وقفة وكلمة.. مسلسل (جن)
إحسان الفقية
«ﺍﻟﺨُﻠُﻖ ﺍﻟﻘَﻮِي ﻫﻮ ﺍﻟﻀّﻤﺎﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟِﺪ ﻟﻜﻞّ ﺣﻀﺎﺭﺓ، .. ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﺔ ﺗُﺜﻴﺮ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ في ﺃﺣﻜﻢ ﺍﻟﻨﻈﻢ٬ ﻭﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻨﻔﺎﺫ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻏﺮﺍﺿﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﺌﺔ، ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻜﺮﻳم٬ ﺗﺮﻗﻊ ﺍﻟﻔُﺘﻮﻕ في ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤُﺨﺘﻠّﺔ ﻭﻳﺸﺮﻕ ﻧًﺒْﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻬﺎ٬ ﻓﺘﺤﺴﻦ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﺮ». هكذا وصف المفكر الإسلامي محمد الغزالي رحمه الله مكانة الخلق في البناء الحضاري للأمم، فهي ميزان رفعتها وحصنها من القيم المستوردة .
فالاستعمار وإن خرج من بلادنا بجيوشه، إلا أنه ترك من خلفه من ينوب عنه في احتلال العقول وتذويب الهوية، ولذا كان لابد أن تطهّر العقول المؤمنة من دَرَن الأفكار الملوثة ومخلفات الغزو الثقافي كما طهرت أراضيها من الاحتلال العسكري.
المسلسل الأردني “جن”، حديث الشارع العربي والإسلامي، كان آخر المنتجات الدرامية التي تعبر عن استيراد القيم الغربية الملوثة، كحلقة في سلسلة الممارسات المشبوهة من حفلات الاختلاط والمجون ومهرجانات الغناء والألوان والبيجامات وغيرها، وفي كل مرة يتم قياس غضبة الشارع الأردني بمنطق التسلل البطيء نحو مرحلة التأطير الفكري، والتدجين الحضاري المبرمج.
يُدرك من يخطط في الغُرف المغلقة أن العامل الاقتصادي ومعالجاته على مستوى الفرد والمجتمع قد أخذ مأخذه في الآونة الأخيرة في الأردن ومن شعبه الكريم العفيف، حتى اعتقد واهمًا أن المُناخ بات مهيأ لاقتحام الطبقة الشبابية البريئة بنشر الابتذال والإسفاف والإباحية وخدش الحياء ومعانيه، وهدم آخر قلاع البيت المُسلم الأردني والعربي بنخوته وعفّته وغَيْرته وطهارته المشهودة والمعروفة فيه.
في ظل نشأة الشباب في هذه العزلة التقنية الحضارية – كما أسماها د. محمد عمارة-، انبرى القائمون على المسلسل لنشر نمط اللغة النابية في تعبيرات هذا الجيل اليومية، وكما قال أهل الحكمة «عظماء الرجال يلتزمون في أحوالهم جميعا ألّا تبدُر منهم لفظة نابية ويتحرجون مع صنوف الخلق، أن يكونوا سفهاء أو متطاولين» .
في ظل نشأة الشباب في هذه العزلة التقنية الحضارية – كما أسماها د. محمد عمارة-، انبرى القائمون على المسلسل لنشر نمط اللغة النابية في تعبيرات هذا الجيل اليومية، وكما قال أهل الحكمة «عظماء الرجال يلتزمون في أحوالهم جميعا ألّا تبدُر منهم لفظة نابية ويتحرجون مع صنوف الخلق، أن يكونوا سفهاء أو متطاولين» .
هنا لن أسهب في توصيف المسلسل وعما دارت أحداثه تعفّفا لمكانة القارئ لدي، لأناقش تبعات هذا الحدث ردوده أفعاله، فمن قومنا من استبسل في الدفاع عن قيمنا وموروثاتنا وتقاليدنا فكان خير سفير يذب عن بيضة الدّين وأهله، فاللهم لك الحمد أن لا يزال في الأردنيين من يرفض الباطل وأهله، وينهى عن المنكر، فكانت غضبة لله وللقيم التي تربينا عليها ، فالأردنيون وإن اختلفوا في مناحي الإصلاح وحول سلوك الحكومة في كثير من ملفات إدارتها لأزمات البلاد، إلا أنهم عند دحر الباطل والبراءة منه ومحاربته كانوا يدا واحدة وعلى مستوى الحدث، وعلى قَدَر الهمة والمسؤولية الدينية والأخلاقية، إلا بعض شرذمة من أصوات نشاز، ويحضرني هنا ما قاله الغزالي في كتابه خلق المسلم:“إن الناس إن لم يجمعهم الحق شعّبهم الباطل”.
ولكن أتساءل: من يريد أن تصل قيم الرذيلة في مجتمعاتنا لمرحلة المألوف، ويحاول توصيفها بعكس حقيقتها بأنها جزء من التطور والحداثة، والتنوع الثقافي والمعرفي، وهي قطعا خلاف ذلك، سوى تلك الأفاعي المسمومة ذات الانتماءات الرافضة لكل ما هو مرتبط بالإسلام الذي نعتز به ما حيينا؟
أولئك الذي يسعون لتزوير الحقائق عنه، ولمزه بالرجعية والتخلّف والإرهاب تارة، والانغلاق والتعصّب تارة أخرى، ليهاجموا من وقف من هذا المسلسل المسخ موقفا رافضا ومشهودا، بأشد العبارات تطرفا وعداء وإقصاء، وكأن التقدم والازدهار مرتبط بالعُري والابتذال والإباحية، وهي معركة المصطلحات الغربية المستوردة والتي تدعونا اليوم إلى الانتباه وتأمّل نتاجاتها المجتمعية، والتي منها نشأة حالة من الاستقطاب التي تقسم بنيته الحضارية وتحاول عزله عن إرثه التاريخي والقيمي.
فالبعض كذبا وتزويرا للحقيقة اعتبر هذا المسلسل لونا من ألوان الدراما الشبابية الخاصة بالبالغين، والتي تعكس حياتهم واهتماماتهم ولغتهم الدارجة، وآخر اعتبرها حرية تعبير تخص القائمين عليه، وأن الهجمة على المسلسل تحمل تطرّفا غير معهود في الشارع الأردني، وبعضهم ثرثر لأبعد من ذلك دفاعا ساذجا يشعرك بمستويات متدنية من الدياثة بثياب الثقافة والمعاصرة الزائفة، فانطلق لتلويث الفضيلة بأقذار الاستسلام للرغبة والهوى، ومحاولات تنزيه الرذيلة عن مسمّياتها الحقيقية، مطالبا أن يكون المجتمع حُرّا يتّسع للجميع، وهنا نذكرهم بقول الله :{ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}، فنحن أهل عفّة ولا نقبل الدّنيّة في ديننا وقيمنا، ونحذّرهم وقومنا أن السكوت على الباطل له من المفاسد أكبرها، وهو استجلاب سخط الله من بعد رضا وأمن {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}، { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، فإن العقوبة الربانية تستوجب على المجتمعات التي تغرق في الشهوات والملذات والمعاصي وتألف الموبقات، وتجاهر بها، وتعدها أمرا مستسهلا ومستساغا {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}، ذلك لأنهم تخاذلوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنزل عليهم السخط كما حصل في بني إسرائيل {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}، فإياكم يا بني قومي وديني أن يمر مثل هذا الأمر كسحابة صيف وتنقشع، فإن القوم قد أبرموا أمرهم وأعدّوا مشروعهم لسلخ أبنائكم عن دينهم وأخلاقهم، فاحذروهم!
ودورك اليوم يبدأ باستشعارك المسؤولية الفردية، برفض هذه الممارسات التي تسيء لمجتمعاتنا وسمعتها، والمطالبة بمحاسبة القائمين عليها، ومن قاموا بتسهيل المهام لهم، وتحذير المضللين من مخاطرها وتطورها، وتنمية الوازع الديني فيمن حولك بربطهم بالله تعالى، والتمسّك بسنّة نبيه ﷺ، وتعزيز مظاهر الإسلام في شكل وسلوك المجتمع ومفاصله.
وعلى من تصدروا المسؤولية العامة إدراك أن الأردن مستهدف في أمنه الاجتماعي والديني والأخلاقي قبل أمنه الذاتي والسياسي، وأن العدو يتربص بكم الدوائر، فإما أن تكونوا في يقظة من أمركم أو ستنساب المياه من تحت أرجلكم، فاحذروا أن يعتدي الصائل على بيوتكم وفضيلتكم وأنتم في سكرتكم وغفواتكم تعمهون، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
يا بني قومي وديني.. ألا هل بلّغت اللهم فاشهد…
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق