين لعيد الأضحى المبارك، في 2017، والذي أقامه في مزرعته، أدركتُ أن الشيخ حسن، سفير هيئة الإغاثة الإسلامية الكندية، روحٌ مختلفة، وشخصية جامعة، هو والسيدة الكريمة ابنة الأسرة الكيبكية العريقة، نتالي أم عمر، وقد جمع الحب بينها وبين الشاب العربي اللبناني، القادم من عكّار، بالزواج الوثيق، وكفاح الرحلة المديد.
لم أستبق الحديث عن حسن غِية بالجانب الاجتماعي الإنساني عبثاً، وإنما كان مدخلاً، لتأكيد المسار الأخلاقي في حياة المبدعين الذين أرجو أن يكون حسن غِية أحدهم، في مجال العمل البرلماني المختلف، ومن خلال وعي التاريخ الاجتماعي لمواطني الغرب، ومن خلال الفهم
الفكري الحديث للرسالة الإسلامية، وقيمها الأخلاقية، فالأصالة الشخصية، في الفرد، والقرب من الناس، والتواضع لهم، لأجل المبدأ لا المصلحة، مسألةٌ مهمةٌ في صفاء الكفاح السياسي والحقوقي، وصدقه وصلابته.
ولستُ أُزكّي حسن غية عند الله ولدى المجتمع، وهو يتقدّم اليوم لاختباراتٍ أشد تحديا، ومضمارها ليس الفوز في البرلمان فقط، ولكن كيف سيستثمر فوزه، وما هي رسالته الأخلاقية بعدها، وأداؤه لصالح الشعب الكندي عموماً، وحقوق المسلمين المدنية خصوصاً، لكنني، من خلال جلوسي المتكرّر معه، وصفاء العشرة بيننا، على الرغم من حداثة علاقتنا، أدركتُ ما وعاه أبو عمر، في قصور فهم الفكر المدني في المجتمع الإسلامي في الغرب، وحين فوجئت من وعيه هذا المأزق، في المؤسسات والمجتمع، فهمتُ بعدها لماذا اختلف، فحسن غِية جاء إلى الفكر الإسلامي، من خلفية اليسار القومي العروبي في لبنان. نعم، كان لديه تعبده الشخصي بحكم أسرته وأبويه رحمهما الله، ولكن نضاله الفكري وانخراطه في صفوف اليسار القومي، ثم قراره العقلي تبنّي الفكر الإسلامي، والانكباب على دراسته، حتى أنجز شهادته في الشريعة في لبنان، على الرغم من تجاوز مرحلة الشباب، وقبلها كان مهندساً متميزاً، ورجل أعمال ومحاميا، فهذا المجموع ساعده، في حقيبة وعيه، ولذا أصبح جسراً حيويا لموزاييك الكنديين.
وأول ما لفت نظري هو اتحاد اللبنانيين الكنديين، في أسرة رفاقه وأصدقائه، من سُنة وشيعة ودروز ومسيحيين، فكانت لوحة جميلة تُذكّر بفلسفة لبنان الاجتماعي الأصيل، قبل الحرب الأهلية، بل قبل الفتنة الاجتماعية في العهد العثماني، ثم آثار التدخلات، الإسرائيلي والإيراني والبازار العربي، على وحدة المجتمع، وهو واقعٌ مر، لكن لوحة مونتريال اللبنانية، لرحلة حسن
غية، كانت ذات جمالية إنسانية، تُحيّيها كل نفس عربية.
ولقد عانى الشيخ حسن، الخطيب المنبري والمثقف الواسع، متعدّد اللغات في تجربته، وفي صعوده، من إشكالية الواقع السلبي في المجتمع المسلم، لا نقول كله، وإنما انتشار ظاهرة عدم المبادرة بينهم للتعاون كمجتمع مدني، وإشكالية الصراع الشرس داخله في إطار التيارات أو التكتلات الديمغرافية، أو صعود النرجسيات الشرسة، وهي آفةٌ تنتشر في مجتمعات المسلمين في الغرب. وعلى الرغم من ذلك، انتصر عبر جهوده الممتدة، مع الأفراد المتضامنين، والتي صنعت قاعدة كسبه.
أهم مسار بعثه فوز الشيخ حسن هو البحث عن وسائط تمكين الفكر المدني، والحيوية الاجتماعية في أوساط المسلمين الكنديين، لتقليل الآثار السلبية المنتشرة في قاعدتهم، ودفع شراكتهم في المجتمع المدني الشامل في كندا، لتتشكّل قدوات حيوية إيجابية، وتمهد رحلة الشيخ حسن، المختلفة عن حالات فوز سابقة، الطريق لبرنامج كفاح ديمقراطي، يُمثّل فيه المسلمون الكنديون رقماً صعباً، تحافظ به كندا على مواطنة الموزاييك المتعدّد، مقابل مواطنة التصنيف اليميني العنصري، ويرى فيهم شركاؤهم قدواتٍ أخلاقية، وقدرات نهضوية، ينتزعون بكفاحهم حقوقهم المدنية.
فتح أبو عمر لي قلبه وشاركني همّي، وحين كان يرقب فيَّ بأس الغربة التي صيّرها الله بعد ذلك، وله الحمد الأجلّ، نعمة جزلى، فكان يُصّر علي أن أتواصل معه عند كل ضيق، وأنه سيأتيني، حتى لو كانت الطريق الممتدة إلى منزله مكتظة بالثلوج، عشرات الكيلومترات. وحين دعاني إلى حفل المسلمين الكيبكيين لعيد الأضحى المبارك، في 2017، والذي أقامه في مزرعته، أدركتُ أن الشيخ حسن، سفير هيئة الإغاثة الإسلامية الكندية، روحٌ مختلفة، وشخصية جامعة، هو والسيدة الكريمة ابنة الأسرة الكيبكية العريقة، نتالي أم عمر، وقد جمع الحب بينها وبين الشاب العربي اللبناني، القادم من عكّار، بالزواج الوثيق، وكفاح الرحلة المديد.
لم أستبق الحديث عن حسن غِية بالجانب الاجتماعي الإنساني عبثاً، وإنما كان مدخلاً، لتأكيد المسار الأخلاقي في حياة المبدعين الذين أرجو أن يكون حسن غِية أحدهم، في مجال العمل البرلماني المختلف، ومن خلال وعي التاريخ الاجتماعي لمواطني الغرب، ومن خلال الفهم
ولستُ أُزكّي حسن غية عند الله ولدى المجتمع، وهو يتقدّم اليوم لاختباراتٍ أشد تحديا، ومضمارها ليس الفوز في البرلمان فقط، ولكن كيف سيستثمر فوزه، وما هي رسالته الأخلاقية بعدها، وأداؤه لصالح الشعب الكندي عموماً، وحقوق المسلمين المدنية خصوصاً، لكنني، من خلال جلوسي المتكرّر معه، وصفاء العشرة بيننا، على الرغم من حداثة علاقتنا، أدركتُ ما وعاه أبو عمر، في قصور فهم الفكر المدني في المجتمع الإسلامي في الغرب، وحين فوجئت من وعيه هذا المأزق، في المؤسسات والمجتمع، فهمتُ بعدها لماذا اختلف، فحسن غِية جاء إلى الفكر الإسلامي، من خلفية اليسار القومي العروبي في لبنان. نعم، كان لديه تعبده الشخصي بحكم أسرته وأبويه رحمهما الله، ولكن نضاله الفكري وانخراطه في صفوف اليسار القومي، ثم قراره العقلي تبنّي الفكر الإسلامي، والانكباب على دراسته، حتى أنجز شهادته في الشريعة في لبنان، على الرغم من تجاوز مرحلة الشباب، وقبلها كان مهندساً متميزاً، ورجل أعمال ومحاميا، فهذا المجموع ساعده، في حقيبة وعيه، ولذا أصبح جسراً حيويا لموزاييك الكنديين.
وأول ما لفت نظري هو اتحاد اللبنانيين الكنديين، في أسرة رفاقه وأصدقائه، من سُنة وشيعة ودروز ومسيحيين، فكانت لوحة جميلة تُذكّر بفلسفة لبنان الاجتماعي الأصيل، قبل الحرب الأهلية، بل قبل الفتنة الاجتماعية في العهد العثماني، ثم آثار التدخلات، الإسرائيلي والإيراني والبازار العربي، على وحدة المجتمع، وهو واقعٌ مر، لكن لوحة مونتريال اللبنانية، لرحلة حسن
ولقد عانى الشيخ حسن، الخطيب المنبري والمثقف الواسع، متعدّد اللغات في تجربته، وفي صعوده، من إشكالية الواقع السلبي في المجتمع المسلم، لا نقول كله، وإنما انتشار ظاهرة عدم المبادرة بينهم للتعاون كمجتمع مدني، وإشكالية الصراع الشرس داخله في إطار التيارات أو التكتلات الديمغرافية، أو صعود النرجسيات الشرسة، وهي آفةٌ تنتشر في مجتمعات المسلمين في الغرب. وعلى الرغم من ذلك، انتصر عبر جهوده الممتدة، مع الأفراد المتضامنين، والتي صنعت قاعدة كسبه.
أهم مسار بعثه فوز الشيخ حسن هو البحث عن وسائط تمكين الفكر المدني، والحيوية الاجتماعية في أوساط المسلمين الكنديين، لتقليل الآثار السلبية المنتشرة في قاعدتهم، ودفع شراكتهم في المجتمع المدني الشامل في كندا، لتتشكّل قدوات حيوية إيجابية، وتمهد رحلة الشيخ حسن، المختلفة عن حالات فوز سابقة، الطريق لبرنامج كفاح ديمقراطي، يُمثّل فيه المسلمون الكنديون رقماً صعباً، تحافظ به كندا على مواطنة الموزاييك المتعدّد، مقابل مواطنة التصنيف اليميني العنصري، ويرى فيهم شركاؤهم قدواتٍ أخلاقية، وقدرات نهضوية، ينتزعون بكفاحهم حقوقهم المدنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق