أبو غزالة للجزيرة نت: العالم يتجه لأزمة اقتصادية وحرب كونية ثالثة
"العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة، طرفاها العملاقان الولايات المتحدة والصين، أما سببها المباشر فهو الاقتصاد" نتيجة خلص إليها المفكر والاقتصادي طلال أبو غزالة.
يقول المفكر أبو غزالة إن الأزمة الاقتصادية -التي يعيشها العالم هذه الفترة- وحالة الركود والكساد وغلاء الأسعار ستتحول إلى حرب عالمية ثالثة بين الصين وأميركا.
ويضيف في حوار مع الجزيرة نت أن الأزمة الاقتصادية العالمية ستبدأ من أميركا، وأرجع ذلك إلى جملة الإجراءات الأحادية التي تتخذها الحكومة الأميركية والمتمثلة بالعقوبات الاقتصادية التي تفرضها على دول العالم المخالفة لها، مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية وغيرها.
وعبر أبو غزالة عن قناعته بأن آثار تلك العقوبات الاقتصادية تمس الاقتصاد الأميركي وتؤثر عليه بشكل سلبي تماما، مثل اقتصاد الدول التي طالتها العقوبات.
ويرى أبو غزالة أن إعلان الرئيس الأميركي الحرب على الصين العام المقبل -عام الانتخابات الرئاسية الأميركية- سيصب في مصلحته الانتخابية، وسيحشد الناخبين خلفه.
ويعتقد أن الحرب مع إيران إعلامية وليست حقيقية، ويضيف أن مصلحة أميركا استمرار حالة العداء مع إيران، لإبقاء حالة التوتر في المنطقة العربية والخليج، لاستمرار التحويلات النقدية والأموال ومبيعات الأسلحة والاستثمارات لكن بوجود إيران، فليس للمشرع الأميركي مصلحة بخوض حرب مع إيران.
لكن ما هو مصير الاتحاد الأوروبي في هذه الأزمة؟ وكيف سيتأثر نمو الاقتصاد الصيني؟ وكيف ستتعامل إسرائيل معها؟ وما هو مستقبل الاقتصاد العالمي المرتبط بالدولار في حال تهاوت العملة الأميركية؟ وما السيناريوهات المتوقعة للمنطقة العربية.. هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها أبو غزالة في حوار شامل مع الجزيرة نت، وهذا نص الحوار..
ما هي معالم الأزمة المقبلة، وما أبرز المؤشرات؟
بات العالم اليوم يعيش أزمات اقتصادية متعددة مزدوجة الأعراض، عنوانها الرئيسي "الكساد وغلاء الأسعار"، وهي وصفة قاتلة للاقتصاد.
ما هي معالم الأزمة المقبلة، وما أبرز المؤشرات؟
بات العالم اليوم يعيش أزمات اقتصادية متعددة مزدوجة الأعراض، عنوانها الرئيسي "الكساد وغلاء الأسعار"، وهي وصفة قاتلة للاقتصاد.
مصلحة أميركا في المنطقة أن تبقى مصدرا للتحويلات والنقد والأموال والاستثمارات بوجود إيران |
أما مؤشرات هذه الأزمة فكثيرة، منها أن الدين العام العالمي مقارنة بالناتج القومي العالمي بات ثلاثة أضعاف 300%.
الاتحاد الأوروبي حدد 60% كحد أقصى لاعتبار الدولة متعثرة اقتصاديا، وجميع دول أوروبا ناتجها القومي تحت الصفر أو 1%، وهذا لا يغطي الزيادة السكانية السنوية.
وفي أميركا الدين القومي يزيد 110% عن الناتج القومي، وفي دول اقتصادية كبرى في العالم مثل اليابان الناتج القومي 170% من الدين العام.
وهناك إحصائيات عن شركات كبرى أعلنت إفلاسها ومحال تجارية أغلقت، وإعلانات بيع الشقق والبيوت تراها في أوروبا وأميركا كما في منطقتنا العربية وغيرها.
ماذا عن الاقتصاد الأميركي ومكانته وأي تأثيرات متوقعة؟الأزمة الاقتصادية العالمية ستبدأ من أميركا، فالإجراءات الأحادية التي تتخذها الحكومة الأميركية ضد كل دول العالم المتمثلة بالعقوبات الاقتصادية آثارها سلبية على الطرفين أميركا والصين، أو إيران أو كوريا الشمالية أو غيرها من الدول التي فرضت عليها عقوبات، وهي مخالفة لأنظمة التجارة العالمية.
فمثلا عند فرض أميركا ضريبة على استيراد الحديد الصلب، فهي لا تعاقب الدول التي يتم الاستيراد منها فقط، بل تعاقب المواطن الأميركي الذي يشتري هذه البضاعة بسعر أعلى بعد فرض الضريبة عليها.
أضف إلى ذلك أن أميركا في ظروف اقتصادية صعبة، تبدأ برفع سعر الفائدة على العملة، ولجأت إلى التوسع الهائل في ضخ السيولة "طباعة الدولار" لدعم القوة الشرائية، وهذا سينعكس سلبا.
وآثار كل ذلك ستظهر في عام 2020، فنحن أمام أزمة عالمية مزدوجة الأعراض تتمثل بالكساد وغلاء الأسعار، وهي وصفة قاتلة للاقتصاد، لذلك في ظروف كهذه ليس أمام أميركا في هذه الأزمة سوى أن تفتعل حربا عالمية ثالثة.
هل المقصود بذلك أن الاستعدادات قائمة للحرب مع إيران؟الحرب ليست موجهة ضد إيران ولا أي دولة أخرى، إنما موجهة ضد الصين، باترك شاناهان القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي الذي عزل قبل أيام قال "أميركا لها ثلاث أولويات عسكرية: الصين، الصين، الصين"، وهو وزير حرب عسكري وليس اقتصاديا.
العام المقبل 2020 عام الأزمة الاقتصادية، أيضا عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، كيف ستؤثر الانتخابات على فرص فوز ترامب في دورة ثانية؟
أي رئيس جمهورية يستعد لسنة انتخابية وفيها صعوبات اقتصادية لا بد من إعلانه حربا، هدفه من ذلك تجييش الناخبين والجماهير خلفه في الانتخابات، لأنه في حالة حرب، وهذا يصب في مصلحة ترامب بالانتخابات.
أي رئيس جمهورية يستعد لسنة انتخابية وفيها صعوبات اقتصادية لا بد من إعلانه حربا، هدفه من ذلك تجييش الناخبين والجماهير خلفه في الانتخابات، لأنه في حالة حرب، وهذا يصب في مصلحة ترامب بالانتخابات.
ترامب سيصنع حربا بسبب الأزمة الاقتصادية ليصبح قائدا تدعمه الجماهير، والحرب ليست موجهة ضد إيران، إنما وجهتها الصين، فما هي مصلحة أميركا بتدمير إيران والقضاء على مصالحها في المنطقة؟
مصلحة أميركا في المنطقة أن تبقى مصدرا للتحويلات والنقد والأموال والاستثمارات بوجود إيران، فليس للمشرع الأميركي مصلحة بخوض حرب مع إيران.
ما الأسباب الحقيقية وراء الحرب التجارية بين أميركا والصين، وهل بالفعل قضية عجز تجاري أم تخوف أميركي من صعود جدي للصين على غرار ما حدث قبل الأزمة المالية عام 2007؟أسباب الحرب التجارية مع الصين ترتكز على ثلاثة أمور مهمة، أولها حقوق الملكية الفكرية.
فالرؤية الأميركية في حقوق الملكية الفكرية تتمثل بأن أي اختراع يجري عليه تطوير يجب أن تكون لها فيه حقوق ملكية في التطوير، وهذا مخالف لما أقرته المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) بأن أي تطوير على اختراع قديم يعتبر اختراعا جديدا، وليس للمخترع أي حق بذلك.
فتخيل لو جلست الصين وأميركا لبحث هذا الموضوع كم من الاختراعات الأميركية التي طورتها الصين ستصبح أفضل من المنتج الأميركي، فنحن نتكلم عن تعويضات بـ"التريليونات".
ثانيا: هناك صراع حقيقي بين الصين وأميركا على قيادة العالم، الصين تقول أنا لا رغبة لي بقيادة العالم سياسيا وعسكريا، وتدع ذلك لأميركا. في المقابل، أميركا تقول إن الصين تريد قيادة العالم اقتصاديا، ومن يتمكن من ذلك فهو يقود العالم عسكريا وسياسيا.
إسرائيل تحرض على حرب الصين للإبقاء على قطب واحد يدير العالم |
ومن الأزمات العالمية بين الصين وأميركا الإنترنت، فشبكة الإنترنت اخترعتها أميركا، ونسبة المستخدمين فيها للإنترنت بالنسبة للعالم 10%، بالمقابل 25% من مستخدمي العالم للإنترنت من الصين.
إضافة إلى أن الصين أنتجت شبكة إنترنت أخرى خاصة بها متفوقة على الشبكة العالمية، وتستخدم شبكتي الإنترنت، والصين تشكل ربع العالم، وإذا ما انضمت لها الهند وأعلنت استخدامها الإنترنت الخاص بالصين فماذا سيكون مصير الإنترنت العالمي؟
هل يقلق النمو الاقتصادي للصين الأميركيين، وهل الملكية الفكرية سبب رئيس للعداء إلى هذا الحد الذي ذكرته سابقا؟الصراع الحقيقي بين الصين وأميركا على التفوق التقني التكنولوجي، ويشمل حقوق الملكية الفكرية.
فعندما تصبح شركة مثل هواوي الصينية متفوقة تقنيا على صناعات الهواتف الأميركية فهذا ممنوع بوجهة نظر أميركا أن يصبح التفوق التقني في العالم للصين على حساب أميركا.
نقطة أخرى، نسبة النمو في أميركا تمثل 2% للعام الحالي، وأتوقع أن تصبح 0% في العام المقبل 2020، يقابل ذلك اقتصاد صيني ينمو 6%، وتشير التوقعات إلى أن عام 2030 سيكون حجم الاقتصاد الصيني، ضعف حجم الاقتصاد الأميركي.
كيف السبيل للخروج من هذه الأزمة دون حرب عالمية ثالثة؟نحن بحاجة إلى نظام عالمي جديد سينشأ ويتأسس نتيجة مفاوضات مباشرة حول كافة الأمور بين الصين وأميركا، لأن الصراع الحقيقي بين الاثنتين فقط، وحتى نصل لطاولة المفاوضات لا بد من حرب عالمية ثالثة.
لذلك، لا بد من الانتقال إلى نظام عالمي جديد أكثر عدلا وسيطرة وتوافقا، وهذا الاتفاق العالمي الجديد سيكون من مصلحة المنطقة العربية وسينعكس عليها بشكل إيجابي، فلن تنمو المنطقة ولن تحل قضية فلسطين إلا بحل هذه الأزمة.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعت لموقف أوروبي موحد أمام تحديات الأطراف الثلاثة (الصين، روسيا، أميركا) وإعادة التموضع في عالم متغير، كيف ستؤثر الأزمة على الاتحاد الأوروبي؟هناك خوف كبير جدا على الاتحاد الأوروبي من التفكك، وأنا أتوقع أن يتحول إلى رابطة أو جامعة على شاكلة جامعة الدول العربية.
فالاتحاد يقوم على ثلاث دول أساسية، هي بريطانيا وألمانيا وفرنسا، بريطانيا في طريقها للانسحاب من الاتحاد وهو بداية التفكك، وألمانيا وفرنسا ليستا متفقتين على كافة القضايا والتفاصيل فيما بينهما.
وهناك خمس من دول الاتحاد الأوروبي يتوقع أن تواجه خطر الإفلاس مثلما شاهدنا في اليونان الفترة الماضية، ويعني ذلك أن تلك الدول ستصبح عاجزة عن تقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها، فكيف سيستمر الاتحاد بوجود هذه الدول التي تحتاج إلى من ينفق عليها ويتحمل أزماتها المالية؟
نحن أمام تحول في الاتحاد وظهور اتحاد أوروبي جديد يشكل تحالفا مع روسيا، خاصة أن روسيا فيها تقنيات تكنولوجية حديثة سيتفاجأ العالم بها، ولا يمكن لأوروبا الاستمرار بتجاهل وجود روسيا على حدود الاتحاد.
أشرت في دراسة إلى أن الدولار الأميركي بدأ يفقد أهميته وقوته أمام عملات أخرى، ماذا يعني انهيار قيمة الدولار، وما هي العملات البديلة؟بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية باتت العملة الوحيدة للعالم هي الدولار، فكل دول العالم مرتبطة به، وأي عملية تحويل مالي تخضع لرقابة مركز التسويات في نيويورك، فهناك رقابة كاملة على حركة الدولار.
والدولار يستخدم في كل شيء بالعالم، فمثلا أي بنك في العالم يقرر مقاطعة التعامل مع الدولار سيفلس مباشرة، وهذا يقلق الكثير من الدول لأنه يشكل سلاحا قويا على دول العالم.
من هنا بدأت الدول تخرج من هذه الأزمة بأن تتعامل بينيا بعملاتها المحلية، لأن أي تعامل بالدولار سيخضع للعقوبات، فإيران مثلا تتعامل مع الصين بعملاتها المحلية في تصدير النفط.
وليس هناك أي عملات عالمية يمكن أن تشكل بديلا عن الدولار، يجب أن يكون هناك نظام مالي جديد يعتمد على سلة عملات، لكن هذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا وافقت أميركا، وهي لن توافق على ذلك.
وفي حال تضعضع وضع الدولار فكل دول العام ستتأثر بذلك، لأنها مرتبطة به.
إسرائيل كيان يعتمد بشكل رئيسي ومباشر على الدعم الأميركي سواء السياسي أو الاقتصادي، كيف ستؤثر الأزمة على إسرائيل؟سر قوة إسرائيل هو في استخدام قاعدة الإبداع والاختراعات والملكية الفكرية الموجودة في أميركا بموجب اتفاقية التعاون في الملكية الفكرية.
فيأخذ الإسرائيلي التقنية الأميركية ويطبقها حرفيا في تصنيع الطائرات والدفاع وأنظمة الحماية وغيرها من الأمثلة، وبعد ذلك يبيعها، وهذا يشكل ثروة مالية.
فمثلا إسرائيل تبيع للصين تقنية زراعية أميركية، وهذا يمثل ثروات هائلة، وتبيع أنظمة دفاع لدول عربية تمثل أيضا ثروة هائلة، هذا إضافة إلى الدعم الاقتصادي والسياسي الأميركي لها.
ما الدور الذي تلعبه إسرائيل في هذه الأزمة؟إسرائيل تلعب دور المحرض على هذه الحرب، لأنها المتضرر الأكبر بأن يصبح العالم ذا قطبين، لأنها مسيطرة على القطب الواحد،فأميركا لا ترى عشيقة سوى إسرائيل، ولا ترى عدوا غير الصين، وتظن إسرائيل أن افتعال الحرب مع الصين سيحد من نمو الاقتصاد الصيني.
وهذا التوازن في العالم لمصلحة أميركا أولا، فانهيار الاقتصاد الصيني سيؤدي لانهيار الاقتصاد الأميركي والأوروبي والروسي والعالم بأسره.
ترامب سيصنع حربا بسبب الأزمة الاقتصادية ليصبح قائدا تدعمه الجماهير |
ماذا تتوقع أن يكون مصير المنطقة العربية في هذه الأزمة؟المنطقة العربية من المناطق المحظوظة في العالم، فهي مقبلة على مرحلة من النمو والازدهار بعدما دمرت بما فيه الكفاية، وميزة هذه المنطقة أن أموال إعادة الإعمار فيها، والثروات الطبيعية التي ستنهض بالاقتصاد العالمي أيضا فيها.
وأعتقد أن إحدى نتائج هذه الحرب والنظام العالمي الجديد هي مشروع إنقاذ اقتصادي عالمي على غرار مشروع "مارشال بلان" الأميركي الذي أنقذ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، تشترك في هذا المشروع الصين وأميركا، وتكون المنطقة العربية ذات الثروة والإمكانيات المالية الكبيرة صاحبة الانطلاق فيه.
المصدر : الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق