الأربعاء، 26 يونيو 2019

الثائر الممسوخ (25- 30)

الثائر الممسوخ (25- 30)

 وائل قنديل
وكأن أحدًا لم يبرح تلك اللحظة المجنونة التي أدخلت مصر إلى جحيم سياسي واجتماعي، لم يخمد أو حتى يهدأ حتى الآن.

تلك اللحظة التي استسلمت فيها ما تسمى "الجماعة الوطنية" لنوازع الإقصاء والاستقطاب والتوحش، حين عميت الأبصار والقلوب، وقرّرت أن تحرق ثورة يناير، لكي تطرد ما رأتها أرواحًا شرّيرة بداخلها، ظنًا منها أنه بإخراج "الإخوان المسلمين" من معادلة الثورة والوطن، سينفتح الطريق أمامها كي تعيد هندسة السلطة، وتصنع فردوسها الديمقراطي على الأرض.

مضت ست سنوات على جريمة يونيو/ حزيران 2013، ولم يفكّر أحد في مراجعة الذات على تلك المآلات المأساوية التي التهمت الجميع وحشرت البلاد والعباد في مفرمةٍ لم ترحم أحدًا، ولم تترك فصيلًا أو تيارًا إلا وعصفت به.

استباقًا للذهاب إلى ملهى صفقة القرن المنصوب في البحرين، وأملًا في حفنة مليارات من الدولارات المتساقطة من جعبة كوشنر وترامب ونتنياهو، بعد الارتواء حتى الثمالة من خزائن، تخلصت دولة الثلاثين من يونيو من الرئيس محمد مرسي، الأثر الملموس الباقي من دولة الخامس وعشرين من يناير، ثم استدارت تلتهم عددًا من أولئك الذين يضعون قدمًا في يناير والأخرى في يونيو، وتلقي بهم في غياهب المعتقلات.

كان من المتصوّر، وبعد ست سنوات من العسكرة والأسرلة والتبعية الكاملة لخدم المشروع الصهيوني في الخليج، وبعد تهاوي نظرية الجمع بين ثورة وانقلاب على الثورة، أن يدرك الجميع الخطأ، ويتبينوا مواقع أقدامهم، ويواجهوا أنفسهم بالحقيقة، غير أن كل شيء، على ما يبدو، بقي على حاله، حيث ذلك التعلق الأحمق بإلقاء كل شيء على عاتق الضحية، والتمسّك حتى آخر صفعة وآخر قطرة إهانة بلعن "الإخوان" واعتبارهم سببًا في توحش السلطة التي حملوها فوق ظهورهم ضدهم.

مبكرًا جدًا، وقبل خطوات من الجحيم، قلنا إن الاحتشاد على أرضية كراهية "الإخوان" والإسلاميين فقط لن يبني دولة ولن يكمل ثورة، بل هو بالأحرى، ومن دون تزيّد، يحول مجرى الغضب من استكمال الثورة إلى فتح الباب لعملية الانتقام من الثورة، خصوصا في ظل التبدّل الخطير في الأدوار، والذي جعل من كانوا نجوم الشباك في يناير/ كانون الثاني 2011، يلعبون دور "السنيد" لبقايا دولة حسني مبارك في يونيو/ حزيران 2013، وما يلفه من نذر خطر مستطير.

كان ذلك قبل تسليم الثورة إلى العسكر بأسابيع، فكان نصيبنا الرجم والتكفير بالثورة والوطن، والتحريض على مزيدٍ من الاجتثاث والإبادة. 

بحّت الأصوات تقول إن صيغة 25 - 30 بذاتها تصلح عنوانا للعبث السياسي، والتدليس الثوري، ذلك أن أصحابها لا يزالون متشبثين بذلك الوهم الذي اشترته مصر بأثمانٍ باهظة من الدماء والحريات والوزن الحضاري، والذي يتأسس على المزاوجة الحرام بين ثورة يناير 2011  والانقلاب الذي ولد في يونيو 2013، وهي الكذبة التي تورّط فيها الجميع، ووضعوا فيها كل أرصدتهم السابقة للاستثمار والربح السريع. والنتيجة أن كل الأرباح والعوائد والفوائد آلت إلى شخصٍ واحد، هو عبد الفتاح السيسي، يوزع منها، بمقدار، على الأقربين من مليشيا تحكم مصر بالحديد والنار.

انظر إلى المهرولين إلى حفل صفقة القرن في المنامة، ستجدهم هم أنفسهم أصحاب مشروع 30 يونيو 2013، للقضاء على مشروع الربيع العربي كله، انطلاقًا من القاهرة، ومنها إلى كل شبر على أرض العرب، يضم جذور ثورة مجهضة، وبذور ثورة جديدة تولد.. ثم يأتي من يحاول إحياء أكذوبة الجمع بين المشروعين في تيار واحد لصناعة التغيير.

وها هو عبد الفتاح السيسي يقولها لكم بعبارات واضحة: لا حياة ولا حرية لمن لا يزال في قلبه مثقال ذرّةٍ من يناير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق