الاثنين، 17 يونيو 2019

يا مرسي، ارقد في سلام…

يا مرسي، ارقد في سلام…

تأجلت المحاكمة ليوم الحساب
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، 
سيظل هذا الخبر ساريًا في أمة محمد التي لا ينقطع خيرها، فهي أمة ولّادة حتى في عصور الظلام.
ارتقى اليوم أحد رجالات الإسلام الذين نحسبهم من هؤلاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني يختاره المصريون عبر صناديق الاقتراع، الرجل الذي عاش على المبادئ ومات عليها.
وكأنه كان يستشرف مصيره في كلماته الأخيرة قبل أن يودع غياهب السجن بانقلاب عسكري غادر، فيحذر المصريين من سرقة ثورتهم على أيدي المغرضين المتربصين، ويعلن أنه وهب دماءه لدينه ووطنه وأمته، يزلزل القلوب بأمنيته في جيل يعلم أن “أباءهم وأجدادهم كانوا رجالا لا يقبلون الضيم، ولا ينزلون أبدا على رأي الفسدة، ولا يعطون الدنية أبدا من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم”.
كان يودع الجماهير التي صدقت في إرادة الحرية ووطنٍ مُحرر لا يتسلط عليه الظالمون، ويعلم أن الحفاظ على مكتسبات الثورة والشرعية سيدفع هو ثمنه لا محالة، وقال في كلماته الأخيرة مودعًا يتمثل قول الشاعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزةٌ …..وأهلي وإن ضنوا علي كرامٌ
دفع مرسي ثمن تمسكه بالحق والمبادئ ومصلحة الوطن، فقضى ست سنوات خلف القضبان يواجه فيها الموت البطيء، فلم يكن المستبدون ليسمحوا له بالخروج ليروي الحكاية من البداية إلى النهاية ويفضحهم ويكشف سوءاتهم، ولم يكونوا ليعدموه خوفا من ثورة البراكين الخامدة، فقتلوه بالتعذيب النفسي والإهمال الطبي وسوء الرعاية حتى وهنت عظامه وتناوبت عليه الأمراض.
مات مرسي في محكمة الأرض، ولم يرد الله أن يحكم عليه الظالمون، فجاء الحكم الإلهي برفع الجلسة مؤقتا حتى يجتمع الخصوم عند الله، في محكمة إلهية لا يظلم فيها أحد.
عاش مرسي رجلا ومات رجلا، أراد لبلاده أن تملك أمر سلاحها ودوائها وغذائها، وجاهر بدعم القضية الفلسطينية وأرعب الصهاينة، وأعلن وقوفه مع الشعب السوري ضد السفاح، وتحالف مع شرفاء الأمة من أجل تكوين جبهة قوية تدعم قضايا الشعوب المشروعة.
مات مرسي فرثاه العالم في المشارق والمغارب، واجتمع في الحزن عليه فرقاء الأمس، وأما الطغاة فسوف يبقون غرضا للعنات المظلومين والضحايا والمقهورين،
وكما قال الإمام أحمد لخصومه “بيننا وبينك الجنائز”،
فها هو الرئيس الشهيد (نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله) يصلي عليه المسلمون صلاة الغائب في بقاع الأرض، وأما الذين سلبوا إرادة الأوطان ونهبوا البلاد وقتلوا العباد ونابوا عن أعداء الأمة في إضعافها فليرتقبوا ألا يصلي عليهم مخلص يدعو لهم بالرحمة.
ارقد يا مرسي في سلام، فقد وفيت وعدلت في عامِ حكمك وأذقت المصريين طعم الحرية، انتقلت إلى جوار ربك يا كريم مصر وعزيزها ، ولينتظر قاتلوك يومًا تقف فيه الخلائق، ويقتص للمظلوم من الظالم، في يوم يكون فيه القصاص بالحسنات فيغدو الظالم مفلسًا لا يجد في ميزانه ما ينجيه عند الله.
أخي سوف تبكي عليك العيون…
وتسأل عنك دموع المئين
فإن جف دمعي سيبكي الغمام…
يرصّع قبرك بالياسَمِن
وعند الله موعدنا 
عنده سبحانه تجتمع الخصوم ..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
احسان الفقيه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق